• اخر الاخبار

    الجمعة، 3 مايو 2024

    الدكتور عادل عامر يكتب عن : التخطيط التربوي الصهيوني والمصالح الاستعمارية

     


    إن إيجاد من يدافع عن الثقافة الصهيونية والكيان الصهيوني لا يمكن أن يجدي نفعاً كبيراً إلا إذا كان عربياً يرفض عروبته ويتصهين فكرياً وثقافياً ويرفض بالتالي حق الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة. ولما كان الإعلام الثقافي من أهم الوسائل المتاحة لخلق المشروع فإن الكيان الصهيوني خلق أساليب عدة تصب بمجملها في الغاية الثقافية الصهيونية.

    ففي الإذاعة تتعدد البرامج الثقافية وتتنوع توجهاتها، ويفوق عددها أية اعداد في اذاعات عالمية أخرى. وعلى سبيل المثال لا الحصر يُقدَّم برنامج (نافذة على الأدب العبري الحديث) كل أسبوع ويذاع مرتين صباحاً ومساءً. ويركز هذا البرنامج على تقديم أشعار وقصص وفصول من روايات لكتاب صهاينة قدامى ومعاصرين، وعملية الانتقاء للأغمال الأدبية تتركز على مضامين محددة وأهمها التوجه (الانساني) والعذبات الإنسانية من الم واغتراب أو أنها تركز على إبراز شخصيات يهودية وعربية تتعاون في سبيل الحفاظ على التعايش السلمي المزعوم في فلسطين والأراضي العربية.

    وعلى غراره وشاكلته برنامج (صدر حديثاً) ويتناول أهم الكتب التي صدرت في فلسطين ومن ثم في مصر ولبنان ولندن وباريس، والكتب التي يتناول البرنامج الحديث عنها تتميز بأنها لكتاب ومؤلفين مشكوك بانتماءاتهم العربية أو أنهم يدورون في مساحة ضيقة من الذات، أو أنهم يتناولون في أشعارهم ورواياتهم وبحوضهم جونب هي أبعد ما تكون عن هموم الانسان العربي وتطلعاته التحررية ومشاكله الاساسية.

    وكذلك يقدم برنامج (من ملفات القضاء) ويعاد مرتين في الاسبوع، ولعل أهم ما فيه وأخطر هي المقدمة التي يتفوه بها مقدم البرنامج حيث يقول : الى كل من يريد أن تبلغ العدالة غايتها في كل زمان ومكان ، فهذا النداء المكرر يوحي بوجود الديمقراطية والعدالة في الكيان الصهيوني المغتصب وطالما أن التوجه يكون لكل من يتحدث العربية فإن الهدف يصل مداه لا سيما حين يخلق هذا التوجه مرحلة السؤال والبحث عن العدالة في الكيان الصهيوني ، فمجرد التساؤل أو التشكك لدى المستمع العربي يكون البرنامج قد حقق أكبر قدر من الغاية التثيفية، وفي الاذاعة الصهيونية نفسها يجري المحاورون مقابلات مع كبار الكتاب والشعراء الفلسطينيين في الوطن المحتل ، وتركز الاسئلة حول الديمقراطية المزعومة والتعايش السلمي مع اليهود ، كل ذلك ليظهر الكيان الصهيوني بمظهر الديمقراطية الحرة القائل بأن العرب واليهود يعيشون بسلام في الارض المحتلة.

    فهذا الاسلوب يعتمد في مجمله على مقولة واحدة ترى أنه ليس مهماً أن يخرج سميح القاسم أو غيره يتحدث في الاذاعة عن الانتخابات التي يجريها ما يسمى بالكنيست ، ليس مهماً كل ذلك طالما أن اليد الصهيونية كالقبضة الحديدية تضرب متى تشاء ومن تشاء وبقسوة قاتلة وبمعنى آخر طالما أن الكيان قوي لا تهزه مابلات ولا تؤثر فيه شعارات ، وتُظهر الصهيونية في الكيان المغتصب أن الديمقراطية الثقافية هي سمة من سمات تجمعها لا سيما حين تبرز ذلك أمام المثقفين الغربيين . فهي تسمح لبعض الكتاب والشعراء العرب بالسفر لحضور المؤتمرات والندوات الادبية وذلك ليمثلوا الحزب الشيوعي في الكيان ، مفترضين أن هذا الكاتب أو هذا الشاعر لا يمثل الشعب الفلسطيني بل يمثل حزباً (إسرائيليا) له شرعية وجوده الديمقراطي داخل ما يسمى بالبرلمان.

    ومن خلال هذا التوجه تقوم الأنشطة الصهيونية بالسماح لوجود الاتحادات الثقافية في فلسطين المغتصبة كما هو الحال في اتحاد الكتاب والشعراء في حيفا المحتلة .

    ومن خلال ذلك تركز على العملية الاندماجية بين المثقفين العرب واليهود ومن ثم الادعاء بأن الفلسطينيين واليهود يعيشون حياة ديمقراطية صحيحة.

    وفي مجمل الصحافة فإن الكيان الصهيوني سمح في فترات عدة بوجود صحف كالفجر والجديد والاتحاد مع أنه يقوم بأعمال المراقبة الدقيقة لكل ما يُنشر . وحينما يشعر بوجود خلل ما يمسّ أفكاره وتطلعاته يلغي وجود الصحيفة أو الجريدة ويعتقل كتابها ومحرريها وفي مجال الأساليب الدعائية فإن الكيان الصهيوني ينشر كثيراً من الكتب في العالم الغربي وينتقي منها ما يدعم وجهة نظره السياسية ، فمن جهة يركز على إبراز اليهودي كشخصية حضارية مثقفة تقديمة إنسانية غير مغلقة ، ومحبة للسلام وبالمقابل يركز على إبراز الشخصية العربية كشخصية ضعيفة ، لا يمكن أن تعيش دون مساعدة اليهودي الصهيوني المثقف المفكر ، وبعد عام 1977 أي عام توقيع اتفاقية كامب ديفيد، مع مصر ، راح المشروع الثقافي الصهيوني يركز على إيجاد ثقافة صهيونية تقول بأن عملية السلام مع مصر تركز على إلغاء الجانب القومي الوحدوي في الثقافة المصرية ، وعدم التحريض ضد اليهود والصهيونية .

    وفي جميع الأحوال فإن المقصود بالمحصلة النهائية ، إلغاء الشخصية الوطنية الفلسطينية كشخصية مستقلة ، تطالب بعودتها وحق رجوعها الى بلادها وأراضيها ومن ثم فإن المقصود إلغاء الثقافة الفلسطينية والشخصية الفلسطينية الوطنية القومية كشخصية لها جذورها وانتماؤها ، وتتميز بالثورية الإنسانية ، والمتمسكة بقوميتها ، ورفض الثقافة الصهيونية المزعومة وحليفتها الثقافة الإقليمية المهلهلة. التربية العنصرية ومناهج التعليم الصهيوني

    يولي الباحثون ومناهج التعليم الصهيوني حركة التطور لدى الطفل بشكل خاص والأنسان بشكل عام ، فهي إضافة الى طبيعتها التعليمية تحمل طبيعة نفسية تؤثر على السلوك الاجتماعي والسياسي وغيرهما من أنماط السلوك العام ، ولعل من أعقد مسائل التربية خضوع شعب ما لنوع من الاستيطان الاستعماري العنصري والدموي.

    فلقد مرت التربية في فلسطين المحتلة بمراحل عدة وظروف متعددة وإذا أخذنا بدراستها منذ عام 1948 فعلينا أ، ندرك التطور التربوي الصهيوني ذا الطبيعة الصهيونية ، والمؤدلج ، هذا الى عام 1967 وبعد هذا التاريخ أصبحت التربية تأخذ حيزاً كبيراً لدى الوساط الصهيونية ، باعتبار أن الضفة أُخضعت أيضاً للكيان الصهيوني إن كان ذلك على مستوى التربية أو كان على مستوى آخر .

    وبدءاً من عام 1948 أقام الصهاينة حصاراً ثقافياً على عرب الوطن المحتل ، فمنعوا عنهم الثقافة العربية الآتية من مصر وسورية ولبنان ، وأخذت السلطات الصهيونية ببرمجة الكتب التي تدرس في المدارس العربية ، وأصبحت الاتجاهات العنصرية عمليات غسل دماغ .

    فمن جهة يمنع القوت الثقافي العربي ، ومن جهة أخرى يزوّد العرب بثقافة ذات تخطيط صهيوني مبرمج ، ورغم قلة المدارس العربية ، وتدني المستوى التعليمي أيام النكبة الأولى فقد أقبل العرب على تعليم أبنائهم في المدارس الخاصة أو الرسمية مع الاحتفاظ بحذر كامل من السموم التي تبث في الكتب الموجهة من قبل السلطات الصهيونية المحتلة .

    وبعد أعوام 1965 ـ 1967 ـ 1970 ، واجه الصهاينة عرب فلسطين المحتلة بأسلوب جديد ، وذلك لمواجهة انتشار الاحاسيس الثورية القومية والاعمال البطولية التي يقوم بها أبناء الشعب العربي في فلسطين المغتصبة ، ولذلك فإن سلطات الاحتلال درست كل ظرف وأعطته ما يلزم من تصدٍ مخطط وذلك ظناً منهم أن الإنسان العربي يمكن غسل دماغه والسيطرة على شخصيته .

    ومن هنا فإن المسألة والبحث فيها في الوطن المحتل يدوران حول نقاط ثلاثة مهمة :

    1- التخطيط التربوي الصهيوني المبرمج عنصرياً لخلق تربية مناسبة للإيديولوجيا الصهيونية .

    2- الموقف العربي المتصدي لذلك المخطط وتخطيطه .

    3- التطلعات المستقبلية لإيجاد تربية عربية قومية ثورية تضمن استمرار الثورة ضد المحتل ، إن وجود مئات الالوف من العرب في فلسطين 1948 ووجود مئات ألوف أخرى في الضفة والقطاع لم يرق للسياسة الصهيونية ، فعامل التشبث بالارض والمقاومة الجماهيرية للقهر الصهيوني جعلاً سلطات الاحتلال تستخدم أساليب عنصرية شتى للقمع الخفي والمركز ، ولعل التربية كانت وما زالت من أهم الوسائل التي تستخدمها الصهيونية لمواجهة العرب في الوطن المحتل .

    - التخطيط التربوي الصهيوني : تركز سلطات الاحتلال على تأليف كتب موجهة وضمن خط يخدم المصلحة الاستعمارية الصهيونية ولعل أهم الكتب التي تؤلف للمدارس العربية وللطلاب العرب هي كتب التربية الدينية وكتب التاريخ وكتب التربية النفسية أي التربية بمفهومها الخاص .

    أما كتب التربية الدينية فتركز على حذف كل ما يمس اليهود سلبياً إن كان ذلك في التاريخ الديني القديم أو في التاريخ الديني ما بعد السيد المسيح وحتى الآن ، أما الكتب التاريخية فهي التي تتعرض أكثر وأكثر لعملية التزوير والتشويه والخداع لا سيما حين تتحدث عن تاريخ العرب والمسلمين بعد بعثة الرسول محمد (ص) وتزين التاريخ اليهودي وتزيد عليه وتخترع له تفسيرات عصرية بل وتقلبه تماماً ليصبح هو التاريخ الصحيح الذي يناسب الفكرة الصهيونية ودواعيها .

    وقد بحثت هذا الجانب الكاتبة (نجلاء بشور في كتّيب لها صدر عن مركز الأبحاث تحت عنوان تشويه التعليم العربي في فلسطين المحتلة "1" وتظهر من خلال منهج التاريخ المتبع عدة أهداف من الممكن ايجازها بـ :

    أ ـ إكساب الطالب معلومات عن الشعب العربي في مختلف أطواره الحضارية .

    ب ـ إكساب الطالب معلومات عن تاريخ اسرائيلي مزعوم في مختلف العصور .

    جـ ـ اكساب الطالب معلومات عن تاريخ الكيان المغتصب بعد عام 1948 إضافة الى بعض الاهداف الجزئية التي تخدم في النهاية الفكرة العملية العنصرية للصهيونية .

    اما كيف يُكسِبون الطالب معلومات عن تاريخ العرب ؟ فهذا يعود الى أسلوب التحليل المتبع فيتناولون التاريخ العربي القديم بجوانبه الاجتماعية والسياسية وغيرها . فيرون أن العرب عبارة عن بدو يتناحرون من خلال حسٍ قبلي أناني ويوردون شواهد من التاريخ كالحروب القديمة ، غير أ،هم يؤلفون كل ما هو سلبي في سرد تلك الفترة من التاريخ ، وحينما يتعرضون لتحليل الرسالة الاسلامية فإنهم يطمسون كل تعاليمها الايجابية ، ويوردون ما تناقله رواتهم الذي اندسوا في الاسلام ليشوهوا تعاليمه وأفكاره .

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: الدكتور عادل عامر يكتب عن : التخطيط التربوي الصهيوني والمصالح الاستعمارية Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top