الواضح ان ابن خلدون فى مقدمته الشهيرة اراد
فهم التاريخ على ضوء علم الاجتماع وبذلك عالج موضوعا اخر هو ما عرف ب ( فلسفة التاريخ
) وهو بحق المؤسس الحقيقى له فدارسه المنصف يستشف ذلك ويدرك حقيقة ما ندعى
ويجدر بنا الاشارة الى نقطة غاية فى الاهمية
ادركها وعمل بها ابن خلدون فالعرب كتبوا التاريخ واعتبروه ديوان اخبار ومجمع احداث
الا ان ابن خلدون خرج عن هذه السنة واراد ان يبحث فى الوقائع التاريخية عن طريق سبر
اغوار عوامل نشوئها وتسيرها ودرس ايضا القوانين العامة التى اعتمدت عليها الشعوب والدول
فى تطورها وعليه كان الكن الاساس فى فلسفة التاريخ
والبين الجلى ان ابن خلدون فى مقدمته وبما تناوله
بخصوص فلسفة التاريخ قد سبق ممن تناولوا هذا الموضوع تحديدا كميكافيلى فى كتابه الامير
وجون لون فى كتابه الحكومة المدنية وفيكو فى كتابه العالم الجديد وفولتير فى كتابه
طبائع الامم وفلسفة التاريخ وهردر فى كتابه اراء فلسفية فى تاريخ البشرية
وهذا ما ايده المفكر ساطع الحصرى
وكذلك روبرت فلنت فى قوله ( من وجهة علم التاريخ
او فلسفة التاريخ يتحلى الادب العربى باسم من المع الاسماء اذا نظرنا الى ابن خلدون
كمؤرخ فقط وجدنا من يتفوق عليه حتى بين كتاب العرب انفسهم
اما كواضع نظريات فى التاريخ فانه منقطع النظير
فى كل زمان ومكان حتى ظهور فيكو بعده باكثر من ثلاث مئة عام ان تعترف بحق فى ادعاء
هذا الشرف _ شرف التسمية باسم مؤسس علم التاريخ وفلسفة التاريخ اقوى واثبت من حق كل
كاتب اخر سبق فيكو )
اذن هذا الجهبذ والمفكر والعالم بحق هو واضع
اسس علم فلسفة التاريخ وهو حادى الركب بهذا العلم الذى امد البشرية باروع اسس يمكن
اعتمادها فى دراسة التاريخ لا كفهمه وقائع بل بالمفهوم الاعمق
فدراسة السبب والمسبب يعطى الصورة بشكل واضح
عن ما ساد فى عصر ما وبالتالى دراسة اى حقبة من الزمن تكون واضحة المالم بكل ما ساد
فيها
فالتاريخ عند ابن خلدون هو ايراد او سرد حقيقة
ما حدث وتفسيرها وهو القائل ( حقيقة التاريخ خبر عن الاجتماع الانسانى الذى هو عمران
العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الاحوال مثل التوحش والتانس والعصبيات واصناف
التغلبات للبشر بعضهم على بعض الخ
وهو ايضا القائل _ اس المؤرخ تنبنى عليه اكثر
مقاصده وتتبين به اخباره _
قولنا ان ابن خلدون مهتما بالدرجة الاولى للبحث
عن اصل العمران ونشاءته من خلال فهم بعض المجتمعات وصور انتقالها من الحالة البدوية
التى يعدها بدائية الى حالة من التنظيم بعيدة عنها كل البعد ومن خلال دراسة المنشاء
الواحد تبين لابن خلدون وجود فروق نشاءت وبرزت فى ثلاثة انواع من الظاهرات :
_ الاقتصادية
_ النفسية
_ السياسية
واقعا لكى نفهم فلسفة التاريخ عند ابن خلدون
لا بد من الرجوع الى الطرق التى لجاء اليها
فهناك نوعان من الحوادث جديرة بالذكر :
_ اولهما الحوادث الجغرافية والاقتصادية
_ ثانيهما الحوادث النفسية وهى بالحكم ناتجة
عن الاولى
وبين ابن خلدون اثر الاقليم والقوت والسكن فى
حياة البشر ولقد قسم المجتمع الى فئات ثلاث : البدو والحضر وبينهما الارباض وهم اشد
الناس تعسا على اعتبار انهم لا يتمتعون بحرية البدو ولا باسباب حضارة الحضر
ويذكر ابن خلدون اسباب انحطاط الدول :
1_ العوامل المادية العائدة الى اتساع رقعة الملك
2_ الاسباب العائدة الى درجة تحضر القبائل الفاتحة
والى ما فى طباعها من معالم العمران او الهمجية
3 _ الخلافات بين رئيس القبيلة الفاتحة وحاشيته
واهل عصبيته
4_ الاسباب الاقتصادية فى العصر والمملكة عندما
يعم الترف تصور يا رعاك الله
5_ الاسباب الاجتماعية ويرى ان المجتمع خاضع
لتطور محتوم يجرى على مراحل ثابتة
هذه هى خلا صة افكار ابن خلدون التى وضعها فى
فلسفة التاريخ وهى دالة قطعا على عمق وبعد نظره وسديد رايه
فهو بحق واضع ورائد سفر علم فلسفة التاريخ واسسه
.
0 comments:
إرسال تعليق