لا يزال "بنيامين نتنياهو" رئيس الوزراء "الإسرائيلى" يريد القضاء على حركة "حماس" ، بينما الأخيرة ، ومعها ـ للمفارقة ـ أطراف فلسطينية وإقليمية ودولية ، بعضها يعارض "حماس" ويكره سيرتها ، وأخرى تحشرها عنوة فى خانة الإرهاب ، وكلها تتمنى أيضا الخلاص من "نتنياهو" ، الذى يقول ببساطة ، أن ما بعد حكمه سيكون نهاية الإسرائيليين بالضبط .
وحتى الإدارة
الأمريكية ، لا تخفى ضيقها من "نتنياهو" ، الذى يوجه الصفعة تلو الصفعة
للرئيس الأمريكى "جو بايدن" ، ويتصرف فى أموال أمريكا وسلاحها ، كأنه
صاحب الأمر والنهى والسلطان ، ولا يبالى بنصائح "بايدن" ، وهو شريكه
الكامل فى حرب الإبادة الجماعية للفلسطينيين فى "غزة" والضفة الغربية ،
فلا هو ـ أى "نتنياهو" ـ يريد
الحد من انفلات وهمجية المستوطنين فى الضفة ، ولا هو يفرج عن عائدات ضرائب
الفلسطينيين المستحقة لسلطة " رام الله" ، ولا هو يقبل الانتقال إلى ما
تسميه واشنطن بالمرحلة الثالثة من الحرب فى "غزة" ، والحد من موجات
القصف الوحشى ، وتقليل أعداد الضحايا من المدنيين الأبرياء العزل ، ولا يبدى "نتنياهو"
تجاوبا من أى نوع مع خطط "بايدن" المعلنة لفترة ما بعد الحرب ، رغم أن
واشنطن لا تريد أى دور لحركة "حماس" فى اليوم التالى للحرب ، وتريد دورا
لسلطة "رام الله" فى إدارة "غزة" ، وهو ما يرفضه "نتنياهو"
قطعيا ، ويرفع شعار لا "حماسستان" ولا "فتحستان" ، ويريد أن
تكون فلسطين التاريخية كلها ـ من غرب نهر
الأردن حتى ساحل المتوسط ـ تحت الإدارة
الأمنية المباشرة لجيش الاحتلال "الإسرائيلى" ، ومن دون السماح بإقامة
دولة فلسطينية ما دام فى الحكم ، وهو ما يربك كل مناقشات الإدارة الأمريكية مع
النظم العربية التابعة والمتعاونة ، فواشنطن تريد دورا لهؤلاء فى إعادة إعمار "غزة"
بعد الحرب ، وبعض هؤلاء يشترطون وجود مخطط ما لإقامة دولة فلسطينية فى "غزة"
والضفة ، وهو ما تبدو الإدارة الأمريكية ميالة إليه ، ربما حتى تعيد نفخ الروح فى
عمليات التطبيع بين "إسرائيل" ودولة خليجية بعينها ، و"نتنياهو"
يفسد عليهم كل الاتفاقات الضمنية ، بما فيها مساعى جلب أدوار أمنية لدول عربية فى
دولة فلسطينية منزوعة السلاح الحربى ، ولا يتاح لها غير الاستعانة بقوة شرطة محلية
، بينما "نتنياهو" يركب رأسه ، ويصر على نفى أى وجود فلسطينى فى "غزة"
والضفة والقدس ، ويقدم نفسه لجمهوره الإسرائيلى كبطل استقلال ، وكأنه "نعمة
الرب" كما المعنى الحرفى للقبه فى اللغة العبرية ، لا يأبه لضغوط ولا لنصائح
ولا لاقتراحات واشنطن ، ويخوض ما يسميه حرب الاستقلال الثانية ، ويضع نفسه فى
مكانة مساوية لمؤسسى كيان الاحتلال ، ويعتبر نفسه أهم شخصية فى تاريخ الكيان
والصهيونية بعد "تيودور هرتزل" و"ديفيد بن جوريون" ، فهو أطول
رؤساء وزراء "إسرائيل" عمرا فى منصبه ، وتنتابه روح عجرفة شخصية ، يهزأ
بها من الرئيس الأمريكى ، ويضعه فى مكانة أدنى من أدوار "إيتمار بن غفير"
و"وبتسلئيل سموتيريتش" و"ميرى ريجيف" وغيرهم من مهرجى وبلطجية
الصهيونية الدينية ، وهو ما يتبرم منه "بايدن" ، الذى يؤرقه فشل "إسرائيل"
وأمريكا الحربى حتى اليوم ، وعدم المقدرة على تحقيق الأهداف الموعودة ، رغم اقتراب
الحرب حثيثا من نهاية شهرها الرابع ، ومن دون أن يفتر الصمود الأسطورى للشعب
الفلسطينى تحت مطارق حرب الإبادة ، ولا أن يتراجع الأداء القتالى المبهر المذهل
لفصائل المقاومة الفلسطينية ، ولا أن تخف الخسائر البشرية العسكرية "الإسرائيلية"
الثقيلة ، وتريد إدارة "بايدن" أن تتعامل مع الحقائق ببراجماتية تتقبل
الإخفاق سعيا لتجاوزه لاحقا ، وأن تضمن لربيبتها "إسرائيل" مصيرا أفضل
مما تذهب إليه ، لكن "نتنياهو" يضرب باعتبارات واشنطن عرض الحائط ، وكله
ثقة أن الدعم الأمريكى لن ينقص سنتا ، وأن تدفقات الأسلحة والصواريخ والقنابل
والذخائر الأمريكية إلى الميدان لن تتوقف لثانية ، وهذا ما جربه "نتنياهو"
من قبل ونجح فيه ، فلم تكن بينه وبين الرئيس الأمريكى الأسبق "باراك أوباما"
كيمياء مودة شحصية ، وختم "أوباما" عهده بالتصويت عمليا لصالح قرار فى
مجلس الأمن ، يدين الاستيطان فى الضفة الغربية ، لكن "أوباما" الغاضب
النافر من "نتنياهو" ، قرر فى آخر أيامه بالبيت الأبيض، أن يلزم خلفائه
بتقديم 38 مليار دولار دعما عسكريا للكيان "الإسرائيلى" ، وكان "أوباما"
كاريزميا ، بينما رجله وتابعه "بايدن" شخص باهت مترهل الحركة ، ويبدو
كروبوت بدائى ، يلاحقه الفشل أينما حل وارتحل ، وتعوزه المقدرة على مواجهة "نتنياهو"
واللوبى الصهيونى المساند له فى أمريكا ، ولا يملك النطق بكلمتى "وقف الحرب"
، خصوصا مع تدافع شهور الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة فى نوفمبر المقبل ،
ومخاوف "بايدن" ـ العجوز ـ من
فشل وارد فى تجديد رئاسته ، مع التقدم الكاسح لخصمه اللدود "دونالد ترامب"
فى الانتخابات التمهيدية للحزب "الجمهورى" المنافس ، والاتساع النسبى
لرقعة المناهضين فى حزب "بايدن" الديمقراطى لعجزه عن لجم مجازر ووحشية "إسرائيل"
، ووقف تدهور مكانة أمريكا الدولية والأخلاقية ، أو حتى الحيلولة دون اتساع
جغرافيا الحرب فى الشرق الأوسط ، وتوريط أمريكا ذاتها فى توسيع الحرب بالهجمات على
"الحوثيين" فى اليمن وعلى أنصار إيران فى العراق وسوريا ، ، وهو ما قد
يضيف إلى أمل "نتنياهو" فى كسب الرهان ، فهو ينتظر قدوم "ترامب"
الأفضل للكيان الإسرائيلى من "بايدن" ، وجوهر رهان "نتنياهو" ،
أن "بايدن" قد يذهب إلى مزبلة التاريخ قبله ، وهو ما يفسر إصراره على
القول ، أن حربه سوف تتواصل طوال العام 2024 ، وإن كان خفض المدة المتبقية من
الحرب إلى ستة شهور فيما بعد ، فهو الآخر مرتبك ، وتحركه غرائز البقاء فى السلطة
لا حسابات العقل ، ويرغب فى تحقيق أو اصطناع أى صورة لأى نصر ، حتى لو كان المقابل
إشعال المنطقة برمتها ، والاندفاع إلى حرب مع "حزب الله" فى الشمال ،
رغم معارضة الأمريكيين والأوروبيين ، وهو لا يقيم وزنا من أصله للأوروبيين ولا
للاتحاد الأوروبى ، ويعتبرهم أو أغلبهم حلفاء بالإجبار للكيان "الإسرائيلى"
، ولا مانع عند حكومته من احتقار مناقشاتهم ، على طريقة ما جرى فى جلسة أخيرة
للاتحاد الأوروبى مع وزراء خارجية مصر والسعودية والأردن وفلسطين ، كان موضوعها
مناقشة ترتيبات إقامة "دولة فلسطينية" بعد النهاية المفترضة للحرب
الجارية ، وفاجأهم "إسرائيل كاتس" وزير خارجية "نتنياهو" الجديد
، ولم يتكلم بحرف فى الموضوع المطروح ، بل بدا كأنه يصدر لهم الأوامر، وعرض عليهم
تمويل إقامة جزيرة صناعية شرق البحر المتوسط ، ينقل إليها الفلسطينيون جماعيا من "غزة"
! ، ولم يرد عليه أحد من مسئولى الاتحاد الأوروبى الحاضرين ، وكأنهم التقموا حجرا
ثقيلا (!) .
والمحصلة
ببساطة ، أن "نتنياهو" لا يخشى من ضيق الأمريكيين ولا الأوروبيين ،
ويتعامل معهم كأنه سلطان الباب العالى ، ولا يأبه بتوريطهم فى جرائمه ، ويتصرف مع
حكوماتهم تصرف المالك فيما يملك ، وكل هؤلاء عنده محض تفاصيل جانبية وهامشية ،
بينما الموضوع الأساسى الذى يشغله فى مكان آخر ، ومع خصم عنيد هو الشعب الفلسطينى
ومقاومته الضارية ، خصوصا بعد تضاعف معدلات الخسائر لضباطه وجنوده ، على طريقة ما
جرى قبل أيام فى مخيم "المغازى" وفى "خان يونس" ، حين قتل 24
ضابطا وجنديا من جيش الاحتلال دفعة واحدة ، مع أضعاف عدد القتلى من المصابين
والجرحى والمعاقين ، فيما وصفه "نتنياهو" بأنه يوم الكارثة ، الذى صعد
بقتلى "إسرائيل" وجرحاها إلى ما يفوق العشرين ألفا ـ بأرقام الإعلام "الإسرائيلى"
ـ منذ هجوم السابع من أكتوبر المزلزل ، وما من خيار أمام "نتنياهو" بحسب
كتالوجه ، سوى أن يرد بمضاعفة قتل المدنيين الفلسطينيين ، وهدم بيوتهم وحياتهم
وإجبارهم على المزيد من النزوح ، ومن دون أن تبدو لذلك من نتائج مضمونة فى التقدم
لأهداف الحرب الأصلية ، فليس بوسع جيش الاحتلال القضاء على "كتائب القسام"
وأخواتها من حركات المقاومة المسلحة ، ولا بوسعه فك ألغاز خرائط الأنفاق المتشعبة
، ولا ضمان أى إقامة آمنة للمحتلين فى "غزة" ، ولا استعادة الأسرى
الإسرائيليين والأمريكيين بالقوة المسلحة ، وهو ما يدفعه لمناورات التفاف على
المأزق المستحكم ، وتجريب طرح مبادرات على الوسطاء ، من نوع مبادرته لاقتراح هدنة
لمدة شهرين ، يجرى فيهما تبادل الأسرى على مراحل ، وهو ما ترفضه قطعيا حركة "حماس"
، وتصر على وقف العدوان نهائيا قبل صفقات تبادل الأسرى ، وعلى الانسحاب الكامل
لجيش الاحتلال ، وإنهاء أى خطط لإقامة منطقة عازلة على حدود "غزة" ،
وتراهن على تكثيف الضغط الداخلى فى الكيان على "نتنياهو" ، وإرغامه على
ابتلاع أوهامه ، وتحويل هدفه فى القضاء على "حماس" إلى مسار معاكس ،
عنوانه القضاء على "نتنياهو" ، ودفعه لبلوغ خط النهاية القاتلة .
Kandel2002@hotmail.com
0 comments:
إرسال تعليق