اعذرونى لغرابة العنوان ، فهل يعقل أن تكون التفاهة كنز ولا يفنى ؟
نعم أصبحت التفاهة كنز عند معظم رواد ومستخدمى مواقع التواصل الإجتماعي ، وخاصة " الفيس بوك " ، بل وصلت التفاهة إلى الساحة الإعلامية .. وأصبحت التفاهة كنز يحافظون عليه بكل الطرق و الوسائل و يطلقون العنان لتأكيد دورهم في نشر وباء العصر و لا يوجد لديهم سلاح أخر غير التفاهة لإثبات وجودهم في المجتمع. لا أتوقع أنهم يعرفون معنى التفاهة في اللغة العربية، فدعونا نتأمل معاً معاني هذه الكلمة.
التفاهة : هى صفة للشخص الغير متزن ، وقليل العقل ، الذى لا يعى ما يكتبه أو يقوله أو ينشره ، ولا قيمة لأعماله ، وعندما يتحدث أو يكتب أو ينشر منشورات له ، وقتها تتضح حقيقته ، وحقيقة ما بداخله الفارغ الأجوف ، ويكتشف العقلاء وقتها أنه لا قيمة لهذا الشخص ولا لقوله ولا لمنشوراته سوى العبث والتفاهة ..
والأعجب من التافه هو الأحمق الساذج الحقير ، الذى يقوم بنشر كل ما يصل اليه من منشورات دون تفكير ولا وعى بما ينشره ، فالكلام يحدد صفات الرجل وشخصيته ..
هل هو عاقل أم حقير ... متزن أم متهور ... حكيم أم موتور متهور .... مسؤول أم أهوج .... صاحب فكر ورأى أم إمعه ( إن قال الناس قال ، وإن صمتوا سكت )
أصبحنا نعيش عصر ثقافة التفاهة و التفنن بها، ووجدت التفاهة فرصتها العظيمة عبر شبكات التواصل الإجتماعي كالأخطبوط تمد أذرعها في كل مكان لتشوش على التميز و الإبداع، و تحيل المشاعر النبيلة إلى لذات و شهوات. فيصبح الحب جنس و المساعدة و الرحمة غباء و سذاجة ، والطفولة والبراءة جريمة .. ويحاول التافهون الذين خرجوا من عمق مياههم الراكدة المليئة بالفيروسات و الجراثيم الفكرية، بث سمومهم في جسد المجتمع و إصابته بالأمراض الثقافية و الوجدانية التي يكون تساقط الأخلاق رويدا رويدا من أعراضها القاتلة السامة ،وتجده يتحفنا بموضوعات وفيويوهات وصور لا قيمة لها ، وخالية من أى فائدة تذكر ، ويتصيد هفوات وأخطاء الأخرين سواء كانت أخطاء فردية لأشخاص ، أو أخطاء المجتمع ، لإلغاء جمال كل ما هو جميل، والحط من أهمية القضايا المصيرية اليومية على الصعيد الخاص و العام ...
ما أثار حفيظتى وغضبى وجعلنى أكتب هذا المقال ، ما نشر منذ انطلاق العام الدراسي الجديد ، والذى بدأ قبل أسبوع تفريبا لحالات فردية للسلوكيات السيئة لبعض المدارس من صور وفيديوهات لطلاب يتسلقون الأسوار ، وصفوف متكدسة بالطلاب ، وتدافق وتشاجر أخرين على المقاعد ، وكان أخرها فيديو الطفل صاحب فيديو " عايز أنام ربع ساعة يا حاجه " ، مقطع الفيديو متداول على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، لتلميذ بالمرحلة الابتدائية، يطلب من معلمته بالصف أن تسمح له بالنوم لمدة ربع ساعة فقط.
وحسبما جاء في مقطع الفيديو المتداول ظهر التلميذ وهو يقول" أنام ربع ساعة بس يا حجة والنبي نفسي أنام وأعملكوا اللي انتو عاوزينه" وترد عليه المعلمة" ياحبيبي شوية وهتروح".
مقطع الفيديو أثار موجة من السخرية على صفحات السوشيال ميديا، ولاسيما " الفيس بوك " لطريقة الطفل واستخدامه لفظ"حجة" في مناداة معلمته داخل الفصل.
تصوير الطالب ونشر الفيديو على صفحات الفيس بوك بهذه الطريقة أمر غير مقبول، سواء من قام بالتصوير هى المعلمة نفسها أو أحد التلاميذ بالفصل ، أو شخص أخر لأنه انتهاك لخصوصية الطفل وأسرته بأكملها ، وبالتأكيد هذا الفيديو يؤذي نفسية الطفل وأسرته ، وتصرف غير مقبول خاصة وأن اصطحاب التليفون المحمول من جانب الطلاب ممنوع في المدارس وإذا تبين أن المعلمة هي التي قامت بتصوير الفيديو أو أحد المعلمين أو المعلمات بالمدرسة ، فهذا أمر سيئ وكان من الأفضل أن تتناقش معه وتوجهه بشكل تربوي سليم، حسب تعبيرها ..
مجرد براءة طفل صغير لم يتعدى عمره السادسة ، وأتضح أنه مصاب بكسر في قدمه ولم يستطع من النوم جيدا ليلة أول يوم دراسي ، فجاء إلى المدرسة وهو يعانى من الإرهاق والتعب تتحول نافذة يطل منها الجميع بكل قبح في محاولة لاظهار مدارس مصر بأنها غير مؤهلة للعملية التعليمية ..
السؤال هنا : ما الفائدة من نشر هذا الفيديو وغيره من الفيديوهات والصور على مواقع التواصل الإجتماعي ، ومناقشتها عبر القنوات الإعلامية ؟ رغم أنها حالات فردية ولا تمثل ظاهرة مجتمعية .
هل وصلت التفاهه في نشر مثل هذه الحالات الفردية البسيطة وترك القضايا الجوهرية والهامة التى يعاني منها الوطن ؟
هل قدم هؤلاء المتربصين والذين يصطادون في الماء العكر ، وأصبحت عقولهم تافهه ، حلولا للقضايا في محاولة منهم للمشاركة الإيجابية في مساعدة الوطن للنهوض والتقدم ؟
حقا ..... التفاهة كنز لا يفنى
0 comments:
إرسال تعليق