المتأمّل جيدًا في أسماء اللٰه
الحسنى كلّها يلاحظ بأنّ تلك الأسماء الكريمة هي صفات اللٰه تعالى وعين ذاته
القدسية، ويجد الباحث بأنّ هذه الأسماء الإلهية الشريفة على نسقٍ ربانيٍ بحتٍ وهي :
الأولى : مختلفةٌ ومتضادة.
الثانية : متجانسةٌ .
ولكّلٍ منها مواصفاتٌ وتأثيرٌ وهدف،
تتحقّق فيه القدرة الإلهية المطلقة ، وعلى إثر ما بها من أسرارٍ يجهلها الإنسانُ
يتحقّق من خلالها المطلوب البشري من استجابة الدعاء ؛ وقضاء المهام، والشفاء ،
والدعاء على الظالم ، وغيرها حسبما تحمل هذه الأسماء من قدرةٍ في تحقق الأمور ،
والمعاجز ، فهي عين ذاته لا انفصال بها عنه جلّت قدرته، وتعالى شأنه العظيم، ولتلك
الأهمية العظى في أسماء الذات الإلهية فقد أمر اللٰهُ جلّت عظمته بذكرها حين
التوجّه له تعالى بالدعاء والحاجة والطلب والعبادات المختلفة.
ولنأخذ أمثلةً في ذلك من خلال هذا
الدراسة المختصرة :
السّميع البصير : متجانسة.
هو من يسمع توسّلك ودعائك ، وهو من
يسمعك بالصمت أو الإجهار، وهي من أسماء استجابة الطلب والدعاء، يحثّنا اللٰه على
تكرارها لتفريج الكربات واستجابة الدعاء .
العليم الخبير : متجانسة .
لا يغيب عنه شيءٌ في السموات والأرض
وما أسرّه الإنسان في قلبه وضميره ونيّته ( وهو يعلم بحالك أيّها الإنسان فادعوه
بما أنه العليم الخبير .
القريبُ المجيب : متجانسة.
قريبٌ من جميع مخلوقاته، قريبٌ للإنسان إذا
دعاه، قريبٌ من الصالحين، قريبٌ في الاستجابة، وقريبٌ بما يشمله من تنزيلٍ للكتب
السماوية وغيرها لطفًا منه على عباده ، من أجل إنارة طريقهم لمعرفة الوحدانية
المطلقة
له وحده لا شريك له، مجيبٌ للسؤال
والدعاء .
الغفور، شديدُ العقاب : مختلفةٌ
ومتضادة .
العزيزُ الجبار : متجانسة .
المحي المميت : مختلفةٌ ومتضادة
لغويا .
المنتقم الجبار : متجانسة .
ونلاحظ في بعض أسماء اللٰه الحسنى
التي منّ اللٰهُ بها على عباده تقاربًا ينصبُّ في الإتجاهات الإسمية والفعلية ،
المتجانسة منها، والمختلفة، ويتوحّد في الإتجاهات الطّلبية منه جلّ شأنه .
بمعني أنّها أسماءٌ عظيمةٌ لذاته القدسية تجمع
بين :
١- القوة والشدّة .
٢- الرحمة والإنابة .
٣- التوبة والإنتقام .
٤-المغفرة وشديد العقاب.
٥- المغفرة والرحمة غفورٌ رحيمٌ وتوّابٌ كريم فحينما تطلب من اللّه الشفاء تقول : ياشافي ياكافي يامعافي ولا تقول
ياعزيز ياجبار حين طلب الرحمة الإلهية .
وحينما تطلب المغفرة تناديه بصفته
الذاتية واسمه ياغفارٌ ياغفورُ ولا تقول يامنتقم إغفر لي، وعليه تترتب جميع أسرارِ
ومواصفات هذه الأسماء العظيمة.
وما مدى تأثيرها، ولمن يحدث هذا التأثير ، ومن
هو المتأثّر ؟!
وما هي القوة الجاذبية بين
المؤثّر والمتأثّر وما مدى فعاليتها ؟!
وما مدى إخلاص النّية حين الدعاء
بها ليتحقق المطلوب واستجابة الدعاء ؟
لذلك أمر اللّه تعالى بتقديم أسمائه
الحسنى وبالإقسام بها على اللّه حين الدعاء .
ولمعلومية اللّه جلّ شأنه العظيم
بجميع مقاصدِ عباده أودع فيها هذه المواصفات والأسرار !
وفي هذه الأسماء دلائل تشير لوضع
المضطر ، ودلائل تشير لوضع المريض، وحاجة الشفاء ودلائل للمظلوم وغيرها مما يشير
لبقية مطالب الإنسان واحتياجه وذلّه وتواضعه للذات الإلهية ، فالذي يعاني من ضيقٍ
، والذي ينتظر الإجابة من اللٰه الذي يسمع دعاء من يناديه ويدعوه ياسميع ياعليم
يامجيب طالبا تغيير سؤ حاله من اللٰه الذي هو قريب الإجابة .
وتلاحظ في أسماء اللّه الكريمة
صنوفًا مختلفةً ففي الشدة والإنتقام مثل : جبارٌ قهّارٌ ،منتقم عدل عزيز ، وما إلى
ماتحمله أسماء اللّه الحسنى هذه من دلالتٍ في موضع الإنتقام والنقمة ، ولها
أسرارها المتباعدة والمتجانسة .
وخلاصة القول بأنّ لكلّ إسمٍ من
أسمائه الحسنى تعالى فعالياتٌ وصفة،
ولكلّ صفةٍ قدرةٌ وسرٌّ قد استودع فيه !
فحينما تدعو على ظالم لا تقول ياغفار ياغفور
يارحمن يارحيم ياحليم ياحنان يامنان فهذه الأسماء لها خاصيتها في الرحمة والمغفرة
والحلم .
والدعاء على الظالم يستوجب الدعاء
بأسماء الإنتقام وأخذ المظلومية فتقول ياعزيز ُ ياجبار يامنتقم ، وأسماء الله الحسنى الإنتقامية هذه
لها أسرارٌ عظيمةٌ في أخذ الحقّ والإنتقام من الظالم .
ونلاحظ هنا بأنّ إسم اللٰه الأعظم،
وصفته المختصة بذاته القدسية العظمى بأنّه أعظم الأسماء التي هي صفة اللٰه وعين
ذاته القدسية، لا تنفصل عنه أبدا .
وعليه فإنّ إسم اللٰه الأعظم يجمع خصال جميع
أسماء اللّه الحسنى التي قال تعالى عنها (
وللٰه الأسماء الحسنى فادعوه بها ) وهذا أمرٌ من اللّه تعالى بالدعاء بها،
فجميع أسمائه ومالها من صفاتٍ وأسرارٍ وتأثيرٍ ، يجمعها الأسم الأعظم إضافةً
لمواصفاته الخاصة لكونه الإسم الأعظم للٰه تعالى وهو أعظمها وأشدها فعالية.
وحسبما ورد في كتاب اللٖه حول دعاء الأنبياء كدعاء أيوب ويونس وعيسى ونبينا
عليهم صلوات الله وسلامه، ومعجزة إحياء الموتى لنبيه عيسى عليه السلام، وغيرهم من
الأنبياء، والأوصياء والصديقين والصديقات بأنّهم كانوا يعرفون إسم اللٰه الأعظم أو
بعضًا من حروفه .
كذلك نلاحظ سؤال النّبيّ سليمان من
أتباعه وأصحابه عرش بلقيس كما ذكر القرآن الكريم ذلك بقوله تعالى :
{ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ
أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ
قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ
الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ
إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ
فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا
يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } [سورة النمل:38-40].
= وهنا نتوقف عند قوله تعالى { قال
الذي عنده علمٌ منَ الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفه }
فسبحان اللٰه العظيم الذي يؤتي علمه
من يشاء وإن لم يكن نبيّا !
والشخص الذي آتاه اللّه علم الكتاب
في هذه الآية هو آصف بن برخيا وصيّ
النّبيّ سليمان عليهما السلام .
ومن هنا نلاحظ طلب النبي سليمان عليه السلام :
( أيكم يأتيني بعرشها ) ؟!
ولعلم النبي سليمان بأنّ كلّ واحدٍ
منهم قد أودع اللّه فيه مواصفاتٍ في خلقته
كالجن فقد أودع اللّه في ذلك العفريت قدرته على سرعة الطيران وحمل العرش وذلك
يستغرق بعض الوقت حسبما أُوتي هذا العفريت من مواصفة أودعها اللّه فيه
( قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ
أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ
لَقَوِيٌّ أَمِينٌ )
ومن هنا نعرف كيف استأثر اللّه جلّت قدرته من
علمه بعض عباده كالأنبياء وأوصياء الأنبياء الذين أمر اللّه لهم دون غيرهم
بالوصاية .
ومن خلال تتبع الآيات الكريمة
بالقرآن نستدلّ على تأثير الاسم الأعظم حينما طلب النّبيُّ سليمان عرش ملكة مملكة
سبأ منهم ، والنبي سليمان عليه السلام أرفع منهم شأنًا !
والسؤال هنا :
لماذا لم يإت به هو بنفسه وهو نبيٌ
أكرم عند اللٰه من العفريت ومن الوصيّ آصف بن برخيا ومن جميع من جلس بمجلسه؟!!
وللإجابة على ذلك باختصار هناك سببان
:
الأول :
علمُ الكتاب الذي آتاه اللّه لوصي
النبي سليمان آصف بن برخيا سلام اللّه عليهم والذي فيه الأسم الأعظم والذي بدوره سيؤدي لجلب عرش بلقيس
بكل سرعةٍ وسهولةٍ ويسر .
( ( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ
عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ
طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي
لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ
لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) قبل أن يرتدَ إليك
طرفك !!!! وكم يستغرق إرتداد الطرف !!!
علمٌ من الكتاب وهل خفيَ عن النّبيّ
سليمان هذا العلم !!
ونلاحظ فورية الحدث فلقد رآه مستقرًا
عنده وفورًا بعد كلام وصيّهِ آصف بن برخيا عليه السلام !.
الثاني :
طرح النّبيّ سليمان عليه السلام
سؤاله ( أيكم يأتيني بعرشها ) ؟!
له رؤيةٌ واستراتيجية لتوضيح مكانة
وصيه آصف بن برخيا عليه السلام وما آتاه الله من العلم من معرفة الإسم الأعظم ،
وإشارة لقومه بمكانة وصيه آصف بن برخيا عند اللٰه
وأنّ اللٰه قد فضّله عليهم بما استأثره به من علمٍ يستوجب الرجوع إليه في
استفساراتهم ،ومشاوراتهم ، وقراراتهم ،وأمور دينهم ، وليطيعوا له ويسمعوا له ،
ليكون وصيًا عليهم بعد وفاة النّبيّ سليمان عليه السلام .
ولقد وردت إشارةٌ لإسم اللّه الأعظم
في كثيرٍ من الأدعية كقول اللهمّ إنّا نسألك وندعوك باسمك العظيم الأعظم الأعز
الأجل الأكرم الطهر المطهر
ونظرًا لكون القرآن الكريم أحد علوم
ذلك الكتاب الرّباني فقد احتوت بعض آياته كما في الروايات على بعض حروف اسم اللّه
الأعظم كأول سورة الحديد وآخر سورة الحشر والبسملة الكاملة .
والله أعلم وما توفيقي إلّا باللٰه
العليّ العظيم .
ءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءء
آصف بن برخيا : هو آساف بن برخيا وصي النبي سليمان عليهما
السلام ورد ذكره في القرآن والتوراة.
يسمح بالاستفادة من هذه الدراسة
ونسخها بشرط ذكر مصدرها واسم كاتبة الدراسة المذكور أعلاه .
0 comments:
إرسال تعليق