• اخر الاخبار

    الخميس، 16 يونيو 2022

    قصة قصيرة.. بعنوان / قرار وتضحية..بقلم : محمد علي ابراهيم الجبير

     


    كانت  سهيلة والدة ادريس فاقدة الوعي ، ومن حولها  زوجها ابو ادريس ونسوة من الجيران ، كن يبكين على أم ادريس ، الانسانة الطيبة ، ذات السمعة الممتازة ،والسيرة الحسنة ، كانت تشارك اهل المحلة بافراحهم واحزانهم ، ولم تتفوه بكلمة سوء في أَي يوم من الايام

    وعندما تتعرض احدى نساء الجيران  الى مرض ، اوحالة ولادة احدهن ،فأنها تسارع الى مساعدتها ،وكم مرة سهرت الليالي معهن الى الصباح من اجل تقديم الخدمة لهن وكل ذلك لوجه الله ..

    يونس في الخمسين من عمره ، يقوم بتقديم الخدمة لكل محتاج وتسهيل معاملاتهم في دائرته ( دائرة الماء)عند مراجعتهم الدائرة حسب القانون ..               

     تزوج يونس من سهيلة ، وعمره خمسة واربعون سنة  يكبرها بعشرين سنة ، رزق منها ولداً جميلاًبعد زواجه منها بسنتين ؛ اختار له اسم ادريس ، ولُقب بأبي ادريس وما أن سمعوا بان سهيلة مريضة تسارعوا الى زيارتها وزاد قلقهم عليها عندما سمعوا من زوجها بأن مرضها  خطير، واصبحت ميؤوس منها ، تألموا جداً ، والتفوا حولها وهم يبكون ، ويدعون الله لها بالشفاء ، وهي لاتجيب ، وتنظر اليهم بعيون دامعة ، وتؤشر بهما على ولدها ، وكأنها تقول لهم ان ادريس ولدي امانة في اعناقكم ، وتارة اخرى تنظرالى ولدها الذي يلهوا بقربها

    ولا يدري بما يدور حوله ولايعرف بمصيروالدته نظرة تهز المشاعر ، وتارة ترفع نظرها الى السماء تدعو الله ان يحفظ ولدهاويحفظ زوجها الطيب ،وتدعو للجميع بالخيروالسلامة كل ذلك تعبرعنه بعيونها المملوءة بالدموع ؛ وافاها الاجل في تلك الساعة الحزينة؛؛؛

    فتعالى البكاء والنحيب ولاسيما يونس ، والطفل ادريس الذي بكا لبكاءه الباكين على امه ؛

    واخذ الطفل يصيح وهو يبكي ،با با ، بابا ، ماما ، ماما

    وكان منظره وهويبكي يفتت القلوب ..

    التفتت اليه احدى جاراتهم ، وجلست امامه تمسح دموعه وهي تبكي بحرارة ، لاتخف يا ادريس لاتخف يا ماما ؛؛قال الطفل لها : اريد ماما ،ورفعته ونهضت به وهي تحظنه بعطف وحنان وتضمه الى صدرها ؛؛ شاهد الجميع ادريس وهو يبكي بشدة ورعب فتعالى بكائهم على بكاءه وكأنهم يشاهدوه لاول مرة ،كان المنظر مؤلماً جدا لهم ،الطفل ادريس يحاول النزول من جارتهم ليلقي بنفسه على والدته المسجاة ، وهو يصرخ بقوة ماما.. ماما.. اخذه والده وهو يصيح ويبكي على زوجته سهيلة ، ولدي ادريس ماتت امك ، ماتت وسترحل عنا للابد !

    وهكذا كان المشهد المؤلم لوفاة الجارة الطيبة سهيلة، ومرت هذه الحادثة  تاركةً ذكرياتها المؤلمة في نفوس الجميع ..

    انتهت مراسيم دفن الجنازة وايام العزاء ، ولم يبقى في الدار سوى ادريس وعمره( سنتين) ، ويونس الرجل الكبيرالمتعب ،وهو في حزن عظيم ؛شعر يونس بقسوة فراق أم ادريس ، انها امرأة فاضلة ، واخلاقها راقية ، لم يشعر في اي يوم من الايام في حياتها معه ببؤس أو شقاء ، بل كانت حياته معها كلها سعادة وهناء ؛؛

    ولم يبقى لديه سوى الصبر،وان يحمد الله على كل حال،

    قرران يكون كل وقته مخصص لرعاية وتربية ولده ، لهذا تجده يستيقظ صباح كل يوم ، يعد الفطور ،و يذهب الى ولده الصغير يحركه بلطف الى ان يستيقظ من النوم ، يساعدة في قضاء حاجته ، وغسل يديه ووجهه ، ويمشط شعره ، ويقدم الطعام له ، ويساعده  على لبس ملابسه ، ويأخذه معه الى الدائرة يومياً،وسارت حياتهم هكذا فكان لايترك ولده ساعة واحدة ..

    ولما بلغ عمر ادريس سبع سنوات ادخله المدرسة الابتدائية ، يقوم بايصاله للمدرسة بنفسه يومياً ويعود له في نهاية الدوام ، ليأخذه الى الدائرة ، الى ان ينتهي دوام دائرته ، ومن ثم يذهبان الى البيت لتناول الغداء والراحة ،وبعد ذلك يقوم بتدريسه ومتابعة دروسه  يومياً

    فأصبح يونس مربيا ومرشداوصديقاً لولده الوحيد الغالي ادريس ؛شعرا بدفيء الحياة والاستقرارو بسعادة غامرة ولاسيما ان الجيران لم يتركوا يونس وولده ادريس  ،  بل كانوا يقدمون لهم كل مساعدة وعون ، والحق يقال : ان المعروف مع هؤلاء الناس الطيبين لم يذهب سدى ،

    وفي احد الايام كان يونس وولده ادريس امام دارهم البسيطة المطل على شارع النهر ، وكان الوقت عصراً، والسماء صافية، والهدوء مخيم على البلدة ،  قال له : --الان ياولدي بلغت من العمر ثلاثة عشر سنة وان شاء الله ستكون في الصف الثاني متوسط  في السنة القادمة فماذا تتمنى ان تكون في المستقبل؟

    - ياوالدي اتمنى على الله ان اتخرج واكون موظفاً واقوم بخدمتك ،واعوضك عن التعب والشقاء الذي بذلته في سبيل تعليمي وتربيتي وسهرت الليالي وعوضتني حنان امي !

    دهش يونس من فطنة ولده  وذكاءه ، ومن كلماته التي نزلت على قلبه كالدواء الشافي لكل جروحه وازالت كل همومه ؛مرت الايام والشهور والسنين ، انهى ادريس دراستة الثانوية ، (ونال شهادة البكلوريا ) ، وصدر امر تعينه موظفاً في مدينة  تبعد عن مدينتهم مسافة ساعة كاملة بالسيارات اي 100كم ، سأله والده عن دوامه:

    -استطيع ان اذهب  للدوام وارجع يومياً ؛

    -يابني أنا متقاعد ، ولايوجد مانع من السفر معك ، نبيع دارنا ونشتري دارا في المدينة التي تم تعينك فيها بدلا عنها  ، ولايهمنا الا فراق احبابنا اهل المحلة الاعزاء، ولكننا سنزوهم بين فترة واخرى ؛ولايوجد حل آخر لانني لاأستطيع ان اتركك تعيش وحدك في الغربة ، او اتركك لمعاناة ومخاطر السفر بالسيارات يومياً..

     انتقلا الى المدينة التي عين بها ادريس،بعد ان تم شراء دار جديدة بنفس قيمة  دارهم القديمة التي تم بيعها. الدار الجديدة تتكون من طابق واحد تحتوي على غرفتين نوم واستقبال ومرافق صحية ،وبعد مباشرة ادريس بالوظيفة الجديدة بدأت تتحسن امورهم المالية ،استطاعوا شراء اثاث جديدة وجيدة  جداً ، واصبحت حياتهم هانئة في بيتهم الجديد ولايعوزهم الا زوجة صالحة الى ادريس تقوم باعمال البيت ، وكان هذا رأي يونس اذ تقدمت به السن وكان على احر من الجمرعلى تحقيق امنيته بمشاهدة اولاد ادريس وهم يلعبون وسط البيت ؛ فشاور ولده بالموضوع ،

    -هل تتزوج من هذه المدينة اوتختارزوجة من مدينتنا القديمة الطيبة ..

    - لم أختاراي فتاة من مدينتنا السابقةاومن هذه المدينة وان هذا الامرمتروك لك يا والدي باختيارالزوجة من اي مكان  تراه مناسباً؛

    في اليوم التالي اخذ يونس يسأل عن العائلات المحترمة فوقع اختياره على فتاة جميلة وفاتنة ،عائلتها متوسطة الحال ، ربة بيت ، تحسن جميع اعمال البيت ،بالاضافة للخياطة،عرض الموضوع على ولده ادريس ،فطلب من والده ان يرى الفتاة ؛ويسأل عنها ويتأكد من اخلاقها، اذ ان معرفتها بالطبخ او الخياطة وغيرها لاتكفي،المهم عنده ان تكون من ذوات الاخلاق الحميدة؛  سأل ادريس عنهاعرف انها طيبة ،ولكنها تشترط مسبقاً على الذين يتقدمون لخطبتها ، تسكن لوحدها مع زوجها وان يسجلوا الدار باسمها!لم يوافق احد على شروطها ؛ قال ادريس في نفسه ،فتاة طيبة وعائلتها تتمتع بسمعة حسنة

    لابد من التأكد من شروطها بنفسه،وسوف يتقدم لخطبتها

    فإن اشترطت عليه نفس الشروط فانه يرفض الارتباط بها،واذا لم تشترط سوف يوافق على الزواج منها ، شاهد الفتاة واقتنع بها وارسل لخطبتها ، فلم تشترط اي من الشروط التي سمعها ؛؛وتم الزواج، وانتقلت (ميسون ) الي بيت ادريس وسكنت معه ومع ابيه  سنة كاملة رزق منها توأماً ،ولد وبنت ؛ وعاشت الاسرة بفرح وسرور..

    تدهورت صحة يونس ،ولم يستطيع النهوض ، واخذ يشتكي من غير علة ، وظهرت عليه امراض الكبر ؛؛

    واصبح طريح الفراش،وكثرة مراجعاته للطبيب وأصبح بحاجته  ماسة الى من يخدمه ، وفي الايام الاولى من مرضه قام ادريس بخدمته وزوجته تساعده؛؛

    وفي الاونة الاخيرة ، ضاقت ميسون من والده وبدلاً من أن تخدمه و تسمعه كلمات طيبة تهون عليه مرضه ، اخذت تسمعه كلمات جارحة ونابية ومنها ، ابتلاني الله بك ، وتدعو الله امامه ان يأخذ روحه ويخلصها منه ،وهو يسمع ولايجيب ، ولا تسمح له نفسه اخبار ولده بتصرفاتها خوفاً عليه ؛؛

    ادريس ولد بار يحترم والده ويقدسه ، ولايعصي له امراً

    ولو سمع من زوجته اي كلام يؤذي والده ، لن يتردد

    من طلاقها و طردها من البيت فوراً؛؛

    ادريس يرى السعادة من خلال سعادة ابيه  التي يبديها رغم مرضه ولايدري ان سعادة ابيه مفتعلة ولايبدي ما يعانيه  من آلام المرض ومن تصرفات ميسون القاسية

     في احد الايام دخل ادريس البيت في غيرموعده فسمع باذنيه  دعاء ميسون على والده ، وشاهد تصرفاتها القاسية معه وبدون شعورهجم عليها ضرباً بيديه، وركلا برجليه ، وقام له والده رغم مرضه وشيخوخته ، وبمجرد لمس يده تركها ، ولكن ادريس صمم على طلاقها وطردها من البيت  ؛؛

    اعترض عليه والده وقال له : لاأوافق على هذا الرأي ابداً مادمت حياً ، ثم ماذنب الاطفال ، هل نسيت ياولدي  طفولتك ،عند فراق والدتك ؟وهل نسيت آلامنا ومعيشتنا

     وعندما سمعت ميسون هذا الكلام عرفت ان ادريس لايستطيع  مخالفة والده ولايستطيع طلاقها؛ وعليه فقد

    صممت ميسون ان تكدر صفو حياتهم وتستغل عواطف والد ادريس وخوفه عليه وعلى اولاده ؛؛

    فقالت لهم : انها لن تعيش معهم الابعد تسجيل الدار باسمها ضماناً لها من الضرب والطرد من البيت ؛؛

    رفض ادريس طلبها بشدة الا ان والده امره ان يوافق على طلبها من اجل اولاده ؛؛

    سكت ادريس على مضض  ونفذ امر ابيه  بتسجيل الدار باسمها وهو يتميز غيضاً بداخله ، ولكنه لايبدي غضبه لوالده خوفاً عليه وعلى صحته ؛؛

    بعد ان تم تسجل الدار باسمها ،تجبرت اكثر ، وساءت اخلاقها اضعاف ماكانت عليه من سوء الخلق ؛؛

    زاد مرض الرجل الكبير ، ودنت ساعته الاخيرة وانتقل الى رحمة الله..

    وبعد اتمام مراسيم الدفن  مباشرةً ، سارع الى المحكمة

    وطلقها ، وترك لها البيت وضحى بكل شيء فيه  ، واخذ اولاده منها، ليقوم بتربيتهم  كما رباه والده على مكارم الاخلاق ،وتخلص منها ومن اخلاقها ...

     

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: قصة قصيرة.. بعنوان / قرار وتضحية..بقلم : محمد علي ابراهيم الجبير Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top