مفهوم رد المحكم
المقصود برد المُحكم هو اقصاؤه عن النظر في النزاع بعد أن تم تعيينه، سواء بدأت إجراءات التحكيم أم لم تبدأ، وأثناء نظر التحكيم، وقبل صدور الحكم أما إذا ظهر سبب للرد بعد صدور الحكم؛ فإن الرد غير متصور، وهنا يتجه الطعن إلى الحكم
رد المُحكم يعني
تقديم طلب من أحد أطراف النزاع مبديًا من خلاله اعتراضه على تعيين المُحكم من قبل الطرف الآخر، أو جهة التعيين حسب الاتفاق.
يقدم الطلب لدى هيئة التحكيم عند بعض التشريعات على ألا يشترك المُحكم المذكور في المداولة بشأن القرار في الطلب، وعند بعض التشريعات يقدم الطلب للمحكمة المختصة مباشرة
وطلب الرد يستند في غالب الأحوال إلى وجود صلة قرابة، أو عدم نزاهة، وحياد المُحكم، وأسباب أخرى.
مدى إمكان رد المحكم
إذا قام سبب من شأنه أن يؤثر في حياد المحكم، أمكن لأي من الأطراف أن يطلب رد المُحكم إذا لم يتنح عن نظر القضية من تلقاء نفسه. فالمُحكم بصفته قاضيًا يلتزم بالحياد، والموضوعية أثناء التصدي لخصومة التحكيم؛ فوجود صلة، أو علاقة بين القاضي، وأحد الخصوم من شأنها أن تجعله يميل عن الحق وجب عليه التنحي كي يحل محله قاض آخر لا تربطه بالخصوم صلة، أو علاقة يخشى أن تؤثر على حياده، وإلا أمكن لأي من الخصوم طلب رده.
ولقد أجازت كافة قوانين التحكيم العربية والدولية رد المُحكم
في القانون المصري نصت المادة 18/1 من قانون التحكيم على أنه:
" 1ــ لا يجوز رد المُحكم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكًا جديدة حول حيدته، أو استقلاله.
"2ـ لا يجوز لأي من طرفي التحكيم رد المُحكم الذي عينه، أو اشترك في تعيينه إلا لسبب تبينه بعد أن تم هذا التعيين
ملحوظة
لم يكتفي القانون المصري لرد المُحكم بتوافر ذات الأسباب التي يرد بها القاضي. وإنما جاء النص أكثر شمولًا لكل ما يخل بحياد المُحكم واستقلاله، أو يجعله غير صالح للتحكيم دون حصر، وهي مسألة تقديرية تتوقف على ظروف كل دعوى وملابساتها. .
وهذا الذي ذهب إليه قانون التحكيم المصري من إيراد سبب عام مجمل لرد المحكم يتفق مع ما تنص عليه المادة 10 من قواعد اليونسترال والتي تنص على:
1- "يجوز رد المحكم إذا وجدت ظروف تثير شكوكًا لها ما يبررها حول حياده، أو استقلاله.
2- لا يجوز لأي من طرفي النزاع رد المحكم إلا لأسباب لم يتبينها إلا بعد أن تم تعيين هذا المحكم".كما نصت المادة (12/2) من القانون النموذجي على أن:
" لا يجوز رد المحكم إلا إذا وجدت ظروف تثير شكوكًا لها ما يبررها حول حيدته، أو استقلاله، أو إذا لم يكن حائزًا لمؤهلات اتفق عليها الأطراف، ولا يجوز لأي من طرفي النزاع رد محكم عينه هو، أو اشترك في تعيينه إلا لأسباب تبينها بعد أن تم تعيين هذا المحكم".
نجد أن القانون النموذجي أضاف سبب لرد المحكم، وهو إذا لم يكن حائزًا المؤهلات التي اتفق عليها الطرفان.
بينما يضيف القانون السويسري للتحكيم (م 4/4) سببًا آخر للرد، وهو سبق إبطال حكم المحكم، أو مساهمته في إجراءات حكم قد حُكم ببطلانه، والواقع أن هذا السبب لا يتعلق باستقلال المحكم وحياده، وإنما يتعلق بكفاءة المحكم، ومدى صلاحيته.
وقواعد رد المحكمين من النظام العام، وبالتالي فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفها لأنها تتعلق بضمانتي الحيدة، والاستقلال اللتين لا غنى عنها لمباشرة القضاء أيًا كانت طبيعته ومصدره.
مفاد ذلك أنه
يمكن رد المحكم، كما يرد القاضي متى توافر سبب من أسباب رد القاضي، أو لمجرد قيام ظروف تثير شكوكًا جدية حول حيدته، أو استقلاله، ومذهب قانون التحكيم المصري أكثر اتفاقًا مع الاتجاهات الحديثة في التحكيم الدولي، وفيه ضمان أكثر لحيدة المُحكم ونزاهته.
ويمكن أن تدخل تحت هذا السبب العام أسباب عدم الصلاحية التي لم يرد لها ذكر في قوانين التحكيم.
ملحوظة
لا يعيب المُحكم أن يكون قريبًا لأحد الأطراف، أو أن تكون له بأحد الأطراف بالقضية علاقة أو صلة، لأن لأطراف التحكيم اختيار أي شخص كمحكم طالما وثقوا به؛ فاتفاقهم هو الأساس في ذلك. ولكن. . . يجب في كل الأحوال ألا تكون لأحد المحكمين مصلحة في النزاع، حتى يكون المُحكم محايدًا. المحكمة المختصة بطلب الرد وإجراءاته كان البند 1 من المادة 19 من قانون التحكيم تنص على أن ". . . . . فصلت هيئة التحكيم في الطلب " فكان الفصل في طلب الرد موكولًا إلى هيئة التحكيم ذاتها، وهو الأمر الذي كان مرشحًا للتشكيك في ضمانة مهمة من ضمانات التحكيم.
إلا أن المحكمة الدستورية العليا قضت بعدم دستورية عبارة "فصلت هيئة التحكيم في الطلب".
لذا تم تعديل المادة 19 من قانون التحكيم بموجب القانون رقم 8 لسنة 2000 ونظم المشرع إجراءات الرد بالنص على النحو التالي: "يقدم طلب الرد كتابة إلى هيئة التحكيم مبينًا فيه أسباب الرد خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ علم طالب الرد بتشكيل هذه الهيئة، أو بالظروف المبررة للرد؛ فإذا لم يتنح المُحكم المطلوب رده خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ تقديم الطلب يحال طلب الرد بغير رسوم إلى المحكمة المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون للفصل فيه بحكم غير قابل للطعن".
ـ وحرصًا من المشرع ألا يتخذ من طلبات الرد وسيلة لإطالة أمد النزاع مما يُخرج التحكيم عن الغرض من تشريعه، وهو سرعة الإجراءات.
فقد نص المشرع في الفقرة الثانية من ذات المادة على أنه: لا يقبل طلب الرد ممن سبق تقديم طلب برد المُحكم نفسه في ذات التحكيم. وقررت بالفقرة الثالثة من ذات المادة على أنه لا يترتب على تقديم طلب الرد وقف إجراءات التحكيم.
بالتالي .. يجب أن يقدم طلب الرد خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ علم طالب الرد بتشكيل هيئة التحكيم، وبالظروف المبررة للرد إلى هيئة التحكيم. إذا لم يتنحى المُحكم خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ تقديم طلب الرد، يحال طلب الرد بغير رسوم إلى المحكمة المختصة.
لا يترتب على تقديم طلب الرد وقف إجراءات التحكيم. لا يترتب على تقديم طلب الرد وقف إجراءات التحكيم طبقًا للمادة (19/3) من قانون التحكيم المصري والتي تنص على:
"لطالب الرد أن يطعن في الحكم برفض طلبه خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إعلانه به أمام المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون، ويكون حكمها غير قابل للطعن بأي طريق".
كما نصت المادة (13/3) من القانون النموذجي على الآتي:
"إذا لم يقبل طلب الرد المقدم وفقًا للإجراءات المتفق عليها بين الطرفين، أو وفقًا للإجراءات الواردة في الفقرة (2)، جاز للطرف الذي قدم الطلب أن يطلب من المحكمة، أو السلطة الأخرى المسماة في المادة (6)، خلال ثلاثين يومًا من تسلمه إشعار بقرار رفض طلب الرد، وأن تبت في طلب الرد، وقرارها في ذلك يكون غير قابل لأي طعن، وريثما تم الفصل في هذا الطلب يجوز لهيئة التحكيم، ومن ضمنها المحكم المطلوب رده، أن تواصل إجراءات التحكيم، وأن تصدر قرار التحكيم".
فإذا تنحي المُحكم خلال خمسة عشر يومًا من تقديم طلب الرد، انتهي الطلب عند هذا الحد، ويتم اختيار محكم آخر بالطريقة التي حددها القانون.
ويعتبر ما اتخذ من إجراءات التحكيم بعد تقديم طلب الرد كأن لم تكن (المادة 19/4).
بعد فصل المحكمة المختصة أصلًا بالنزاع في لطلب الرد، تواصل خصومة التحكيم سيرها، ويمكن رد محكم آخر.
أسباب رد المُحكم
يعتبر حق طلب رد المُحكم أثرًا مباشرًا على ظهور، أو وجود حقائق، أو ظروف يمكن أن تثير شكوكًا في استقلالية وحيدة المحكم. أو كما يقال: إن طلب رد المُحكم هو جزاء ظهور، أو وجود هذه الحقائق، أو الظروف. إذاً. . . مناط رد المُحكم هو وجود شكوك (لها ما يبررها) في استقلاليته وحيدته. وهذه الشكوك لا بد أن تكون مستقاة من حقائق، أو ظروف ظهرت، أو طرأت بعد تعيين المحكم.
أي كانت خافية على الخصم، أو غير موجودة عندما تم التعيين، وهذا أمر منطقي، وينسجم مع كون المُحكم قاضٍ مختار من قبل طرفي التحكيم.
ولكن. . . ما هي هذه الظروف، والحقائق على وجه التحديد، وهل تقع تحت حصر؟الواقع أنه لا يمكن الإلمام بجميع الأسباب التي يمكن طلب رد المُحكم على أساسها.
لكن يمكن القول:
إن أي سبب من أسباب عدم صلاحية القضاة، أو أسباب رد القضاة المحددة في قوانين المرافعات يمكن أن يكون أساسًا لطلب رد المحكم شريطة أن لا يكون معلومًا للخصم طالب الرد، قبل تعيين المحكم، أو أن يكون قد طرأ بعد تعيين المحكم.
ملحوظة:
"ما دام الهدف من طلب رد المحكم، هو إقصائه عن نظر النزاع؛ فإن تنحي المُحكم من ذات نفسه، أو إعتزاله المهمة الموكولة إليه بناء على طلب من الخصم، أو الجهة المنظمة للتحكيم،\ يُغني عن طلب الرد، خاصة وأن معظم المحكمين – في حال توفر سبب للرد – يفضلون التنحي، أو الاعتزال.
ملحوظة
إذا كان شرط الحيدة والاستقلال هو الدافع المشترك في كل قوانين التحكيم لطلب رد المحكم.
فإن القانون النموذجي قد أضاف سببًا آخر وهو: " ثبوت عدم توافق المُحكم مع الشروط التي وضعها الأطراف في معايير اختياره. وهذا السبب ربما يجد أهميته في إحدى هذه الحالات:
• عدم التزام المُحكم بقواعد الشفافية.
• عدم التزام المُحكم الأمانة في تقديم نفسه.
• حاله تعيينه من قبل المحكمة المختصة.
• اشتراطات قبول طلب الرد، وموانع قبول طلب الرد.
• لا يجوز للخصم الذي عيَّن المُحكم، أو اشترك في تعيينه رد هذا المحكم.
• لأن من سعى في نقض ما تم من جهته، فسعيه مردود عليه.
إلا إذا. . .
ظهر، أو طرأ ظرفًا، أو حقيقةً تثير الشكوك في استقلالية وحياد المُحكم بعد أن تم تعيينه. وهذا ما قرره قانون التحكيم المصري في المادة 18/2 بأنه: "لا يجوز لأي من طرفي التحكيم رد المُحكم الذي عينه، أو اشترك في تعيينه إلا لسبب تبينه بعد أن تم هذا التعيين".
إذاً. . .
يشترط في هذه الحالة أن يكون سبب الرد، إما غير معروف لطالب الرد قبل التعيين، إما طرأ بعد تعيين المُحكم. أما المعيار الذي يتم سندًا لـه حسم الطلب؛ فهو ما إذا كان هذا السبب يثير شكوكًا حول استقلالية وحيدة المُحكم أم لا.
الفارق بين رد القاضي، ورد المحكم.
بالرغم من عدم النص على أسباب محددة لرد المُحكم في معظم قوانين التحكيم، وفي معظم قواعد التحكيم، إلا أن هناك شبه اتفاق على أن:
أسباب رد القضاة قد تكون صالحةً لطلب رد المحكمين.
وإذا كانت قوانين المرافعات عادة تتحدث عن نوعين من الأسباب لإقصاء القاضي عن نظر الدعوي
النوع الأول أسباب عدم الصلاحية
النوع الثاني أسباب الرد
فإن إقصاء المُحكم عن نظر التحكيم لا يكون إلا بطريق الرد، ويعود هذا إلى اختلاف طبيعة التحكيم عن القضاء (قضاء خاص وقضاء عام) فالقاضي يكون جالسًا للقضاء بصفة دائمة في مرفق عام، للنظر فيما يعرض عليه من قضايا.
أما المُحكم؛ فيكون للنظر فقط في القضية، أو القضايا التي يتفق الخصوم على أن ينظرها.
عدم صلاحية القضاة قد يصلح سببًا لرد المحكم بشرط أن لا يشمله الإفصاح الذي قدمه المحكم، أو إذا طرأ بعد تعيين المحكم، وعندها يعتبر بالنسبة للمحكم سبباً للرد.
أسباب عدم صلاحية القاضي متعلقة بالنظام العام، أي أن القاضي يعتبر غير صالح لنظر الدعوى إذا توفر أي سبب من أسباب عدم الصلاحية، حتى لو اتفق الخصوم على أن ينظر الدعوى، ويعتبر الحُكْم الصادر عن القاضي في هذه الحالة باطلًا. أما قضاء المُحكم فلا يمكن نسبته إلى النظام العام؛ لأنه قائم أساسًا على اتفاق الطرفين المتخاصمين. الفارق بين عدم قبول أحد الخصوم لتعيين محكم والرد عدم موافقة الخصم على تعيين المُحكم لسبب يعود إلى نقص في استقلاليته، أو حياده لا يعتبر ردًا الرد لا يتصور إلا بعد تعيين المحكم.
لا يقوم الرد إلا لسبب، أو ظرف، أو حقيقة ظهرت بعد التعيين من شأنها أن تثير الشكوك في استقلالية، أو حيدة المحكم أما عدم قبول المُحكم فلا يشترط فيها أي شروط.
آثار الحُكم برد المحكم
يترتب على قرار رد المُحكم اعتبار ما قد تم من إجراءات التحكيم بما في ذلك حكم المحكمين كأن لم يكن، وقد اتفقت على ذلك أغلب التشريعات العربية والدولية.
عدم جواز الطعن على الحكم الصادر في طلب رد المُحكم. طبقًا لصريح نص المادة 19 فقرة 1 من قانون التحكيم المصري.
لا يجوز الطعن على الحكم الصادر في دعوى رد المحكم، وفي تبرير ذلك قيل أن أحد غايات التحكيم سرعة الفصل فيما يعرض من أنزعه، وفي إجازة الطعن تفويت لهذه الغاية خاصة أنه لا مخالفة دستورية في عدم جواز الطعن؛ فإذا كان التقاضي حق طبيعي فإن جعل هذا التقاضي على درجـة، أو درجتين هو مما لا يمس أصـل الحق في التقاضي.
رد المُحكم في القوانين المقارنة:
القانون المصري: مادة (18): يطلب الرد فقط في حالة أن يتبين أطراف المنازعة أسبابًا جديدة بعد تعيينهم للمحكمين تجعلهم لا يثقون في حيدة واستقلال المحكمين. (جمهورية مصر العربية، 1994).
القانون الإماراتي: المادة (207) اتفق مع القانون المصري ثم أضاف أسباب رد القضاة إلى ذلك.
القانون السعودي: مادة (12): يتفق مع القانون الإماراتي.
" يطلب رد المحكم للأسباب ذاتها التي يرد بها القاضي، ويرفع طلب الرد إلى الجهة المختصة أصلًا بنظر النزاع خلال خمسة أيام من يوم إخبار الخصم بتعيينه المحكم، أو من يوم ظهور، أو حدوث سبب من أسباب الرد، ويحكم في طلب الرد بعد دعوة الخصوم، والمحكم المطلوب رده إلى جلسة تعقد لهذا الغرض".
*كاتب المقال
دكتور القانون العام والاقتصاد
عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا
مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
مستشار تحكيم دولي محكم دولي معتمد خبير في جرائم امن المعلومات
نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا
عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة
عضو منظمة التجارة الأوروبية
عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان
محاضر دولي في حقوق الانسان
0 comments:
إرسال تعليق