يعمل الكتاب الأفارقة على إخراج الأدب الافريقي من عزلته , ودفع حركة التطور التي
تنهض به , و تجعله في المراتب الأولى على غرار الآداب الأخرى في العالم .لا سيما الرواية المكتوبة باللغة
العربية و التي ظهرت متأخرة في بعض دول أفريقيا . دولة تشاد على سبيل المثال كان
ميلاد أول رواية عربية بها في العام 2004 , و قد طبعت بالخرطوم ,على يد الكاتب آدم يوسف , الذي عاش
في المملكلة العربية السعودية فترة من عمره , قد يكون ذلك من أحد الأسباب الذي دفع
به لكتابة روايته ' سندّو ' يوميات في دهاليز أفريقيا . كأول رواية تشادية مكتوبة باللغة العربية .
تأُّخّر ظهور الرواية باللغة العربية في دولة تشاد , يعود إلى تطبيق سياسة
ازدواجية اللغة بصورة غير متكافئة ,فاللغة العربية تعاني التهميش في هذه البلاد ,
و قد أشار إلى ذلك الروائي نفسه في متن الرواية .
رواية ' سندّو ' عبر فيها آدم عن هموم الإنسان الأفريقي و التشادي على وجه الخصوص
.زاوج فيها بين الواقعية و العجائبية . تجري أحداثها في ثلاثة أماكن ' تشاد .
أفريقيا الوسطى . الكونغو ' تجسد الأدوار شخصيات حالمة بغد أفضل و أجمل .رغم قساوة
الحياة , وتردي الأوضاع ' السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ' .تسير الأحداث وفق
التسلسل المنطقي . يتتبع الروائي مراحل حياة بطله , منذ كان طفلا إلى أن أصبح رجلا
.
بطل الرواية هو ' سنّدو ' يعيش في إحدى حواري العاصمة التشادية نجامينا .يتيم الأم
. افتقد حنان الأب مبكرا, الذي كان يعيش في منزل مستقل عنه .لكن يكتشف فيما
بعد أن الأب لا يمكن أن يقسو على ابنه ,
حين احتضنه يوما بقلب نابض بمشاعر الحب و
الحنان .يشاء القدرأن يموت والده في يوم حصوله على شهادة الثانوية العامة , و لم
يجد ساعتها الفرح مكانه بقلب سندّو.فقد كان خبر وفاة والده صادما له .
إذا عدنا إلى معنى كلمة ' سندّو ' فهي تعني الجمال و الوسامة , و قد جاء ذكر ذلك
في الرواية , والدة سندّو كانت تناديه
بهذا الاسم لجماله ووسامته .
سندّو شاب تشادي مثالي طموح .نشأ فقيرا ,
كان يكافح من أجل الوصول إلى تحقيق هدفه , و اثبات ذاته , كشاب مستقيم لا يرضى
بالاتكالية ,يرفض كل الأساليب الملتوية للحصول على المال و الجاه , محاربا
لكل أوجه الفساد .
ربطته علاقة أبوية عميقة بأستاذه ' ياسر '
, الذي كان معجبا بأخلاقه , قرب الأستاذ ياسر سندّو منه و شدّ على يده .ودفعه إلى
التحدي بكل شجاعة لصنع مستقبل زاهر .
الروائي يتعرض إلى قضية العيش المشترك بين المسلمين و المسيحيين . دولة تشاد ينقسم
شعبها إلى مسلمين و مسيحيين , ومع ذلك تجمعهم قواسم مشتركة . يقول آدم يوسف '
المسلمون و المسيحيون في منازل واحدة , يشتركون في تجارتهم , في مدارسهم , حتى في
بعض العادات ' ص 24. هكذا فإن الشعب التشادي على تعدد دياناته و ازدواجية اللغة به
,يجمعه المشترك الإنساني الذي يتعالى عن كل الفوارق .
الروائي آدم يوسف عبر سردية مباشرة يمنح للقاريء فرصة اكتشاف حجم الفساد الذي يطال
المؤسسات التشادية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية . ظاهرة القمار منتشرة بشكل
كبير , ومن المؤكد أن ذلك يعود إلى حالة الفقر التي تعيشها الإنسان التشادي , و عدم وجود فرص للعمل ,فيذهب الرجل
إلى القمار . يضع الروائي أمامنا مجموعة
من الحالات التي راحت ضحية القمار, هناك من قتل أخاه , وهناك من طلق زوجته و كل ذلك بسبب خسارته في لعبة اليانصيب أو القمار .
يقول آدم ' الاستسلام يولد الضعف , و الضعف يولد الهزيمة , و الهزيمة هي المهانة '
و المعروف ان البقاء للأقوى .ومن البديهي أن
الأمة التي لاتتكل على سواعد أبنائها لا يمكن أن تصنع حضارة .يعرض الروائي
موقفه من الواقع البائس الذي لا يخدم دولته و لا شعبه .لا يخفي تذمره و قلقه على
بلده تشاد الذي يعيش على المساعدات من طرف الدول الأخرى لحل أزماته الاقتصادية
,يقول ' لماذا تساعدنا الدول , مافائدة إنسان لا يستطيع حتى مساعدة نفسه ؟ على أي
دولة تمدنا بالمساعدة أن تحاكم . لأنها تسبب الكسل , و تحسس الناس بالضعف ' ص 49.
تشاد كما يذكر آدم كل ما أنجزته كان بفضل
الإعانات الدولية ' دولتنا كلها شيدت
بالمساعدات , مراكز التعليم العالي . المكتبة الكبرى . الكنيسة الكبرى ,و
المسجد الكبير .وزارة الخارجية . قاعة 15
يناير أكبر قاعة في المدينة ' ص 51.
الإتكالية حسب الروائي تصنع شعبا كسولا على أرضية هشة , و المساعدات
الدولية تحسس الناس بالضعف و الفشل .وستفتح حتما
الباب للفساد في جميع المجالات . و تعرض الرواية
أمثلة عن ذلك .
شخصية حسن مؤمن رغم تظاهرهذا الإنسان بالاستقامة إلا انه يقدس فكرة البقاء للأقوى ,
و الضعيف يبقى في الحضيض .و القوة ليس
بالضرورة ترافق مفهوم التقوى و الاستقامة . القوة من منظور حسن مؤمن أن يشق المرء طريقه ليصل إلى
هدفه حتى لو كان على حساب ضميره و أخلاقه . و قد تمكن من أن يكوّن ثروة كبيرة
ومجدا عن طريق الاحتيال , قربته من رجال السلطة , ومضى بنفس واثقة للترشح للإنتخابات .
ظل سندّو متمسكا بمادئه رافضا لكل الإغراءات المادية التي من شأنها تدخله عالم الأثرياء .يسافر إلى أفريقيا الوسطى
و إلى الكونغو , ويعود خائبا من رحلته التي كان ينتظر من ورائها خيرا كبيرا .لأن المسؤولين في مثل هذه البلدان لا
تعترف بالغريب . يرجع إلى أنجمينا و هو يحمل غربته بين ضلوعه ,و لأن الفقر كما
يقول علي بن أبي طالب في الوطن غربة . و المال في الغربة وطن .ظل سندّو عازما على
البحث عن وطن يحويه و يحميه من غدر العوز .فطار
إلى بلاد الغرب حاملا معه شهادته الجامعية و حلمه .
من مؤشرات التخلف في العالم الثالث وضعية
المرأة .المرأة في أفرقيا و في دولة تشاد تحديدا ماتزال تعامل معاملة الجاهلية
الأولى , هذا ما تطرق له آدم ' المرأة مخلوق بريء , لطيف استغلها الرجل طيلة
السنوات الماضية , و مازال حتى الآن ينتهك حقوقها . و في أفرقيا مازالت حتى الآن
تعامل كجارية لا أكثر' ص 176 ..و يعرض
الروائي مشاهد عن اغتصاب المرأة و تعنيفها , و معاملتها معاملة الرقّ على شاكلة
العصور الجاهلية .
السرد العجائبي حاضر بقوة في الرواية , حيث تمكن آدم من المزاوزجة بين الواقعي و
العجائبي , لا سيما أن أفرقيا ارتبطت بالمعتقدات العجائبية و السحر و وجود الجنّ.
تتحدث الرواية عن زواج الإنس بالجنّ, و زواج الجنّ بالإنس .و مدى إيمن لإنسان
الأفريقي بهذه الظاهرة .و تعرض الرواية بعض المشاهد لأشخاص يمارسون السحر و
الشعوذة . تكتشف الشرطة أمر التاجر المشعوذ , الذي قام
باختطاف أحد الأطفال و علقه في سقف الحجرة , ووضع تحت قدمه اليمنى القرآن
,إذا نادى التاجراسمه رمى من فمه أوراقا نقدية .
الجهل الذي يجثم على عقول بعض
هذه الشعوب يجعلها تصدق خرافات
المشعوذين , المشعوذون يوهمون الناس بأن ورقة مالية يمكن أن تتضاعف و يصبح المال
أموالا بفضل تمتمات يرددونها , و لكن التمتمات في الأصل تؤثر على ذهن صاحب المال
فيتوهم أن ماله تضاعف .
رواية سندّو , يوميات في دهاليز أفرقيا قامت بتعرية الواقع التشادي , الذي يؤكد أن
هذه المنطقة من العالم الثالث , وعلى درجة كبيرة من الفقر و الجهل .حاول آدم الإلمام بعدد من الموضوعات المترابطة المتعلقة بالأزمة السياسية و الاقتصادية و
الاجتماعية على المستوى المحلي .
الرواية رغم وجود بعض الأخطاء بها , منها ماهو إملائي , ومنها مايتعلق بمضمون
الرواية . على سبيل المثال سندّو يذكر الروائي في بدايات الرواية بأن اسمه الحقيقي
محمد . و في موضع آخر في نهايات الرواية يقول سندّو ' أنا ولد محد , اسمي محمود '
ص 195.ربما يعود هذا لعدم مراجعة متن الرواية بشكل حصيف , أو لزخم الأحداث و
المشاهد و الشخصيات التي تجعل الروائي لا يتحكم في مجريات الحكي بصورة دقيقة .
لذلك العمل الروائي يحتاج إلى مدقق مساعد في الغالب حتى يتجنب صاحبه الوقوع في
مطبات تحسب عليه .
الرواية في عمومها تتميز بسردية جميلة , و أسلوب جذاب , رغم بساطه إلا انه يستقطب
القاريء و يدفعه لسبر أغوارعجائبية السرد الواقعي .
سندّو رواية واقعية صورت العجائبي
باحترافية . آدم كان ذكيا في استحضار عوالم العجائبية و السحر و و طقوس المشعوذين
, ما يجعل روايته تصنف كرواية تجريبية , يتقاطع فيها بعدان شكّلا معالم الرواية
التشادية المكتوبة باللغة العربية .فكان لآدم يوسف السبق في التأسيس لنص روائي تشادي عربي له خاصيته في الحقل الأدبي .
0 comments:
إرسال تعليق