.يقول ( دستوفسكي) " ان رهافة
البنيان النفسي تشجع المرء احيانا الى افكار عجيبة، فعلى قدر نمو النفس يكون الاستسلام
الى جموح الخيال) .
تمرد الكاتب( خوان خوسيه) على ظروف المكان والزمان بخياله، وخلق شباك معقدة
من نسج خياله،
وبنى احداثا مشوقه في ( الظل).
يعد خوان مياس ( الاسباني) المولد عام( ١٩٤٦) احد اشهر الاصوات السردية في اللغة
الاسبانية، ويعد ابرز الكتاب الذين اعادوا المجد للخيال في اسبانيا،واحد منقذيها من
فخ الكتابة المباشرة عن الحرب والواقع، اذ خلق عوالم بقدرات سردية مشوقة، ومزج بين
الواقع والوهم، وتعمق في بوح النفوس وذاتها.
كتب روايات اخرى ونالت جوائز مثل( العقل هو الظلال) التي نالت جائزة ( سيسامو
عام ١٩٧٥، و( رؤية الغريق) و( الحديقة الخالية) ،الورقة المبللة) ،الحرف الميت)، (فوضى
الاسم) ،( العودة للبيت)،( الترتيب الالفبائي)..
ترجمت اعماله لاكثر من عشرين لغة.
من نافذةوغزل فكرة اقحمنا ( خوسيه)
في روايته، حيث ان بطل روايته( دميان لوبو) يحاور شخصا وهميا او صوره متخيله هي شخصية(
سيرخيو اوكان) من خلاله يحاور نفسه نوع من
الانفصام، ويتخيل جمهورا وصحفي محدث، وتفاعل كبير فيما بينهم، يتخيل ملامح الصحفي وسيرخيو
وهيئتهم وتفاصيل شخصيتهم وسلوكهم،يتخيل الجمهور يستمتع ويضحك او يصرخ، حسب الاثارة
والتشويق،فهو يعيش في عالم من احلام اليقظة، وقليلا مايصحو من احلامه للواقع، حين يشرب
قهوة او حين يسمع صوتا ينتشله من حلمه، فقد خلق لنفسه عزلة عن البشر.
كان ( دوميان) قد عاش وتربى في منزل والده توفت والدته التي كانت تعمل في مدرسة
ثانوية، والتي كانت تحاكي والده وتوافقه في كل شيء ، وتركت له اخت صينية بالتنبي،كان
ابويه عاجزين عن الانجاب ، فلجاوا الى التبني، بعد فترة انجبوا ( دوميان) ، لم يكن
شغفهم وحبهم له، كما احبوا ابنتهم الصينية،كان والده يمتلك مكتبة مليئة بالكتب وكثيرا،
ماشجع ابنه على القراءة، كأن يفتعل صوتا يقول،( تعال اقرأني)، وكأنه صادر من افواه
كتب المنزل،كان دوميان قد دخل المدرسة المهنية
حسب رغبة ابيه، وعمل في قسم الكهرباء، كان ماهرا في العمل اليدوي، وقد اكتسب مهارة
بالعمل اليومي والعملي،في الصيانة والتحسينات
حتى اصبح رئيس المهندسين، كان مستخدم متقدم للانترنيت.رغم كل تلك الظروف التي
نحسبها جيدة، الا انه كان يعيش بحياة خيالية مفترضة، هاربا من واقعه، ملتجأ لخياله،ربما
النجاحات الكبيرة تترك شعورا ما بالاكتئاب.
في احدى ايام عزلته كان يسير في احد الشوارع ويتجول باحثا عن لاشيء ومستمرا
في خلق حوارات لاتنتهي، مع شخصيات خلقها بنفسه، لفت انتباهه في ( دبوس) لربطة عنق وتخيل
انه يلائم شخصية ( سيرخيو اوكان) وفكران يسرقه من اجله، بعد ان تمت السرقة، اخذ يبحث
عن طريقه يختفي فيها عن انظار رجال الامن، ولم يسلم فقد انتبه اليه احدهم وطارده، انتهى
المطاف ب( دوميان) مختبأ ( خزنة ملابس) قديمة وتبدو اثرية ، بقي حبيسا بها لدقائق ثم
لساعات، بعدها نقلت تلك الخزانة لمنزل سيدة، كانت تبحث طويلا عنها على اعتبارها ارث
عائلي ولها فيها ذكريات مع اخيها ،بقي حبيسا بها حتى توارى عمال النقل، ثم وجد اكثر
امانا في غرفتهم الخاصة ،حين تخرج العائلة
متمثلة ب( السيدة والسيد والابنة) لعملهم فأنه يخرج من مخبأه ويتفحص ويتجول ، ثم يعود
بعد ان يأخذ شيئا يأكله وحاجات بسيطة تنفعه في محبسه الصغير، يبقى في مكانه مراقبا
لحياة تلك العائلة، يتعرف على اسرارهم، ونمط حياتهم، يشعر بالبعد العاطفي فيما بينهم،
يراقبهم كالظل، لكنه مراقب يساعد في المنزل، ينظف، ويرتب.
كل هذا لايقطع حواره الداخلي مع شخصياته الوهمية، تسنح له فرص للخروج من المنزل
والعودة لحياته بالواقع، لكن يجد المخبأ حياة افضل منالخارج رغم اتساع الاخير.
افراد العائلة يظنون ان من ينظف ويرتب هي السيدة، اخبرتهم ذات مرة ان هناك روحا
خفية قدمت من ماضي العائلة مع الخزانة، لكن لايصدقها احد، فتلتزم الصمت وتكتفي بقناعتها
، فهي من اللواتي يؤمن بالماورائيات وكثيرا ما قرأت عنه،تتعمد ان تضع خطوط او اسئلة
في احد الكتب في الخزنة معتقدة ان الروح او الشبح سيجيب عنها، وبالفعل فأن (دوميان)
يجيب عن اسئلتها ويريح فضولها، كان دوميان يلتجأ الى خوض حوارات واقعية في عالم النت
بصفحة تخص شبحا ليزداد عدد متابعيه، وليبقى متصلا بالعالم من مكان خفي،
.تزداد رغبة ( دوميان) في كونه عنكبوتا اكثر من انه انسان من لحم وعظم، فهو
مسيطر على العالم من بيته الضعيف ونسخ خيوطه من مكان لايلتفت اليه احد،كما تزداد درجات
التودد والتقرب للسيدة المنزل ،
تغيب الزوجة مع ابنتها عن المنزل ،
ليأتي الزوج مع عشيقته، ويفكران في عمل مكيدة او مخطط لقتل السيدة، فيقلب المخطط عليهما، يموت الزوج بفعل الدبابير والحساسية
الشديدة.
بذلك يشعر انه ساعد الزوجة بالتخلص من زوجها.
.الرمزية التي بثها( خوان خوسيه) بين طيات روايته ، كانت استخدام ( الخزانة
الخشبية) كانت تمثل الافكار وخزنها، فالخزانة نحتفظ في داخلها الاشياء الثمينة، والافكار
قد تخزن ايضا، لكم ماذا ان كانت تلك الفكرة هي المسيطرة والاقوى رغم انها مخبأة.
كذلك رمزية الدبابير، تلك الكائنات الصغيرة الحجم
المميتة بوخزتها، فكم من اشياء صغيرة وفي نظرنا تافهة قد تودي وتضر بالاخرين
.
طرح خوسيه افكارا وجودية حول حياة انسان واخياراته، واضفى ملامح صوفية، من خلال
كونه شبحا مسالم وهادئ.خفف( خوان ) من الطابع الواقعي وخرج لواقع خيالي فيه الغرابة
بسرد مشوق ومنغرس بتعمق بالروح البشرية وانحناءاتها وضجيج شعور ابطالها.
0 comments:
إرسال تعليق