أن مواقف الدول الكبرى دائمة
العضوية أصبحت تتسم بدرجة لا تطاق من الازدواجية والنفاق الدولي. فحين تعلن دولةٌ
مثل روسيا أن التهديد باستخدام القوة في نزاع السد الأثيوبي يجب منعه فهذا أمرٌ
يثير الدهشة ويعبر عن التناقض والازدواجية. فروسيا هى آخر دولة فى العالم يحق لها
أن تفلسف معارضة استخدام القوة وتعطى بشأنها دروساً لأحد.
فقد احتلت روسيا دولاً كاملة وقضت
على هويتها وضمت أجزاء من دول أخرى وسحقت سيادتها. كيف تجيء إذن دولة بهذه
السلوكيات والقيم لتنكر على دولة أخرى أن تدافع عن حقها فى الوجود وعن أمنها
المائي الذى تتوقف عليه معظم مقوّمات حياة شعبها؟
أما الصين فقد كان الظن أنها قوة أخلاقية عادلة
لكن يبدو أن هناك دائما روائح استعمارية مبكرة وهيمنة صاعدة ذات رائحة يمكن شمها
ولو اختبأت تحت جلود أصحابها لأن استثمارات وتطلعات الصين فى أثيوبيا سبقت قوة
المبادئ والقانون الدولي.
الأطراف الرئيسية المشاركة في
حروب اليوم ليست بالضرورة دولًا، إنما قد تكون بقايا دول فاشلة أو ميليشيات مسلحة
غير تابعة لدولة أو تحالفًا من قوات دولية يجرى تجميعها لمواجهة دولة ما أو
ميليشيا مسلحة. وتُعد ظاهرة ما يُسمى «الحرب على الإرهاب» من أكثر الظواهر شمولًا
على صعيد المستجدات في ثقافات وأخلاقيات الحروب، وقد اقتحمت حياتنا السياسية
والقانونية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأميركية.
وإذا كانت الانتهاكات الإنسانية
التي تصاحب المستجدات في عالم الصراعات ليست بالجديدة، غير أن التطور الذي شهدته
المجتمعات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية يدفعنا للتساؤل عن معنى الغياب شبه
التام للسؤال الأخلاقي لدى الأطراف المنخرطة في هذه الحروب؟ ولماذا تختفي أخلاقيات
الحرب خلف ستار مسرح العمليات القتالية؟
أين ذهبت آراء وأفكار رواد
المدرسة «الأخلاقية» سقراط وأفلاطون وأرسطو وتوما الأكويني والكثير غيرهم ممن
أجمعوا على ضرورة وجود أخلاق فاضلة في الحروب يلزم اتباعها لذاتها، مؤكدين أن
الخلق الفاضل يشكل صالح الإنسان، وضروري لازدهارنا كبشر نعيش في مجتمع واحد.
إذا كنا مضطرين جميعًا أن نشهد
هذه الصراعات والحروب -وهي قطعًا سنة كونية فإن اهتمامنا الأول يجب أن يكون بالعمل
على تخفيف المعاناة الناجمة عنها وذلك يحدث عند فهمنا لأهمية احترام أخلاقياتها
المجسدة في اتفاقيات القانون الدولي الإنساني، والاقتناع بأن ما قاله نيكولو
مكيافيلي منذ خمسة قرون مضت بأن الغاية تبرر الوسيلة لم ولن يكون صحيحًا. ومن
المشكلات الكبرى التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية أن هذه المجتمعات لم تتمثل
عملياً المرجعية الإسلامية للقيم، ففقدت بذلك "قوة القيمة" واستسلمت في
كثير من الأحيان للسلطة القهرية التي تمثلها "قيمة القوة". مقولة تعددية
القيم ترى أنَّ الحياة المنشودة تكتنفها قيم متعددة، وقد تكون متضاربة؛ ليس
لأنَّها تتصف بالذاتية ولا بالنسبية، وإنما لعدم وجود طريقة واحدة للجمع المتوازن
بينها أو لقياسها. فكيف يمكن أن تلتقي الحرية بالمساواة، أو الحياة بالعدل، أو
الحياة بالحرية، أو العدل بالعفو، أو المعرفة بالرحمة؟!
من المهم أن نلاحظ أنَّ التعددية
هي فكرة مختلفة عن النسبية الأخلاقية، فالنسبية، في أعلى مستوياتها، تذهب إلى عدم
وجود مسلمات أخلاقية، وإلى أن الأحكام القيمية تُبنى على وجهات نظر معينة (شخصية
أو ثقافية)، لا يتفوق أيٌ منها على الآخر. أما التعددية فهي على النقيض من ذلك، هي
في جوهرها وجهة نظر كونية، يدعمها قبول بعض الناس بها على أنها قيم إنسانية
مشتركة، لكنَّ هذه القيم متميزة بصورة واضحة عن غيرها، ولا تقبل القياس بنفس
المقاييس.
وتشرح موسوعة ستانفورد في الفلسفة
فكرة تعددية القيم بقدر من التفصيل وتبدأ بالربط بين التعددية الأخلاقية والتعددية
السياسية؛ فالتعددية السياسية، هي وجهة نظر ترتبط بالليبرالية السياسية، فهناك
نظمٌ قيميةٌ مختلفة في العالم، لها مواقفها واختياراتها، وتختص بتحديد أيِّ نوع من
القيود تضعها الحكومات على حرية الناس في التصرف وفقاً لنظمها القيمية. وثمة درجات
ثلاث في تحديد صورة التعددية السياسية، الأولى ترى أنَّ جميع منظومات القيم صحيحة،
وهي على قدم المساواة، مما يوجب احترامها، والصورة الثانية الأقل شأناً من الأولى
ترى أن جميع منظومات القيم يجب أن يتعامل معها بالتسامح، وربَّما الصورة الأكثر
شيوعا أن بعض هذه الأنظمة (تلك المعقولة) يجب أن يتعامل معها بالتسامح.
وتقرر الموسوعة أنَّ النقاش حول
مسألة التعددية في الأخلاق، هو نقاش حول مسألة بنيوية، فهو لا يعني التمييز بين
النسبية والموضوعية والذاتية؛ إذ يمكن للمرء أن تكون لديه تعددية في القيم ويكون
موضوعياً أو ذاتياً؛ واقعياً أو مثالياً. إن مسألة تعدد القيم أو أُحاديتِها تختص
بعدد القيم التي على النظرية الأخلاقية أن تتعامل معها. فالتعددية الأخلاقية تختص
بوجود قيم مختلفة، مثل قيم السعادة، والحرية، والصداقة، وغيرها، وعدم إمكانية
اختزال هذه القيم المتعددة إلى قيمة عظمى واحدة.
وهناك طرق مختلفة يمكن أن نفكر في
القيم من خلالها؛ أي إنَّ هناك تقاطعاً بين عدد من النظريات الأخلاقية. لكنَّ ثمة
جدلاً حول قوة الحجة التي تميز هذه الطرق عن بعضها. إنَّ مصطلح "قيمة" كما
يظهر في "تعددية القيم" هو مصطلح محايد، ومع أنَّ هناك طرقاً مختلفة
للتفكير فيما يُعدّ قيمة، فإنَّ هذا الاختلاف لا يحدد بالتالي تقسيماً محدداً لطرق
التفكير في الأخلاق.
فإحدى طرق التفكير ترى القيمة
متحققة في صورة الخير في هذا العالم، مثل الصداقة والمعرفة والجمال وغير ذلك،
والمهم إعطاء القيمة للأمور التي تُعَدَّ خيراً. وأن طريقة التعامل مع هذا الخير
طريقة مفتوحة، وهذا ما نسميه "منهج الخير في القيم"، ومعظم المؤمنين
بتعددية القيم يستعملون هذا المنهج.
وهناك طريقة أخرى ترى القيمة
بصورة مختلفة، تستعمل مصطلحات القوانين والمبادئ وليس مصطلحات الخير، فصفة
التعددية تَظهر في هذه الطريقة في سؤال: هل هناك تعددية في المبادئ، أم إنّ هناك
مبدأ واحداً أسمى؟ ومن هنا تظهر فكرة مقابلة لتعددية القيم وهي واحدية القيم
والمؤمنون بواحدية القيم يدَّعون أنَّ هناك قيمة واحدة فقط في نهاية المطاف. فهم
يرون أنَّ هذه القيمة الواحدة هي الرفاهية، أو اللذة، أو السعادة، أو أي شيء من
هذا القبيل. فأصحاب فلسفة المنفعة -مثلاً- يرون أنَّ كلَّ القيم المفترضة مثل الصداقة
والمعرفة وغيرها، هي قيم وسيلية تتحدد فائدتُها بقدر إسهامها في تحقيق السعادة.
أما المؤمنون بتعددية القيم فيرون
أنَّ هناك حقاً العديد من القيم المختلفة، وأنَّ هذه القيم لا يمكن اختزالها في
قيمة عظمى. ويلاحظ أصحاب رؤية واحدية القيم ميزة البساطة، فعندما تتحدد القيمة
العليا نكون قد حسمنا الأمر. ولكن هذا يُعد تبسيطاً مخلاً للأمر، لأنَّه قد لا
يفيد في تعرُّف البنية الحقيقية لحياتنا الأخلاقية، وكذلك فإنَّ نظرية "تعددية
القيم" تواجه صعوبة في فهم الكيفية التي تتعلق القيم الأساسية ببعضها وكيفية
المقارنة بينها.
وتختم الموسوعة المشار إليها
نقاشها المطول للموضوع بالقول: إنَّ النقاش بين فكرة تعددية القيم أو واحديتها لا
يتَّسم دائماً بالوضوح الكافي، فقد لخص مدخل تعددية القيم في الموسوعة بعض جوانب
النقاش، وشرح بعض مسائله. وتبين أنَّ على القائلين بتعددية القيم أن يكونوا واضحين
فيما إذا كانوا تعدديين أصوليين أم معياريين، وعلى أي أساس يبنون معياريتهم. وكذلك
فإنَّ على القائلين بواحدية القيم أن يدافعوا عن ادعائهم بأن هناك حقاً قيمةً عليا
واحدة
*كاتب المقال
دكتور القانون العام
عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
مدير مركز المصريين للدراسات
السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد
العربي الأوربي للدراسات السياسية
والاستراتيجية بفرنسا
مستشار الهيئة العليا للشؤون
القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
مستشار تحكيم دولي محكم دولي معتمد خبير في جرائم امن المعلومات
نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق
بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان
والتنمية
نائب رئيس لجنة حقوق الانسان
بالأمم المتحدة سابقا
عضو استشاري بالمركز الأعلى
للتدريب واعداد القادة
عضو منظمة التجارة الأوروبية
عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس
الأعلى لحقوق الانسان
محاضر دولي في حقوق الانسان
0 comments:
إرسال تعليق