كان
القرار ، بقطع العلاقات الدبلوماسية نهائياً مع المملكة المغربية بمثابة تبرير
الحكومة الجزائرية ما شابه الفِّرار ، من
مشاكل اجتماعية اقتصادية سياسية ملفاتها مكدَّسة في وزن قنطار ، لكن عكس ما ظنَّ
أصحابه هؤلاء قادة العسكر ، حينما أُدْخِلَ سعيهم في غار ، مجهول وجهة المسار ،
مَنْ دخلَه احتواه الخَطَر، لغاية اليأس المؤدِّي للاندثار . جاء القرار الجزائري
ذاك مؤكِّداً للمغرب الانتصار، ملفوفاً بمنطوق لا يدري معنى التريّث لفائدة
الانتظار، الضامن فرصة التعقُّل الأخيرة قبل تخريب الديار ، ما دامت الجزائر
الدولة على حافة الانهيار ، غير قادرة على إحضار الدقيق لجبهتها الداخلية مَنْ الكُلّ فيها مُدَمّر ، لا خير في دولة
الخبز فيها غائب والزيت في تداوله بين المستهلكين مُشَفّر، والماء مَصْدَر الحياة
انتَقلَ مجراه لأرض الثقاة الأخيار ، في مغرب ظلت يده ممدودة للجار ، هذا الأخير
الجانح عن تلقي الإحسان بتصرفات الأطهار ، بدافع الحقد المتطوِّر لجرمِ الغدر ،
لكن سيئ النيَّة مهما اختفى خلف قناع كشفه القَدَر ، ليصبح نموذج المكتوي أيام
الحرِّ بالنَّار ، وشتاءاً بجفافٍ يواصل جوع اللّيل بالنهار . الجزائر الرسمية
تقطع تلك العلاقات امتثالاً لأوامر حاكمتها
الفعليَّة فرنسا ، حامية جهاز الجزائر التنفيذي ، وراعية ما تملك نخبته المعروفة
بالأسماء والرتب العسكرية ، وعلى رأسهم جنرالات الجيش الشعبي الوطني الجزائري ، من
ثروات مُهرَّبة إليها ، المقدَّرة بمليارات الدولارات ، المنهوبة كلها من خيرات
الشعب الجزائري المغلوب على أمره بقوة السلاح .
ساعات
بعد الإعلان عن ذاك القرار اتصل "فخامة" الرئيس الجزائري برئيسه (من
وراء الستار) الرئيس الفرنسي في مكالمة سرية ، سربها من له مصلحة في التعجيل
بإسقاط ذاك النظام ، المستمر في خنق الشعب الجزائري لغايةٍ برمجتها دولة الاستعمار
القديم لجل إفريقيا ، عسَى يتسنَّى لها توسيع نفوذها من جديد على تونس والمغرب
ولحد ابعد موريتانيا ، ذاك المنتسب للمخابرات الجزائرية الذي انظمَّ مُؤخراً
لسلسلة من زملائه قصد العمل على إنقاذ الجزائر من تدبير يتمّ بين فرنسا والبعض من
جنرالات الجيش الشعبي الجزائري ، تلك المكالمة المبطَّنة باستطلاع رأي الآمر
الناهي ، مع استنجاد ما قد يتبع الفاعل من ترتيبات ، طبعا أحسَّت فرنسا في شخص
رئيسها ، بخطر تعاملها مع مسؤولين مثل الذين زكتهم لشعل المناصب المتقدمة في هرم
الحكم الجزائري الحالي ، ومنهم "فخامة" الرئيس ووزير دفاعه ، فعمدت إلى
لغة غير مفهومة تغطِّي بها صمتها ، حفاظاً عما يتبادر في الأفق من فشل الجزائر
الرسمية في الموضوع ذاته ، وأيضا الرجوع لتفقُّد الوضعية غير المرتقبة التي فرضها
المغرب كدولة أصبحت منذ شهور قليلة ، تحمل سِمات الدول العالمية الكبرى ، القادرة على فرض قراراتها السيادية ، انطلاقاً
من إمكاناتها الذاتية ، فكرية كانت أو إبداعاً لحلول ايجابية ، كتلك التي جعلت من
معظم دول إفريقيا ، تكرِّس الابتعاد عن النفوذ الفرنسي ، خاصة المتجمِّد نظامه مع
مصّ عرق الآخرين لأجلٍ غير مسمَّى . لقد عمدت فرنسا (مستغِلَّة شراكتها بما
استثمرته فى المغرب على شكل مشاريع صناعية قي الدرجة الأولى) إلى تطبيق سياسة صبر
مشية السُّلحفاة مَظهراً ، المتحالفة مع ركوض النَّمر جَوْهَراً ، لتطويق الإرادة السياسية المغربية ، لكن فرنسا مبالغة
في قدراتها كدولة عظمى ، نسيت أن للمملكة المغربية جهاز أمنيّ مخابراتي ، رئيسه
يضع في كل يد من يديه ساعة يختلف توقيتها عن الساعة الأخرى ، ليعْلمَ بواسطة
أعوانه وخبرائه ونبغائه وعلماء تخصصات مهامه وما أكثرها ، احترازية كانت أو
ميدانية ، المعزَّزة بقوانين وطنية ودولية ، ليعلمَ مَنْ المُستيقِظ لحال سبيله
يسعَى لرزقه المشروع ، ومن ينام نوم الذئاب عبر العالم ، والكل يصبّ في مصلحة
المغرب دولةً وشعباً ، فلا فرنسا استطاعت الربح أكثر ممَّا تربحه في مشاريعها
الصناعية ، ولا نجحت في استقطاب ما يجعل المغرب جزائر أخرى، فكان عليها أن تلعب في
ميادين وفَّرتها من قبل للطوارئ ، وكلها أصبحت منذ عهدٍ مكشوفة بالكامل ،
الابتسامة الدبلوماسية لا تعني أكثر من قناع للتهدئة المؤقتة ، أما ابتسامة الند
للند أصدق تعبيرا ، إن وصلت الأمور لحد مواجهةٍ مهما كان صنفها ، قرار المقاطعة
التي بادرت به الجزائر ضد المغرب سيكلفها الكثير ومنها ابتعاد فرنسا عنها مستقبلاً
، دون تحديد الموعد لذلك ، بسبب استنفاذ ما كان على جزائر تلك الجماعة العاملة ضد
وطنها ، القيام به خضوعا وخنوعا لفرنسا .
*كاتب
المقال
سفير
السلام العالمي
0 comments:
إرسال تعليق