• اخر الاخبار

    الأحد، 30 سبتمبر 2018

    ثقافاتٌ ورؤى ..أسلوبُ الإلتفات ..اعداد د.أحلام الحسن

     



    لربّما يستغرب بعضُ القرّاء للمصطلح اللغوي أعلاه وتتسارعُ إلى الأذهان تساؤلاتٌ عنه .. وللإيضاح يستعرض المقال أهمّ جوانب هذا المصطلح واستخداماته اللغوية والبلاغية حيث أنّه أحد الأساليب البلاغية واللغوية الماهرة والمستخدمة في لغة العرب الأصيلة فضلًا عن لغة القرآن الكريم البلاغية حيث جرت لغة الباري تعالى فيه على كثيرٍ من نمط الإلتفات البلاغي لجلب انتباه المستمعين له وتنشيط أذهانهم وصرف انتباههم إليه .. وقد تكررت الأنماط الثمانية المذكورة فيه

    ((جاء في »لسان العرب« (مادة لفت): »لَفَت وَجْهَهُ عَن القوم: صَرَفَهُ والتَفَتَ التفَاتا، والتَّلفُّتُ أَكثَرُ مِنْهُ. وتَلَفَّتَ الى الشَّيْءِ والتَفَتَ إلَيْهِ: صَرَفَ وَجْهَهُ إِلَيْهِ (....) وَلَفَتَهُ عَنِ الشَّيْءِ يَلْفِتُهُ لَفْتا: صَرَفَهُ. الفرَّاءُ في قوله عزَّ وجلَّ: »أجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا؟« (يونس. آية 78)* اللَّفْتُ: الصَّرْفُ؛ يُقَالُ مَا لَفَتَكَ عَنْ فُلاَن أَيْ مَا صَرَفَكَ عَنْه " منقول " )) .

    وقد تمّ تعريف اسلوب الإلتفات عند النّحاة وأهل اللغة على أنّه علمٌ من علوم البلاغة يعمد المتكلمُ فيه من إسلوبٍ لإسلوبٍ آخرٍ في لغة قصيدته أو كلامه وأذكر أمثلةً من هذا الإسلوب " الإلتفات " :

    1/ إنصرافُ الشاعر أو الكاتب من لغة الإِخبارِ " بكسر الألف " إلى لغة الخطاب والمخاطبة والعكس كذلك .

    2/ الإلتفاتُ والإنتقالُ من لغة الخطاب المباشر إلى لغة الغائب .

    3/ الإلتفاتُ والإنتقالُ من صيغة المتكلم ذاته إلى صيغة الغائب .

    4/ الإلتفاتُ والإنتقال من ضمير المتكلم " تُ " إلى ضمير المخاطب الكاف " ك " .

    5/ الإلتفاتُ والإنتقال من لغة الغائب إلى المتكلم والعكس .

    6/الإلتفاتُ والإنتقالُ من لغة المُخاطبِ المفرد إلى صيغة الجمع .

    7/ الإلتفات والإنتقالُ من صيغة المخاطب المفرد إلى صيغة خطاب المثنى " الإثنين "

    8/ الإلتفاتُ والإنتقالُ من صيغة الماضي إلى صيغة الحاضر أو المستقبل .

    أهمّ الجوانب المضيئة من إسلوب الإلتفات البلاغي :

    أ - دفع الملل والضيق لدى المستمع من تكرار ذات الصيغة في الكلام وجلب انتباهه حين تغيير مجرى الكلام لأسلوبٍ آخر .

    ب - تتممة معنى الكلام وإيضاحه وإفصاحه مما يزيده جمالا وبلاغة .. حيث أن الكلام لا يستطاب على ذات الوتيرة .

    والمتتبّع لآيات القرآن الكريم سيلاحظ أسلوب الإلتفات البلاغي هذا بكثرة .

    وقد ذكر علماؤنا الأجلاء عدة متطلباتٍ واستخداماتٍ لأسلوب الإلتفات منها :

    (( 1- اظهار المهابة والجلالة:

    كما في قوله تعالى: »وإذْ قُلنَا للمَلائِكةِ اُسجُدُوا لآدم فسَجدُوا إلاّ إبلِيسَ أبَى واُستكْبَرَ وكَان منَ الكَافرينَ« (البقرة. آية 34). قال محمد علي الصابوني: »إذ قلنا« للتعظيم وهي معطوفة على قوله »وإذقال ربك« وفيه التفات الى المتكلم لتربية المهابة وإظهار الجلالة« 29

    2- التوبيخ:

    كقوله تعالى: »يوْم تَبْيَضّ وجُوهٌ وتسْودّ وجُوهٌ فأمّا الّذينَ اُسوَدّتْ وجُوهُهُم أكَفَرتُمْ بعْد إيمانِكمْ فذُوقُوا العذَابَ بمَا كُنْتُم تَكْفُرون« (آل عمران. آية 106) انتقل من الغيبة الى الخطاب للدلالة على أن صاحب هذه الحال ينبغي أن يكون موبخا ومنكرا عليه، ولما أراد توبيخهم على ذلك، أحضرهم لأن توبيخ الحاضر أبلغ في الإهانة له.

    3- التقبيح والتشنيع:

    من ذلك قوله تعالى: »هُو الّذي يُسَيّركم في البرّ والبَحْرِ حتّى إذا كنتمْ في الفُلكِ وجرَيْنَ بهمْ... »(يونس: 22) دون »وجرين بكم« فهو التفات من الخطاب إلى الغيبة للتقبيح والتشنيع على الكفار لعدم شكرهم النِّعم. قال الزركشي: »كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليتعجب منها ويستدعى منه الإنكار والتقبيح لها؛ إشارة منه على سبيل المبالغة إلى أن ما يعتمدونه بعد الإنجاء من البغي في الأرض بغير الحق، مما ينكرويقبح«30

    4 - إلقاء الروعة والمهابة في القلب:

    كقوله تعالى: إنَّ الذينَ يَكْتُمُونَ مَا أنْزَلْنَا مِنَ البيِّناتِ والْهُدَى منْ بَعْدِ مَا بيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ في الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ«(البقرة: 159 ) والأصل »نلعنهم« بدل »يلعنهم الله« فقد انتقل عز وجل من ضمير المتكلم إلى الغيبة »ولكن في إظهار الاسم الجليل »يلعنهم الله« إلقاء الروعة والمهابة في القلب«31

    5 - الدلالة على الاختصاص بالقدرة:

    كقوله تعالى: وَاللَّهُ الذي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إلى بلدٍ ميِّتٍ فَأحيينا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ«(فاطر. آية9 ) لقد عدل تعالى عن ضمير الغيبة إلى التكلم في »سقناه« و»أحيينا« لأنه أكثر دلالة على الاختصاص بالقدرة.

    6 - التعظيم:

    كقوله تعالى: »وَتِلْكَ الأيَّامُ نُداوِلُهَا بَيْن النَّاسِ وليَعْلَمَ اللَّهُ الذينَ آمَنُوا ويتَّخِذَ منْكُمْ شُهَداءَ والله لاَيُحِبُّ الظَّالمينَ« (آل عمران: 140) قال محمد علي الصابوني: »وليعلم اللَّه« هو من باب الالتفات لأنه جاء بعد لفظ »نداولها« فهو التفات من الحاضر إلى الغيبة. والسر في هذا الالتفات تعظيم شأن الجهاد في سبيل الله«32

    وكما سبقت الإشارة فللالتفات أغراض شتى؛ تستنبط من مناسباته ومقتضياته في الكلام؛ وهذه الأخيرة لايمكن حصرها، لذلك تعذرت الإحاطة بكل أغراض الالتفات. منقول )) .

    المصادر :
    ابن منظور - لسان العرب - مادة لفت.
    2 - أحمد بن محمد بن علي الفيومي - المصباح المنير - مكتبة لبنان 1987 ، ص 212
    3 - نقلا عن إنعام فوال عكاوي - المعجم المفصل في علوم البلاغة - مراجعة أحمد شمس الدين - دار الكتب العلمية بيروت - ط 1 - 1992 - ص 208
    4 - أسامة بن منقد - البديع في نقد الشعر - تحقيق عبد آ. علي مهنا - دار الكتب العلمية - بيروت لبنان - ط 1 - 1987 - ص 287
    5 - فخر الدين الرازي - نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز - تحقيق بكري شيخ أمين - دار العلم للملايين. ط 1 - 1985 - ص 287 - 288
    6 - جلال الدين السيوطي - الإتقان في علوم القرآن - قدم له وعلق عليه محمد شريف سكر - راجعه مصطفى القصاص - دار إحياء العلوم - ط 1 . بيروت - لبنان - 1987 - ج 1 ص 235
    7 - ضياء الدين بن الأثير - المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - تقديم وتعليق: د. أحمد الحوفي ود. بدوي طبانة - دار نهضة مصر - القاهرة - مصر - د.ت ج 2 - ص 167 - 168
    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: ثقافاتٌ ورؤى ..أسلوبُ الإلتفات ..اعداد د.أحلام الحسن Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top