شيع جمال عبد الناصر في 1 أكتوبر عام 1970 إلى مثواه الأخير في جنازة ضخمة ومهيبة وصفتها بوابة الأهرام بـ"جنازة القرن العشرين".
مراسم توديع عبد الناصر الشعبية
والرسمية التي جرت قبل 53 عاما تتحدث بنفسها. دموع تنهمر ومشاعر حزن حقيقية وعميقة
على جميع الوجوه.
على الرغم من مختلف الانتقادات
التي توجه إلى جمال عبد الناصر، إلا أنه لا يزال يحظى بشعبية كبيرة ليس في مصر فقط
بل وفي الدول العربية.
ربما يكون وصف الشاعر السوري نزار
قباني لعبد الناصر في مرثية شهيرة بأنه "هرم رابع"، أصدق دلالة على
مكانته المعنوية بعد رحيله المادي. حتى الجدل الطويل الذي لا يزال يدور حول شخصيته
بين المدح والذم، دليل على مدى أهمية هذا الزعيم الذي قال عنه ضابط الأمن السوفيتي
فاديم كيربيتشينكو الذي عمل في مصر حوالي 10 سنوات، إنه "الشخص المناسب في
الوقت المناسب".
كيربيتشينكو الذي عرف عبد الناصر
عن قرب، كتب عنه يقول: "كنت مهتما للغاية بشخصية ناصر: كنت أحاول باستمرار
معرفة أكبر قدر ممكن عنه. ربما يكون ناصر واحدا من آخر الرومانسيين في السياسة: لقد
احترم محاوريه الجديرين، وحافظ على كلمته، وآمن بمستقبل سعيد لشعبه".
الضابط السوفيتي الرفيع السابق في
جهاز "كي جي بي" والأمن الخارجي يقول في وصف شعبية عبد الناصر: "لا
يكفي أن نقول إن عبد الناصر يتمتع بمكانة عالية في جميع أنحاء العالم العربي. لقد
أحبه العرب حقا وكانوا فخورين به. لقد مثل الأمل في مستقبل أفضل لهم. في جميع
البلدان العربية، يمكن رؤية صور ناصر على جدران المنازل الخاصة والمحلات التجارية
والمقاهي.. لقد دهشت شخصيا من كثرة صور ناصر وإظهار مشاعر الاحترام والتقدير غير
العاديين له في ليبيا الملكية. قضيت بضعة أيام هناك في نوفمبر 1963 واكتشفت أنه
يوجد حرفيا في كل متجر في البازار في طرابلس صورة ملونة كبيرة لناصر، وبجانبها
صورة صغيرة بالأبيض والأسود لإدريس"، ويقصد ملك ليبيا في ذلك الوقت محمد
إدريس السنوسي الذي أطيح به في عام 1969.
كيربيتشينكو تطرق أيضا إلى مظاهر
التقشف في حياة عبد الناصر وكتب عن ذلك يقول: "كان ناصر غير مبال تماما
بالمقتنيات والرفاهية الشخصية، وأكثر من ذلك بأي نوع من الاكتناز، وعاش فقط من أجل
المصالح الأيديولوجية والسياسية. هذه الصفات في ناصر تتضح جيدا من خلال منزله. عاش
طوال حياته في نفس المنزل على أراضي معسكر للجيش في حي العباسية، والذي حظي به
بصفته (عسكري برتبة) بكباشي- مقدم في الجيش المصري. في وقت لاحق، تم تحديث المنزل
قليلا فقط".
الضابط السوفيتي رصد أيضا أن هذا
الزعيم المصري الراحل "قاوم إغراء ترقية رتبته العسكرية، بخلاف العديد من
الحكام العسكريين تقريبا".
يتوقف كيربيتشينكو مجددا عند "تواضع"
عبد الناصر ويقول: "انتشرت الكثير من الحكايات الطويلة عن حياة ناصر الشخصية
في الصحافة الغربية، وظهرت على وجه الخصوص منشورات بشكل منهجي عن نقل رأس ماله
الخاص إلى البنوك السويسرية. لكن الواقع، وقبل كل شيء، كان أسلوب حياة عبد الناصر
المتواضع في تناقض صارخ مع هذه التصريحات لدرجة أن مثل هذه "الفقاعات من
الدعايات المتضحمة" انفجرت واحدة تلو الأخرى ولم يبق منها شيء في النهاية. بعد
وفاة عبد الناصر، لم يوجد في حسابه الخاص سوى 600 جنيه مصري".
ضابط "الكي بي جي" يروي
أن الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف سأل ذات مرة عبد الناصر أثناء زيارة قام بها
إلى موسكو في أبريل – مايو عام 1958 عما يفعله في أوقات فراغه، "أجاب ناصر
أنه يمارس في ساعات فراغه النادرة هواية التصوير. تلى ذلك محادثة حول هذا الموضوع،
قال خلالها خروتشوف إن مظهر الفيلم الملون أفضل بكثير من الأسود والأبيض. رد ناصر
قائلا إنه لا يستطيع تحمل تكلفة فيلم ملون".
من بين الأمور المثيرة التي كشف
عنها كيربيتشينكو قوله إن "طباخ عبد الناصر كان يشتري الخبز من متجر مقابل
لمنزل الرئيس، واللحوم والخضروات من أقرب بازار. لم تكن هناك سيطرة طبية على
الطعام، ولم يكن أحد قلقا بشأن ذلك. في ذلك الوقت لم يكن هناك منظومة إنذار موثوق
بها في النظام الأمني للمباني التي عاش وعمل فيها ناصر".
هذا الضابط رصد حالة عبد الناصر
بدقة مشيرا إلى أنه على الرغم من "القوة والثقة " التي تنبعث من شخصيته،
تتبين لمن خالطه لفترة طويلة "حالته العصبية والتعب المزمن المرتبط بقلة
النوم المستمرة والعمل فوق طاقته".
كيربيتشينكو لفت أيضا إلى أن عبد
الناصر قبل وفاته كانت تظهر عليه آثار سريعة للشيخوخة، كما تغير تعبير عينيه
وأصبحتا أكثر حزنا، وكان كئيبا ومحبطا في سنواته الأخيرة وخاصة بعد هزيمة عام 1967.
المصدر: RT
0 comments:
إرسال تعليق