• اخر الاخبار

    الأحد، 28 مارس 2021

    حسن بخيت يكتب عن : " سيدة القطار" مشهد لعقوق الوالدين : بين تجسيد الدراما وألم الواقع "

     


    " ظاهرة عقوق الوالدين " انتشرت في الأونة الأخيرة بصورة مرعبة بحجة الانشغال بأمور الحياة أو عدم القدرة المادية على الإنفاق عليهما ومراعاتهما، وأصبحت تلك الظاهرة تدق ناقوس الخطر ، وباتت تهدد السلام الاجتماعى ،، وابتليت الأمة بأجيال نزعت من قلوبهم الرحمة ،، وابتعدوا عن الأمر الإلهي في حفظ الأمانة في رعايتهم لوالديهم ،، وأصبح تمرد الأبناء على الآباء ظاهرة موجودة في مجتمعاتنا ، لنجد أنفسنا نعيش في زمان فتن وزمان قل فيه الاحترام والتقدير .

    وبما ان للدراما دور ايجابي وفعال في تجسيد مشاكل المجتمعات من واقع ملموس الى أعمال درامية ،، فهي مرآة المجتمعات بايجابياتها وسلبياتها ،، وقصة اليوم التي نحن بصددها ، تدور حول عمل درامي سينمائي تم تجسيده من حادثة وقعت على أرض الواقع ، وقعت أحداثها في حادث تصادم لقطارين منذ 19 عام تقريبا ،، لتعود الينا القصة مرة أخرى وتقع أحداثها في حادث تطادم قطار سوهاج الذي وفع منذ يومين ، في تشابه عجيب بين قصة الدراما وقصة الواقع ..

    " ساعة ونصف " عمل سينمائي مأساوي  للمنتج " أحمد السبكي، ومن تأليف " أحمد عبدالله،" ،وإخراج "وائل احسان، شارك فيه أكثر من 25 ممثلاً وممثلة كلهم كانوا أبطال بمعنى الكلمة.

    قصة الفيلم مأخوذة عن الحادث المأساوي الذي هز مصر ، وتحديدا في فبراير 2002 ،، وهو حادث قطار «العياط»، الذي خرج عن مساره، واصطدم بقطار آخر بسبب الإهمال وانعدام الضمير ،وراح ضحيته مئات الضحايا والمصابين ،، في سيناريوا الفيلم جاء سبب الحادث بسبب قيام أحد اللصوص بسرقة أجزاء من القضبان ،، مما تسبب في وقوع الكارثة ، القطار يجمع بداخله كل اطياف المجتمع المصري وشرائحه ،، ونجح المؤلف في تسليط الضوء بشدة على الغلابة من خلال حدث واقعي، لا تختلف قصص أبطاله عن الضحايا الفعليين ،  وأعتقد أن الجميع شاهد هذا العمل السينمائي .

    ولكن مالا يدركه عقل او يصبح من الصعب تقديمه هو عمل درامي حزين من بدايته لنهايته ، أصاب مشاهديه بالغم والهم والحزن ، عمل قائم على منطق وواقع أليم ، لا يسعى إلى تحقيق أي رواج تجاري او ارباح من خلال ايرادات عالية فقط ، يعالج الكثير من مشاكل المجتمع ، أهمها "مشكلة الإهمال وانعدام الضمير والفقر "  وهو ما عزم مؤلف الفيلم  الذي قد يوهمك مع مشاهدته أنه قام بتجسيد الواقع بكل معانيه .،، وباختصار «ساعة ونصف» هو 90 دقيقة من النكد، والهم ، والمشاكل ، ووجع القلب ، ونهايات مأساوية .

    سأتحدث عن قصة واحدة من المأسي التي تطرق اليها الفيلم ،، وهي قصة الابن العاق الذي قام بطرد أمه لأسباب لن تقبل مهما كانت حجتها ،، وقد جسدت هذا  المشهد بجدارة فائقة الفنانة القديرة "كريمة مختار" التي كانت نجمة بمعنى الكلمة ،، أبكتنا جميعاً في المشهد الذي جمعها ببائع الكتب اياد نصار، عندما قرأ لها رسالة ابنها والتي يطالب فيها ايداع امه دار مسنين، فلم تصدق الام ان ابنها، الذي افنت عمرها من اجله، يكون بهذا الجحود، ولكنها وبقلب الام التمست له العذر بأنه اراد ايداعها دار المسنين ،،  بالفعل كانت رائعة، قديرة، اقنعتنا بصدق ادائها وعبرت بمنتهى الشفافية عن حنان الام المصرية.

    وبعيدا عن كل تلك المعاني التي تميز بها العمل الدرامي من إخراج وقصة وابطال فيلم قادرين على اخراج مثل هذا العمل

    الدرامي الرائع ، نذهب الى أرض الواقع ، وبالتحديد الى محافظة سوهاج ،، مدينة طهطا ، مستشفى طهطا المركزي  لنشاهد نفس سيناريو الفيلم ،، لكنه سيناريو حقيقي من سيناريوهات عقوق الوالدين في صدفة عجيبة تجمع بين الواقع والخيال .

    " سمرة إبراهيم " سيدة قطار سوهاج تروي حكايتها ، تحركت السيدة سمرة إبراهيم، من بيتها في نجع حمادي بقنا، متجهة إلى محطة القطار، لوقوع خلاف نشب مع أحد أبنائها، فغضبت لتصرف إبنها الغير لائق ،، لم تكن تدري أنها ستصبح حديث مواقع التواصل الاجتماعي بعد صراخها المؤلم خلال انتشالها من عربات القطار الذي اصطدم بآخر في محافظة سوهاج.

    وتقول السيدة الخمسينية : "كل شيء قدر ومكتوب، الحظ قادني إلى محطة القطار بعد مشاجرة مع ابني نتيجة لخلافات عائلية، ففي لحظة ضيق طلب مني ابني  الخروج من بيت الأسرة ورفض منحي أية أموال أو ممتلكاتي من أجهزة كهربائية وأثاث".فشعرت بالأسى من تصرف ابني، فأسودت الدنيا في وجهي ، وخرجت من المكان دون أن أعرف وجهتي، فكرت كثيرا قبل الذهاب إلى محطة قطار نجع حمادي، لكنني عزمت وقررت ترك المكان كله والذهاب إلى القاهرة"،، وعند وصولي إلى المحطة أدركت عدم امتلاكي لثمن التذكرة، جلست أتابع القطارات المارة ولا أعرف كيف أتصرف حتى ساق لي القدر  شخص (ابن حلال) قام بدفع الأجرة لي وساعدني في استقلال القطار".

    أبلغت من حولي في القطار من اولاد الحلال في برغبتي في النزول بمحطة رمسيس، والذهاب إلى مسجد السيدة زينب، قلت لنفسي سأعيش في رحابها، سواء داخل المكان أو على الرصيف، سأدعو الله أن يقف بجواري وأن يلطف بي بعد  تعرضي لجحود أقرب الناس إلي وهو ابني .

    وبعد مرور وقت قصير من تحرك القطار من المحطة انقلبت الدنيا رأسا على عقب فور وصولهم إلى قرية الصوامعة بمدينة طهطا، بمحافظة سوهاج، ووقعت الكارثة ، و اصطدم القطار مع قطار آخر، انقلبت العربة، الدماء في كل مكان والغبار يعمي الوجوه، علت الصرخات من بينها صوت "سمرة" تستنجد بالمارة لإنقاذهم.

    تقول " سمرة " شعرت بالرعب من هول الحادث، كنت عالقة في أحد المقاعد بالعربة التي أجلس فيها، آلام شديدة في جسدي منعتني من القدرة على الفرار إلى الخارج، صرخت بكل ما أملك من قوة حتى جاءتنا المساعدة" وتم نقلي ومعي الكثير من الضحايا عن طريق الإسعاف إلى مستشفى طهطا العام ،، وفي المستشفى عملوا لي فحوصات طبية عديدة، وحاول الجميع تهدئتي ومحاولة التعرف على قصتي ومن أين أتيت؟"

    وشهادة لله "الأطباء فعلوا كل شيء من أجل المصابين، وبعد توقيع الكشف الطبي والفحوصات  أبلغوني بأن صحتي جيدة لكنني في حاجة إلى الراحة والحصول على الدواء اللازم .

    انتهت قصة العقوق ما بين تجسيد الدراما وألم الواقع في مشهد واحد وسيناريو متشابه ... فمتى ينتهي عقوق الوالدين ؟..........................................................


    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: حسن بخيت يكتب عن : " سيدة القطار" مشهد لعقوق الوالدين : بين تجسيد الدراما وألم الواقع " Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top