وحدها الكلاب والهاربون من الجبهة يتجولون في الأطراف الفقيرة التي أفرغت من ساكنيها تحت وطأة قصف العدو .و...وحده قلب المدينة منذ أيام لم يقصف .
.امر
كان يثير الاستغراب .
من امام بيته راح الحاج عباس يلوح لي ان لنخرج. قلت مادام الحاج عباس خرج من ملجئه فلا بد ان الامر اصبح خطيرا ..على عجل هرولت
نحوه .
-- يا
الهي لقد طالت الحرب. ها نحن في السنة السابعة ولم تنته ،حرب اتت على الاخضر
واليابس .!
قال
الحاج عباس متذمرا .اسرعنا نحو
الشارع علنا نجد سيارة تحملنا
الى مركز المدينة .
هل حملت معك كل ما تملك من مدخرات ثمينة خفيفة .؟ قد يقصف البيت او يسرق ،ففي كل محنة يمر بها الوطن ، ينتعش ضعاف النفوس من لصوص و إنتهازيين وعملاء ، افعل كما فعلت .قال الحاج عباس ! ولأني
رايت كلامه مقنعا فعلت.
ارتمينا
في حوض سيارة بيك اب كان صاحبها هو الأخر
هاربا من الجحيم.
وجدنا كل شيء هادئا في مركز المدينة .اسواقها
تدب فيها الحركة وساحة وقوف السيارات عامرة .
دخلنا فندقا مهجورا . رحب بنا حارسه المصري مطمئنا و
حللنا ضيفين عليه .
في
الليل ، فجأة امطر العدو
المركز المكتظ بالسكان ، بوابل من الصواريخ ، وسرعان ما ماتت الحركة و غطى
المدينة ظلام مخيف واختفى الناس . شعرنا
اننا محاصرين في قبو الفندق الذي راحت اصوات القذائف تهزه .نصحنا الحارس بالخروج قائلا ، وحدها اطراف المدينة آمنة الآن . منذ البارحة
لم تقصف .!
وعلى
عجل، تركنا للمصري متاعنا وهرولنا نحو موقف السيارات ،كان خاليا .. غير مصدقين،
وسط ساحة
الكراج وجدنا سيارة اجرة مركونة . في داخلها تكوم رجل بدين . .بدا البدين غير عابيء بدوي القذائف وبكل ما يدور . اعجبنا
برباطة جأشه .انتظر عشرة ركاب لإكمال نصاب
السيارة كي ننطلق، قال .
صعقنا
لقوله .ان الحصول على راكب في هذا الوقت معجزة فكيف بعشرة ركاب!
.بكل الطرق حاولنا اقناعه بخطورة الموقف.. اشار
ان تحملا انتما المبلغ .ادفعا . قال صاحبي
. عجيب امر هذا الرجل ستقتلنا قذيفة في
هذا العراء حتما .ما ان اتم كلامه ،حتى سقطت قذيفة ارعبت بضع كلاب سائبة ففرت
هاربة لا تلوي على شيء. نظرنا بوجه الرجل متوسلين .رد بعبارة بدت لنا باهتة وأشار ان
لن اتحرك .
قلنا له
اطلب ما تريد لتقلنا. نظر بوجهينا ثم على راحته كتب رقما لا يصدق.
على مسافة قريبة على بناية سينما سقطت قذيفة
صاروخ فهدتها . لم يرف لبرميل اللحم جفن. عدنا
علعين للمساومة وعاد الرجل للعناد .
لم يرضخ حتى بعد سقوط قذيفة اخرى هدت ثلاث
منازل تقع خلف بناية السينما المهدمة . لم
يكن لدينا خيار .فجاة من بين ركام بيت ، برز رجل ملفوفة احدى يديه بضماد طبي ، توجه نحونا راكضا وقال للسائق
انطلق قبل ان نهلك ولك المبلغ الذي تريد
،هيا .ما نفع المال ان قتلت .؟ ..قبل ان يدير السائق محرك السيارة اندفعنا نحن
الإثنين داخلها خوف ضياع فرصة النجاة .!
في شارع
مظلم تماما خال من الحركة . انطلق السائق بسرعة جنونية .على صوت محرك السيارة كانت
القذائف تتساقط حولنا. اشرنا له ان هديء السرعة اشار قائلا، علي ان ارجع الى الكراج.
فهذه فرصتي .اغضب رده صاحبي فراح يزعق .لم
يعبأ السائق بزعيق صاحبي بل ضاعف السرعة. فيما
جلس ثالثنا بهدوء جنبه. . لم يعبأ السائق
بما يدور بل انطلق بأقصى سرعة. بعد نصف ساعة في منعطف عند جسر حجري قديم ،اطفا
محرك السيارة وقال بصوت آمر، اخلعا ملابسكما ،تعريا كليا بسرعة وبلا مماطلة او جدال .اتركاها حيثما
تجلسان و انزلا والا اجهزنا عليكما .هيا
ماذا تنتظران؟ صاح معصوب اليد وشهر مسدسه بوجهي فيما شهر السائق مسدسه بوجه
صاحبي .من نظرات عيونهم ايقنا اننافي قبضة
شريرين وانهما جادين فيما يقولان. في كل الاحوال ستخلعان فلم العناد ؟قال
احدهما.
. كانت
الليلة باردة وكنت قد تدرعت بسترة ذات فرو حشوت في جيوبها كل ما املك اما صاحبي فقد تدرع بمعطف عسكري ثخين . هيا
،صاح السائق واطلق رصاصة اخترقت زجاج مؤخرة السيارة عندها على عجل نزعنا ما نلبس. صرنا
عراة تماما نرتجف من الخوف والبرد والخجل .انزلا
هيا .زعق .امتثلنا للامر . ترجلا
بسرعة قبل ان نجهز عليكما. ، صرخ ذو اليد ذات الضماد .تلك الليلة ،كانت
الساعة قد قاربت منتصف الليل، حينما سرنا في الشارع عاريين تماما !!
تنجو من قذائف العدو تحاصرك جائحة الكورونا .!
قال
الحاج عباس وهو ينظف طقم أسنانه. تذكر ليلة ان سرنا عاريين في الشارع ليلا ؟
زمن، لك
الله يا عراق قال واطلق ضحكة تشبه البكاء .
!؟
0 comments:
إرسال تعليق