هشام مدرس اللغة العربية في اعدادية احد مناطق بغداد ..مضى على خدمته في تلك المدرسة خمسة عشر سنة حصل خلالها على محبة وتقدير الطلبة والمدرسين ومحبة كل من عرفه ، رجل صادق امين ، متزوج من مدرسة اللغة الانكليزية اصلها من بلد مجاور،كانت في غاية الجمال والكمال.لاتتكلم اللغةالعربية،لكنها تجيد التحدث باللغة الانكليزية بطلاقة اضافة الى لغتها الاصلية ، رزق منها بنتا جميلة جداً اكثر جمالا من امها؛؛تعلمت زهراء من امها اللغة الانكليزية ولغة بلدها ، وتعلمت من والدها اللغة العربية على اصولها اللغوية الصحيحة ؛تربت البنت في العزوالدلال كونها الوحيدة لوالديها، وتتمتع البنت بالذكاء المفرط والتفوق في الدراسة والحصول على اعلى الدرجات ؛؛
هشام لم ينتمي الى اي حزب من الاحزاب السرية في ذلك
الوقت الذي يمنع فيه ممارسة العمل السياسي في البلد ، وكل شخص يزاول نشاطاً حزبياً
يعتبر ضد السلطة ويعاقب باشد العقوبات وربما تصل العقوبة الى الاعدام؛؛هشام يؤدي واجبه
الوظيفي ويعود الى البيت
بعيداً عن الناس
، بمعنى اخر انه لم يختلط مع احد
وكرس حياته كلها
الى عائلته، ولاتوجد لدية اي علاقة بأحد من الناس؛ كما لاتوجد لديه أي عداوة ؛؛مع اي
شخص ..كان مدرساً متمكناً من عمله و يتقن اللغة العربية اتقانا جيداً. يجيد تنظيم الشعر
بانواعه، الفصيح والشعر الشعبي، كما يجيد التكلم باللغة الانكليزية؛
ابنته زهراء شاعرة
كأبيها تعلمت اللغة العربية الفصيحة من والدها وتعلمت اللغة الانكليزية من والدتها
بالاضافة الى تعلمها لغة بلد امها ؛ اي انها تتكلم بثلاث لغات، وكانوا سعداء جداً في
حياتهم الخالية من المشاكل في احد الايام عرف
من بعض محبيه ان احد المدرسين لديه تنظيم سري ممنوع القي القبض عليه من قبل السلطة
وعثر في بيته على قائمة فيها اسماء للمتبرعين الى مشروع خيري مقام في المنطقة أعتبرت
السلطة ان الاشخاص المدرجة اسمائهم في تلك القائمة اعضاء في التنظيم السري الممنوع واعتبرت مبالغ التبرعات بدلات اشتراك مدفوعة من
قبلهم للتنظيم.
كان هشام احد المتبرعين
الى المشروع الخيري، دون ان يعلم بان ذلك المدرس لديه تنظيم سري .. لهذا قرر الفرارالى
خارج البلد خوفاً من السلطة ومن السجن ، وهو يعلم علم اليقين اذا تم القاء القبض عليه
فانه لايستطيع الافلات من السلطة ابداً كون اسمه موجود في
القائمة ؛؛ لهذا السبب ترك بيته ليلاً مع زوجته وابنته
متوجها الى بلد زوجته تاركاً كل شيء في البيت ليتمكن من الفرار بسرعة فائقة ودون تاخير..
وعندما وصلوا الى
بلد زوجته المجاور باشر في ايجاد عمل يتناسب
وقدراته ولم يجد افضل من الاعلام ، وباشر فيه تعاونه ابنته زهراء الجميلة
..
زوجته ام زهراء
ومن شدة الخوف التي مر بها في بغداد وهروبهم
في منتصف الليل تعرضت الى مرض خطير؛؛وان
خوفها على ابنتها وعلى زوجها وندماً على ترك بيتهم بما فيه من مقتنياتهم التي جمعوها
من العمل المضني في التدريس طيلة السنوات الماضية؛كانت الاسباب الرئيسية التي ادت الى
مرضها الشديد ؛؛
زهراء اصبحت المسؤولة على شراء لوازم البيت التي يحتاجونها وتاثيثه من البداية الى النهاية لان كل شيء ضاع منهم في بيتهم في العراق..
اضافة الى رعاية
والدتها التي اضناها المرض وفي احد الايام تضاعف المرض على ام زهراء وتوفيت وهي بين
يديهاصرخت زهراء ولطمت على خدها وتصيح ما ما
، ماما ؛ حضر والدها في تلك اللحظة وشاهد زوجته المتوفية بين يدي ابنته زهراء صرخ هو الاخر. وحضر
اقارب زوجته واخوانها وشاركوهم في الصراخ والعويل ؛ وبعد اتمام العزاء ، شعرت زهراء
بالحزن الكبيرلموت والدتها كما شعرت في الفراغ الكبير؛؛ ولم تستطيع نسيان تلك اللحظات
التي ماتت والدتها بين يديها ؛ووالدها يهون عليها المصاب ؛
قرر والدها السفر
الى انكلترا للعمل في مجال الصحافة والاعلام واصطحب معه ابنته زهراءللعمل معه، لنباهتها
وذكائها المميز، وخوفاً عليها من الوحدة وكان
محطته الاولى لندن مارسا عملهما فيها واجاد التكلم باللغة الانكليزية، واصبحت علاقاتهم واسعة يتنقلون
بين الدول منها فرنسا وامريكا وحتى روسيا تعلما لغات تلك البلدان؛؛التقت زهراء باحد
اقربها المهندس طلال ، كان شاباً طموحا ، يمارس عمله في لندن ، تعلق بالحسناء فائقة
الجمال زهراء وتعلقت به ، وتم زواجهما هناك
، رزق منها بنت وولد وكانا في غاية الجمال ؛؛
.مرت الايام والسنين
وهم في اتم السعادةوالسرور.
واكثر سعادتهم
عندما يعود ولديها من الجامعة بملابسهم
الجامعية الموحدة؛
غدر الزمان بغتةً بزهراء بوفاة زوجها طلال
وهو في عنفوان شبابه بحادث مؤسف في الطريق العام حيث اصطدمت سيارته باخرى ادت الى وفاته.لم
تستطيع زهراء تحمل خبر هذه الصدمة الكبيرة التي اثارت شجونها وحزنها على والدتها الامر
الذي تسبب بفقدان وعيها ونقلها الى المستشفى ،،
بعد الفحص تبين انها تعرضت الى ازمة قلبية ، استمر
رقودها في المستشفى اسبوعاً كاملا ، خرجت من المستشفى وهي تعاني من الانهيار العصبي
والشعور بالضعف العام بجميع مفاصل جسمها،
والدها هشام لم
يفارقها لحظة واحدة ، وهوالذي اوقف حياته من اجلها ،ولم يتزوج بعد وفاة والدتها ،وتراه
دائما بقربها و يشد من ازرها محاولا ان ينسيها مصيبة فقدان زوجها العزيز ويخفف عنها حزنها عليه وعلى امها ..التجأت
زهراءالى كتابة الشعربانواعه ونشره عبر الاعلام
في المجلات والجرائد تعزي نفسها وتنعي امها وزوجها الشاب الذي اخذته يد المنون لعل
ذلك يشغلها وينسيها موتهما ولو لفترة قليلة
؛
وفي يوم اغبر آخر
وعند خروج ابنتها الجميلة من الجامعة كانت سيارة تسير في اقصى سرعتها يقودها احد المستهترين
بارواح الناس ؛ فصدمها ادت الى موتها في الحال.لايستطيع
احد ان يصف حالة والدتها زهراء التي فقدت النطق من اول وهلة وانهارت وفقدت وعيها ولم تنتبه الا بعد ثلاثة ايام ، في المستشفى ، لم
تستطيع ان تتحرك لاصابتها بجلطة في القلب نجت منها باعجوبة لم تسمع منها سوى الانين
والاسى على غدر زمانها بضياع فلذة كبدها ابنتها العزيزة. في تلك الفترة كان والد زهراء
قد عاد الى العراق وسكن فيه لتبدل الاوضاع
هناك ، وعند سماعه الخبر حضر الى المستشفى فوراً وجلس بجوار ابنته ودموعه تسيل على
خديه دون صوت خوفاً على ابنته.
زهراء امرأة مؤمنة بقضاء الله وقدره ، استسلمت الى
لأمر الواقع ..الا انها بعد هذا الحادث الاليم لم تعرف الفرحة ولم تتحدث الا بمصابها
وغدر الزمان بها ، وكانت دائماً تدعو الله
ان يحفظ ولدها ووالدها . وتحاول تخفيف الحزن عنها من خلال رثاء الغالين بانواع الشعر
والتجول في ميدان الادب...
تحريرا فى : 21/
12 / 2022م
0 comments:
إرسال تعليق