ظهرت بداياتها الفعلية بعد الحرب العالمية الثانية وامتدت لجيل الشاعر الأسطورة نزار قباني ومن رؤاها النظرة إلى الواقع ومعالجة قضاياه باسلوبٍ جديدٍ مبتكرٍ يقوم على نظام التفعيلة الواحدة أو المتعددة لا على نظام القصيدة التي تنصب في البحر الشعري وتفعيلاته انصبابًا لتخرج بقافيةٍ واحدةٍ يحكمها الجرس الموسيقي للبحر .. وقد عمدت المدرسة الواقعية للتخلص من قيود القصيدة العمودية التي سارت عليها كلّ مدارس الشعر العمودي الموزون ..فانطلقوا بكتابة نصوص قصيدة التفعيلة وتطببق أنظمتهم في كتابتها مثل :
1/التحرر من وحدة القافية ومن وحدة وزن البحر .
2/ التخلص من نظام البيت الواحد ومن شطريه .
3/ الإنطلاق بالتفعيلات دون حدٍ للسطر .
وبعيدًا عن التوجهات الفكرية أو السياسية أو الدينية او الأدبية المعارضة وبكل شفافيةٍ أذكر أهمّ رواد المدرسة الواقعية فمن حقّ المواطن العربي أن يعرفَ تلك المدارس الأدبية وما جاءت به من أدبياتٍ وما قدمته في ذلك ..
أهم رواد مدرسة الواقعية :
أحمد عبدالمعطي حجازي / محمد صلاح عبدالصبور /نازك الملائكة /فدوى طوقان / عبدالرحمن الشرقاوي / بدر شاكر السياب / نزار قباني إلاّ أنّ نزار قباني لم ينحز للمدرسة كليًّا بل تحرر بعض الشيء بكتابته لعدة قصائد عموديةٍ موزونة من أجمل ما قيل ..
ووفق ما ورد فإن شرارة التفعيلة انطلقت من العراق وانتقلت لمصر وسوريا وفلسطين وغيرها ومع قدوم عام 1945 تبلورت رؤى المدرسة الواقعية وخرجت بصورةٍ ملفتةٍ للنظر ..
طبعًا كان للمدرسة الواقعية العديد من المدارس الأدبية المناهضة لها وبكل قوة إن لم تكن جميع مدارس الشعر العربي العمودي الموزن ..
لهذا النوع من " الشعر " ظهرت عدة مسمياتٍ مثل الشعر الحر / قصيدة التفعيلة / الشعر الجديد / الشعر المرسل ..
وأذكر هنا مثالًا ل نازك الملائكة تقول فيه :
سكَن الليلُ
أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ
في عُمْق الظلمةِ , تحتَ الصمتِ, على الأمواتْ
صَرخَاتٌ تعلو, تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ, يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
في كل فؤادٍ غليانُ
في الكوخِ الساكنِ أحزانُ
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
هذا ما قد مَزّقَهُ الموت
طبعًا وكما يبدو النّصّ في قصيدة الكوليرا هو أقرب لنصّ ٍ منثورٍ منه لشعرٍ رغم جمال المفردات وواقعية النّصّ وهذا من عيوب قصيدة التفعيلة .. قصيدة التفعيلة تحتاج لبراعةٍ كبيرةٍ تشعر المتلقي بأنّه امام شعرٍ وشاعرٍ بالفعل ..طبعا لا أحد يمكنه أن ينكر إبداعات المدرسة الواقعية وإن عارضتها المدارس الأخرى
حيث أنّ هناك من شعراء التفعيلة ما يجعل المرء يقف لهم ولبراعتهم إجلالا وتقديرا
وللمدرسة الواقعية مميزاتٍ كما لمدارس الشعر الآخرى أذكر منها :
1/ طرح هموم الناس ومشاكلهم بإسلوبٍ مبسطٍ غالبا ولا يخلو من تعقيدٍ واستخدام لغة الترميز والتورية بكثرة عند بعضهم .
2/ استخدام الوحدة الموضوعية للنّص .
3/ استخدام تفعيلاتٍ سلسةٍ وسهلة مثل تفعيلة فعلن مما يعطي النّصً خفةً في الإسترسال وعذوبة .
وفي قصيدة محمد إبراهيم أبو سنة يقول :
سأَلَتْني في الليلِ الأشجارْ
أن نُلْقِيَ أنفُسَنا في التيَّارْ
سألَتْنِي أنْ أختارْ
قُلْتُ أحاورُ قلبي
ما معنَى الجنَّةِ يا قلبي ؟
قال : تجَوَّلْ في نفْسِكَ حتى تصِلَ إلى الإنسان .
ومن نصّ ٍ رائعٌ ل صلاح عبد الصبور يقول فيه :
صنعت لك
عرشا من الحرير .. مخملي
نجرته من صندل
ومسندين تتكّى عليهما
ولجة من الرخام ، صخرها ألماس
جلبت من سوق الرقيق قينتين
قطرت من كرم الجنان جفنتين
والكأس من بللور
أسرجت مصباحا
علقته في كّوة في جانب الجدار
ونوره المفضض المهيب
وظله الغريب
“أحزانها في القلب.. أما وجهها
فباسم.. رغم الكلال
كوردة تبتسم في وجه الندى
ثم تعود للأسى تحت الظلال
يـــا رب خذ حزنها
و أعطها فوق جمالها, جمال
و أبقها نقيه
كما أراها في الخيال
وهنا نوذجٌ آخرٌ من قصائد التفعيلة ل أحمد عبد المعطي حجازي
“أعبر أرض الشارع المزحوم لا توقفني العلامه
أثيرُ حيثما ذهبتُ الحُب, و البغض... و أكره السآمه..!!؟
أدفع رأسي ثمناً لكلمة أقولها
لضحكة أطلقها
أو إبتسامه
أسافر الليلة فجأةٌ,
و لا أرجو السلامة..!!؟
وتبقى جماليات الشعر والأدب متنوعة ولكلّ نوعٍ منه ذوّاقته.. ويتربع الشعر العمودي على العرش وعلى ذائقة الجميع .
-
0 comments:
إرسال تعليق