• اخر الاخبار

    الخميس، 28 يونيو 2018

    الكاتب العراقى سعد الساعدي يكتب عن : الشباب في ظل بيروقراطية القوانين



    تعد شريحة الشباب من أهم شرائح المجتمع ، لكنها لم تلقَ الإهتمام المطلوب في العراق حسب استحقاقهم الاجتماعي والدستوري كونهم مواطنين ينتمون لهذا الوطن . فما زالت البطالة متفاقمة ، وجيل الخريجين كاد ينفد أملهم بعدم وجود فرصة عمل تسد الرمق على أقل تقدير حتى ملّت الحناجر والاقلام من ترديد ذلك كلَّ يوم .
    فكم من مسؤول تصدّى ليضع للشباب البرنامج اللائق بهم كونهم اداة فاعلة مهمة في الحياة ، وكم منهم نفّذ عملياً خطوات ذلك البرنامج ، أو اجزاء بسيطة منه ؟ الاسئلة كثيرة دائماً ، والإجابات مفقودة .
    صدرت تشريعات وقوانين كثيرة لصالح الشباب لكنها لم ترَ النور ، ولم يقف معها من يسندها ، ومازالت الاهواء البيروقراطية سمة ملازمة للتفسيرات والتأويلات القانونية بكل المجالات ؛ فمثلاً يكون لرأي موظف في وزارة التعليم العالي السلطة العليا في تنفيذ وتطبيق قانون مهم جداً خاص بتشغيل الخريجين الاوائل وهو يفسّر : بان المشمولين هم فقط من الخريجين لعام ٢٠١٧ كون القانون صدر في هذا العام ، لكنه يتناسى فقرة في القانون تؤكد على ان تكون أولوية التعيين لخريجي السنوات السابقة. وهنا فعلاً يكون القانون منصفاً بتأكيده على خريجي الاعوام السابقة كونهم اكثر ضرراً من غيرهم بتأخر تعيينهم ، واكبر عمراً ، وكثير منهم تزوجوا واصبحوا اصحاب عوائل وهم بأمسّ الحاجة لراتب ووظيفة ؛ لكنّ مفسّر التشريع القانوني يرى عكس ذلك ويصدر تعليماته حسب وجهة نظره بعيداً عن كل شيء .
    أمّا الباحث الاجتماعي ، أو الزائر الخاص بتحديد استحقاق راتب الرعاية الاجتماعية لهذا الشاب أو ذاك، فهو من يحدد موقع الشاب اذا كان فوق خط الفقر أو تحته ، لذلك رأينا الكثير جداً من الشباب العاطلين عن العمل ،والمستحقين لتلك الرواتب الرمزية قد حرموا منها بسبب مزاج ، أو تقدير كيفي لأولئك الموظفين المعينين حسب معايير الواسطات والمحسوبيات ، وافتقارهم لخبرة التخمين والتقدير الحقيقي والواقعي لمن يستحق فعلاً !
    واذا عدَّ كثيرون البيروقراطية كنظام اداري يحفظ السياقات الرسمية والالتزام بتطبيق القوانين وتعليمات الرؤساء والمسؤولين ؛ ففي العراق وصل الامر الى امراض خطير من هوس البيروقراطية حيث ضياع حقوق المواطنين وبالتالي قد تصل تلك الامراض الى مرتبة الجنون البيروقراطي السائر بانتظام مع الفساد وقادته ، و هناك من شخص تلك الحالات ، واُطلق عليها :
    بيروقراباثلوجي ، وهو المرض المصنف ادارياً باستغلال السلطة عبر التعقيد في تطبيق القوانين والتشديد المبالغ فيه بيروقراطياً .
    و أيضاً يمكن ملاحظة دور النفوذ السياسي الفاسد وما يلعبه في الساحة العراقية بحيث يقفز على تشريعات يقرها البرلمان من اجل تنفيذها من قبل الحكومة ، التي في كثير من الاحيان هي من ترسل مشاريع القوانين ؛ لغرض الموافقة عليها وبالتالي تكون تلك القوانين لعبة بيد كلّ من تبوأ مقعده من السلطة الحاكمة ، أو لان الظروف جعلته من كبار الموظفين الساعين لتحقيق المصالح الشخصية ، وفق الرغبات الحزبية ، وبالتالي يبقى الفساد الاخطبوط الملتف حول عنق المجتمع وكأنه اصبح حقيقة من حقائق الحياة لا يمكن مفارقتها، وتركها بعيداً .
    يبقى الشاب ، واي مواطن آخر يسعى للبحث عن واسطة صغيرة كي توصله الى واسطة اكبر في ظل سلّم نظام سياسي متراجع ، وانفصام ديني واجتماعي ووطني مشتت الولاءات وكأنّ ذلك هو القانون ، وتلك هي التعاليم الربانية ، اضافة لاعتماد المحسوبية والقرابة والعضوية السياسية مقياساً للتعيين والوظيفة .
    لابد هنا – على الاقل - من تشريع قانون ينصف هذه الشريحة بتخصيص رواتب مجزية خلاف ما نراه من رواتب الرعاية الاجتماعية التي تُعطى لبعضٍ دون الآخر، وبما لا يقلّ عن ٣٥٠ الى ٥٠٠ ألف دينار شهرياً لحين توفر فرصة العمل ، او توزيع جزء من عوائد الثروات النفطية بشكل مباشر عليهم مع بقية أبناء الشعب و الشرائح الفقيرة المعدمة كحق من الحقوق الواجبة ، أو توفير الخدمات الكافية للشباب بما يبعث السعادة والإطمئنان لهم كما تفعل كثير من دول العالم المتحضر ؛ علماً ان ثروات العراق لا تنضب وإنْ تكالب عليها السرّاق والمفسدون .
    اما لو تُرك هؤلاء الشباب بلا معين ومساند ، فسنلاحظ بمرور الايام تحول الكثيرين منهم الى مهاوي الانحراف ، والمخدرات والجريمة بسبب الفراغ القاتل، و البيروقراطية المترهلة ومخططات عدم تحقيق العدالة إلاّ وفق قوانين يصنعها الغش ، واللامبالاة او ابتزاز يومي يمارسه اصحاب الضمائر السقيمة ليرتع المفسدون في فوضى هي اساس بقاء كراسيهم ، وزيادة ثرواتهم حتى وإن نام الشعب كله في العراء .
    لقد اصبح الشباب أحد ضحايا ارهاب الفساد ؛ ومن الحق ، ان يتساءل الجميع عن المصلحة التي من أجلها يُحصّن الفاسدون ؛ هل من اجل تغذية روافد العنف ؟ او كمصادر تمويل جماعات تسعى للخراب والارهاب ؟ او لتنشيط وتغذية الاحزاب المشاركة في صنع ديمقراطية باتت تسبّها الجماهير يومياً ؟ او هو الثراء الذي يبحث عنه الجميع دون مراعاة لحقوق الآخرين ؟
    وهنا ايضاً نجد ثقافة جديدة استشرت في المجتمع ، لتصبح جريمة اجتماعية واقتصادية واخلاقية ، من خلال حرمان اهل الاستحقاق لحقوقهم ، واعطائها لمن يدق طبول التخريب والعبث بمقدرات الشعب ؛ لأنه سيكون اداة طيعة بيد من اهداه وظيفة وعمل ، وتبقى هذه الثقافة في نموٍ تخريبي ؛ الى ان تأتي على البلاد والعباد ، وتتحول الخيرات والثروات الى حق مستباح ومباح لأصحاب القوانين المفصلة بمقاساتهم الخاصة ولتُشعَل نيران الحرائق كما هي في كل مرة ، وكل مكان تظهر منه رائحة افتضاح الامور !
    امّا دعاة تفعيل الاستثمار من أجل خلق حركة تشغيلية للأيدي العاملة فهم اول الغافلين عن قوانينه الميتة ، وأساسياته المتهالكة ابتداء من رأس الهرم وفنون الدكتاتو بيروقراطية ، كي تبقى جميع الحلقات بيد واحدة لا يمكن الفكاك منها الاً باستبدال " سيستم " كامل وضع قواعده وتعكّز عليها ومازال منذ اكثر من عقد من الزمن .. ومع هذا فالكل ينتظر تغييراً مرتقباً لعل فيه الخلاص ولو جزئياً قبل ان تتلاشى الآمال وتذهب مع الريح كسابقاتها ، وهل من حلول تُجزي، وكيف السبيل الى إصلاح ما يمكن إصلاحه ؟
    حلٌّ بسيط يكفي ، حين تعود الذات الى انسانيتها من جديد ، بعيداً عن المخادعة بنشوة الفساد المقيت ، وثروته الزائفة والزائلة لا محالة ؛ فلو تبدلت الانفس بغيرها – وإن افتراضاً – هل تقبل من يكيدها ويتلاعب بمصيرها ؟ سؤال مطروح لكل من سولت له نفسه و يتحكم بالأرواح المتعبة ويسومها اقسى المهانات ، فالليل لن يبقى أبداً ، وعلى كل من يدّعي حب الآخرين ان يبحث عن مخرج للازمة كل أوانٍ وساعة ، وليعتبر من حياة الشعوب ، ويتعلم كيف تكون الفضيلة قانوناً نافعاً بلا فتوى مرشد ، او نصح ناصح ؛ انها مجرد وضع الشيء في موضعه قانونياً واخلاقياً وانسانياً ، لان البشر اخوة مهما اختلفت الالوان ، وتعددت العناوين والصفات ..
    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: الكاتب العراقى سعد الساعدي يكتب عن : الشباب في ظل بيروقراطية القوانين Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top