لا زالت جائحة كورونا ترافق حياتنا منذ قرابة العام. طول هذه
المدة وغياب معطيات عن موعد نهاية الجائحة يُتعب أذهان ونفوس البشر. عشرات
الدراسات أظهرت ارتفاعا كبيرا لحالات القلق والضغط النفسي والاضطرابات الاكتئابية
في عدة بلدان عبر العالم. أمر يُمكن محاولة تجنبه حسب عدد من المختصين باتباع بعض
النصائح الأساسية.
دفع تفشي وباء كورونا الكثيرين منّا إلى حافة الانهيار. لكن
على الرغم من أننا بالفعل منهكون، وأن كواهلنا مثقلة بالأعباء، فإن بعض الخبراء
يقولون إننا لسنا مُستنزفين بدنيا وذهنيا، بالقدر الذي قد نتصوره. أنّ احتراق الأعصاب والتوتر النفسي والعصبي يؤثر بشكل سلبي طوال
الوقت على الطاقم الطبي، موضحا أنّ الكثير من الأحيان ما يخفف من عبء المهمات على
أي فرد من المجتمع أنّه يشاهد ناتج عمله أو النتيجة الطيبة لعمله، لكن ما حدث
مؤخرا بسبب كورونا أن بعد هذا التعب والمجهود لا يرى النتيجة الطيبة، ويصاب أكثر
بالإحباط.
في الكثير من المرات، قلت لنفسي ولأصدقائي وزملائي، إنني
أعاني من الإرهاق والإنهاك الشديديْن. فلكي تكسب قوتك عبر العمل كصحفي مستقل مثلي،
ينبغي عليك أن تعمل في غالبية الأحيان، لساعات أطول، وأن تؤدي أنشطة ومهام مختلفة
في وقت واحد. وفي كل عام، ينتابني شعور في بعض الأحيان - وإن كانت قليلة - بأن
ينبوع الأفكار الجديدة والمبتكرة لديّ قد جف، وأنني بحاجة لقدر من الراحة والتقاط
الأنفاس.
وظللت لفترة طويلة اعتبر الشعور بهذه الحالة، بمثابة معاناة
من النضوب الكامل لطاقتي الذهنية والبدنية بعد فترة من العمل الشاق، وهو ما يُطلق
عليه علميا اسم "الاحتراق النفسي". لكن تبين لي أنني كنت مخطئة في هذا
التوصيف.
على كل حال، ننزع جميعا إلى اعتبار أن المرور بهذه الحالة من
الإعياء الشديد بدنيا وذهنيا، أمر غير ملموس، ليس بمقدورنا تحديده أو تعريفه،
وأننا لا نعرفه إلا عندما نحس به. وفي الوقت الحاضر، يزيد عدد من يَخْبرون هذا
الإحساس، أكثر من أي وقت مضى. ففي هذه المرحلة من مراحل وباء كورونا، وبعد أكثر من
عام كامل أمضيناه ونحن نحاول جاهدين التعامل مع التحديات المترتبة عليه، بات
الشعور العام السائد بيننا، يتمثل في أننا جميعا فقدنا طاقاتنا البدنية والذهنية
بشكل مفاجئ.
غير أن ذلك لا ينفي أن لـ "الاحتراق النفسي"
تعريفا علميا، ومعايير يمكننا قياسه على أساسها. وبناء على هذا المعايير، سيتضح
للكثيرين، ممن يعتقدون أنهم يعانون من هذه الحالة - وأنا من بينهم - أن الأمر ليس
كذلك على الإطلاق. لكن ذلك لا يعني أننا لسنا عرضة لخطر المعاناة من هذه المشكلة،
وهو ما يشير إلى أن فهمنا لكيفية قياس "الاحتراق النفسي" بدقة، يمكن أن
يساعد الأشخاص والمؤسسات، على تعديل المسار، قبل أن يفوت الأوان.
لم يشهد العالم حدثا جللا مثل ما شهده من حدث انتشار جائحة
كورونا، ولازال يعيش في كنفه حيث يعد تهديدها للبشرية الاخطر في التاريخ المعاصر،
وشمل تهديدها ولازال كل القطاعات الاجتماعية والاقتصادية،ومنها قطاع التعليم، فحتى
مارس/آذار 2020(تسببت الجائحة في انقطاع أكثر من 1.6 مليار طفل وشاب عن التعليم في
161بلدا، أي ما يقرب من 80% من الطلاب الملتحقين بالمدارس على مستوى العالم)وبما
ان اغلب دول العالم إهتمت بالتعليم دون التعلم مما خلق أزمة تعليمية
عالمية،حيث فقد فيها الطلاب المهارات الاساسية التي يجب ان يحصلو عليها. ويظهر
مؤشر البنك الدولي عن(فقر التعلم أو نسبة الطلاب الذين لا يستطيعون القراءة أو
الفهم في سن العاشرة حيث بلغت في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل 53% قبيل تفشي
الجائحة)ومن المؤكد ان تاثير الجائحة سوف يزيد المشهد سوءا،وانعكاسها على الطلبة
شديدا مما ادخلهم في ما يعرف بالاحتراق النفسي او الاحتراق الدراسي ،وسوف يستمر
هذا الاحتراق ردحا من الزمن بسبب التاثير السلبي للجائحة.
كان الإحتراق النفسي مرتبط بالمهن التي تجمع بين(الإرهاق
والمـثالية، فيـصيب بالدرجة الأولى، الأطباء والمدرسين وغيرها من اصحاب المهن)الا
ان الظاهرة تسللت إلى الأوساط الطلابية وبالاخص الجامعية، الأمر الذي
حدا بعلماء النفس والخبراء الإجتماعيين إلى تسليط الضوء على هذه الظاهرة والتحذير
من مخاطرها.
والاحتراق النفسي Occupational
burnout) هو (مرض يتسم بمجموعة من العلامات والأعراض والمتغيرات في
السلوكيات، وفي بعض الحالات، يتم رصد متغيرات في التكوين الجسدي والوظيفي
والكيمياء الحيوية الجسمانية لدى بعض المصابين بهذا المرض). فهو مرض نفسي أساسة
الخوف والبؤس والارهاق بسبب الضغط السلوكي السلبي الثقيل.كما يسبب الاحتراق النفسي
على المدى الطويل تغييرات في(مناعة الجسم تزيد من الاستعداد للأمراض)، مما يستلزم
التعامل الجاد مع هذه الظاهرة والاستعداد الجدي لها.
اضف الى ذلك هناك عوامل مساعدة (أهمها أسلوب حياة الشخص وبعض
سمات شخصيته،وكيف يقضي أوقات فراغه).
وتشير الدراسات انه غالبا ما تظهر على الطلاب أعراض
من(الضغوط النفسية والإجهاد،وإذا ما إستمرت هذه الضغوط والإجهاد لفترة طويلة، فإنه
يخشى أن يتحول إلى استنزاف جسمي وانفعالي كامل)وهذا ما احدثته الجائحة وعكسته على
الطلبة بكل شرائحهم وجعلتهم تحت الاحتراق الدراسي القاسي عليهم والمؤثر في سلوكهم.
كما ان التأخر في العام الدراسي أو انقطاعه ادى إلى(حدوث
اضطراب كامل في حياة العديد من الطلبة وأهاليهم ومعلميهم). وهناك الكثير مما يمكن
عمله للحد من هذه الآثار، وذلك من خلال استراتيجيات التعلم عن بعد. وتعد
البلدان(الأكثر ثراء أفضل استعدادا للانتقال إلى استراتيجيات التعلم عبر الإنترنت
، وإن اكتنف الأمر قدر كبير من الجهد والتحديات التي تواجه المعلمين وأولياء
الأمور). ولكن الأوضاع في كل من البلدان متوسطة الدخل والأفقر ليست على شاكلة
واحدة، وإذا لم نتصرف على النحو المناسب فالمشاكل سوف تزداد.
وبسبب غلق المدارس والجامعات فقد تغيرت سلوكيات الطلبة وتعبت
نفسياتهم بسبب الخوف والقلق من استمرار الجائحة فهم(يشعرون بالخواء التام، دون
امتلاكهم لأدنى مستويات الطاقة التي تدفعهم لتنفيذ مهامهم)وهي حالة لم تقتصر على
شريحة الطلبة بل شملت كل فئات البشرالذين تعرضو بسبب الجائحة الى(المشاعر والأفكار
السلبية)مثل الشعور بالخوف والاضطراب. وعلى
هذا الأساس ظهر ما يعرف بمتلازمة الاحتراق النفسي أو الذاتي Burnout
syndrome، وهي مصطلح طبي يطلق على(مجموعة المشكلات النفسية التي تواجه
الافراد مثل الإجهاد والإرهاق، مما يسبب ضعفا عاما، كما لو أنك تحترق بالفعل من
الداخل من أجل الآخرين)،وقدمت كل من Christina
Maslach و Susane
Jackson وهما من علماء النفس
الاجتماعي عام 1981 تحديدا(لمتلازمة الاحتراق النفسي) من
انها متلازمة لثلاثة عوامل سلوكية هي النضب الوجداني وسلب الشخصية وتدني الإنجاز
الشخصي،تظهر لدى الأفراد وتغير سلوكهم.
ويرجع(النضب الوجداني إلى فقدان الطاقة وإلى الشعور بنضب
الموارد الوجدانية.فيشعر الفرد أنه فارغ عصبيا) ويمثل (سلب الشخصية البعد الشخصي
البينى لمتلازمة الاحتراق النفسي ،فهو يشير إلى تطور تصرفات غير شخصية، وميول
إنفصالية، وسلبية، وساخرة). ويتعلق(فقدان أو تدني الإنجاز الشخصي بشعور الفرد
بانعدام قيمة عمله، وكفاءاته، والاعتقاد بأنه فاشل في الوصول لأهدافه، وانخفاض
الرضا عن الذات).
لقد أثرت الجائحة على الطلبة بكل شرائحهم وأصابتهم بمتلازمة
سلوكية قاسية هي متلازمة الاحتراق الدراسي مما يستلزم وضع إستراتيجيات رعاية خاصة
تبعهدهم عن الخوف والقلق والبؤس وتضمن لهم رعاية خاصة بعد إبتعادهم عن
مؤسساتهم التعليمية والتحول بالتعليم نحو إستراتيجيات التعلم وترسيخ هذا المنهج
حيث ان تاثير الجائحة متوقع لها أن تستمر للعام الدراسي القادم.
*كاتب المقال
دكتور القانون العام
عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية
والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي
الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا
مستشار الهيئة العليا للشؤون
القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
مستشار تحكيم
دولي محكم دولي
معتمد خبير في جرائم امن المعلومات
نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز
المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم
المتحدة سابقا
عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب
واعداد القادة
عضو منظمة التجارة الأوروبية
عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس
الأعلى لحقوق الانسان
محاضر دولي في حقوق الانسان
0 comments:
إرسال تعليق