"أبو حلاوة يا تين .. يا مصحي النايمين" .. هذه نداءات أحد بائعي التين الشوكي في مصر، وبالتحديد منذ كنت صغيرا في إحدى قرى شبرا الخيمة، وأنا اسمع هذا الرجل يرددها بل وإنه يقوم بتأليف جمل إبداعية وكأنه شاعر قديم كنوع من التسويق لبضاعته الجميلة، والتي لا تحتاج تسويقا سوى طعهما البديع؛ فنحن جميعا نحبها.. كان يأتي بائع التين مهللا ومرددا لمثل هذه الشعارات والجُمل الجميلة حتى يلتف الصغار والكبار حوله ليشتروا منه التين الشوكي الجميل وهم يضحكون على طريقته المميزة في البيع.. كل هذه الذكريات تراءت أمام عيني وفي ذاكرتي عندما أصابني هذا الفيديو الذي انتشر مؤخرا عن موظفة حي التجمع التي تدَّعي تطبيق القانون وهي تقوم بالسخرية من بائع جائل يبيع التين الشوكي بالتجمع، لم تكتفِ بالسخرية بل قامت كما رأينا جميعا بإهدار بضاعته على الأرض وسط تحذير الناس من إهدار النعمة التي نأكلها هكذا، وسط كلمات الرجل الخائف على مصدر رزقه الوحيد، ولكنها تعاند وتظل تردد صارخة: "إنني أنفذ القانون"، وهي تأمر من معها بأخذ عربته البسيطة!
موقف شديد الصعوبة على أي إنسان لديه ذرة شعور، وقد بكى كثير منا بعد هذا الموقف وبداخلنا أكثر من تعجب وتساؤل لهذه السيدة الغريبة التي أتفق على وصفها بالجاهلة كما وصفها "مرتضى منصور".
فأي قانون هذا الذي يأمر بالتعدي على بائع يتجول كل يوم لينفق على بيته وأسرته ويعولهم في ظل هذا الغلاء الصعب الذي نعيشه؟! أي قانون هذا الذي يسمح لهؤلاء الظلمة بتطبيقه على الفقراء والمساكين في بلادنا في حين أنهم ينحنون ويتغافلون عن تطبيق نفس القانون على الأغنياء وذوي السلطة؟!
أعزائي؛ إنما وُضِعَ القانون للدفاع وحسب عن هؤلاء البسطاء؛ فالأغنياء والكبار لا يحتاجون من يدافع عنهم! إنَّ ذلك الموقف ليس إلا نوعًا من العنصرية الواضحة، فالعنصرية لا تعني فقط السخرية من أصحاب البشرة السوداء، أو الاستهزاء بالأديان الأخرى ومعتقدات الناس، أو على أساس جنسياتهم المختلفة، أو أهوائهم؛ ولكنَّ العنصرية كل العنصرية أن نسخر من أعمال الناس البسيطة أو نقلل من شأنهم ونسطو على سبب أرزاقهم ونحن ندَّعي تطبيق القانون!
إنَّ ما رأيناه من مشهد مؤلم كان سببا مهما في تغيُّر حال الرجل، وهذه إحدى محاسن التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي؛ فعندما اشتهرت الواقعة - وهذا من حسن حظ الرجل الذي استجاب الله دعواته- تخلص المجتمع على الفور من بعض عنصريته ووقف الكثير بجانبه، بل ورأينا مشهدا آخر شديد الاختلاف حيث تمت معاقبة الموظفة المسئولة التي لم تفكر لحظة بنوع من الإنسانية والضمير والرحمة، ووصل الأمر أن رأينا "مرتضى منصور" رئيس نادي الزمالك في مشهد رائع يرد للرجل اعتباره ويساعده ويوفر له البديل عن هذا الفعل القبيح، موقف إنساني بالطبع وأسلوب في الكلام لم نعتده منه؛ لكنه موقف يستحق الإشادة والتقدير!
فما أعظم الإنسان عندما تسطع نبراته الإنسانية في أية لحظة! وما أبشع ذلك الإنسان عندما يتخلى تماما عن معاني وقيم الإنسانية!
** أحبُّ الاستماع إلى آرائكم قرائي الأعزاء على البريد الإلكتروني الخاص بي وعلى صفحتي على الفيس بوك بنفس العنوان :
a_ha3im@yahoo.com
0 comments:
إرسال تعليق