وزارة الثقافة – بغداد- الزمان المصرى: ساهرة رشيد -
كتاب نقدي جديد يضاف الى مكتبة الطفل تناول
جهد الاديب العربي المعروف جاسم محمد صالح والذي عدُّ واحداً من اهم أدباء الطفل
في الوطن العربي من حيث غزارة انتاجه وعمق كتاباته والروح الفنية والتربوية
والانسانية التي طغت على كل كتاباته للاطفال ( قصة , رواية , مسرحية ) والدليل
العلمي على صحة ما نقول ان العشرات من الشهادات العليا الجامعية كتبت عنه في مختلف
انحاء العالم ( ايران , الجزائر , مصر , الاردن , سوريا , ماليزيا , اذربيجان , تركيا
, لبنان ) , اضافة الى الجامعات العراقية المختلفة وحاضر الاديب جاسم محمد صالح في
كثير من المحافل العلمية والادبية في كثير من دول العالم حيث ترجمت كتبه ومؤلفاته
الى لغات كثيرة من اهمها : ( الفارسية , الكردية , التركية , النرويجية , الانكليزية
, اليابانية , الهولندية ... الخ ) .
ان هذا
الكتاب حفل بمقدمة كتبتها الدكتورة عبير يحيى تناولت فيها مفهوم الذرائعية وتعريفها
وأكدت بان الذرائعية ( اصبحت لغة رسمية لأدب رسالي ايجابي الاتجاه يحمل بين طياته
الفضيلة والحكمة والموعظة والاخلاق الحسنة والمثل العليا والتي حملتها الرؤية
الذرائعية-المقدمة ص8) , وكان تقديم الناقد المغربي ( عبدالرحمن الصوفي ) تأكيداُ
لمقدمة الناقدة السورية عبير يحيى في اهمية وتميز ابداع الكاتب جاسم محمد صالح حيث
تناول منها اهمية أدب الاطفال وان الناقدة ( عقيلة مراجي ) احسنت اختيار موضوع
دراستها النقدية وإنها ببعد نظرتها حينما اختارت نظرية نقدية لما بعد الحداثة
والمقصود بها النظرية الذرائعية –المقدمة ص11) وقد أكد الناقد المغربي مرة ثانية
في مقدمته على نجاح الاديب جاسم محمد صالح ((حين تحسس ضمير النشء من خلال الالتصاق
الدائم بالاطفال تفكيراً واحساساً , المقدمة ص12)) , وجاء ت مقدمة الناقدة عقيلة
مراجي مؤكدة على حضور القيم الانسانية المختلفة في أدب الطفل .. ومن هذا المنطلق
تأتي أهمية هذه الدراسة التي تقوم على البحث في وظيفة القسم وجمالية حضورها في
القصة – المقدمة ص14. حيث تضمن هذا الكتاب
تمهيدا وستة فصول وخاتمة اضافة الى جانب الفهرس وقائمة بالمصادر والمراجع وسير
الناقد والاديب , حيث تناولت في التمهيد عنصر التجنيس فتحدثت عن أدب الطفل والفئة
التي يستهدفها مثيرة الى خصائصه الفنية كما تحدث عن بعض المبادئ التي انطلقت منها
المنهج الذرائعي في تلقية للنص الأدبي , ان هذا الكتاب بكل محتوياته لعكس حقيقة
واحدة * هي ان اديب الأطفال متمكن جداً من حيث اللعة والاسلوب والفكر والمعنى وانه
من خلال مؤلفاته تمكن من يثبت حضوره في عالم أدب الأطفال مما اهله لأن يكون مرجعاً
في الكتابات والدراسات الاكاديمية التي تناولته في مختلف انحاء العالم لأنه بجهده
وابداعه تمكن من ان يقف بجدارة مع أشهر أدباء العالم المتميزين في أدب الأطفال , وهذا
لم يأت اعتباطاً الا من خلال معرفته بأسلوب وفكرة الكتابة للاطفال من منظور تعمقه
بالنظريات التربوية واطلاعه على التراث والموروث الحضاري للإنسانية جمعاء , وان
التاريخ إن سجل الاديب مواقف راقية ومميزة في حب القيم وغرسها في نفوس الاطفال
فأنه يسجل لهذا الرجل كل ذلك من خلال مؤلفاته التي ناهزت الثمانين حيث وضع مساراً
اخلاقياً وتربوياً في كل كتاباته وان هناك مسارات كثيرة ومحاور مختلفة في كتاباته
تصلح ان تكون مادة لدراسات تربوية ونفسية وأدبية يسلط الضوء فيها الى قائمة شامخة
اغنت أدب الأطفال وقدمت له الشيء الكثير .
الزمان هو الفضاء الرحب الذي تتحرك فيه حكاية
الأطفال وهو الذي يعطي للحكاية عمقها ومقبوليتها لدى الطفل حتى كون مقبولة لديه
وقابلاً على التفاعل معها ومع مضمونها من باب القناعة والمعرفة والادراك , وفي
الأدب الموجه للكبار يكون الزمن نسبياً وذا مرونة وخيال وتحرك سريع ومفاجئ من خلال
قطع الاحداث وعودتها الى الماضي وكذلك الحال بالنسبة للمستقبل ... لكن مفهوم الزمن
في أدب الأطفال مرتبط ارتباطاً وثيقاً بعقلية الطفل وقدرته التقبلية وكذلك بمعرفته
وتتابعه للأحداث وفي حالة وجود أي اختلاف عنده فأنه سرعان ما يترك القصة او
الحكاية لأنه لا يستطيع متابعة احداثها بشكل صحيح , فالزمن في تقسيمه المعروف هو
الماضي الذي حدث وانقضى والحاضر الذي نعيش احداثه والمستقبل (المضارع) الذي لم يأت لحد الآن .
حينما يرغب أديب الأطفال ان يطرح قضية او
يعالج مسألة فهو يعرف حقاً أنه يعيشها الآن فيصفها ويعالجها في الواقع الملموس
وبإمكانه ان يذكر الطفل بما كانت عليه سابقاً .. ويترك الخيال للطفل ليعرف ما
سيكون عليه مستقبلاً , فالحاضر ملموس والماضي في اطار التذكير , أما المستقبل فإنه
يلمح اليه تلميحاً او يتركه مفتوحاً لمعرفته من خلال خيال الطفل الخلاق .
اثناء عرض الحكاية وتناولها يكون الحاضر هو
الزمن المسيطر ووعاء الاحداث , وتكون الرؤيا مسلطة عليه ومن خلال هذه الرؤيا عليه
ان يعود للماضي مذكراً وللمضارع منبهاً , ومن الخطأ بمكان ان يكون المضارع هو
الوعاء والعودة الى الحاضر والماضي رمزاَ وتذكيراً, فالطفل سريع الملل وسريع
المتابعة ويجد نفسه متعباً في تحليل الأحداث الزمنية ومتابعتها وتحديد عوامل الربط
, لأنه يحب ان يتعامل مع زمن الحكاية بشكل تسلسلي ومقبول, أحداث متتابعة ومقبولة ,
تسلسل مقنع ومقبول فتكون قريبة منه ومن تقبله ... أديب الأطفال مهنته مدّ جسور
التواصل مع الطفل حتى يوصل إليه ما يريد من أفكار وقيم ومفاهيم ومبادئ في مظلة
الجمال والخيال والبهرجة اللغوية , عندها سيتقبل الطفل الموضوع ويتفاعل معه , وأروع
أنواع القصص التي يحبها الأطفال هي تلك القصص التي تحدث في زمن واحد كأن يكون
الماضي او الحاضر , ويقرأها ويفهم أحداثها من دون ان يتعب ذهنه وحتى الحكاية التي
تحدث في الماضي وتنتهي احداثها في الماضي دون ان يكون لها وجود في الحاضر هي حكاية
مقبولة لديه ومحببة , فهو بعد ان يقرأها او يسمعها على لسان الراوي يعيد معالجتها
في ذهنه محللاً أحداثها ووقائعها ومدلولاتها فيستقي منها العبر والفائدة مستلهماً
الشخصية وكيف تصرفت مع الاحداث في زمن مضى وانقضى , فعليه ان يهيئ نفسه لأي حدث
مشابه يحد , وهنا تكمن الفائدة المرجوة في القصة .
يشكل الخيال العلمي حالة متقدمة في أدب الطفل
, حيث انه وعلى الاعم والاغلب يوجه الى الفئات الاكثر تقدماً من النواحي العمرية ,
وذلك لقدرة الطفل في تلك المهلة على التحليق مع الكاتب في معرفة وتذوق وتقبل النص
الخيالي الذي يقدم إليه , ولا بد لنا ان ننوه بأن ادب الطفل بمفهومه الحديث هو أدب
جديد بصيغة وأفكاره وأساليبه الفنية ويكون أدب الخيال العلمي الموجه للأطفال أكثر
حداثة منه , ولما كان أدباء الطفل هم اقل من أدباء الكبار فأن ادباء الخيال العلمي
يشكلون قلة بين أدباء الطفل , لهذا فأن النصوص الخيالية المقدمة للطفل هي قليلة
جداً قياساً ببقية النصوص وهي في تناقص مستمر لعزوف كثير من الأدباء الذين يكتبون
للطفل في الاستماء في الحفض في هكذا نوع من الأدب.
أدب الخيال العلمي هو ذلك الادب الذي يتناول
حالة علمية في مضمونة ويتفنن الكاتب في تقديم او تناول تلك الحالة بأسلوب فني راق
قريب من مخيلة الطفل ورؤاه وتفكيره , واضعاً في الحسبان ايصال فكرة ومضمون المادة
العلمية بأسلوب فني جميل كله جمال وخيال
ورؤى , وأول ما يتبادر الى الاذهان في مفهوم الخيال العلمي هو الفضاء والكوكب
والسفن الفضائية وعالم المجرات البعيد لكن في الحقيقة هذه المحاور تشكل محوراً
واحداً من محاور الخيال العلمي فإضافة الى ما ذكر فأن عالم البحار وأعماق الارض
وجسم الانسان بما فيه من اعضاء تصلح ان تكون ميداناً خصباً للخيال العلمي وغير ذلك
من الميادين , وبإمكان أديب الأطفال الذكي ان يزاوج بين الأفكار العلمية ويدخلها
في تداخل عميق لتحقيق الغاية المرجوة في التحليق بمخيلة الأطفال الى عوالم اخرى لا
تعد ولا تحصى , وحتى مفهوم الزمان والمكان بإمكان أديب الأطفال يزاوج بينهما ويحدث
انتقالات زمكانية في نصه الادبية بغية تعميق وتفعيل الحـــدث الخيالي بمفهومه
وهنـــا يتــحتم عليه أن يكون ذكياً جــداً حــتى لا يجعل الطـفل يـتـيه في
الحـــدث الزمكاني وبــذاك تتــــلاشى الغـاية المرجوة من تقــديم النص وعـــدم
القـدرة على إيصال ما مطلوب اليه .
بإمكان أديب الأطفال أن يستلم من الأحداث
والوقائع التاريخية ومن الحكايات الشعبية ومن الأحداث الواقعية والاستفادة منها في
بناء نص أدبي للأطفال مستلهماً الخيال العلمي إطار واسلوباً للنص او الحدث بحيث
يتمكن من خلق جو من الإقناع المقبول لدى الطفل من المزاوجة بين الحقيقة والخيال
وبين الأشخاص الواقعيين والأشخاص الافتراضيين التي يدخلها في النص كأبطال فاعلين
او من الاحداث الواقعية والتاريخية المعروفة والشائعة حيث يدفعها نحو تطويع الحدث
في فضاء الخيال العلمي والمعرفي وهنا يتحتم على الأديب ان يكون حذراً في بناء النص
وفي تحريك شخوصه وفي إيصال الحدث الى غايته , فالفشل في استخدام النص للشخوص بشكل
سلبي يؤثر على تردي صورة ذلك الرمز والبطل المعروف ويقلل من قيمته , فلو تناول
شخصية عنتر او الزير سالم او خالد بن الوليد أو صلاح الدين الأيوبي أو حمزة
البهلوان أو المثنى أو القعقاع فأن الطفل يقع في حيرة بين رداءة النص والتعامل مع
شخوصه وما بين المخيلة والذائقة الشعبية التي توارثتهما الأجيال , وهذا التذبذب في
الرؤيا يسقط الرمز من المخيلة وكذا الحال بالنسبة للحدث .
اما استعمال الأدوات ومصداقية مدلولاتها
وقناعة العقل ومقبوليته لدى الأطفال لها الأثر الكبير على نجاح النص , فلا يمكننا
ان نجعل من عنتر بن شداد بطلاً يحارب اعداءه بالأسلحة الليزرية أو النيترونية
وكذلك لا يمكننا ان نقنع الطفل بأن الكائنات الفضائية تستعمل أسلحة بدائية في
مواجهاتها وصداماتها , كأن يستعملوا السكين والمنجل والاسلحة البدائية المصنوعة من
العظام , لأن هذا لا يتناسب مع تطورهم وقدراتهم العلمية الفذة التي تجعلهم يجرون
في عالم المجرات بسفن فضائية فائقة السرعة .
إن نص الخيال العلمي نص يحتاج الى كثير من
الامور منها :
1) أن
يكون مقبولاً في صيرورة الحدث .
2) في
مصداقية الزمان والمكان .
3) في
الاقناع في الطرح وتسلسل الاحداث .
4) في
ملائمة بين الشخوص والاحداث (لغة , عرضاً , تناولاً) .
5)التطابق
بين صورة المعروف وبين الواقع المقبول .
6) عدم
الاختلاف في الطرح بين الغايات المتوارثة وبين المطروح واقعاً .
فلا يمكننا ابداً من حيث المثال أن نغير
شخصية حاتم الطائي من كرمه المعروف عنه الى شخص بخيل او جبان او رعديد لا غاية له
سوى ايذاء الناس , وكذا الحال بالنسبة لشخصية شيبوب او شخصية على الزييق او دليلة ,
لان هذه الشخوص بنت لها خيالاً معرفياً في اذهان الناس لا يمكن للأديب ومهما امتلك
من قدرة ان يغير بناء الشخصية وملامحها .
0 comments:
إرسال تعليق