أنّ مصر، بعد أزمة كورونا، لا يمكنها
الاستمرار في تجاهل الإصلاحات اللازمة لتعزيز مستوى صادراتها، لأنّها لن تستمر
لوقتٍ طويل في التمتّع برفاهية الاقتراض إلى أن تخرج من الصعوبات التي تواجهها. وبصورة
متزايدة سيصبح الاعتماد على الحلول قصيرة المدى القائمة على ردّ الفعل أكثر كلفةً
وأقلَّ توفّراً.
ضرَبت الصدمة الخارجيّة الناجمة عن
أزمة كورونا الآن جميعَ مصادر النقد الأجنبي في مصر؛ بدءاً من السياحة إلى
التحويلات الخارجيّة والاستثمار الأجنبيّ المباشر (FDI) وصادرات الغاز الطبيعيّ وتدفقات رؤوس الأموال الدولية. ولأسباب
اقتصاديّة واجتماعيّة،.
أنّه مع تحسّن المشهد الماليّ في مصر
بعد عمليّة ترسيخ الاستقرار الناجحة في عام 2016، التي قادها صندوق النقد الدوليّ،
إلّا أنّ ذلك لم يكن كافياً للتعامُل مع المشكلات الأساسيّة طويلة الأجل التي
تواجه الاقتصاد؛ وعلى غرار الجهود السابقة الرامية إلى تحقيق الاستقرار، لم تقدِّم
للبلاد سوى فرصة مداها سنوات قلائل لتنفيذ إصلاحات أعمق.
وفي أعقاب أزمة كورونا، صارت تلك
الفرصة أضيَق؛ إذ يواجه الاقتصاد الآن خطراً حقيقيّاً بالانهيار على المدى
المتوسّط إذا لم تتحسّن الأمور الأساسيّة، وهي الاقتصاد والظروف الاجتماعيّة
والقواعد السياسيّة الحاكمة. ولن يؤدي تراكم الديون الأجنبيّة من أجل تجنّب مواجهة
المشكلات إلا إلى تفاقُم الاختلالات القائمة لدرجة تجعلها مستعصية على الحلّ
مستقبَلاً.
تلك الأسباب هي: عمليّة استقرار
كلّيّ دون أن يُقدِّم القطاع الخاصّ استجابةً لتعويض نقص المعروض السلعيّ، إضافةً
إلى عسكرة اقتصادها مع ضعف المكوّن المدنيّ في الاقتصاد، وغياب صمام الضغط
والمساحة السياسيّة اللازمة لاستيعاب الظروف الاجتماعيّة المتدهورة وتصاعد مستويات
السخط. ومن أجل جعل مسار النموّ المصريّ أكثر مرونةً في المستقبل، وخصوصاً في
عالَم ما بعد كورونا،
لا بدَّ من البدء في تخفيف هذه
التوتّرات. وللقيام بهذا، سيستدعي الأمرُ تغييراً في الطرق التي تُحكَم بها البلاد
حالياً، وهي الطرق التي تُعطي أولويّة للمزيد من الانفتاح في الأسواق وفي عالم
السياسة؛ وسيستدعي أيضاً قيامَ المجتمع الدوليّ بالتشجيع على البدء أخيراً بمعالجة
التحديّات طويلة الأجل مباشرةً. قد تؤدّي إساءة توظيف هذه الأزمة، كما حدث مراراً
وتكراراً من قبل، إلى بدء تفكّك البلاد.
عندما أدركت الحكومات والبنوك
المركزية حقيقة ما يجرى، كان الأوان فات. باستخدام عبارة الاقتصادي الأمريكي هربرت
شتاين، فإن ما كان غير مستدام أثبت كونه غير مستدام. هدد الانهيار المالي الذى
أعقب ذلك بإحداث كساد عالمي واضطر صناع السياسات إلى إنقاذ أولئك الذين تسبب
سلوكهم المتهور في خلق المشكلة في المقام الأول. لا شك أن صناع السياسات أيضا
قدموا تدابير «لإزالة مخاطر» البنوك. فقد زادوا من احتياطيات رأس المال، وعملوا
على تعزيز الإشراف في الموقع، وحظروا أنشطة بعينها. ولكن على الرغم من نجاح
الحكومات والبنوك المركزية في الحد من المخاطر الجهازية الناشئة عن النظام
المصرفي، فإنها فشلت في فهم ومراقبة ما حدث لهذه المخاطر عن كثب.
في إطار هذه العملية، سارع القطاع
غير المصرفي الذى لا يزال خاضعا لقدر طفيف من الإشراف والتنظيم إلى شغل الفراغ. وبهذا،
استمر القطاع المالي في النمو بشكل ملحوظ، سواء من حيث القيمة المطلقة أو نسبة إلى
الاقتصادات الوطنية.
أن العديد من السياسيين الأمريكيين
انتقدوا اختيار مالي مبعوثًا لإيران، كما أنه أثناء عمله مع أوباما، انحرف عن موقف
الإدارة الأمريكية بضرورة عزل الأسد فورا، كما التقى مالي خلال عمله مع مجموعة
الأزمات الدولية خلال عهد الإدارة الديمقراطية السابقة، مع ممثلين عن منظمة حماس
التي تم تصنيفها منظمة إرهابية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وتعثرت البنوك المركزية في حالة من
الاتكالية المتبادلة غير الصحية مع الأسواق، ففقدت مرونة السياسات وجازفت بخسارة
مصداقيتها في الأمد الأبعد والتي تُـعَـد حاسمة لضمان فعاليتها. في هذه العملية،
ارتفعت الأصول الخاضعة للإدارة والديون الهامشية إلى مستويات غير مسبوقة، وكانت
هذه أيضا حال المديونية وميزانية الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي العمومية. لقد تم
بناء استقرار الأمن والاقتصاد الكلي في مصر مؤخراً على أسس ضعيفة، كشفت عن هشاشتها
جائحة كوفيد-19.
رغم الانخفاض الشديد في قيمة العملة
المصرية، وما ترتَّب عليه من رفع تكلفة الاستيراد وزيادة ربحية التصدير، لم يقدِّم
القطاع الخاص استجابةً ما لتعويض نقص المعروض السلعيّ، إذ انخفضت الواردات في حين
لم ترتفع الصادرات؛ فصادرات مصر غير النفطية، التي ظلّت تتناقص منذ عام 2011،
تشكِّل الآن نسبة 6% فقط من إجمالي الناتج المحلي. هذه قصة معتادة في مصر؛ فبَينما
تمكّنت محاولات الإصلاح السابقة التي بدأت عام 1991 من تحقيق استقرار الاقتصاد
أيضاً، فشلَت في تمكين القطاع الخاص وتعزيز نشاطه.
أحرزت مصر بعض التقدم في هذا المجال
في الأعوام القليلة الماضية، أو على الورق على الأقل، وشمل هذا التقدم تبسيط
إجراءات استخراج التراخيص الصناعية وتفعيل قوانين الإفلاس والشراكة بين القطاعين
العام والخاص. وبدأت الحكومة أيضاً بيعَ شركات مملوكة للدولة لجهات استثمار دولية
كبيرة ولمؤسسات مالية في الخليج العربي بالإضافة إلى طرح بعض الشركات للاكتتاب
العام في البورصة المصرية على نطاق محدود.
من غير المحتمل أن تنجح برامج صندوق النقد
الدولي الجديدة في الدفع نحو تحقيق نمو أسرع؛ فلقد قُدِّم برنامج صندوق النقد
الدولي الجديد على عجل، على خلفيّة تصاعُد للمطالبات بدعم صندوق النقد الدولي على
مستوى العالم وفي ظل حاجة ماسة وعاجلة لدعم مصر في تقويم اضطراب الميزان الخارجي. ونتيجةً
لذلك، اقتصر البرنامج على بعض التمنّيات العامة بالتقدُّم؛ إذ يقول البيان الصحفي:
"تعهّدت السلطات بمواصلة الإصلاحات الهيكلية ... وسيتم تحسين عملية وضع
الموازنة، وتسليط مزيد من الضوء على العمليات المالية للمؤسسات المملوكة للدولة
والسلطات الاقتصادية، وتعزيز المنافسة من خلال العمل على تهيئة ظروف تتيح التنافس
على قدم المساواة، وتعديل قانون الجمارك لتحسين مناخ الاستثمار في مصر". هنا
نؤكد مجدداً على أن سبب ضعف اشتراطات صندوق النقد الدولي ربما يكمن في الاعتبارات
قصيرة المدى. لذا، من غير المحتمل أن تؤدي هذه الاشتراطات إلى تغيير في الحسابات
السياسية على نحو كافٍ لتحقيق نوع التغيير الذي من شأنه المساهمة في تأمين مستقبل
مصر.
خلاصة القول هي أن توسع الاقتصاد
السياسي كان جزأ لا يتجزأ من مسعى سياسي أشمل يهدف إلى تأسيس ما يمكن تسميته نسخة
جديدة من رأسمالية الدولة المصرية. وفي هذه النسخة، تنظر القيادة السياسية إلى
القطاع الخاص بوصفه طرفاً تابعاً ويتعامل معه في الأساس على أنه مصدر رأس مال
لتمويل مشاريع الدولة بدلاً من النظر إليه بوصفه محركاً لنمو وتطور الاقتصاد يجب
أن تسعى الدولة لتعزيز استقلاليته وأن تشجعه على إطلاق المبادرات. وفي حين تمتلك
مصر أرصدة احتياطية وتتمتع بالدعم الدولي السياسي والمالي للتغلب على العراقيل
القصيرة الأمد، فإنها عرضة لوضع جيد للغاية على الأمد المتوسط
يتعين على المؤسسات الدولية والحكومات الغربية أن تبدأ محادثات مع مصر بشأن
ضرورة إجراء إصلاحات على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. وفي النهاية، فإن التفسير
الأكثر إقناعاً لعدم تمكن مصر من إحراز تقدم طويل الأجل هو موقعها الجيوستراتيجي،
الذي يشبه لعنة الموارد. واستقرار الدولة من الداخل وهو ما تصبو الدولة المصرية .
*كاتب المقال
دكتور القانون العام
عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
مدير مركز المصريين للدراسات
السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد
العربي الأوربي للدراسات السياسية
والاستراتيجية بفرنسا
مستشار الهيئة العليا للشؤون
القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
مستشار تحكيم دولي محكم دولي معتمد خبير في جرائم امن المعلومات
نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق
بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان
والتنمية
نائب رئيس لجنة حقوق الانسان
بالأمم المتحدة سابقا
عضو استشاري بالمركز الأعلى
للتدريب واعداد القادة
عضو منظمة التجارة الأوروبية
عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس
الأعلى لحقوق الانسان
محاضر دولي في حقوق الانسان
........................................
0 comments:
إرسال تعليق