• اخر الاخبار

    الخميس، 26 يناير 2023

    محمود خليفة اليابس يكتب عن : ماذا جنى علينا التشدد ؟


     


    ننوه القارئ الكريم بداية أن التشدد هنا ليس المقصود به نوعا بعينه من التشدد ، وإنما التشدد بأنواعه وأشكاله ، وما يترتب عليه من سلوكيات ومعاملات، وما يتركه من أثر سلبي في نفوس الآخرين ، و التشدد لا يأتي إلا بشر ،ولا يجني علينا إلا الضرر ، متى وُجِدَ في مجتمع شتت الشمل ، وفرق الجمع ،وتناثرت حبات عِقْدِ أمنه وهذا التشدد هو الذي نرفضه ، ونسعى إلى مجابهته وتصحيح مساره ؛ لنصون أجيالنا ونحقق آمالنا.

     

    إن التشدد الذي نقصده هو الذي جنى علينا وعلى مسيرة نهضة الأمم ؛فهذا التشدد جعل الكثير من السفهاء والمزيد من البلهاء يسفكون دماء الأبرياء بحجة نصرة الدين ،والدين منهم براء ، ولا يُقبَلُ منهم عزاء ، وهذا التشدد أيضا هو الذي به المرأة ظُلِمَت وحقوقها أُهْدِرَت في كل مراحل عمرها ؛فحُرِمَت من طفولتها ،وصار التمييز بينها وبين إخوانها الذكور ؛فمنوط بها خدمتهم ،وتناول الطعام بعد فراغهم من الأكل ، ولم تنل القسط الكافي من التعليم بحجة المرأة لبيتها ،ولا أعرف ما المانع أن تكون متعلمة مثقفة  وفي نفس الوقت ناجحة في بيتها حتى لو لم تعمل ؟!

    ومن مظاهر ما جناه هذا التشدد المتمثل فى سلوكيات البعض تجاه الآخرين خاصة أولئك الذين لا يعرفون من الدين إلا القشور ،ولا يبغون إلا حب الظهور ؛ فتراهم ينظرون لبقية الناس على أنهم من الدين خارجين وعن السُّنة ضالين ؛  ويعتقدون رمي غيرهم بالنقص والسفه جهادا للضلال  ، وهؤلاء الشرذمة من المتشددين في كل عصر لا بجنون على الإسلام إلا وبالا ، ولا يزيدون الأمة إلا خسارا.

     

    ومن مظاهر هذا التشدد الذي جنى علينا ؛ التشدد في الزواج من غلاء المهور والمبالغة في تجهيز العروسين ووضع صعوبات وعراقيل ما أنزل الله بها من سلطان ، وما نتج عنها من زيادة نسبة العنوسة ، واتجاه البعض للانحراف والحرام  ؛ فقد أُغْلقت في وجهه دروب الحلال ،ناهيك أن يكون التشدد أيضا في الصفات التي تضعها أسر العروسين لقبول الزواج من الطرف الآخر وغيرها من الشروط التي تجعل المقبل على الزواج وكأنه مقبل على دخول النار .

     

    ومن مظاهر هذا التشدد : التشدد الأسري وبصفة خاصة بين الزوجين ؛ فنرى الزوجة تبالغ في التشدد في مراقبة همسات الزوج ؛ فتخمن نظراته للآخرين - خاصة النساء  - ونظرات الآخرين له ، وتراقب ردود أفعاله بل وترصد كل صغيرة وكبيرة في هاتفه المحمول ، وكذلك التشدد من جانب الزوج ،ومراقبته لزوجته سرا وجهرا ، والتضييق عليها قسرا وقهرا ، وكأن كليهما ما تزوج الآخر إلا ليعكر صفوه ، ويذيقه العذاب الأليم تحت ستار الحب والغيرة ،وهذا التشدد لا يؤدي إلا لحياة أسرية نكدها دائم وحبها لا محالة زائل.

     

    ومن مظاهر هذا التشدد وما جلبه علينا من وبال ،التشدد في أساليب التربية الأسرية ؛ فالحرص الزائد وعدم معرفة الوالدين بخصائص النمو عبر المراحل العمرية المختلفة جعلت أساليب التربية داخل الأسرة لا تتواءم مع طبيعة الأبناء في مراحل نموهم ؛وهذا أدّى لظهور سلوكيات غير مرغوبة من الأبناء كالكذب والعزوف عن الجو الأسري وعدم المشاركة في القرارات التي تخص الأبناء ؛فيحدث انفصام بين أفراد الأسرة الواحدة.

    .

     

    ومن مظاهر هذا التشدد ؛ التشدد للمسميات والكيانات ؛ فنرى المتشدد لحزب أو جماعة أو حتى في تشجيع نادٍ ، حيث نلمس من ممارستهم ادعاء الحقيقة المطلقة ومن سواهم قد جانبه الصواب ، وتاه في بحور الضلال ، وهؤلاء لا يعرفون فقه الخلاف ،ولا يقبلون بالتنوع ، ولا يُعْمِلون عقولهم إلا في ابتكار الحجج والبراهين لتسفيه آراء

    الآخرين ،وهؤلاء ومن على شاكلتهم يصدق فيهم قول ربهم :  مِنَ ٱلَّذِینَ فَرَّقُوا۟ دِینَهُمۡ وَكَانُوا۟ شِیَعاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَیۡهِمۡ فَرِحُونَ ۝٣٢﴾ [الروم ٣١-٣٢]

    فعلينا بالاعتدال والوسطية في الدين والفقه والعبادات والمعاملات ، والتغاضي عن الهفوات ، والتماس الأعذار ، والتحلي بمكارم الأخلاق ، والبعد عن الشقاق ، وعدم التربص بالآخر ، وتسفيه قوله وعمله ؛لنعيش في مجتمع يسع الجميع باختلاف معتقدهم وأفكارهم مالم يكن هناك إجماع على بطلان المعتقد وانحراف الفكر ،والحذر الحذر من التشدد ، والله الله في الوسطية والاعتدال .

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: محمود خليفة اليابس يكتب عن : ماذا جنى علينا التشدد ؟ Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top