• اخر الاخبار

    الأحد، 16 أغسطس 2020

    اسطورة المَعَلِم "الشحات"..قصة قصيرة بقلم : الدكتور إسماعيل حامد



      اسطورة المَعَلِم "الشحات"..قصة قصيرة بقلم : الدكتور إسماعيل حامد

    صحوت على رنات هاتفي المحمول، أكثر من ست رنات متصلة، من أخي الأصغر، كنت وقتها في الحمام، خرجت مهرولا لابد أنه يستعجلني بالحضور لذبح العجل، كنا في ثاني أيام العيد، كنت مرهقا للغاية فقد كانت نوبتجية الأمس مليئة بالحوادث والكوارث، غفوت ساعتين على الأكثر قبل أن تأتيني مكالمة أخي:
    قال لي متلهفا: أحضر حالا عشان الذبيح.
    وصلت إلى البيت في الصباح الباكر فكانت المفاجأة المنتظرة، حين قال أبى في أسى وتفكير عميق:
    العجل مش راضي يجي، كسر العربية، باين عليه شقي جدا، دا حتى كسروا رجله عشان يهدى شوية.
    مشكلة كبيرة وورطة، كيف سيتم الذبح؟ وما هو مصير هذا العجل الشقي؟ استطرد أبى موضحا:
    لأنه عجل فلاحي مش عجل مزارع يعنى طول عمره مربوط في الزريبة في الضلمة يتعلف وبس، ما بيخرجش من الزريبة خالص. الخوف أصلا يجي يبهدلنا الدنيا هنا او يكسر عربية حد من الجيران، دا ممكن يموت حد بسهولة وتبقى مصيبة.
    قال أخي الأصغر في إصرار: خلاص نروح ندبح هناك، في مكانه.
    في غضاضة وقلة حيلة واقفنا على التوجه إلى الحامول، لذبح العجل. وكانت رحلتنا إلى هناك شيقة للغاية مع بعض التعب والمشقة. حيث قابلنا العجل الشقي وقابلنا أيضا المعلم الشحات جزار العجل.
    كان الطريق طويلا، متعبا للغاية، قرابة الساعتين ما بين المنصورة والحامول، سلكنا طرقا مليئة بالمطبات والتكاتك وعشرات المكالمات حتى وصلنا إلى العجل بالقرب من منطقة الزعفران. دخلنا قرية صغيرة فوجدناهم في انتظارنا، كان استقبالا حارا من أهل كرم وجود. بالفعل كان العجل شقيا متمردا للغاية وكانت قدمه المكسورة تنزف دما كثيرا. بصعوبة تم اقتياده إلى مكان الذبح. قام أربعة من الرجال الأقوياء بتقييد أقدام العجل الجريح وطرحه أرضا ورأسه في اتجاه القبلة. عرض الجزار أن يقوم أحدنا بعملية الذبح لكن نفسي قد جزعت لهول الموقف فقام ابنه جودة بإراحة العجل المعذب بخطفة سكينه الحادة فكانت الشهقة الأخيرة.
    كل هذا الأمر لم يستغرق أكثر من خمس دقائق على الأكثر منذ وصلنا مكان الذبح. اشهد أنه كان جزارا محترفا. يتسم بالقوة مع عمره الذي قارب الستون وأولاده الأربعة الذين يعملون معه في نفس المهنة منذ نعومة أظافرهم.
    عم "الشحات" جزار من طراز فريدا. شخصية جذابة للغاية وملفتة للانتباه. فهو أب لأربع بنين وبنتين. وجد لطفل لا يتجاوز عمره الثلاثة أشهر اسمه "الشحات" أيضا.
    يعمل في تربية وتجارة المواشي، فهو يمتلك مزرعة كبيرة خلف داره المكونة من دور واحد على مساحة شاسعة، كان أبيض البشرة تعلو وجهه حمرة الصحة والرخاء بعيون زرقاء وعضلات فتيه وكذلك ابناءه كلهم من أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء. كانت زوجته ممتلئة للغاية مترهلة البينان لكن ابتسامة صافية ودودة لما تغادر وجهها قط.
    يمسك الجميع بسكين حاد في يده. ما بين سكين صغير وساطور وغيرها من أدوات الجزارة والذبح والسلخ والتشفيه. يعمل الجميع في سيمفونية متناغمة، الكل يعرف دوره جيدا ويعرف أيضا متى يلعب هذا الدور في صمت. كان المعلم "الشحات" ينظر للجميع في صمت يراقب الأدوار في تمهل وروية. وكان خفيف الظل مضيافا ينثر نكاته الجيدة والسخيفة بين الحين والآخر، ويدلو بدلوه السياسي والفكري بين الوقت والآخر. عالمه غير عالمنا فهو يعيش كالملك في زمن انتهى فيه الملوك. وعلى أهل بيته السمع والطاعة. كان يؤمن بكثير من الخرافات. يحلم بفرح كبير لابنه بين التجار. يفرض مدرسته في تجارة المواشي وصفات الأفضل منها. يرى أن إناث العجول أفضل من ذكورها وأكثر لحما وألذ طعما. يتكلم بصدق غريب، يصدق نفسه تماما. قلت له مستنكرا: أيعقل أن يسمى حفيده باسم "الشحات" على اسمه؟؟ قال في عمق وثبات: مش أنا اللي بسمي يا بيه. الحاجة الكبيرة اللي قالت لمرات ابني أن اللي في بطنها ولده اسمه "شحات"!!
    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: اسطورة المَعَلِم "الشحات"..قصة قصيرة بقلم : الدكتور إسماعيل حامد Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى