إذا كان القانون المصري يقرر حماية جنائية للمرأة في مجالات كثيرة، إلا أنه توجد مجالات أخرى يلزم تدعيمها بالحماية الجنائية، كما يلزم تدخل المشرع الجنائي في مجالات محددة من أجل حماية المرأة من بعض صور العنف التي لا تزال تمارس ضدها.
وأخيراً توجد نصوص جنائية تميز بين الرجل والمرأة في التجريم والعقاب بالمخالفة للاتفاقية الدولية لمكافحة التمييز ضد المرأة والشريعة الإسلامية ذاتها.
ويلاحظ أنه بالنسبة لبعض صور العنف أو التمييز حدث تدخل تشريعي، لكنه لم يكن بالقدر الكافي مراعاة لاعتبارات تفرضها ثقافة مجتمعية تمييزية ضد المرأة، ينبغي العمل على تغييرها بالتوعية وبغيرها من الوسائل، ومنها سلاح التجريم والعقاب.
ونعرض فيما يلي لبعض المجالات التي لا تزال في حاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتغيير الأنماط السلوكية الخاطئة في مواجهة المرأة، سواء عن طريق التوعية أو التدخل التشريعي لضمان الحماية اللازمة لحقوق المرأة.
أولاً: التمييز ضد المرأة في نصوص التجريم والعقاب:
المجال الأساسي للتمييز بين الرجل والمرأة في مجال التجريم والعقاب يتعلق بجريمة الزنا في قانون العقوبات المصري. هذا التمييز يخالف المادة (2 – ز) من اتفاقية السيداو التي تلزم الدول بإلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة.
كما أن هذا التمييز يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية (مبدأ المساواة في التجريم والعقاب) وأحكامها الجنائية التي لا تميز بين الرجل والمرأة في جريمة الزنا وعقوبتها، سواء العقوبة الحدية إذا توافر موجب الحد، أو العقوبة التعزيرية إذا انتفى موجب الحد.
فالنص القرآني يسوى في قيام الجريمة بين “الزانية والزاني”، كما أنه يسوى في العقوبة الحدية بينهما، ويلتزم المشرع بالتسوية بينهما في العقوبة التعزيرية التي تطبق إذا لم يتوافر موجب تطبيق العقوبة الحدية. فماذا يقرر قانون العقوبات المصري الذي اقتبس أحكام جريمة الزنا من قانون العقوبات الفرنسي الصادر سنة 1810؟ قانون العقوبات المصري لا يزال – حتى لحظة كتابة هذه السطور – يميز بين الرجل والمرأة في جريمة الزنا من عدة وجوه:
أ- التفرقة بين الرجل والمرأة في قيام جريمة الزنا:
المرأة المتزوجة ترتكب جريمة الزنا أياً كان مكان حصوله، أي سواء حدث في منزل الزوجية أو خارج منزل الزوجية، وهو ما لا نعترض عليه لأن واجب الوفاء والإخلاص بين الزوجين لا يتقيد بمكان معين، بل هو مفروض دون تقيد بزمان أو مكان طالما رابطة الزوجية قائمة. لكن القانون لم يعترف بذلك بالنسبة للزوج، لأن جريمة الزنا لا تقوم في حق الزوج من الناحية القانونية إلا إذا كان قد ارتكب فاحشة الزنا في منزل الزوجية. فإذا زنا في غير منزل الزوجية، لا تتحقق بالنسبة له جريمة الزنا، إلا إذا كان قد زنا بامرأة متزوجة، حيث يكون شريكاً لها في جريمتها وليس فاعلاً أصلياً. أما إذا ارتكب الزنا في خارج منزل الزوجية مع امرأة غير متزوجة، فلا تقوم في حق أي منهما جريمة الزنا في ظل نصوص قانون العقوبات الساري.
ب- التفرقة بين الرجل والمرأة في عقاب الزنا:
لم يقنع القانون بمحاباة الرجل في مجال قيام الجريمة، لكنه سار في منهجه التمييزي بين الرجل والمرأة حتى بالنسبة للعقوبة المستحقة عن جريمة الزنا، فعقوبة الرجل أخف من عقوبة المرأة.
– الزوجة التي ثبت زناها، داخل أو خارج منزل الزوجية تعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين (م274ع).
– الزوج الذي ثبت زناه في منزل الزوجية يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور (م277ع). وهذا التمييز ممقوت، لأنه يشجع الرجل على الزنا مرتين: الأولي بإباحة الفعل إذا حدث في غير منزل الزوجية، والثانية بتخفيف عقابه عن عقاب الزوجة ولو خانها في منزل الزوجية.
ج – التفرقة بين الرجل والمرأة في عذر التلبس بالزنا.
تنص المادة 237 من قانون العقوبات على تخفيف عقاب الزوج الذي يفاجئ زوجته حال تلبسها بالزنا فيقتلها في الحال هي ومن يزني بها. ووجه التخفيف أن هذا الزوج لا يعاقب بالعقوبات المقررة للقتل العمد أو للضرب المفضي إلى الموت، وإنما يعاقب بعقوبة الحبس وحدها الأدنى 24 ساعة.
وعلة التخفيف هنا حالة الغضب والاستفزاز الذي يسيطر على الزوج الذي يفاجئ زوجته متلبسة بالخيانة الزوجية، ولو كان ذلك في غير منزل الزوجية.
هذا العذر المخفف للعقاب لا تستفيد منه الزوجة التي تفاجئ زوجها متلبساً بالخيانة الزوجية، ولو كانت قد فاجأته في منزل الزوجية الذي تقيم فيه مع زوجها. هذه التفرقة بين الزوج والزوجة في الاستفادة من عذر تخفيف العقاب تبنى على فرضية غير إنسانية مؤداها أن الزوجة لا يقبل منها أن تنفعل وتتهور حين تفاجأ بشريك حياتها متلبساً بالخيانة في منزل الزوجية، بل الواجب عليها أن تسيطر على غضبها وانفعالها ، فلا تقدم على إيذاء زوجها أو من يزني بها، فإن تهورت وقتلته أو قتلت شريكته لا يخفف عقابها فتعاقب بعقوبة القتل العمد أي السجن المؤبد أو المشدد!
لذلك نرى أن التفرقة بين الزوج والزوجة تفرقة معيبة، لا سند لها من علة التخفيف، وهي سبب لعدم دستورية النص المقرر لهذا العذر المخفف للعقاب، كما أنها تفرقة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية.
ونأمل أن يسارع المشرع إلى إلغاء هذا العذر المخفف للعقاب، ليترك مسألة تخفيف عقاب الزوج أو الزوجة في هذه الحالة للسلطة التقديرية للقاضي الجنائي في إطار ما تقرره المادة 17 من قانون العقوبات، وهي تجيز للقاضي في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة النزول بالعقوبة المقررة للجناية درجة واحدة أو درجتين.
د- التفرقة بين الرجل وامرأة في الإجراءات في مجال المحاكمة عن الزنا:
يميز القانون المصري المرأة بأحكام خاصة في المجال الإجرائي الخاص بجريمة الزنا، وهو تمييز منتقد في تقديرنا.
1- يسقط حق الزوج في تقديم الشكوى ضد زوجته الزانية إذا كان قد سبق له ارتكاب الزنا في منزل الزوجية (م273ع). في هذه الحالة يكون للزوجة أن تدفع بعدم جواز محاكمتها عن جريمة الزنا لسبق ارتكاب زوجها لجريمة الزنا، وهذا حق مقرر للزوجة دون الزوج، بمعنى أن حق الزوجة في تقديم الشكوى ضد زوجها عن جريمة الزنا لا يسقط إذا كانت قد سبقته إلى ارتكاب فاحشة الزنا.
وهذا الحكم معيب لأنه يقرر المقاصة في الفواحش والسيئات، فكأنه يقرر للزوجة حقاً في ارتكاب جريمة الزنا إذا كان زوجها قد سبقها إلى ذلك. وهذا حكم شاذ يبرر الفاحشة بفاحشة مثلها، ولذلك نرى ضرورة حذفه من التشريع المصري على الرغم من أنه يحقق مصلحة للمرأة، لكنها مصلحة غير معتبرة.
2- إذا صدر حكم بإدانة الزوجة عن جريمة الزنا، كان للزوج أن يوقف تنفيذ هذا الحكم إذا رضي بمعاشرتها له كما كانت قبل الحكم. ويعني هذا أن العفو عن عقوبة الزوجة حق للزوج لمصلحة زوجته، ولكن الزوجة لا يثبت لها حق العفو عن عقوبة زوجها إذا رضيت زوجته بمعاشرته لها (م274ع).
وهذا تمييز منتقد بين الرجل والمرأة، لأنه يكرس دونية المرأة على الرغم من أنه تمييز يحقق مصلحتها، لكنه لا يراعى مصلحة الأسرة إذا رأت المرأة العفو عن زوجها بعد الحكم عليه حفاظاً على سمعة الأسرة ومراعاة لمشاعر أبنائها منه.
0 comments:
إرسال تعليق