• اخر الاخبار

    السبت، 18 سبتمبر 2021

    ثقافاتٌ ورؤى ..أ.د. أحلام الحسن رئيس القسم الثقافي تقدم الناقد الكبير عبد الله الميالي ودراسة حول: توظيف الأسطورة في رواية (أوتو) للروائي خلدون السراي

     


     

    ونحن نقف أمام نص روائي للكاتب خلدون السراي، وظّف فيه أسطورة الإله (أوتو) بشكل مميّز بدأً من العنوان وصورة الغلاف وانتهاءً بآخر كلمة من الرواية .. علينا أن نتعرّف أولاً على الإله (أوتو) ، فقد جاء في تعريفه: (يُسمى الإله أوتو بالسومرية "أود" وبالبابلية والآشورية "شمش" ، وهو إله الشمس بحسب الميثولوجيا السومرية، وهو ابن إله القمر "نانا" ، وهو شقيق الإله "إشكور" كما أنه توأم الإلهة "إنانّا" ملكة الجنة، وهو بحسب الميثولوجيا السومرية إله الشمس والعدل وتطبيق القانون وربُّ الحقيقة، ذُكر الإله أوتو في ملحمة كلكامش أثناء العصر البابلي القديم.)[1] 

    من أكثر الباحثين الذين اشتغلوا على ارتباط وتوظيف الأساطير وتعالقها مع النصوص الأدبية، هو الباحث الفرنسي (بيار برونال) حيث أرسى قواعد منهجية لمقارنة النص الأدبي مع الأسطورة الأصلية، وتتلخص هذه القواعد على ثلاثة أركان لا غير (التجلّي، المطاوعة، الإشعاع) ، فكان لهذه المقاربة النقدية لـ(برونال) اليد الطولى في أية دراسة أو تحليل لنص أدبي يحمل في طيّاته عناصر أسطورية.

    وما يهمنا هنا هو الركن الثالث من نظرية (برونال) وهو الإشعاع ومفاده: (أنّ العنصر الأسطوري يمتلك خصائص ذاتية يستغلها المبدع كي تشع على مجمل العمل الأدبي، حينما يلقي ذلك العنصر بضلاله على مجموع المساحة القرائية حينما يشكل الخلفية القرائية لذلك العمل الأدبي، ويشع العنصر الأسطوري، انطلاقاً من موقعه النصي كأن يكون عنواناً، أو فاتحة، أو استهلالاً أو إهداء أو فقرة على الغلاف النهائي، أو لازمة تتكرر داخل النص، أو جملة شديدة التكثيف أو مجرد إشارة تحيل على عنصر أسطوري.)[2]

    وعند إسقاطنا هذا المفهوم على رواية (أوتو) للكاتب خلدون السراي سنجده متلائم تماماً مع بُنية النص، حيث العنوان الذي يغري القارئ ويشغل مخيلته لإيجاد تفسير له، باعتبار العنوان هو عتبة الولوج لعالم النص كما تؤكد الدراسات النقدية الحديثة، مروراً بصورة الغلاف، ثم محتوى النص الذي ألقى بضلاله على مجمل المساحة القرائية للنص الروائي، حتى أصبح الإله (أوتو) هو الشخصية المحورية والعمود الفقري الذي يرتكز عليه النص الروائي، وساهمت في البناء الدرامي لأحداث الرواية.  

    اختار الكاتب خلدون السراي توظيف أسطورة الإله (أوتو) بما له من رمزية في عالم الأساطير، كونه إله العدل وتطبيق القانون حسب الميثولوجيا السومرية، ليبعث رسالته إلى القارئ (وهو هنا قارئ عراقي بالدرجة الأولى) ومفادها: إنّ مشاكلكم قد استعصت على الحلّ حتى لو تدخلت آلهة العوالم الأخرى!!

    ففي الرواية نجد الإله (أوتو) يتجوّل في أماكن ومناطق مختلفة من العراق، حاملاً رسالته من أجل العدالة والحقيقة وتطبيق القانون وإعادة الحق إلى صاحبه و"لتغيير مسار الحياة التي غابت عنها شمس الحق" ص25 ، فيعرض خدماته على شرائح مختلفة من المجتمع، ولكنه في نهاية المطاف يفشل في إيجاد الحلول ولو لمرّة واحدة، ليجد نفسه في مأزق كبير، بعد أن استعصى عليه إيجاد أيّ منفذ لتلك المشاكل، حتى إنه كان يخاطب الناس وهو يعرض خدمات المساعدة: "أنا أوتو إله الحقيقة والعدالة، جئت من عالم آخر لأخرجك من المأزق الذي أنت به، هذه مهمتي التي جئتك من أجلها، ولا أريد منك شيئاً سوى أن تحدثني عن مشكلتك" ص46

    فقد فشل (أوتو) في أن يساعد طفل "خُلق ورأسه على هيئة قط" ص25 .. كما فشل مرة ثانية في مساعدة مريض راقد في مستشفى الأمراض النفسية، يُعاني من أزمة نفسية حادّة من تأنيب الضمير لتسببه في وفاة طفلته من دون قصد حينما اقتحم منزله رجال الأمن .. وفشل مرة ثالثة في مساعدة زوجة مصابة بالعقم أصبحت في موقع سخرية من جيرانها وخصوصاً من جارتها (قطة الشوارع) .. كما فشل مرة رابعة في مساعدة كاتب تعرض للتهديد من قبل جماعات مسلحة بسبب انتقاداته اللاذعة وفكره الحر، حتى وصل الحال بهذا الكاتب للتفكير بالانتحار شنقاً للتخلص من أفكاره .. وفشل مرة خامسة في مساعدة فتاة تزوجت قهراً برجل كبير العمر، في حين هي صغيرة وفي سنّ لا تعرف معه مهام ومتطلبات الزواج، فيموت الزوج بعد أنْ يُنجب منها طفلاً، ليُقتل هو الآخر وهو بعمر الرابعة مع والدها في تفجير إرهابي، لتجد نفسها أرملة في ربيع عمرها، فتقع ضحية لرجل وأتباعه يُديرون مؤسسة خيرية لمساعدة الأيتام والأرامل .. كما فشل للمرة السادسة في تغيير طبيعة زعيم سياسي من زعماء المشهد السياسي العراقي الذين عشقوا السلطة والزعامة، زعيم له سلطة عُليا في البلد يأمر فيُطاع.

    يُصاب الإله (أوتو) بخيبة أمل بعد أن يفشل بمهمته في مساعدة الناس، الظالم منهم والمظلوم، فيعترف بفشله وهو يجر أذيال الخيبة: "بالأمس كنتُ قادراً على حلّ الأمور بطرف عين، أما اليوم صرتُ حائراً" ص41 .. "لقد أقحمتُ نفسي بدوامة لا مفرّ منها، ما أقبحه من شعور حين تحاول أن تتقدم خطوة واحدة وأنت تعلم أنك وصلت إلى نهاية الطريق ونفدت كل خطواتك، ما أقبحه من شعور حين تجد نفسك عاجزاً عن العودة إلى ملاذك الوحيد، لأنه سيكلفك الكثير وأهمها: الاعتراف بالفشل، ومن يقوى على الاعتراف بالفشل؟ وهل يقوى على ذلك من هو إله مثلي؟ آه يا لخيبتي" ص104   

    يبدو لي أنّ الرسالة التي يريد الكاتب خلدون السراي إيصالها إلى القارئ، من خلال هذا النص الأدبي، هي استحالة وجود حلول لمشاكل البلد حتى لو تدخلت الآلهة، وهي رسالة نابعة من اليأس والإحباط الذي سرى في نفوس الكثيرين من أفراد المجتمع في العراق وهم يرون البلاد تسير نحو مستقبل مجهول بسبب التجاذبات والتخندقات السياسية التي أفرزت مافيات وحيتان للفساد تحتاج إلى معجزة سماوية للتخلص منها.

    ومع كلّ هذه السوداوية التي رسمها الكاتب في نصه الأدبي، لابد أن نتشبّث بالأمل، وبغدٍ مشرق يسطع على قوى الظلام والفساد، فما بين غمضةِ عَين وانتباهتها يُغيّر الله من حالٍ إلى حالِ.  

    لقد أسهم توظيف أسطورة الإله (أوتو) في بُنية النص الروائي في خلق جمالية روائية حثّت القارئ لمتابعة قراءة النص لغرض الوصول إلى ما يُسمى بـ(مربط الفرس) أو زبدة الكلام.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    1ــ تاريخ حضارات الشرق المخفي والمُغيّب .. أساطير بلاد الرافدين، ص558 ، تأليف مشترك: د. هيثم طيّون، د. سام مايكلز

    2ــ الملامح الأسطورية في الرواية ص29 ، الباحث عبد الحليم منصوري

    3ــ رواية أوتو، خلدون السراي، منشورات الهجّان، بيروت – 2021

     

     

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: ثقافاتٌ ورؤى ..أ.د. أحلام الحسن رئيس القسم الثقافي تقدم الناقد الكبير عبد الله الميالي ودراسة حول: توظيف الأسطورة في رواية (أوتو) للروائي خلدون السراي Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top