من القصص التي تأثرت بها ومازالت شخوصها ماثلة أمام عيناي وعالقة في ذهني . ( خيال الحقل ) للكاتب والأديب عبد التواب يوسف . كم هي رائعة وممتعة لمن هم في عمر الزهور وقد كانت فصولها مادة دسمة كنا نتحاكاها في نهاية كل يوم دراسي ..
أتذكر عمي عطوة هذا الفلاح البسيط الذي يعمل في حقله دون ملل أو تعب ويعرق ويكافح من أجل لقمة العيش وأتذكر هذا الخيال الذي قام بتصميمه ليكون حارسا علي الأرض وقت الغياب ورادعا للغربان والعصافير التي تلتقط الحب وهو في مهده .
لقد كانت عيشة الفلاح وقتها بسيطة وعفوية وقانعة وكانت زوجته تحمل إليه ما يسد الرمق وان قل من ارغفة العيش وحبات الجبن وماتيسر من إعداد البصل الناشف وهو القابع في القراريط التي ورثها عن الآباء والاجداد من بزوغ الشمس وحتي الغروب ..
لم يتفرغ عمي عطوة يومها للقيل والقال أو التنقيب عما في قلوب الناس بل كان مشغولا تارة بزراعة الأرض والأخرى بالري وثالثة بالعمل الدؤوب والحرث ورابعا بالحصاد وكانت الفرحة تكسوا وجهه المنهك .. عندما يحصل آخر العام علي حبات القمح التي تكفيه ومن يعول ..
لم يكن في قاموس عمي عطوة مكانا للحوم أو الأسماك ويكفي ماتدره جاموسته من لبن يشرب بعضه ويقوم بصناعة ماتبقى كجبن علاوة علي ماتنبته الأرض من عيدان السريس والبصل الأخضر .وهكذا كان عمي عطوة قانعا بما رزق الله .. لم يطمع الي مافي أيدي الآخرين ولم يفكر يوما انه سيغادر البيت الذي توارثه والمبني بالطوب اللبن ..
وكانت صحته علي الدوام علي مايرام فهو لم يعرف للحكماء أو أبواب المستشفيات الحكومية طريقا وكان يعالج نفسه بالوصفات البلدي . حتي اذا مرض أدرك الجميع انه قاب قوسين أو أدني من الرحيل .
عائلة عمي عطوة كلها كانت تعمل بالزراعة فقد كانوا يقدسونها فهي مهنة الآباء والاجداد وان الأرض هي العرض وبالتالي من العار التفريط فيها بيعا أو إهمالا . تذكرت هذا كله وعدت بالذاكرة الي الوراء بعدما ترامي الي مسامعي كيف يفكر أبناء الفلاحين ؟؟ وماقيمة الأرض فثمنها يمكن استثماره في مشاريع عدة . ربما تدر عائدا أفضل بكثير مما يخرج من الأرض . فقد زادت أسعار المبيدات والاسمدة والتقاوي .
ورحم اللة عمي عطوة فقد فاضت روحة الي بارءها قبل أن يري مانسمعة الآن .. فقد كانت رؤيتة أن الأرض كالعرض فهي الكنز والحصن وهي من توارثناها عن الآباء والاجداد وليس اقل من الحفاظ عليها والا قالوا . عواد باع ارضه ؟؟
*كاتب المقال
كاتب وباحث
0 comments:
إرسال تعليق