في وقت ينشغل فيه أصحاب الديانات السماوية بإعداد إطروحات تدافع عن الإله الذي حبسوه داخل الكتب المقدسة والبيع والصلوات والمساجد حينا من الدهر، تجد إبليس يسارع الخطا من أجل تنصيب نفسه حاكما بأمره على ما تبقى من كوكب لطالما سخر منه وناصبه العداء والبغض. وفي وقت يحاول علماء الدين هنا وهناك لملمة ما تبقى من شظايا آدمية وخرق من قيم لم تعد صالحة لعالم "ما وراء الكون"، يحاول إبليس أن يبر بقسمه ليغوي من في الأرض أجمعين "إلا عباد الله المخلصين".
كثر الخبث أيها الباحثون عن الحقيقة في عالم صار كل ما فيه افتراضيا بامتياز، حتى العقائد. ووقف المدافعون عن إنسانيتنا المتآكلة أمام إعصار البدع والمفتريات والشهوات والأباطيل موقف العاجز الذي لا حيلة له ولا قوة، ليرقع ثوبا كثرت فيه الخرق واتسعت كثيرا على كل راتق. وتجرأ أعوان إبليس في كل واد ليناصبوا الإله العداء، ويرفعوا عقائرهم ورماحهم في وجه السماء ليطفئوا نور الله في الأرض
وإلى الأبد.
لن تنقذ البشرية المقبلة على إفلاس روحي شامل مؤتمراتكم العالمية أيها المتحلقون حول الموائد المستديرة، ولن تنقذها لحاكم وإن طالت أو ثيابكم وإن قصرت، فالشباب الذي تسرب من عظاتكم المؤثرة، لن يترك عالم مارك الافتراضي ليجلس أمام محاريبكم تارة آخرى حتى وإن تبادلتم القبلات أمام الكاميرات، وتعانقتم حتى تداخلت ضلوعكم. فخوار عجل مارك قادر على إصابة أقرب المقربين منكم بصمم افتراضي مقيم، وفومه وعدسه صار أحب إلى قلوب الكثيرين
من المن والسلوى الذي تدعونهم إليه.
مقبلون نحن على مجتمع تحكمه القيم الافتراضية وتجار الجنس والمخدرات. مقبلون على مجتمع لا أفق فيه وراء المادة، ولا إله فيه سوى الهوى والميل. فوفروا حناجركم التي صمتت عن الحق دهورا حتى صدأت وعلتها الطفيليات من كل لون. ولا تدّعوا الغيرة على دين الله الذي تم تحريفه وأنتم من الشاهدين، ولا تظهروا الحمية عليه لأن محارم الله انتهكت كلها أمام أعينكم وأنتم صامتون. ولا تتعجبوا لما وصلت إليه سفينة هذا العالم من بؤس، فقد خرق كل واحد منكم في نصيبه خرقا لينقذ نفسه وأتباعه من غرق لن يسلم منه أحد.
شكرا لكم أيها الإعلاميون الفسقة، فقد كنتم خير أعوان لإبليس في تنفيذ مخططه الشيطاني اللعين، وبدلا من إصلاح ما فسد من خلق ودين، كنتم أنتم الفساد والانحطاط في أبشع صوره. وبفضلكم ضل الشباب وغوى، وبأياديكم شيد إبليس مملكته فوق الخرائط كلها، وهو الآن في طريقه لإعلان زحفه غير المقدس على ما تبقى في نفوسنا من إيمان. لقد استطعتم أن تنالوا من كل العمائم واللحى، فلم تتركوا عالما إلا أخذتم بلحيته ورأسه أمام كاميراتكم اللعينة لتذهبوا هيبة الدين من قلوب الصبية والشباب. وحين سقطت الرؤوس التي كنا نعول عليها في مواجهة هذا الانحطاط الفكري المقزز، ضاعت هيبة الإله في قلوب النشء، فتولوا عنهم وانصرفوا عنكم، وأعلنوا تمردهم الكبير على الإله والأديان.
مقبلون نحن على تصحر روحي هائل، وجفاف أخلاقي كبير، ولن تنفعنا تحالفاتنا الهشة أو ترساناتنا العسكرية الصدئة، لأن الحرب المقدسة لن تكون على الحدود، ولكنها ستكون في أعماق نفوسنا بين حق لا يجد من ينصره، وباطل تقف كل قوى الكون خلفه داعمة ومؤيدة. لم يعد الدين أفيون الشعوب يا ماركس، بل صار العالم الافتراضي ووسائل التواصل حشيشا وبانجو وماريجوانا لسكان هذا الكوكب حكاما ومحكومين. ولم يعد للدين ثمة دور بعد أن حبسه الضالون داخل المحاريب والبيع والصلوات، وهم يظنون أنهم مهتدون.
نحتاج أيها الباحثون عن أي شعاع للروح في هذا النفق المادي المعتم إلى التكتل قبل فوات الأوان، وقبل أن يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، وقبل أن يُقتل الرجل لا يدري فيم قُتل، وقبل أن تسقط هيبة الله في نفوسنا مرة أخيرة وإلى الأبد. يجب أن نفعل شيئا لإنقاذ هذا الإنسان من نفسه، وعرقلة مسيرة إبليس في هذا العالم. لأن السقوط الأخير لإنسانيتنا في وحل الميتافيرس سيكون الحالقة التي لن تقوم لإنسانيتنا المهدرة بعدها كرامة. وأعيدوا سلطان الله في أرضه وفي قلوب عباده من قبل أن نذل جميعا ونخزى.
Shaer129@me.com
0 comments:
إرسال تعليق