هذه محاضرة تمهيدية في (القصة القصيرة جدا) لطلاب الدراسات العليا بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، ضمن مقرر (الأدب) أتناول فيها تعريفها، وعناصرها وجذورها ونشأتها، وأعلامها، ونماذجها، على النهج الآتي:
1 تعريفها
----------------
الأدب جنسان كبيران:
شعر ونثر، وللشعر أنواع وللنثر أنواع. والقصة من أبرز أنواع النثر الفني، وهي تتنوع
من حيث الكم إلى طويل، يسمى (الرواية)، وإلى قصير يسمى (القصة القصيرة)، وبعض الباحثين
يضيف القص المتوسط، ويطلق عليه مصطلح (القصة). وهذه الأنواع موجودة في أدبنا العربي
منذ نهضته الباكرة في أخريات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
لكن وجد في الربع
الأخير من القرن العشرين ما يسمى (القصة القصيرة جدا)، وهو نوع كتابي حديث من الأدب
القصصي الومضي البرقي المكثف المفارق الصادم الجريء، وقد انتشر في الفترة الآنية المعاصرة
بشكل واسع وأصبح نوعاً سردياً قائماً بحد ذاته، وهو ينتمي إلى ما يسمى بأدب الصدمة،
والأدب البرقي أو الومضي. وهو أثر من آثار الانفعال بالثورة الكبيرة الراهنة في تكنولوجيا
التواصل الاجتماعي. إنها – كما يقول إريك برغر- قصة تصل إلى هدفها دون إهدار للكلمات.
ويعرفها حسين المناصرة بأنها قصة قصيرة مختصرة تصل إلى نهاية مدهشة في الغالب. وأنها
بنية سردية بالضرورة أولا غير قابلة للتأطير الجمالي يتشكل وجودها من خلال نصوصها.
ويحدد طولها معجم المصطلحات الأدبية لفتحي إبراهيم من خمسمائة كلمة إلى ألف وخمسمائة.وهو
تحديد لا دليل عليه من واقع إبداع هذا الفن؛ ففي نماذج هذا الفن ما تكون من أقل من
خمسمائة كلمة، في الإبداع الغربي والعربي على السواء!
و(القصة القصيرة
جدا [ق.ق.ج] كتابة استعارية كنائية تلغرافية، تعتمد التضمين القصصي؛ حيث تحتوي كل
(قصة قصيرة جدا) على قصة داخلها مهمتها أن توضحها وشرحها وتفسرها وتبين أحداثها...
ولو قيل: إنه أدب
رقمي تفاعلي تواصلي نكون محقين، إنه يضاف إلى فنون: التغريدة والتويتة والمنشور، والومضة،
المحادثة الفورية، الخيال التفاعلي، روايات البريد الإلكتروني، أو روايات الرسائل النصية...
ويرمز لها بالرمز[ق.ق.ج]. وهو اختصار للكلمات الثلاث المعبرة عنها باتخاذ الأحرف الثلاثة
الأولى منها...ولها تسميات أخرى مثل القصة الومضة» ((Flash Fiction)، وفي الأدب الإنجليزي (microfiction) أي الخيال الجزئي... ولها أكثر من سبعة عشر مصطلحا ترادفها أو تقترب من مفهومها،
مثل القصة المكثفة، القصة الجديدة، القصة الحديثة، القصة الملغزة، القصة البرقية...إلخ
و(القصة القصيرة
جدا [ق.ق.ج]) في بدايتها كانت تابعة للقصة القصيرة باعتبارها فرعا منها، لكنها الآن
تنزع نحو أن فنا أدبيا مستقلا له مبدعوه ومنظروه وجمهوره. وقد نالت هجوما وعداء من
نقاد ومفكرين يخشون كل جديد ويرونه خطأ وخطرا وردة وتمردا؛ لأن-كما يقول الناقد وليد
أبو بكر- كل نص جديد، كما يقول يوجين أونيسكو، هو عدائي. «العدائية تمتزج بالأصالة،
وهي تقلق ما اعتاد عليه الناس من أفكار»، وذلك بسبب سطحية كثير من نصوصها ودخول الأدعياء
في الإبداع على نسقها ونظامها...
وفي الوجه الآخر
نجد من يناصر القصة القصيرة جدا كالدكتور حسين المناصرة، الذي يرى أنها «الكتابة العليا
إلى حد ما في المجال السردي، … وأن كتابتها قد تبدو أصعب من الرواية التي تتسع لعالم
شاسع من اللغات والأصوات والأحداث، وأصعب من القصة القصيرة التي قد تقبل التطويل والاستطراد
والحوارات. أما القصة القصيرة جداً فهي خلاصة لتجربة سردية لا بد وأن يسبقها باع طويل
في كتابة كل من الرواية والقصة القصيرة أو إحداهما على الأقل، بحيث تغدو هذه الكتابة
ذات آلية جمالية، مركزها المغامرة والتجريب وفق رؤى إبداعية متمكنة وأصيلة في فن السرد،
لا رؤى مبتدئة ومستسهلة لهذه الكتابة الإبداعية أو غيرها»، كما أصبح هناك من يعتقد،
في بلاد وصلت تجربة هذه الكتابة فيها مستوى عالياً من النضج، أنه «عندما يعتاد المرء
على هذا الشكل، سيجد أنه من الصعب جداً أن يتخلى عنه». كما ينقل ويقرر الدكتور وليد
أبو بكر في تأصيله هذا الفن.
وتوجد كتابات نقدية
كثيرة في التنظير لهذا منها: دراسات في القصة القصيرة جدا، والقصة القصيرة جدا بين
التنظير والتطبيق، للناقد جميل حمداوي، وشعرية القصة القصيرة جدا لجاسم خلف إلياس،
والقصة القصيرة مقاربات أولى لمحمد مينو، والقصة القصيرة جدا رؤى وجماليات للدكتور
حسين المناصرة، والقصة القصيرة جدا الريادة
العراقية لهيثم بهنادي بردي، والقصة القصيرة جدا بين النظرية والتطبيق ليوسف حطيني،
ومقال فضاء النص: قراءة في فن القصة القصيرة جدا للدكتور محمد السيد الدسوقي...وغيرهم.
ويقال: إن أول
من كتب القصة هوأرنست همينجواى" وهو أول من أطلق هذا المصطلح على إحدى قصصه عام
1925م، ويرى الدكتور محمد السيد الدسوقي أن القصة القصيرة جدا تتمثل في كتابات محمد
تيمور "خواطر" التي ألحقها مجموعته القصصية "ما تراه العيون" الصادرة
بعد وفاته عام 1922م، ونجد في كتاب جنة الشكل للدكتور طه حسين إدراك واعيا لهذا الفن تحت مصطلح (الأبيجراما النثرية) و قرر
أنه مناسب لإيقاع العصر، كما أن من أرخوا لهذا الفن ألحقوا كتابة القصة الخاطرة عند
سعد مكاوي ،"وأرخص ليالي" ليوسف إدريس، ومن بعد بعدهم رفقي بدوى(قصص منشورة بمجلة إبداع، عدد6 ،1986م )، وأشار شوقي بدر يوسف في كتابه ( القصة
القصيرة جداً في مصر، مجلة القافلة، السعودية يونيو2008م، بأن محمد المخزنجى يعد رائدا
لهذا النوع الأدبي، وذكر أيضاً سناء البيسي، وعبد الحكيم حيدر، ومحمد مستجاب ،ويحيى
الطاهر عبد الله.(طالع: محمد مينو" فن القصة القصيرة مقاربات أولى ط3 ، 2007م"). الإسكندرية للسرديات: الدورة الأولى:
القصة القصيرة جدا، دورة الأديب مصطفى نصر في ديسمبر2003م، شاركت دول عربية في هذا
المؤتمر الذي أعقبه فاعليات ونشاطات أثرت هذا النوع الأدبي، ولا ننس أثر الفيس بوك
في ذيوع هذا الجنس الأدبي ، فنشأت مجموعات للقصة القصيرة جداً، وأقيمت الجوائز، منه
جائزة "كارلوس "الإسبانية وحصل عليها ثلاثة مبدعين مصريين في ثلاث دورات،
وهم: شريف سمير، 2012م، وطارق إمام، 2013م، وأخيراً سعاد سليمان،2015م، وظهر في الوقت
الحالي الكاتب منير عتيبة بمجموعات أغرت الباحثين بدراسات جامعية، تقف على هذا الإبداع
تحليلاً وتقويماً.
ومن أهم الأدباء
الذين كتبوا القصة القصيرة جداً في العراق محمود أحمد السيد، غائب طعمة فرمان، عبدالملك
نوري، عبدالمجيد لطفي، عبدالحق فاضل، ذنون أيوب، أدمون صبري، محمد الأديب، جعفر الخليلي،
خالد حبيب الراوي وله في القصة القصيرة جدا مجموعة بعنوان (العيون) ، عبدالوهاب الأمين،
يعقوب يوسف حداد، غانم الدباغ، نزار عباس، محمد خضير، عبدالرحمن مجيد الربيعي، جليل
القيسي، موسى كريدي، نوئيل رسام، غازي العبادي، عبدالستار ناصر، هيثم بهنام، حمدي مخلف،
وارد بدر السالم، أمجد توفي.. وغيرهم...
إن (القصة القصيرة
جدا) محتاجة إلى قراءات و ومقاربات ومفاتشات! وما زالت مفتقرة إلى النصوص الأدبية الفذة
المحلقة القادرة على الحضور والتأثير والجاذبية!
وتحدد( القصة القصيرة
جدا) من حيث الحجم والكم بأنها أصغر من القصة القصيرة، فلا تتجاوز بضعة أسطر وأحياناً
لا تكون أكثر من سطر واحد.
عناصرها الرئيسة:
__________________
تتجلى أركان القصة
القصيرة جداً الأساسية وعناصرها الفارقة بينها وبين غيرها من الفنون في نظر بعض الباحثين
في اثني عشر ركنا، هي:
١(القصصية، )أي
لابد أن تحتوي على قصة. فالنص القصير الخالي من قصة لا يسمى قصة قصيرة جدا.
٢(الجرأة)، حيث
يتناول مبدعها الموضوعات التي يخشى الآخرون تناولها، ويخوض فيما لا يقدر عليه غيره.
٣ (الوحدة، )حيث
وحدة الحدث، والزمان والمكان...
٤(التكثيف)، حيث
الاختزال والاختصار في عناصر القصة القصيرة جدا، فهي مثال بارز لما يسمى إيجاز القصر
بمعناه النصي لا الجملي أو العباراتي؛ ففيها إجاعة اللفظ وإشباع المعنى. وكل حرف وكل
لفظ في النص موظف ومستثمر! وأسلوب الحذف الإبداعي أو الإضمار القصصي بنية مهمة في هذا
الفن الحداثي الرقمي!
٥(المفارقة )حيث
يعمد الكاتب إلى خرق المتوقع، والجمع بين المتناقضات، ليحدث إثارة وجاذبية...
٦(فعلية الجملة)،
حيث تتكون جمل النص من أفعال تعلن عن حركة وحيوية ...
٧(السخرية، والإدهاش).
فكاتب القصة القصيرة جدا ساخر وناقد ومدهش ومثير، يقف على واقع مترد سلبي، يصف مشهدا
ويحلله وينقده...
٨ (اللجوء إلى
الأنسنة) حيث تكون الحيوانات أو الجمادات أو الأفكار شخوصا فاعلة احيانا يسند إليها
ما هو خاص بالبشر!
٩(استخدام الرمز
والإيماء والتلميح والإيهام). فالقصة القصيرة جدا رامزة مشيرة موجية ملمحة موهمة ليس
فيها تصريح أو تنصيص أو تخصيص!
١٠(الاعتماد على
الخاتمة المتوهجة الواخزة المحيرة). وهذا التوهج يجعل النص ساحرا، وهذا الوخز يؤدي
الوظيفة النقدية والمهمة الإرهابية للقصة القصيرة جدا. أما التحيير فيؤثر في الجمهور
القارئ إياها.
١١(طرافة اللقطة).
فالكتاب لا يصف العادي من المشاهد، بل يركز على كل طريف غريب مثير!
١٢ (اختيار العنوان
الذي يحفظ للخاتمة صدمتها.) فينبغي للعنوان أن يدفعنا دفعا إلى متابعة القراء في النص!
وأرى أن أركان
( القصصية/ الجرأة/ الوحدة/ التكثيف/ المفارقة) موجودة فيما سبقها من فنون، لا سيما
أمها وأصلها وجنسها الرئيس (القصة القصيرة)، وكذا في الفن الحداثي المسمى (القصة الشاعرة).
أما بقية الأركان من( فعلية الجملة السخرية والإدهاش، واللجوء إلى الأنسنة، واستخدام
الرمز والإيماء والتلميح والإيهام، والاعتماد على الخاتمة المتوهجة الواخزة المحيرة،
وطرافة اللقطة، واختيار العنوان الذي يحفظ للخاتمة صدمتها ) فهي عناصر بارزة ومميزة
ويمكن أن نعد معظمها فارقة، كما ينبغي أن نضيف في الخصائص أنها فن كتابي، وأنها فن
خاطف برقي محدد في فقرة أو جملة أو سطر، ولا تبلغ صفحة، وإلا صارت قصة قصيرة فقط! وللقصة
القصيرة جدا خصائص لغوية بينة. سأفردها بمقالة أخرى إن شاء
الله..
جذورها:
_______
بعض الباحثين يذهب
إلى أن القصة القصيرة جدا غربية النشأة، وأن العرب لم يعرفوها ولم يبدعوا على نسقها
قديما أو حديثا. وأن أول معرفتهم بها كانت عن طريق الغرب؛ فهي فن أدبي مستورد! بفعل
الحداثة وعصر السرعة المعتمد على التشظي والتجزيء...
والحق أن هذا الفن
موجود في تراثنا العربي، بشكل يناسب العقل العربي والبيئة العربية، فلا يخلو الأدب
العربي العتيق من نماذج سردية قصيرة وقصيرة جدا، ولعل في القصص التي تفسر بها الأمثال
فيما يسمى (مورد المثل) ما يدل على ذلك، حتى إنهم قالوا: وراء كل مثل قصة!. وكذلك حال
ما نجده في كثير من قصص كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع وكتاب البخلاء للجاحظ. ولكن لم
يطلق أحد على هذه النصوص مصطلح القصة القصيرة جدا. بل كانوا يسمونها خبرا، حكاية، نادرة،
خرافة، نكتة، مثل، حكمة، طرفة، عجيبة، أكذوبة...
ومن نماذج ذلك
الفن النصوص التراثية الآتية:
زعموا أن أسداً
وثعلباً وذئباً اصطحبوا، فخرجوا يتصيدون، فصادوا حماراً وأرنباً [وظبياً]، فقال الأسد
للذئب: اقسم بيننا صيدنا. فقال: الأمر أبين من ذلك: الحمار لك والأرنب لأبي معاوية
_ يعني الثعلب _ والظبي لي. فخبطه الأسد، فأطاح رأسه، ثم أقبل على الثعلب وقال: قاتله
الله ما أجهله بالقسمة! هات أنت يا أبا معاوية. فقال الثعلب: يا أبا الحارث، الأمر
أوضح من ذلك: الحمار لغدائك والظبي لعشائك، والأرنب فيما بين ذلك. فقال له الأسد: قاتلك
الله ما أقضاك! من علمك هذه الأقضية، قال: رأس الذئب الطائح عن جثته “.
ومن القصص القصيرة
جدا المفسرة للأمثال ما ورد في مجمع الأمثال للميداني عند تفسير مثل: تأبى له ذلك بنات
ألببي":
“قالوا: أصل هذا
أن رجلاً تزوج امرأة وله أم كبيرة، فقالت المرأة للزوج: لا أنا ولا أنت حتى تخرج هذه
العجوز عنّا، فلما أكثرت عليه احتملها على عنقه ليلاً، ثمّ أتى بها وادياً كثير السباع
فرمى بها فيه، ثمّ تنكّر لها، فمرّ بها [رجل] وهي تبكي، فقال: ما يبكيك يا عجوز؟ قالت:
طرحني ابني ههنا وذهب وأنا أخاف أن يفترسه الأسد، فقال لها تبكين له وقد فعل بك ما
فعل؟ هلا تدعين عليه، قالت تأبى له ذلك بنات ألببي”
ومن أكاذيب العرب
القدامى واختلاقاتهم ما رواه المبرد في كتابه الكامل في اللغة والأدب: وحدثني سليمان
بن عبد الله عن أبي العميثل مولى العباس بن محمد: تكاذب أعرابيان فقال أحدهما:” خرجتُ
مرة على فرس لي، فإذا بظلمة شديدة فيممتها حتى وصلتُ إليها، فإذا قطعة من الليل لم
تنتبه، فما زلت أحمل بفرسي عليها، حتى أنبهتها، فانجابت” .
* * *
نماذجها المعاصرة:
______________
١كتب الروائي آرنست
همنغواي قصة من ست كلمات، اعتبرها أفضل أعماله على الإطلاق. تقول القصة: «للبيع: حذاء
طفل، لم يرتدِه أحد».
تقول قصة قصيرة
جداً للكاتب الأمريكي غرامي جبسون في كلمات قليلة جداً: ثلاثة ذهبوا إلى العراق. واحد
منهم عاد!
٢فاروق مواسي في
قصة «المرآة»:
نظرتُُ إلى وجهي
في المرآة، فرأيت شخصاً استغربت صورته.
سألته بإشارة:
من أنت؟
فأشار لي وسألني:
من أنت؟
وكلّما فعلت شيئاً
أمامه كرَّر ذلك، وكأنه يسخر مني.
ولكنه عندما ابتسمت،
ظلّ واجماً!
٣ تقول ليلى العثمان
في قصة «ظلم»:
فتح كرَّاستها…
قرأ بوحَها… عاصفةَ توسّلها للحبيب أن يتزوّجها.
في ستر الليل،
كانت سكِّينة تغوص في صدرِها.
أمام المحقق اعترف:
غسلت عاري!
قدَّم له المحقق
تقرير الطبيب:
القتيلة عذراء!
٤ يقول أمين دراوشة
في قصة «محامون»:
لم يكن يدور في
خلد العجوز أم إبراهيم، أن يقوم واحد من ألمع المحامين، بفعل ذلك.
كانت نيتها تتجه
إلى بيع قطعة أرض صغيرة وحسب، لتعتاش من ثمنها، وتضمن لنفسها جنازة لائقة.
المحامي الذي تثق
به منذ حياة المرحوم،
طلب منها أن توقِّع
على ورقة تحفظ لها حقَّها في الحياة،
وتضمن لها موتاً
مريحاً.
المحامي الفذّ
باعَ لنفسه كلّ ما تملك،
مقابل مبلغ صغير
جداً..
هي دفعتْه له!
٥ يقول زكريا تامر
في قصة «مختصر ما حدث»:
حكم على خليل حاوي
بالإعدام، فحدَّق إلى السماء متعجباً من لونها الأزرق الذي لم يتحول لونا أسود، وشنق
ثلاث مرات، فكان الحبل في كلّ مرة يتمزّق على الرغم من أن جسمه هزيل وعنقه نحيل، ووقف
مشدود القامة مغموراً بضياء الشمس بينما كان سبعة رجال يسددون فوهات بنادقهم نحوه،
ويطلقون النار عليه، فلا تمسسه أية رصاصة كأنهم كانوا عميانا أو كأنه كان يبعد عنهم
أميالا، وقذف إلى نار قادرة على إحراق مدينة بكاملها، وانتظرت عيونهم الشامتة رؤية
رماده، ولكنه خرج من النار سليما يسعل سعال من دخّن سيجارة من نوع رديء، ولم يجد مهرباً
من الانتحار حتى يثبت أنه الناجح وهم المخفقون.
٦ محمود شقير في
قصة «وجع»:
«كَتبتْ قصيدةً
عن المدينة. قرأتْها للمرَّة السادسة، وانتعش قلبها قليلاً وهي ترى كيف امتزج وجع المدينة
بوجعِها الخاص.
مزَّقت القصيدة
وهي تعيدُ النظر فيها للمرّة السابعة، لأن وجعَ المدينة أكبرُ من قصيدتها، أكبرُ مما
تحتمله الحواس».
٧ أماني الجنيدي
في قصة «لقاء»:
«تقطع الجبال من
أجل أن تراه. تريد أن تقول له أمراً مهماً. تلبس فستاناً رائعاً وتتعطّر. تتكحّل وتخطّط
شفتيها بالأحمر. يستقبلُها بحفاوة. يطلب لها فنجان قهوة. يرنّ هاتفه. يردّ، وينساها
جالسة، مهملة.
تشربُ القهوةَ
وتعود. تقسمُ ألا تعود. ألا تخبرَه بشيء. تصلُ غرفتها. تلقي بنفسها في فراشها. تنسى
قسَمها، وتتساءل: ما الأمر المهم الذي أريدُ أن أقوله في المرة القادمة؟».
٨ يقول عبد الفتاح
شحادة في قصة «لحظة الموت»:
بالأمسِ، خطرَ
لي أن الشارعَ أطول مما يجب.
بمقصّ حاولتُ تقصيره،
فبدا أقصرَ مما يجب،
وصلتُه مرةً أخرى،
فعادَ الشارعُ
أطول مما كان عليه في السابق!
أغمضتُ عينيَّ
كي أكفَ عن استشعارِ الطولِ والقصر المقيت.
اصطدمتْ قدمي بشيء
ثقيل.
دهستني سيارة،
كسرت يدي، وتهشمتْ جمجمتي.
أدخلوني غرفةِ
العمليات. رقدتُ شهراً في غرفةِ العنايةِ الفائقة.
متُّ!
ولم أفتح عينيَّ
أبداً… كي أهرب من الإحساس بطول الطريق وطول العمر وطول الانتظار،
وعبثاً أشعر بطولِ
لحظةِ الموت الآن!
٩ تقول صفاء عمير
في قصة «احتماء»:
قالت له: لم أعد
أطيقك. أرجو أن تكفّ عن ملاحقتي، حتى في الأماكن التي أحتمي منك فيها.
قال لها: وأنت..
أرجوك أن تكفِّي عن الاحتماء في أماكن تعلمين تماماً أنني سأجدك فيها.
١٠ قصة احتقان
لهيفاء السنعوسي: "شعر باحتقان في حنجرته، بدأ يسعل، شرب كوبًا من شاي الزنجبيل
حتى يخف الاحتقان، اكتشف أنه لم يكتب قصيدة منذ تسع سنوات!"
١١ قصة تأكيد التضحية
لناسي مورو: "رأت تيري أمامها السيارة واقفة وحدها وشعرت بوخز أليم لما تذكرت
وصية مرشدها في الإسعافات الأولية: عند رؤية حادث عليك بالتوقف وإبداء المساعدة"
١٢ قصة انتفاضة
أنثوية لهيفاء السنعوسي: "حزمت أمتعتي، وغادرت المنزل، لا أفكر في العودة أبدًا،
فقد سئمت ارتداء الثوب الباهت الذي أطفأ أنوثتي، كرهت المشاعر الصامتة، لقد وجدت طريقًا
آخر في مكان آخر".
0 comments:
إرسال تعليق