• اخر الاخبار

    الثلاثاء، 10 يناير 2023

    أحمد النقاش يكتب عن : دنيا التطبيل

     

     


          على أرضٍ طينتُها مِن نفاقٍ، وهواؤُها من غشٍّ وتدليسٍ ورياءٍ لم يَعُدْ للصَّادِقِين أيَّةُ ذرَّةٍ مِن طاقَاتِ الصَّبرِ. تَمُرُّ الأيَّامُ وتُصَادِفُنا وجوهٌ عَكِرَةٌ لا يعنيها في الحياةِ إلا شأنُها، ولا يهمُّها سوى أنْ تترددَ أسماؤها على موائدِ المنافقين ليل نهار بأعلى صوتٍ وتمجيدٍ؛ فقد دأبت على أن نذكرَها هكذا حتى نُشبعَ غُرورَها.

                     ما بينَ عامٍ وعامٍ لا نشعرُ بجديدٍ؛ فما نراهُ أو نسمعُه منْ مشاهدَ مؤلمةٍ تستقبلُنا هي نفسُها في العام الجديد، لا يرنُّ في أذني إلا قولُ شاعرِنا الكبيرِ "نزار قباني" في قصيدته الخالدة: "متى يعلنون وفاة العرب؟!":                                  

                                                                أحاولُ منذُ الطفولةِ رَسْمَ بِلادٍ

                                                                تُسَمَّى مـجـازًا بــلاد العرب

    ففي أي ركنٍ من أركانِ بلادنا ومنذ قديم الأزل، ونحن لا نعرف معنى الصدق في الأقوال؛ لا نعي ونفهم إلا بحار الرياء وغدرها؛ ففي كلِّ مكانٍ نجدُ ما يُسَمَّى "التطبيل"، وهذا أضخمُ ما يجعلُنا كما نحنُ في تراجُعِنا المُستمِّر.

                            أصبح المجتمعُ سخيفًا سخيفًا إلى أبعدِ الحدودِ فالكلُّ ينافقُ والكلُّ يجري والكل أصبح في معزوفةِ النِّفَاقِ مُساهِمًا. يأتيكَ رجلٌ كبيرُ السنِ فتندهش كيف له أنْ يُسايرَ أمورَهُ بهذا الشكلِ دون أنْ يعترضَ ويهدمَ بحكمتِهِ كلَّ ما يراه على وجه الخطأ.. لتكتشفَ في النهايةِ أنَّه "يساير الأمور".. وظلت تلك النظرية هكذا تأسرنا حتى أصبحنا عبيدا لها، تخلصنا تماما من كل ذرات الصدق والضمير والبراءة التي وهبنا الله إياها، أصبحنا نعادى صنوف البشر الذين ننتمي إليهم، لا طاقة في قلوبنا سوى للتصفيق، فدعونا نصفق بأعلى صوت إلى أن يصدَّ تصفيقنا سدٌّ اسمه نور الصدق!!

         كم كانت الدنيا جميلة ومشرقةً وذاتَ خيرٍ وبركة ونماء حينما كانت تعجُّ بالصادقين الذين يبغون الله والضمير في كل أعمالهم، وحينما انتهوا من حياتنا صرنا كما نحن الآن؛ فلا شيء سوى العبث وأصوات التصفيق الحاد لهذا العبث.

                     كيف لنا أن نتقدم في بلادٍ لا تعرفُ الموضوعيةَ؟! لا تعرف الشورى في كافةِ الأمورِ! فليس هناك من شكٍّ في نجاح أي وطنٍ إذا قام على هذه المبادئ. أمَّا ما نراه الآن؛ فهو المنحدر الحقيقي، والهُوَّةُ العميقة التي ندفن فيها وجوهَنا وأنفسَنا وضمائرَنا.

                     إنَّ كلَّ ما أخشى عليه في قادمِ الأيامِ همُ الأجيالُ القادمةُ التي نربيها الآن على تلك القيمِ المفرَّغَةِ من الصدقِ، نعودها هذه الأخلاقَ غير الحميدةِ، فبدون أن ندريَ –أو ندري- نزرعُ في نفوسهم هذا الخيطَ اللعينَ من حياكةِ النفاقِ.

                            انظروا إلى الأطفالِ والشبابِ في مجتمعِنا لتجدوا صدقَ ما أقولُ؛ فلا شيءَ أمام معظمِهم سوى البعدِ عن القيمِ الحقيقيةِ، واللهث وراء الأشياءِ العابثةِ وحسب .. فهل هذه هي النهاية؟! هل هذه خاتمةُ الدنيا لتحطمَ كلَّ عالٍ من القيمِ وتتركنا في دنو وانحطاط!!

                            لا أتمنى ذلك أبدا؛ فعندي أملٌ كبيرٌ أنْ يعودَ كلُّ شيءٍ إلى مكانِهِ، أنْ تُزهِرَ حقولُ الصدقِ من جديد، ونبذر حباتِ الورودِ بألوانها لتسطعَ على عُمرِ الخُلقِ والوضوحِ والجمالِ والخيرِ منْ جديدٍ.

                            لديَّ من الآمال ما أنشدُهُ في هذا الوطنِ الحبيبِ من الخيرِ والعزِّ، وفي يومٍ منَ الأيامِ لا بُدَّ أنْ تشرقَ هذه الأحلامُ لتكونَ واقعَنا الذي نُعايشُهُ بالفعل.

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: أحمد النقاش يكتب عن : دنيا التطبيل Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top