• اخر الاخبار

    الثلاثاء، 31 أكتوبر 2023

    المحظور الجنسي في أعمال الروائي أمين الزاوي ..رواية الساق فوق الساق ــ نموذجا ــ بقلم / خديجة مسروق كاتبة من الجزائر

     


    كان الشعر في العصر الجاهلي أداة للتعبير عن التجارب الإنسانية المختلفة , و فسحة يجول فيها الشاعر بكل جوارحه , ملامسا بعض الموضوعات الحساسة , مستعيرا كل الألفاظ التي من شأنها أن توصل رسالته إلى  الطرف المقصود .

    فتغنى الشاعر العربي بالمحبوبة , ووصف حبه لها وصفا دقيقا , و تغزل بها حتى وصل في ذلك إلى أقصى درجات المجون في بعض أشعاره . 

    إلى أن تهذب الشعر بمجيء الإسلام , و مع عصر النهضة ظهر جنس أدبي جديد وفد من الغرب , و شهد بذلك الأدب العربي ميلاد الرواية , فتبناها العرب و اختاروها جنسا أدبيا يستوعب كل الموضوعات و التجارب الإنسانية .

    و مع الحداثة , خلع الروائي العربي عباءة العمومي في معالجته للواقع , و دخلت الرواية العربية مرحلة أخرى عرفت فيها أنماطا جديدة من الكتابات تختلف عن كتابات  المرحلة الكلاسيكية .

    عمل الروائي العربي على بناء آفاق معرفية تتطلع إلى المستقبل , و ترفض التقليد في صورته الكلاسيكية , التي تتعارض مع روح العصر , إيمانا منه '  الروائي ' أن الإبداع يجب أن ينطلق من المخالف للسائد و المستهلك .

    فما هي أبرز الموضوعات المطروحة في الرواية العربية الحديثة و المعاصرة ؟

     و هل تجد هذه الموضوعات إقبالا من طرف القراء ؟

    و لماذا يقتحم الروائي العربي اليوم الموضوعات الساخنة . هل لضرورة فنية أم لغاية ترويجية ؟

     كان للمد الحداثي   الغربي  أثره الواضح على الكتابة السردية العربية  , حيث انتقل الروائي العربي من النمط الروائي الكلاسيكي الذي يلتزم بالواقعية المحافظة,  إلى النمط الأدبي الحديث الذي يجنح المخالف و غير المألوف .

    امتزج الخيالي بالواقعي ضمن المشروع الروائي التجريبي , وأصبح التجريب الروائي ضروريا , و عاد الروائي العربي من جديد إلى الكتابة في مختلف الموضوعات التي كانت متداولة سابقا , أي  في المرحلة الكلاسيكية  كالتراث التاريخي والديني و الأسطوري ... , و توظيفها توظيفا حداثيا .

    و ظل  الروائي   العربي  بعيدا عن الكتابة في  الموضوعات المحرمة في العرف الأدبي ,على  اعتبار أنها تخدش الذائقة الأدبية لدى القاريء , كالمحظورات الأخلاقية .إضافة إلى المحظورات السياسية و الدينية .  ينجنب التطرق إليها    , لخلفيات تتعدد أسبابها و مرجعياتها .

    غير أن هناك من الكتاب العرب من أحدث ثورة في الكتابة الروائية , بالتمرد على العرف الأدبي و الإجتماعي و حتى الديني , باختراق التابوهات الممنوعة . نجد الروائي القدير  رشيد بوجدرة على سبيل المثال لا الحصر , يعترف أنه كان أكثر الروائيين جرأة بادخال الجنس للرواية  الجزائرية بعمق و تفصيل .

    و على نفس الوتيرة سار على نحوه عديد من الروائيين  العرب  . حيث  اعتنقوا  المذهب نفسه , فوظفوا المحظور الجنسي في كتاباتهم الإبداعية . لعل من أبرزهم الروائي الجزائري أمين الزاوي , الذي راهن على موضوع الجنس في أعماله الروائية .

    فكبف كان توظيف الزاوي للمحظور الجنسي في أدبه ؟ و كيف تمّ التعامل معه ؟

    تجاوز الروائي أمين الزاوي السائد في الثقافة العربية في أدبه , باختراقه تابو الجنس الذي كان ولايزال من الموضوعات الحساسة في  الأدب العربي  , لا يقترب منه إلا من امتلك الجرأة الأدبية في الكتابة .

    فإذا كانت ممارسة الجنس تتم في الخفاء لا في العلن , فالزاوي عمل على كشف هذه الممارسة في كتاباته , و تعرية ما يحدث في عوالم الجنس الذي ينتمي إلى الثقافة المكبوتة حسب التعريف الفرويدي . مزعما أن ذلك يعززمن  العملية الإبداعية , و يحقق التنوع الموضوعاتي الذي يأمله القاريء .

    وعلى  اعتبار أن الجنس أيضا موجود في حياة الإنسان يمارسه بصورة تخضع للسياق الديني و الإجتماعي و الثقافي الذي ينتمي إليه الفرد .

    و إذا كان نجيب محفوظ و يوسف إدريس و غيرهما وظفا الجنس في أدبهم توظيفا دلاليا فالروائي أمين الزاوي وظفه في صورته المباشرة دون تحرج  من ذلك .

    من بين أعمال الروائي أمين الزاوي نتناول رواية  الساق فوق الساق نموذجا تخطى فيها المحظور الأخلاقي بالوقوف على ما يحدث في عالم الجنس  من تجاوزات سكتت عنها الثقافة العربية .

    يحتفي الروائي أمين الزاوي في  الساق فوق الساق , مثلما عُرف في أغلب رواياته  بالجسد   باعتباره  كما يقول سعيد بكراد بؤرة للتجلي العملي و الغريزي و الوظيفي و الثقافي , يعيش بشكل دائم تحت التهديد المستمر للإستعمالات . فالجسد أداة للإثارة ووسيلة لتحقيق المتعة الغريزية .

     الشخصية المحورية في رواية  الساق فوق الساق تدعى ميمونة  , أطلق عليها الروائي عدة أسماء ' زليخا  اليهودية . فاطمة الزهراء . ميمونة ' . عُرفت  ميمونة بلسانها السليط , و تبرجها حدّ السفور . زوجها والدها دون مشورتها في سن مبكرة . لا تشعر نحو زوجها بأي عاطفة ' كانت ترى فيه منذ الليلة الأولى الرجل الذي تنتهي علاقتها به مباشرة بعد مفارقته فراش الجنس ... كان إله السرير , فقد كان غزير الشهية الجنسية '  كانت ميمونة بالنسبة لزوجها مجرد جسد يحقق من ورائه متعته الجنسية  لا أكثر .

    عاشت ميمونة في قرية  قصر المورو  الواقعة ضواحي تلمسان . كانت تمارس حريتها في البيت وفي الشارع ضاربة عرض الحائط بقواعد العرف الإجتماعي ' بخلخالها الفضي . برنينه المثير و هو يرتجف حول قدميها , و ساقها المكشوف قليلا بإغراء أنثوي '.

    لم تمتثل ميمونة يوما لأوامر العائلة , ' الأب و الإخوة  ' . اتخذت بعد وفاة زوجها من تحت شجرة التين الموجودة أمام بيت والدها مكانا لإغراء الرجال , و إثارة غرائزهم برنة خلخالها , التي تصل إلى الطريق فينتبه المارة , فيجيئون عندها جماعات وفرادى .

     ' عياش '  الملقب بـ ' عويشة ' كان يرتدي عباءة نسوية , و السبب أن أحد العساكر الفرنسيين خطف زوجته ,و اعترافا منه بفقدان رجولته , و أمام هذه الحادثة عدَّ نفسه ضمن خانة الإناث يقلدهن في كل شيء و يلبس لباسهن  .

    تزوجت ميمونة  من عياش .وفي أول ليلة من زواجهما اختفى عياش حيث لا رجعة . و دخلت ميمونة في حالة جنون متعمد . تخلع عنها ملابسها و تسيح في أرض الله , متخذة من النهر المحاذي لقريتها  كوثرا  تطهر فيه جسدها من الخطايا والذنوب .

    عرفت ميمونة البغاء لفظا وممارسة , و أغرت عشرات الرجال. أحبها ابن أخيها ' بوطشل العريان سمي بهذا الاسم نسبة الى الحلزون العريان  '  إلى درجة العشق .و قد وصف الروائي  بوطشل  بعاشق عمته .

    في هذا  المشهد يقفز  الروائي  على القيم التي جاءت بها الأديان السماوية و الأعراف . فبوطشل متيم عاشق لعمته يقول  '  أحب عمتي ميمونة أعشقها , أريدها زوجة حين أصير رجلا  ' .

    و العشق شعور يقتحم قلب الشاب ' الرجل ' فيحب امرأة من غير محارمه . فكيف لـ ' بوطشل ' أن يعشق عمته , وهو الناضج الذي يبلغ الرابعة عشرة من العمر كما جاء في الرواية  ؟ . العشق كما هو معروف لا يحدث إلا بين  رجل و امراة  اجنبيين . و قد عرفته القواميس اللغوية بأنه الغرام  . يقال شاب عاشق أو ولهان يحب امرأة غير زوجته , يمكن له أن يتزوجها .

    الشذوذ السردي الذي عمد  الروائي على الإشتغال عليه يتقاطع فيه مع عقدة أوديب , تمثل في الشبق الأوديبي الذي تجسد في اللازميتين ' بوطشل عاشق عمته ' و  'أنا عاشق عمتي ' .

     سكينة, شخصية أخرى نسوية جاءت في الرواية . تزوجها ادريس قبل أن يهاجرخلف الضفة  و يعيش حياة عبثية مترددا على على الحانات ودور الدعارة,  يشتغل قناصا يغوي زوجات و عشيقات المسؤولين العرب , حتى يقعن في شباكه . تكبره سكينة بثمانية أعوام ' من ليلة وصولها إلى السرير تقمصت صورة الأم . تطلب منه ما يجب القيام به وما لايجب , من طريقة و ممارسة الجنس إلى ساعة سقي الماء '.

    في  الساق فوق الساق  يخترق الزاوي الخصوصيات الشخصية للعائلات , و يقتحم جدران الغرف الزوجية يكشف ما يقع خلفها ,ليخلق منها موضوعا روائيا , يؤكد على جرأته    في توظيف المحظور الأخلاقي ' الجنس ' في الرواية   بصورة مباشرة  , و أيضا تمرّده  على المفاهيم و القيم التي تقوم عليها الثقافة العربية .

     اليامنة  أو  كوليت  شخصية  من شخصيات الرواية  . سارت هي الأخرى في طريق الرذيلة , و عرفت أصنافاعدة من الرجال . كانت تعيش في قرية  قصر المورو   . و بعد أن حملت بطريقة غير شرعية سافرت إلى المغرب  و منها  إلى بلاد الغرب . وظفت جسدها سلعة تسترزق من ورائه . فالجسد تعده اليامنة نعمة وإثارة تعيش منه . لا بد من الإعتناء به . تختزل الكيان الأنثوي في مفهوم واحد هو الجسد الحامل للذة , و تلغي الوظيفة السامية للمرأة 'الأنثى ' في علاقتها بالرجل ' زوجة وأيضا أما لأولاد يحملون اسمها ' .

    ثلاثة أشكال للمرأة قدمها الزاوي في الرواية , جسدت ثلاثة مفاهيم لا تخرج عن عن القاموس الجنسي ' المتعة , العشق , الجسد '. نجد  المرأة بؤرة لتحقيق المتعة و اللذة للرجل ' الذكر ' ,  كما تمثّل  رمزا للعشق الذي عدته بعض الثقافات محظورا أخلاقيا . و المرأة كجسد (سلعة ) للإسترزاق .

    تعد رواية الساق فوق الساق ضمن كتابة التعرية , باشتغالها على تقنية المحظور الجنسي بشكله المباشر , الذي أصبح ضرورة فنية و ترويجية , ضمن مغامرة الكتابة السردية , تستلزم الخروج عن القيم الأدبية السائدة , و التخلص من الضغوطات الخارجية ' الأعراف الاجتماعية '  التي باتت تعرقل العملية الإبداعية .

    فهل   هذه الكتابات  التي تتطرق لمثل هذه الموضوعات ' المحظورات '  , تساهم في تطور المنظومة الثقافية الخاصة بالأبداع الروائي , أم تؤدي إلى تقهقره و تراجع مستوى الكتابة الروائية  العربية ؟

     

     

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: المحظور الجنسي في أعمال الروائي أمين الزاوي ..رواية الساق فوق الساق ــ نموذجا ــ بقلم / خديجة مسروق كاتبة من الجزائر Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top