الزمان : 12
ظهراً
المكان :
جامعة المنصورة – بوابة توشكى
التاريخ : 20
يونيه
الحدث: ذبح
طالب بكلية الآداب لزميلته بنفس الكلية أمام المارة
المشهد الأول
توهان
بينما يجب
شارع الجلاء بطلاب جامعة المنصورة ؛حيث امتحانات الترم الثانى
تحت حارة شمس يونيه المحرقة ؛فيصب العرق على الوجوه ،والطلاب يلعبون
بهواتفهم – منهم من يسير على قدميه ،وآخرون يستقلون ميكروباصات ،وطائفة ثالثة تسير
مع زملائهم ينكتون لينسوا لحظة الإمتحان الصعب .
على الجانب
الآخر ..لا يخلو الشارع من الباعة الجائلين ..هذا شاب خريج جامعة يلبس بنطالا
وبيده ماكينة لتحويل رصيد لمن يريد ؛املا فى بقشيش كويس من الطلاب ؛يعينه على
متطلبات خطيبته ن كان خاطبا ،أو مساعدة أباه- الذى صرف عليه دم قلبه – فى الأمور
المعيشية الصعبة .
وهذا شاب آخر
يقف فى "سوبر ماركت " يبيع سجائر وشيبسى وجِبن وفينو لرواد الشارع
،وثالث يلبس جلبابا صعيديا ويجر عربة وعليها "ترمس وبصل أحمر مخلل"
وينادى "حلاوتك يا ترمس" .
ورابع يسير
تائها فى الشوارع يريد الذهاب لشارع الترعة أو أحمد ماهر ؛فغايته الذهاب للسجل فى
شارع أحمد ماهر ،وكعادة المصريين ..كل واحد بكلمة ..فيتوه فى دروب المكان ؛بينما
يتلقفه شاب جامعى ويخبره بأن السجل تم نقله من أحمد ماهر وأصبح فى جديلة بجوار
مدرسة أبو النجا الصناعية ؛فيسأله عن وسيلة المواصلات للذهاب إليه ؛فيتنهد الشاب
هتقف عند الشيماء حتى تجد ميكرواص جديلة وتركبه وكل شوية تقول للسائق نزلنى السجل
اللى فى جديلة ..ويتركه الشاب متمتما بكلمات "الله يكون فى عونك يا آبا
الحاج"!
المشهد الثانى
ذبح
انتصف النهار
وأمام بوابة توشكى نزل الركاب وكان من بينهم شاب وفتاة ..الشاب يمسك الفتاة من
شعرها وهى تصرخ وفى يديه سكينا ..بينما المارة يشاهدون المشهد ؛فبعضهم اخرج هاتفه
وصورها بينما طلاب المدينة الجامعية خرجوا على صراخ الفتاة واخرجوا أيضا هواتفهم
لتوثيق تلك اللحظة ؛وعلى بعد امتار يوجد حرس الجامعة ؛الجميع وقف يشاهد المنظر
..الفتاة تصرخ والشاب ماسكا شعرها وطعنها فى جنبها بالسكين ؛فحاولة الروح جعلتها
تجرى ويزيد صراخها ؛وسط هرولة الجميع لتوثيق الحدث وليس انقاذ الفتاة ؛فجرى الشاب
ورائها فارتمت ارضا أمام بوابة الجامعة ؛فانقض الشاب عليها وامسك رأسها ووضع سكينه
وذبحها كالبهيمة ؛وفجأة انقض عليه احد حراس امن الجامعة ؛فبثت الشجاعة فى قلوب
المارة المترددين ؛فانقضوا عليه واوسعوه ضربا .
فقام أحد اصحاب
المحلات بمهاتفة النجدة التى لم تأت إلا بعدها بساعة إلا نيف –وتلك كارثة أخرى- وبشهامة
اهل البلد-وبروح الشجاعة اتى احد الأهالى بملاية ووضع الفتاة فيها وحملها بين يديه
والدم ينزف من عنقها ووضعها فى سيارة وذهب للطوارىء –فليس استقبالها ؛فذهب بها إلى
المستشفى الدولى ،وهاتفوا والدها بالمحلة الكبرى فصرخت زوجته واتوا إلى المستشفى
ليجدوا فلذة كبدهم جثة هامدة .
نعود لمشهد
الشاب ؛بعدما اوسعوه ضربا امام بوابة توشكى ،فحملوه هو أيضا إلى المستشفى –وحسب شهود
عيان قال وهو ينازع ..قتلتها لأنها قلة منى! ولا نعرف حقيقة هذه المقولة حتى كتابة
هذه السطور
المشهد الثالث
خيال
الأخوة الذين
تر كوا الفتاة بين يدى الشاب يطعنها وينحرها ،وهم مشغولون بتوثيق تلك اللحظة لعمل
التريند ، وكل له غايته ..فمنهم من يريد أن يحصد الكثير من المشاهدات ليحصد
الملايين من مواقع التواصل ،وآخرون ليقال عنهم أنهم صحفيون ،فنولوا لمكان الحدث
وبدأوا يسألوا المارة ورواد الشارع ؛وترك المارة لنفسهم العنان فى التخيل ،وبدأ
الجميع بلا استثناء يسرد قصصا وهمية من وحى خياله ..الصادق فى كلامهم أن الفتاة طالبة
بالفرقة الثالثة قسم الإجتماع ،والشاب القاتل طالب أيضا فى كلية الآداب ؛ومن بين
رواياتهم أنه تقدم لخطبتها ولكن أهلها رفضوا ،وصنف آخر يقول انها أهانتها وهم
الميكروباص ،آخرون شطح بهم خيالهم حيث شطح خيالك أنت الآن وأنت تقرأ تلك المشاهد
المشهد الرابع
بيان
بدأ يتوافد نشطاء الفيس بوك ومواقع التواصل
الإجتماعى من كل صوب وحدب وخاصة الشباب
..كل شاب له صفحة على مواقع التواصل الإجتماعى
يقوم بالتسجيل مع المارة الذين لم يشاهدوا الحدث اصلا ويقوم برفع محتواه
،والناس تشاهد ولا يعنيها إن كان ما يقال صدقا أم كذبا ..ويقوم آخرون بتصوير مكان
ذبح الفتاة ويوثقوا الصورة ويكتبوا عليها تعليقاتهم التافهة التى لا تمت للواقع
بصلة .
وفى تلك الإثناء يفاجىء رواد مواقع التواصل
الإجتماعى ببيان من المركز الإعلامى لجامعة المنصورة ينفى علاقة الجامعة بالحادث
وتنبه بتحرى الدقة فى كتابة الأخبار ؛بالرغم أن الحادث امام بوابة توشكى ،والمفروض
قانونا أن هناك 20 مترا بعد البوابة تجعلك فى محيط الجامعة ؛ناهيك عن هذا فالمجنى
عليها والجانى طالبين بكلية الآداب وكان ذاهبين لأداء الإمتحان ؛وهذا يدل على أن
الجامعة مسئولة عنهما كطالبين ؛فالبيان كان كارثة وصدوره لإنتفاء صفة أن الجامعة
غير مسئولة عبث ما بعده عبث ويدل دلالة قاطعة على أن هناك مسئولون كل همهم البقاء
على الكرسى فقط!
المشهد الخامس
اختلاف
تم نشر صورة للمجنى عليها (بلوزة وبنطال
مقطع) ؛وعلى إثرها انقسموا صنفين :صنف يترحم عليها وصنف دخل الدين واتهمها بانها
متبرجة وتستحق ما حدث لها ..وكل صنف تشبث برأيه ووصلت وقاحتهم أنهم قاموا بعمل
(سكرن شوت) لمحادثتهم مع بعضهم البعض ونشروها ؛لينتصر كل منهم لوجهة نظره الخاطئة
اصلا ؛فهم تركوا أساس الموضوع أن شابا يستل سكينا ويضعه بين طيات ملابسه فى حدود
ساعة إلا ربع من المحلة وحتى المنصورة ،وتصل به الجرأة لطعن الفتاة ؛وليس هذا فقط
؛انظروا لطريقة ذبحه للفتاة.
تركوا كل هذا وتحدثوا عن ملابسها ،وكأن هناك
كتائب تحاول استقطاب الشباب إلى فكر معين ؛ذكرونى بمقولة (هل تدخل المسجد بقدمك
اليمنى أم اليسرى ؟!) فهذه ثوابت ولكن يحركونها للإستهلاك!!
ما علينا ..فالعقد الإجتماعى ينفرط أمام
أعيننا جميعا ؛ ونحن (أسرة ومدرسة ومؤسسات ودولة واعلام)مسئولون مسئولية كاملة عما
يحدث ؛ فالدولة متمثلة فى وزارة الثقافة وجهاز السينما تركوا الحبل على الغارب
للمنتجين الذين لا هم لهم سوى جمع الأموال الطائلة ؛فخرجوا علينا بأفلام كارثية
تزعمها المشخصاتية امثال محمد رمضان "الألمانى" ،"والأصلى"
،وإبراهيم الأبيض" وغيرها من الأفلام التى كرست لعملية الذبح جهارا نهارا لمن
يخالف أو يعارض سواء حبيب أو عشيق أو أب أو أم أو أخ أو أخت ..فلا رقيب على الدراما
..ولذلك تجد الدراما السورية والتركية
والإيرانية من افضل الدراما وتراجعنا 60 سنة للخلف.
ناهيك عن هذا ..تجد ممثل يستضيفه الإعلام
ويتباهى بأنه كان فاشلا فى الدراسة واليوم اصبح نجما ،ويسرد قصة كفاحه التى هى
كلها سرمحة على المقاهى وتنطع فى دور السينما ..فالإعلام أوصل رسالة للشباب الجاد
الذى سيرفع يوما علم تلك الأمة بأن الفاشل هو السيد!
وكذلك فى الرياضة ..كانت الأزمة الأخيرة
لإتحاد الكرة وفضيحة مصر فى إثيوبيا وقبلها صفر المونديال وفضيحة الفنانات فى كأس
العالم بروسيا ؛وقامت الدنيا ولم تقعد وظل اتحاد الكرة الفاشل ممسكا بزمام الأمور
،ويساعده اعلام رياضى يتحكم فيه من لا يمتون للإعلام بصلة ..بينما آلاف من كليات
الإعلام وأقسام الإعلام على الرصيف ؛والحكومة تطالبهم بفتح أكشاك لبيع السجائر
والشيبسى..والطبيعى ..النتيجة كما شاهدناها والقادم أسوأ .
النهاية
بشر
فى النهاية بقى أن نقول :أين دور الدولة من
كل هذا ؟! الفاسدون يزدادون ويجلسون على سدة الحكم فى جميع المصالح ؛بينما من
يطالبون بالإصلاح اقتصرت حياتهم على مقولة سدنا الغمام على رضى الله عنه
"فليسعك بيتك"..وسيمر هذا الحادث كما مر غيره من قيام أم ببح اطفالها
الثلاثة ورمت نفسها تحت عجلات جرار زراعى ،وسيمر كما مر بقيام اب بحرق زوجته
وأولاده ..وسيمر بما هو قادم .
ونصيحة من كاتب هذه السطور يا عالم اعلموا أن
بناء البشر اقوى من بناء الحجر ..العقول تبنى الأمم وتنهض بها !..وتلك هى الفريضة
الغائبة فى مجتمعنا!
0 comments:
إرسال تعليق