• اخر الاخبار

    الأربعاء، 25 أكتوبر 2023

    السرد الروائي التّشادي ..رواية ' سندّو ' للروائي آدم يوسف نموذجا ..بقلم: خديجة مسروق / كاتبة جزائرية

     


    يعمل الكتاب الأفارقة على إخراج الأدب الافريقي من عزلته , ودفع حركة التطور التي تنهض به , و تجعله في المراتب الأولى على غرار الآداب الأخرى في  العالم .لا سيما الرواية المكتوبة باللغة العربية و التي ظهرت متأخرة في بعض دول أفريقيا . دولة تشاد على سبيل المثال كان ميلاد أول رواية عربية بها في العام 2004 , و قد طبعت  بالخرطوم ,على يد الكاتب آدم يوسف , الذي عاش في المملكلة العربية السعودية فترة من عمره , قد يكون ذلك من أحد الأسباب الذي دفع به لكتابة روايته ' سندّو ' يوميات في دهاليز أفريقيا .  كأول رواية تشادية مكتوبة باللغة العربية .
    تأُّخّر ظهور الرواية باللغة العربية في دولة تشاد , يعود إلى تطبيق سياسة ازدواجية اللغة بصورة غير متكافئة ,فاللغة العربية تعاني التهميش في هذه البلاد , و قد أشار إلى ذلك الروائي نفسه في متن الرواية .
    رواية ' سندّو ' عبر فيها آدم عن هموم الإنسان الأفريقي و التشادي على وجه الخصوص .زاوج فيها بين الواقعية و العجائبية . تجري أحداثها في ثلاثة أماكن ' تشاد . أفريقيا الوسطى . الكونغو ' تجسد الأدوار شخصيات حالمة بغد أفضل و أجمل .رغم قساوة الحياة , وتردي الأوضاع ' السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ' .تسير الأحداث وفق التسلسل المنطقي . يتتبع الروائي مراحل حياة بطله , منذ كان طفلا إلى أن أصبح رجلا .
    بطل الرواية هو ' سنّدو ' يعيش في إحدى حواري العاصمة التشادية نجامينا .يتيم الأم . افتقد حنان الأب مبكرا, الذي كان يعيش في منزل مستقل عنه .لكن يكتشف فيما بعد  أن الأب لا يمكن أن يقسو على ابنه , حين احتضنه  يوما بقلب نابض بمشاعر الحب و الحنان .يشاء القدرأن يموت والده في يوم حصوله على شهادة الثانوية العامة , و لم يجد ساعتها الفرح مكانه بقلب سندّو.فقد كان خبر وفاة والده صادما له .
    إذا عدنا إلى معنى كلمة ' سندّو ' فهي تعني الجمال و الوسامة , و قد جاء ذكر ذلك في الرواية ,  والدة سندّو كانت تناديه بهذا الاسم لجماله ووسامته  .
    سندّو شاب تشادي  مثالي طموح .نشأ فقيرا , كان يكافح من أجل الوصول إلى تحقيق هدفه , و اثبات ذاته , كشاب مستقيم لا يرضى بالاتكالية ,يرفض كل الأساليب الملتوية للحصول على المال و الجاه ,  محاربا  لكل أوجه الفساد .
    ربطته علاقة أبوية  عميقة بأستاذه ' ياسر ' , الذي كان معجبا بأخلاقه , قرب الأستاذ ياسر سندّو منه و شدّ على يده .ودفعه إلى التحدي بكل شجاعة لصنع مستقبل زاهر .
    الروائي يتعرض إلى قضية العيش المشترك بين المسلمين و المسيحيين . دولة تشاد ينقسم شعبها إلى مسلمين و مسيحيين , ومع ذلك تجمعهم قواسم مشتركة . يقول آدم يوسف ' المسلمون و المسيحيون في منازل واحدة , يشتركون في تجارتهم , في مدارسهم , حتى في بعض العادات ' ص 24. هكذا فإن الشعب التشادي على تعدد دياناته و ازدواجية اللغة به ,يجمعه المشترك الإنساني الذي يتعالى عن كل الفوارق .
    الروائي آدم يوسف عبر سردية مباشرة يمنح للقاريء فرصة اكتشاف حجم الفساد الذي يطال المؤسسات التشادية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية . ظاهرة القمار منتشرة بشكل كبير , ومن المؤكد أن ذلك يعود إلى حالة الفقر التي تعيشها الإنسان  التشادي , و عدم وجود فرص للعمل ,فيذهب الرجل إلى القمار .  يضع الروائي أمامنا مجموعة من الحالات التي راحت ضحية القمار, هناك من قتل أخاه , وهناك  من طلق زوجته و كل ذلك بسبب خسارته في  لعبة اليانصيب أو القمار .
    يقول آدم ' الاستسلام يولد الضعف , و الضعف يولد الهزيمة , و الهزيمة هي المهانة ' و المعروف ان البقاء للأقوى .ومن البديهي أن  الأمة التي لاتتكل على سواعد أبنائها لا يمكن أن تصنع حضارة .يعرض الروائي موقفه من الواقع البائس الذي لا يخدم دولته و لا شعبه .لا يخفي تذمره و قلقه على بلده تشاد الذي يعيش على المساعدات من طرف الدول الأخرى لحل أزماته الاقتصادية ,يقول ' لماذا تساعدنا الدول , مافائدة إنسان لا يستطيع حتى مساعدة نفسه ؟ على أي دولة تمدنا بالمساعدة أن تحاكم . لأنها تسبب الكسل , و تحسس الناس بالضعف ' ص 49. تشاد كما يذكر آدم  كل ما أنجزته كان بفضل الإعانات الدولية ' دولتنا كلها شيدت  بالمساعدات , مراكز التعليم العالي . المكتبة الكبرى . الكنيسة الكبرى ,و المسجد الكبير .وزارة الخارجية . قاعة  15 يناير أكبر قاعة في المدينة ' ص 51.
    الإتكالية حسب الروائي  تصنع  شعبا كسولا على أرضية هشة , و المساعدات الدولية تحسس الناس بالضعف و الفشل .وستفتح حتما  الباب  للفساد  في جميع المجالات . و تعرض  الرواية  أمثلة عن  ذلك .
     شخصية حسن مؤمن رغم تظاهرهذا الإنسان  بالاستقامة إلا انه يقدس فكرة البقاء للأقوى , و الضعيف يبقى في الحضيض .و القوة ليس  بالضرورة ترافق مفهوم التقوى و الاستقامة . القوة  من منظور حسن مؤمن أن يشق المرء طريقه ليصل إلى هدفه حتى لو كان على حساب ضميره و أخلاقه . و قد تمكن من أن يكوّن ثروة كبيرة ومجدا عن طريق الاحتيال , قربته من رجال السلطة , ومضى بنفس واثقة  للترشح للإنتخابات .
    ظل سندّو متمسكا بمادئه رافضا لكل الإغراءات المادية التي من شأنها  تدخله عالم الأثرياء .يسافر إلى أفريقيا الوسطى و إلى الكونغو , ويعود خائبا من رحلته التي كان ينتظر من ورائها خيرا  كبيرا .لأن المسؤولين في مثل هذه البلدان لا تعترف بالغريب . يرجع إلى أنجمينا و هو يحمل غربته بين ضلوعه ,و لأن الفقر كما يقول علي بن أبي طالب في الوطن غربة . و المال في الغربة وطن .ظل سندّو عازما على البحث عن وطن يحويه و يحميه من غدر العوز .فطار  إلى بلاد الغرب حاملا معه شهادته الجامعية و حلمه .
    من مؤشرات التخلف  في العالم الثالث وضعية المرأة .المرأة في أفرقيا و في دولة تشاد تحديدا ماتزال تعامل معاملة الجاهلية الأولى , هذا ما تطرق له آدم ' المرأة مخلوق بريء , لطيف استغلها الرجل طيلة السنوات الماضية , و مازال حتى الآن ينتهك حقوقها . و في أفرقيا مازالت حتى الآن تعامل كجارية لا أكثر' ص 176  ..و يعرض الروائي مشاهد عن اغتصاب المرأة و تعنيفها , و معاملتها معاملة الرقّ على شاكلة العصور الجاهلية .
    السرد العجائبي حاضر بقوة في الرواية , حيث تمكن آدم من المزاوزجة بين الواقعي و العجائبي , لا سيما أن أفرقيا ارتبطت بالمعتقدات العجائبية و السحر و وجود الجنّ.
    تتحدث الرواية عن زواج الإنس بالجنّ, و زواج الجنّ بالإنس .و مدى إيمن لإنسان الأفريقي بهذه الظاهرة .و تعرض الرواية بعض المشاهد لأشخاص يمارسون السحر و الشعوذة . تكتشف الشرطة أمر التاجر المشعوذ , الذي  قام  باختطاف أحد الأطفال و علقه في سقف الحجرة , ووضع تحت قدمه اليمنى القرآن ,إذا نادى التاجراسمه رمى من فمه أوراقا نقدية .
    الجهل الذي يجثم  على عقول  بعض  هذه الشعوب يجعلها تصدق  خرافات المشعوذين , المشعوذون يوهمون الناس بأن ورقة مالية يمكن أن تتضاعف و يصبح المال أموالا بفضل تمتمات يرددونها , و لكن التمتمات في الأصل تؤثر على ذهن صاحب المال فيتوهم أن ماله تضاعف .
    رواية سندّو , يوميات في دهاليز أفرقيا قامت بتعرية الواقع التشادي , الذي يؤكد أن هذه المنطقة من العالم الثالث , وعلى درجة كبيرة من الفقر و الجهل .حاول آدم  الإلمام بعدد من الموضوعات المترابطة  المتعلقة بالأزمة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية على المستوى المحلي .
    الرواية رغم وجود بعض الأخطاء بها , منها ماهو إملائي , ومنها مايتعلق بمضمون الرواية . على سبيل المثال سندّو يذكر الروائي في بدايات الرواية بأن اسمه الحقيقي محمد . و في موضع آخر في نهايات الرواية يقول سندّو ' أنا ولد محد , اسمي محمود ' ص 195.ربما يعود هذا لعدم مراجعة متن الرواية بشكل حصيف , أو لزخم الأحداث و المشاهد و الشخصيات التي تجعل الروائي لا يتحكم في مجريات الحكي بصورة دقيقة . لذلك العمل الروائي يحتاج إلى مدقق مساعد في الغالب حتى يتجنب صاحبه الوقوع في مطبات تحسب عليه .
    الرواية في عمومها تتميز بسردية جميلة , و أسلوب جذاب , رغم بساطه إلا انه يستقطب القاريء و يدفعه لسبر أغوارعجائبية السرد الواقعي .
     سندّو رواية واقعية صورت العجائبي باحترافية . آدم كان ذكيا في استحضار عوالم العجائبية و السحر و و طقوس المشعوذين , ما يجعل روايته تصنف كرواية تجريبية , يتقاطع فيها بعدان شكّلا معالم الرواية التشادية المكتوبة باللغة العربية .فكان لآدم يوسف  السبق في التأسيس لنص روائي تشادي  عربي له خاصيته في الحقل الأدبي .          

     

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: السرد الروائي التّشادي ..رواية ' سندّو ' للروائي آدم يوسف نموذجا ..بقلم: خديجة مسروق / كاتبة جزائرية Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top