( بلاهة
العتمة ) مسرودة ممسرحة، في البدء اتحدث عن العنوان لان عنوان الشيء دليله وضع في
البداية لأنه خير من يساعدنا في كشف ما يتطرق اليه السارد شوقي كريم حسن، القصة
الممسرحة تسمى عند العرب ( الفرجة الفنية الممسرحة )... القصة الممثلة او الممسرحة
تختلف عن القصة من ناحية البناء الفني والصياغة التعبيرية والحوار حيث أن هذه
العناصر تمهد للأحداث .. الحوار في الواقع هو اداة المسرحية بعدها تتابع الاحداث
الى النهاية، القصة الممسرحة كتبت للتمثيل على خشبة المسرح وليس للقراءة بعكس
القصة تقرأ من قبل المتلقي، ( العتمة ) جاءت في القران الكريم بمعنى ( الظلمة ) و(
البلاهة ) تعني فقدان كامل للقدرة العقلية نتيجة عيب خلقي وليس مرضاً، فهي ضعف في
الرأي وتشتت الفكر والعقل من تغلب عليه الغفلة ...المسرودة جاءت بقسمين الاول ( اهتزازات
المرتجى )
( ماكنت
اعرف أني اراه مرة ثانية بعد تلك السنوات، الزاحفة في رماد الايام التي لم تعطنا
فرصة من اجل البحث عن كلينا، كان اختفائه المفاجئ النازف للأسئلة القاحلة الاجابات
محاطا بهالات العجب والممزوج بالخوف، اختفاء مر اثار في دواخلي براكين من المرارة )
شوقي
كريم حسن في مسرودته يستخدم اللغة الشعرية في الخطاب من خلال الحوار بين الاصوات
تجعل وجهات النظر تحكي ما يجول في ذهنها او الموضوع الذي يراد به الحوار الذي
نلتمس ثمة خلاف بين الشخوص المحاورة كأنها مرآة تعكس بداخل الشخصية نظرة متفائلة
او واقعية او متشائمة او محبطة .
( جسده
الباسق الطول المنحني قليلا الى امام بشكل مغر غارق بالافتتان المسيل للعاب الدهشة
يضع كف يده اليسرى المليئة بالاوشام الشديدة الزرقة امام عيني مطلقا سراح بلابل
ضحكاته من اقفاص غروره المتفاني في تسلق غابات مهمته الصادة لبعض ما يلاقيه في
الدروب، اقول بتحدٍ يتعمد اثارته)
السارد
شوقي كريم حسن قصصه تصور الهموم الانسانية، التي هي محور في مختلف اعماله الادبية
سواء كان هذا الهم يتصل بالإنسان مع ذاته او في صراعه في الحياة مع الغير او حتى
صراعه مع قوى الطبيعة، تجسد هذا الصراع بشكل مكثف وذات نكهة يدرج الكلام العامي
بحرفة تساعد القارئ على الاستمرار في القراءة... أن مسرودته ( بلاهة العتمة ) تحمل
الهم الانساني .
( ــ آه
لو عرفت لم تحمل على راسك كل هذا الهم الذي لا فائدة منه.. الى ماذا تريد الوصول
بهمك الذي نسيه الناس وحطموا مألوفة ؟!!
ــ لا
طريق عرفت غيره لا اجيد المشي في درب آخر يوقف هياماتي الباحثة عن معاني المستحيل !!
ــ
ترددك حطم ما في الرأس من أماني انقذ ما تبقى .. ازرع سباخك بالقبول !!)
أن ( بلاهة
العتمة ) تنطوي على ثيمة سردية بعمق مسار تجربته الطويلة في الادب والتي تمثل
ارتقاء بمفردات عالمه السردي في الرواية والقصة والمسرح والتي تمثل الواقعية
المتلبسة في دواخل شخصياته مع مقدرة عالية في سلوكياتهم، يحكم على النص الممسرح من
خلال تركيبه اللغوي والمنطقي.. عملية الكشف عن النور الفني اي عملية تقديم العرض
المسرحي محذوفاً من كل العناصر ما عدى التمثيل فنشاهد شوقي كريم يستعمل اسلوب
التناوب في المشهد السردي لرصد حركة الشخوص وما يبغون فيها، ايصال اسلوب السرد
الموضوعي على اعتماد تقنية ( المنولوج ) لكشف عما في داخل الشخصية للتعبير بالصورة
الدالة للحدث .
( ــ
احزاني التي تكونت بغير ارادة مني.. احزان دودية ملساء تتكاثر بأشكال غريبة تثير
فزعي .. ما كنت امسك بغير الفراغ الشاسع الامتداد.. فراغ مدوِ ملئ باليأس
والاحباط، حاولت الامساك ببعض احلامي لكنها تناثرت مثل طائر القطرس.. نثار ريش
تلتهمه افاعي التلاشي.. حضور خال من الغرابة والدهشة!!
ــ ما
رايته اوهمك بالعجز، كنت ارقب فرحك حين امسكت بفكرة الارتقاء.. ما كان عطيل سوى
تابع لما تريد فعله، فتحت الابواب على مصاريعها واختفيت )
عنصر
الزمن والحديث عن المسرودة واضح ، يبقى من النقاط اللافتة للنظر، فنشاهد الجرأة
والايحاء للموضوع تكشف عن قيمة فكرية وفنية وانسانية تجعل المسرودة اكثر ابداعاً
في تسطير ما يكتبه السارد من عبارات وكلام وبالتالي يحقق ويكشف عن مغايرة وانزياح
واضحين في عطائه الادبي .
( ــ لا
اعرف عما تتحدثين غبار ذاكرتي اخذته
الرياح بعيدا.. صرت اسكن صحراء موحشة لا تفيد بشيء اخذني الاهمال الى احضانه،
حاولت لكنه تفنن في اذلالي والحط من هيبتي !!
ــ
والمصادفة التي اتت بك للتو لتضعك مقابل هدير سنواتي التائهة وسط مقابر فجيعتي؟
ــ ما
ترسمه الايام اشكالا مشوبة بعدم الفهم، ظننت ان حبال الوصل تقطعت وسفنك اخذتها
الرياح الى مرافئ لا قدرة لي على تحديد امكنتها!!)
القسم
الثاني من المسرودة (خواتم الارتحال )
يتحدث
السارد عن المسرح والذي اصابه الاهمال وتزاحمت فيه الاتربة يشتد الحوار بين ( الخيال
) و ( هي ) السارد شوقي كريم حسن صوتاً مميزاً على مستوى الكتاب العرب من خلال
منجزاته القصصية والروائية والمسرحية، المعبرة عن دلالات فكرية ومعالجات جمالية
شديدة الايحاء بسيرة الحياة وصعوباتها من خلال ابطاله المعبئين بالكثير من الهموم
الممسرحة واخرى تحمل رمزية عالية.
( مع
الخطوات الثقيلة المتعثرة المشتعلة بالارتباك غير العارفة لمقاصدها، دخلت قاعة
المسرح المغطاة بالإهمال والاتربة المجللة بالسواد والتي فارقتها مجبرا خائفا
اترقب، منذ عرفت ان ليس ثمة فائدة من البقاء مهملا ملقى بين فكي كماشة وقحة عاتية
الشراسة، مع التقدم اماما شممت رائحة العطور النفاثة المختارة بعناية مثيرة
للانتباه، عطور جرتني بتؤدة المكتشف لترميني في عمق زمان الذي انستني الايام
الكثير من ملامحه الرعناء الباعثة على الاسى والاحتقان )
الفضاء
الزمكاني يؤدي الى اكثر من دور في حدود النص فهو يمنح المتلقي مصداقية الحدث للكشف
عن القوة التعبيرية التي تضاف الى غيرها من القوى الفنية والتعبيرية للمكان، كما
هو معروف هدف النص المسرحي المدون يمثل امام جمهور متعدد الشرائح الاجتماعية
واللهجات والقناعات فالمسرح كفن يتكون من نص وممثل وجمهور وساحة او خشبة مسرح
أضافة الى الموسيقى والديكور.
( الولد
المرتجف الاطراف الملتفت يمينا ويسارا كان ينصت مذعورا الى صراخ التوسلات المرفقة
ببكاء ما لبث ان تحول الى نواح يوشم الافئدة بمجامر الضيم والانكسار.
ــ ابن
الحثالات مثلنا لا يعاند ولا يقال له لا!!
ــ من
دلك على هذا الدرب الذي لا فائدة منه!!
ــ اما
قالوا لك ان لا درب مضيء سوى الدرب الذي نسلك ولا نقبل بدروب تنافسه!!
ــ اشر
الينا لنعرف ما تؤمن به من حقارات لوثت بها عقلك المليء بالكراهيات، ما الذي
فعلناه لك لتقف ضد رغباتنا؟!!
ــ صمتك
جمر يحرق جسدك القذر مثل بيضة فاسدة.. أرحم ما تبقى منك لجسدك عليك حق!!
ــ ابن
العاهرة اصرارك على الصمت لا يفيد بشيء سوى جعلك تتدلى مثل بندول ساعة خرساء عتيقة)
تنتهي
المسرودة ( بلاهة العتمة )
( تلاشت
عند عشرات الفوضى خطواتي التي اصبحت اكثر ارتياحا وخفة حين رأيتها بحذق العارفة،
تمحو الهارب من الايام، لترسم ملامح اناساً سنكونهم ذات صدفة قابلة!!)
0 comments:
إرسال تعليق