( كل شعوب الارض
تبكى موتاها لفترة وجيزة إلا السومريين سكان الدلتا ، لا زالوا يبكون إلاههم دموزى
معتقدين انه يمكن استعادته بالبكاء )
لبابة السر : مغامرة
موفقة نحو سردٍ جديد صاغه المؤلف الحاذق شوقى كريم حسن بشعرية رصينة هدفها البحث الجاد
لتوث يق مشاهد حية ضاعت بين منحنيات ماضٍ سحيق لم نرى من سموقه وسطوته سوى النزر القليل
، وحاضرٍ مكفهر لم تجنى منه الاجيال المتعاقبة سوى الفزع والنكد
استفاد من تقنية
التغريب والإيهام فالتعبير حسب تعليل النقاد ( ثوب المعنى والاسلوب نسيجيه ) وقد شاع
هذا النمط فى ملحمة جلجامش ( بالاخص ) فى الفصل الخاص بالطوفان عندما قدم - اتو نبشتم
- البطل البابلى القرابين والبخور الى الاّلهة بعد خروجه سالما من - الفلك - فتنسمت
الاّلهة شذاها وفرحت بطيبها -
والساميون الذين
دفعتهم الصحراء القاسية الى ضفاف دجلة والفرات هم اكثر حباً من مجاوريهم السومريين
سكنة الاهوار وقد اعتقدوا ان الرافدين ينبعان من مصدر واحد ولهذا صوارهما ( بالكأس
الفوارة ) (*)
والسارد العليم
يقص بحكمةٍ بالغةٍ وببطأ - - خوفاً من تناسى بعض الاحداث وأن صغرت ! واضعاً امامه حضارات
العراق الاكدية والسومرية والبابلية ينتقى منها مايشاء معرجا بذكاء على مقاربات واقعية
تلامس تاريخ بلده المنظور منذ تأسيس الدولة الحديثة عام 1921 حتى سقوط الصنم فى
2003 ولكن من طرف خفى معتمدا على التورية والمغايرة اللفضية الخلاقة وهو يعلم تماماً
ان ماضينا لايشبه حاضرنا -
لبابة السر لم
تخضع لتجنيس بعينه فهى جامعة لكل الاجناس السردية ( عمل مفتوح ) رغم انحيازها للتاريخ
السومرى عززها بتقنيات الاضافة والنأى والحذف والتناسل والانشطار والتوالد اسباب جعلتها
عصية على ( التأطير ) ارادها ان تكون متمردة لاتقبل- الاحتباس - فى قالب معد سلفاً
-
انا على يقين ان
التجريب له الباع الواسع فى هذه الرواية صاغها فى مشغله القصصى وصرف فيها زمناً غير
يسير -
( لايمكن فصل حضارة
وادى الرافدين عن تاريخ الشرق الادنى " سوريا - لبنان - الاردن - فلسطين كما الجزيرة
العربية فهى وحدة جغرافية واحدة )
أخضع الرواية للتبديل
والازاحة والتحوير وكما هو معروف عنه فأنه يتمثل بأبتكار طرائق واساليب جديدة لأنماط
القص الفنى ( كما عرفته ) بالرغم من ان حيثيات الدال والمدلول والفونيم تندرج تحت يافطة
-- الميتا لغة -- كما سماها رولان بارت -
لو قرأت لبابة
السر فى تأنى لوجدتها وهى تتنبأ بالعنف والاستبداد وكل صنوف القمع المستشرى هذه الايام
بأساليب طغت عليها الصنعة غلفها بالغموض -
يحرك شخوصه وفق
منحى خيالى افتراضى كما كان الكهنة يحركون اتباعهم منذ زمن الملك ( لوكال ) يوم كانت
المسمارية علامات دالة على الكلمات (*)
( القصب ذهبى الرؤوس
سيقان مالك الحزين
الطويلة كأنها قصب متحرك
وجزر الماء المتناثرة
- جبايش -
ترحب بمن يستعمرها
)
يفتخر الجنوبى
المتأخر بأن اهل سوق الشيوخ وقلعة سكر والشطرة لهم التأثير البالغ فى سيطرتهم على نهر
دجلة حينما كانوا يقطعون امدادات الانكليز ويحطمون بواخرهم العسكرية المسلحة من بغداد
الى البصرة فقد رفضوا الاحتلال البريطانى جملة وتفصيلا -
( يرى بعض الباحثين
ان قصة الحوت وبقاء يونس فى جوفها ثلاثة ايام تذكرنا بأختفاء هرقل فى جوف - تيامت
- ثلاثة ايام ايضا قبل ان يشق طريقه الى الخارج وتلك القصتين مستعارتان من صورة ايقونية
كانت شائعة فى سوريا واّسيا الصغرى يظهر فيها مردوخ منتصرا على تيامت اّلهة المياه
المالحة وكذلك كان ملك بابل ممثل مردوخ يغيب عددا من الايام للقتال )
اعتمد فى بناءها
الروائى على الخيال الجامح مستعيناً بمبدأ -- الميتا سرد -- متخذا من الرقم الطينية
(شوقيا ) كأسمه
المعلن ليجعله بمنزلة الاّلهة او كأنه سارق النار بريثميوس او ( هو الذى رأى) افتتاحية
الملحمة الخالدة -
اعلنت المصادر
الموثوقة ان حضارة العراق الاساسية اول ظهورها فى اريدو قبل الميلاد بخمسة اّلاف سنة
وهى تمثل اول استيطان سامى ، بعدها ظهرت كيش بجوار بابل -
تحياتى لصديقى
شوقى كريم
(*) حضارة وادى
الرافدين بين السومريين والساميين د- احمد سوسه -
(*) مجلة بين النهرين
العدد 26 الصادرة فى 1979 -
0 comments:
إرسال تعليق