أولاً التمهيد :
من نعم الله
تعالى على الأمة الإسلامية أن سخر لها في كل زمان من يصدون ويذبون عن السنة
النبوية فقد روي - بصيغة التمريض - عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( يحمل هذا
العلم من كل قرن عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ... ) وقد حسن
العلماء هذا الحديث فرقوه إلى درجة الحسن لغيره بشواهده وطرقه ولا يزال علماء
الأثر والسنة النبوية متواجدين في كل زمان ومكان يقيدهم الله تعالى لحمل هذا العلم
الذي هو المصدر الثاني من التشريع الإسلامي والذي به يستبين فهم كتاب رب العالمين
القرآن الكريم والسنة النبوية مفسرة ومفصلة للقرآن الكريم حتى ترد دعوة من يدعي أن السنة النبوية قشور لا
حرج في تركها والاكتفاء بالقرآن الكريم وقد سمى هؤلاء أنفسهم في منتصف القرن
العشرين الميلادي الآنف بالقرآنيين - والقرآن الكريم منهم براء - ذا لأن الله
تعالى في كتابه العزيز القرآن الكريم يذكر في غير مرة وجوب العمل والامتثال لكلام
رسوله قال تعالى : " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "
.
وقال تعالى
أيضاً : " وأطيعوا الله وأطيعوا
رسوله وأولي الأمر منكم " .
فالله تعالى هو الذي يحثنا
ويأمرنا بالأخذ عن الرسول !!!
وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله : ( ألا إني أوتيت القرآن
ومثله معه ) أي آتى الله تعالى
عبده ورسوله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تفسير كتابه القرآن الكريم وزيادة على
تفسيره لكتابه هذي السنة النبوية فما آتاه الله تعالى لنبيه سيدنا محمد صلى الله
عليه وسلم هو السنة النبوية الشارحة المفسرة المفصلة للمجمل في القرآن الكريم فقد
جاء التعبير القرآني لكلام الله بالفصاحة والإجمال والإيجاز ثم جاءت السنة النبوية
تشرح وتفسر ما أوجز في كتاب الله القرآن الكريم !!! فما
ذكر في القرآن الكريم تفصيل أنواع الصلوات وكيفية الصلاة المفروضة والمسنونة وعدد
ركعاتها قال تعالى : " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ... " ثم جاءت السنة النبوية تفسر وتوضح الصلوات
المكتوبة والصلوات المسنونة وكيفية الصلاة ومبطلات الصلاة وأركان الصلاة التفصيلية
إلخ
ثم ردت دعوة
هؤلاء البدعيين المدعيين أنهم قرآنيون والقرآن الكريم منهم براء !!!
ثانياً في ذكر مظان ومصادر كتب الزهد والرقاق لعلمائنا الأوائل :
١- الأدب
المفرد للإمام البخاري صاحب صحيح البخاري محمد بن إسماعيل البخاري جبل الحفظ في
السنة النبوية والحديث النبوي .هو كتاب جامع للأحاديث التي تتحدث عن الزهد والآداب
والرقاق - ويقال الرقائق - كل أحاديثه صحاح أيضاً ! ثم جاء أحد المتأخرين في نهاية
القرن الثالث عشر الهجري وبداية القرن الرابع عشر الهجري فشرح الأدب المفرد للإمام
البخاري شرحا ماتعا أسماه - فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد - .
٢- كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي جزءان في مجلد أو بعض الطبعات أفردتهما
. كتاب ماتع يجمع الحكم والأشعار للزهد والحكمة .
٣- تهذيب
موعظة المؤمنين اختصار إحياء علوم الدين الأصل للإمام أبي حامد الغزالي المتوفى
عام 504 هجرية واختصره كثيرون لكن أفضلها التهذيب للقاسمي أحد علماء العراق في
القرن الرابع عشر الهجري لمه عده العلماء أقرب المختصرات ؟
لأنه نقى كتابه من بعض الأحاديث الضعاف المبثوثة في الإحياء ؛ وبعضها بلغ
درجة الضعف الشديد الذي لا ينجبر ذا لأن الحديث الضعيف لا يعمل به في فصائل
الأعمال إلا إذا كانت له طرق أخرى تعضده وترقيه من درجة الضعف إلى درجة الحسن
لغيره أو يكون له شواهد تعضده يقر ذلك علماء الأثر والحديث من كبار المحدثين
والحفاظ .
٤- من أمتع وأجمع ما كتب في الزهد ما سجله الإمام البخاري في صحيحه الجامع
في أبواب الرقاق ثم جاء الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى عام 852 هجرية ليفيض
الله عليه ليشرح صحيح البخاري في ثلاثين عاماً مستعيناً بالله تعالى حتى عده
العلماء من أجمع وأشمل وأمتع وأنفع الشروح الآنفة واللاحقة بعده لم يؤت بمثله . في
الأجزاء التاسع والحادي عشر والثاني عشر سجل الإمام العسقلاني شروحا ماتعات جمع
فيها أقوال المتقدمين من أهل العلم في الزهد والرقاق في نقولات منقحة لم يجمع
مثلها مثلاً نقل عن ابن قيم الجوزية فرائده فيما كتبه ابن قيم الجوزية في مؤلفاته
ونقل عن أبي حامد الغزالي ونقل عن الماوردي ونقل عن ابن المبارك أعظم وأول
الزاهدين وهو شيخ الإمام أحمد بن حنبل توفي ابن المبارك عام 181 هجرية بينا ولد
الإمام أحمد بن حنبل عام 164 هجرية وتوفي عام 241 هجرية تتلمذ ابن حنبل الشيباني
على يد ابن المبارك وتأصل بالزهد منذ صغره وقد توفي ابن المبارك شيخه وعمر الإمام
أحمد بن حنبل سبع عشرة سنة .
ثالثاً عود على بدء :
لقد نقل
الحافظ - وهي درجة عالية في علم الحديث لمن يغربلون السنة النبوية فيظهرون السقيم
من الصحيح في الأحاديث - نقل ابن حجر كل هذي النقولات بإتقان وتنقيح وتصحيح وعزو
وإسناد في كتابه ( فتح الباري شرح صحيح البخاري ) في أربعة عشر مجلداً ضخاما منها
ثلاثة عشر مجلداً لشروح أحاديث الجامع الصحيح للإمام البخاري البالغة بالمكرر في
الأبواب المتفرقة ما يربو على سبعة آلاف ومائتي حديث بالمكرر أم أصولها فتقارب
الأربعة آلاف حديث وتزيد قليلاً عليها .
أما
المقدمة فتختلف كل الاختلاف عن شرح الأحاديث لها محاضرة مستقلة . رابعاً أعود فأقول :
شرح الحافظ أحمد بن علي
بن حجر العسقلاني باستفاضة أبواب الجنة والنار والعرض في عرصات الموقف بين يدي
الله وذكر أبواب جهنم أعاذني وأعاذكم الله منها وذكر أحاديث المرور على الصراط
وتجاوز بعض العباد المرور وسقوط الظالمين من الصراط في قعرها ثم ذكر احتجاز أهل
الموقف في قنطرة ما بين الجنة والنار للفصل بينهم وأنهم أهل المشيئة الإلهية - إن
شاء الله تعالى عذبهم ؛ وإن شاء غفر لهم - ثم ذكر الأحاديث الجامعة أثناء شرحه - شرح
الحديث بالحديث أو بالأحاديث الأخرى الثابتة في كتب السنة المعتمدة وعفو الله عن
عباده بما خپئوا من أعمال صالحات في دنياهم وقد أسروا بها . فيطلب الله الجبار من
ملائكته إعادة فتح سجلات هؤلاء المحجوزين في القنطرة بتثقيل موازين صحائفهم فيما
اكتسبوا من أعمال صالحات طيبات خبئوها وأسروها فيطلب الله من ملائكته بزيادة وزن
مثاقيلهم كيما يدخلهم الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب مع إخوانهم المؤمنين الذين
تجاوزوا الصراط بصالح أعمالهم في الدنيا دونما رياء أو سمعة . ثم يستطرد الحافظ ابن حجر في ذكر الجنة
وأبوابها الثمانية وذكر ما في الجنان من نعيم مقيم رزقنيه الله وإياكم إلخ .
إن كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني قد جمع
بين الصناعة الحديثية ؛ والفقه في استنباط الأحكام الفقهية على أبواب الأحاديث كما
تحدث فيه عن رجال الإسناد في الصحيح وهو ما يعرف عند المحدثين علماء الحديث بعلم
الرجال أثناء تعرضه للصناعة الحديثية قبل التكلم بعد عن الأحكام الفقهية المتعلقة
بباب الأحاديث المنتقاة للاستدلال على الحكم الفقهي التي عنون الإمام البخاري نفسه
لها قبل سرد الأحاديث على الباب التي تدل على فقه البخاري وميله واختياره للحكم
الفقهي في عنونته على الباب الذي يذكره . ٥- ومن
أول مصادر الزهد الزهد لابن المبارك .
وأكتفي بهذي العجالة في إيضاح فضل
علماء السنة النبوية على مر العصور والأزمنة في نقل السنة النبوية وفي الاهتمام
بتفسيرها وشروحها .
خامساً المختتم :
" وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين " .
خطه
وجمعه الراجي عفو ربه
رفيق فهمي
واصل
ناقد أدبي
وكاتب صحفي
بجريدة الزمان
المصري
القاهرة في فجر
الأربعاء
الموافق 31/1/2024
0 comments:
إرسال تعليق