• اخر الاخبار

    الأحد، 6 فبراير 2022

    " الفصحى الهجينة " ..بقلم / أ.د.محمد تقي جون

     


     سنوات من التنقير والبحث والمراجعة انتهيتُ وللأسف الى أن لغتنا العربية قد مسخت الا قليلا. حين خرج الانكليز تاركين أرض العرب، كانت لغتنا العربية قد استسلمت للغة الانكليزية التي أحاطت بها والتفت حولها بشكل محكم. ان البداية الحقيقية لاستسلام العربية تعود الى نهايات القرن الثامن عشر، وبلغت ذروتها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى بدايات القرن العشرين، وصار يتكامل انحرافها صعودا إلى يومنا، عن طريق الترجمة والتشجيع عليها.

    بثقة أقول: ان الانكليز بخطة مدروسة قاموا باستيلاد (لغة عربية متأجنبة) مقطوعة عن لغة العرب، ضمن برنامج منظم ودقيق للتخلص من أقوى أذرع المقاومة العربية الاسلامية لليهود. اللغة العربية الرابط القوي الذي يشد العرب والمسلمين المعاصرين الى بعضهم، ويربط هؤلاء بالعرب والمسلمين التراثيين في الوقت نفسه. وان استنزاف هذه اللغة عن طريق افراغها من محتواها العربي يفك كل تلك الروابط، ويجعل الحاضر مقطوعا عن التراث، واللغة العربية فاقدة للهوية العربية!

    وهكذا وبقابلة غير مأذونة أولدوا (اللغة العربية الخامسة الفصحى الهجينة) التي لا تساعد متحدثيها بالتفاهم مع التراث الفكري والادبي العربي، ولا تسعفهم بفهم القرآن الكريم. لغة عرفية لا تدعي الامتداد الحقيقي للغة العرب لا الفصيحة الجاهلية ولا البلاغية العباسية. فنجح اليهود وبمساعدة العرب أنفسهم بهذه النسخة المستسلمة للغة في عزل القرآن الكريم والتراث العربي عن أمة العرب، وهو انتصار أكبر من مسك الارض او الاحتلالات الميدانية ذات الهيمنة الطفيفة. انها ضربة قاضية حسمت الخصم، ولم يعد خصما بل صديقا لدودا لا حول له ولا قوة.

    سيبدأ (المعجم التاريخي) بالألفاظ من الجاهلية وينتهي الى (تاج العروس) وهو آخر معجم عربي. وماذا بعده؟ هل سيلحق معجمكم التاريخي (المفردات والجمل والقواعد والتعابير والأساليب التي وضعها وتصرَّف في أكثرها المترجمون نقلاً أو ترجمة في مطلع العصر الحديث لمواكبة الحياة المتطورة في العالم) بلغة العرب وتصبح من صلبها وهي من صلب ورحم اللغة الانكليزية؟!!

    هل ستجدون جذرا لغويا للارشيف والكيلو والمتر والمليون والديمقراطية والماكنة والفيزياء ومئات بل آلاف المصطلحات في الادارة والسياسة والعلوم والادب وغيرها؟ وهل سيتفاجأ معجمكم بالجراثيم التي تعني (الاصل، وجراثيم العرب عشائرها) وقد اصبحت ميكروبات، لانَّ المترجمين لم يجدوا مقابلا لـ(Microbe) فعمدوا الى الجراثيم لانها كلمة منسية فجعلوها مقابلا لها بلا خجل او وجل. كما انتهت (القنابل) وهي طوائف من الخيل الى معنى (bomb)! وهل سيجد المعجم التاريخي اصلا لكلمة (تكتيك = Tactic) أو (مناورة = Maneuver)؟ وهل سيقنعنا معجمكم بصحة عبارة (يتبادلان المشاعر) عربيا؟ و(شعور) و(مشاعر) و(إحساس) ترجمة لـ(Feel). والعربية بجذورها وتطورها تعرف ان (الشعور) (جمع شَعَر)، والـ(المشاعر) تعني (الشعائر)، والـ(إحساس) متعلق بـ(الحواس الخمس). وقولهم (أشعر) بمعنى (أعلم) وقالوا (ليت شعري = ليت علمي). وسمي قائل الشعر شاعراً لأنه (عالم). فلو قال قائل (هما يتبادلان الشعور) فالمعنى العربي هو (يتبادلان شعر الرأس!!!!) وتلك كارثة.

    وهل سيجد معجمكم صواب قولهم: (أنا تدريسي) (أخي فدائي) (هو قيادي) (المعمل إنتاجي) (الداعشي إرهابي) (يعمل تحريا) بـ(اشتقاق اسم الفاعل من المصدر الملحقة به ياء النسب).

    وفي اللغة العربية يشتق اسم الفاعل من الفعل مثل: عمل = عامل، كتب = كاتب. والأمثلة السابقة أسماء فاعل مشتقة من المصدر الملحقة به ياء النسب: فـ(التدريس مصدر درس، وبالنسبة اليه = تدريسي)، و(الفداء مصدر فدى، وبالنسبة اليه = فدائي)، و(القيادة مصدر قاد، وبالنسبة اليه = قيادي)، و(الإنتاج مصدر أنتج، وبالنسبة اليه = انتاجي)، و(الإرهاب مصدر أرهب، وبالنسبة اليه = إرهابي)، و(التحري مصدر تحرى، وبالنسبة اليه = تحري). وهذا القياس غير عربي، بل راجع إلى اللغة الانگليزية. ويقتضي القياس العربي أن يقال: (هذا مدرس) و(أخي فادي) (هو قائد) (المعمل منتج) و(الرجل رهيب) و(يعمل متحريا). وإذا جمع هذا النوع مثل (تدريسيون، فدائيون، تحريّون) فيضاف خطأ آخر؛ لان المصدر لا ينسب اليه ولا يجمع.

    (460) صفحة استغرق كتابي (اللغة العربية الخامسة – الفصحى الهجينة) لبيان ان لغتنا المعاصرة غير عربية وغير فصيحة. ولابد لكم قبل وضع معجمكم التاريخي وهو أمنية غالية علينا جميعا، أن تقرأوا كتابي لتكتمل فرحتنا وتتحقق أمنيتنا.

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: " الفصحى الهجينة " ..بقلم / أ.د.محمد تقي جون Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top