• اخر الاخبار

    الأحد، 16 أغسطس 2020

    الدكتور اسماعيل حامد يكتب عن :احتياجات الجيش الأبيض


    الدكتور اسماعيل حامد يكتب عن :احتياجات الجيش الأبيض
    مبدأيا, نحن لسنا جيشا أبيضا أو أصفرا أو أزرقا, لا نحب الشعارات الزائفة, نمقتها كما نمقت أصحابها, كل ما هناك أننا نؤدى عملنا دون خلل مقصود أو ذنب بين, أطلقوا علينا الجيش الأبيض, قلنا لا بأس, ما دام لا يضرنا فى شئ, ثمة فرحة مشوبة بالتوجس أن أحدهم شعر أننا كالمقاتلين فى ميدان الواجب كالجيوش الزاحفة فى شجاعة واستبسال.
    جاءت الأزمة فأصطف الجيش الأبيض كالبنيان المرصوص, يشد بعضه بعضا, يهاجم الوباء مدافعا عن الأرواح ليل نهار, جيش لا ينام, كالنحل فى خلاياها تقطر عسلا شهيا, أقطر ملائكة الرحمة حياة وأنفاسا تتعلق بين الحياة والموت.
    قالوا من الواجب ومن الحتمى أن يأخذ هذا الجيش حقه الضائع ومجده المستلب على مدار عقود طوال, رفعوا عنه وقتيا تهمة الإستهتار والاستخفاف بأرواح الناس والإنتهازية, قلنا مرحى أن يأتى تقدير أهل الأرض, بيد أن تقدير رب السموات أعلى وأقيم وهو المبتغى والمراد.
    قال أحدهم:  تحية تقدير وعرفان وتبجيل لهؤلاء المقاتلين البواسل الذين يبذلون الغالى والنفيس من أجل أن نحيا, سنزيد من مرتباتهم وعلاواتهم, سنعاملهم كفئة عليا تسحتق الكثير والكثير, هم أبناءنا ومحاربينا الصناديد. وتوالت العروض السخية من أصحاب المحلات التجارية والمطاعم والفنادق والمؤسسات الخاصة تقربا من الجيش الأبيض وسعيا فى رضائه.
    بات جليا تقدير الكثيرين لجنود الجيش الأبيض, رجال الشرطة بابتسامتهم فى الكمائن لأصحاب البالطو الأبيض, تقدير بعض الجيران والعامة لهم, نبرة اعلامية تحفيزية كبيرة غير مسبوقة للحث على تقدير ملائكة الرحمة.
    بعد كل ذلك أقول لك بمنتهى الوضوح: كل هذا لا يهم جنود الجيش الأبيض!! لا يهمه ثناء الناس على عمله فهو لم يتعود ذلك, لا يهمه تقدير كافة المؤسسات له لأن هذا لم يألفه فى بلادنا, أتعرف ما يهمه عزيزى القارئ؟ شئ واحد.. الكرامة.. الكرامة ولا شئ سواها.
    يقال لا كرامة لنبى بين قومه, الشعور بالكرامة فخر لا يعلوه فخر, تحدثنى عن تعديل أجور وعلاوات وحوافز وتقديرات دولية مختلفة ولا تشعرنى بالكرامة, تحدثنى عن كل هذه الوعود ثم تأخذ منى قبرا أدفن فيه حينما استشهد فى معركة الذود عن النفس والأهل, تخبرنى بأمال دنيوية وتأخذ من قطعة أرض متر فى متر أدفن فيها ليأتينى الأحباب والرفاق يأنسون وحدتى ووحشتى بين الحين الآخر, تقول بصوتك الجهورى: لا أريد جثثا وأشلاء, فلتأكلها الذئاب الجائعة والضباع الذليلة, أما أنا أريد أصحاء شداد فسواعدهم المفتولة وعضلاتهم الممشوقة وفقط.
    ما ذنب تلك التى تنمر عليها جيرانها وأنعتوها بكل قبيح وكأنها من أتت إليهم بالوباء على أطباق من المرض والعدوى, ما ذنبها حتى تسمع بأذنيها وترى بأعينها إهانتهم لها ولأطفالها, طالبين من صاحبة العقار الذى تسكن فيه أن تطردها شر طردة فى الرابعة فجرا, هى موبوءة, هى جرثومة, هكذا قال فى فجر ونطاعة.
    وتلك التى ماتت فخرجت القرية الظالمة عن بكرة أبيها تقف بصدورها وأجسادها أمام سيارة تكريم الإنسان, فى لحظة تبدل التكريم لتنكيل, مع تغير الموقف, هنا نحن نريد الحى فقط, السليم المعافى الذى يعالجنا ويسهر على راحتنا ويطلب منه دوما بالبحث عن حل لأسقامنا, أم الميت الذى رحل لاجلنا بنفس الداء فهو ليس منا لا أرض تسعه بيننا, يذهب إلى الصحراء فيلقى فيها كالجيفة أو يلقى فى بحر تتقاذفه أمواج إلى المجهول, فجأة لم يكن من أهلنا, ليس أب أو أم أو أخ أو أخت أو نسيب أو قريب أو رفيق, لا نعرفه ياسيدى, هذه ليست قريته التى ولد فيها أو عاش بين أهلها, ولا هؤلاء الذين قدم لهم عونا أو نصيحة أو معروفا فى يوم ما.
    مات الجسد فتقطعت الأسباب, ذهب الكيان, فبقى رب الناس والأسباب, شاهدا ونذيرا على هذا الجور وتلك الأهانة, فى أوطان أخرى ربما كان هناك تكريم أفضل وإنسانية أسمى مع وجود أيضا الأجور المرضية والعلاوات والحوافز والبدلات والتسهيلات, ترى ما هو الحال الآن إذا وصلت العلاقة بين مقدم الخدمة الطبية والمريض أو العوام إلى طريق مسدود؟ . حتما سينسحب الجيش ويتقهقر عندما يشعر أنه يدافع عن سراب ومعتقدات خاوية, سيشعر دوما بخيانة شعبه فتلك السهام التى يصدها بصدره ودرعه, تخترق مثلها ظهره العارى فى ساحة قتال غير عادلة فى معركة من جانب واحد يملك فيها العدو ميزة كبيرة وأسبقية وهى الخفاء. فعدو مجهول أشد بأسا وقوة وحيلة من عدو ظاهر.
    لا نريد ثناء ولا شكورا, لا نريد إلا وطن نحيا فيه بعزة وندفن فى أرضه بكرامة.
    *كاتب المقال 
    طبيب بشرى/ كاتب وروائى مصرى
    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: الدكتور اسماعيل حامد يكتب عن :احتياجات الجيش الأبيض Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى