فى بدايات الكتابة كنت متهيبا، هذه حقيقة فلم أكن أفرق بين المعقول واللامعقول، وكان لابد من التعثر والوقوع فى المطبات، وربما كان ذلك مما أسهم فى صقلى، علاوة على توجيهات الكبار من الكتاب ممن عرفتهم.
صحيح ما
خاب من استشار.. لا أنسى يوم أن كتبت مقالا بعنوان (هموم داعية)، كنت إماما صغير
السن والخبرة فى الحياة، عددت فى هذا المقال آلاما تعترينى وآمالا أتطلع إليها،
لست وحدى ولكن لكل من هم على وتيرتى.
كتبت
متحسرا على الخمسة جنيهات اليتيمة التى كنت أتقاضاها (بدل اطلاع)، وهو مبلغ زهيد
كنا نحصل عليه لشراء ما يلزمنا من كتب ومراجع، ولم أكن أدرى ما ينتظرنى من مصير
مؤلم وجزاء سنيمار، المهندس الذى شيد قصرا أنيقا، وبدلا من تكريمه، جوزئ بالإعدام
حتى لا يشيد قصرا آخر.
وفور
نشر المقال صباح الأحد، انهالت التليفونات من الديوان العام بالوزارة إلى
المديرية، الكل كان يتسابق لتقديمى قربانا بداية من أصغر عامل إلى مدير المديرية،
الله يرحمه. ولم يقف بجانبى إلا سيدة فاضلة لا تزال على قيد الحياة، وكانت مديراً
للشئون المالية، وكانت امرأة بمائة رجل كما يقولون.
يومها
كنت أراها والدموع تنساب على وجنتيها، وكنت أستشعر عطفها وإشفاقها على شخصى الضعيف،
وكان سؤالها لمن حولها: ماذا فعل حتى يلقى هذا المصير المؤلم بنقله إلى ديوان عام
الوزارة بباب اللوق.
المهم
أننى استسلمت للأمر وحملت خطاب النقل، وتوجهت فى اليوم التالى لتسليم نفسى
بالديوان، وأتذكر مقابلة الراحل الدكتور عبدالله عبد الشكور، وكان رئيسا للقطاع
الدينى، وأشهد الله أنه كان نبيلا طيب القلب، بل كان يخفف من روعى وألمى، بعد أن
ناقشنى فى فحوى المقال، إذ به يقول لك (مهمة عندى)، فقد كان يكتب مقالا أسبوعيا فى
جريدة النور التى كان يصدرها الراحل الأستاذ /
الحمزة دعبس، وطلب منى أن أرتب له المقالات التى نشرها لسنوات مضت.
ثم كان
اللقاء مع الوزير الدكتور محمد على محجوب، الذى أجلسنى أمامه وراح يعدد الإنجازات
التى قام بها وتمت فى عهده، والغريب أنه فور نقلى إلى ديوان عام الوزارة، ذهب إلى
الدقهلية والتقى أئمة المساجد ومنحهم خمسين جنيها للمجهودات التى قاموا بها.
وأغلب
الظن أنه توجس أن يكون لهم معى موقف تضامنى، وهو لم يحدث بالتأكيد؟؟؟ ومكثت بالديوان العام أكثر من شهر تقريبا،
تعارفت فيه إلى أصدقاء، منهم من رحل عن دنيانا، ومنهم ممن حرصت على السؤال عنه حتى
اليوم.
ثم صدر
قرار الوزير بالإفراج عنى وعودتى إلى مسجدى الذى كنت أعمل فيه، ولا أنسى أبدا
الشيخ عبد الله فوزى، مفتش المساجد الذى رفض تنفيذ خط السير بالمرور على المسجد
ولحين عودتى، رحمه الله، فقد كان نبيلا وصاحب ابتسامة عريضة لا تفارق وجهه.
**كاتب
المقال
كاتب
وباحث
0 comments:
إرسال تعليق