رواية الأم هي رواية قصصية للكاتب مكسيم غوركي يتناول من خلالها ظروف ثورة البلاشفة لتأسيس وتعزيز النظام الاشتراكي حيث اتحد العمال وقاموا بتجريد البورجوازيين من ممتلكاتهم . كتبها غوركي في عام 1906، ونُشرت لأول مرة باللغة الإنجليزية في مجلة أبليتون عام 1906،ثم بالروسية عام 1907. وهناك نسخة منها مترجمة إلى العربية صدرت عن دار التنوير للطبع والنشر عام 1983 ترجمة الأخوين فؤاد، وسهيل أيوب.
بطلة هذه الرواية هي حسب العنوان أم لا تتجاوز الأربعينيات تكافح وتناضل في سبيل ابنها في أول المطاف لكن بعد فهمها لطموحاته وأهدافه، بدت وكأنها تناضل من أجل الجميع وخاصة العمال الذين عانوا في تلك الفترة من ظلم الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج.
صحيح أن جوركي بدأ في كتابة رواية الأم عام 1906 ، وخلال أربع سنوات لاحقة قام بنسخ النص الأول وتعديله خمس مرات متتالية، بمعنى أن نص الرواية الكامل قد اكتمل على عدة مراحل متعاقبة، في كل مرة أدخل بعض التنقيحات الهامة على النسخة السابقة حتى انتهى إلى النسخة التي بين أيدينا الآن عام 1922، كما ذكر المؤلف، ومن يدقق النظر في أوجه الاختلاف والتطابق بين النص الأول والأخير يلاحظ اختلافًا نسبيًا بين النصوص وطريقة الإنشاء والأسلوب ــ حسبما ذُكِر في مقدمة النسخة المترجمة إلى الفرنسية، التي أدخل فيها التجربة السياسية لسنوات الثورة
والغاية الأساسية لجوركي من كتابة الرواية هي صقل النضال الثوري ومساندة الحركة العمالية، و بيان نضال ” الأم ” ضد الحكم الاستبدادي من أجل حُريتهم واستقلالهم، فغوركي من مؤسسي الواقعية الاشتراكية التي تسعى إلى تطبيق النظرية الاشتراكية وأفكار صاحبها ماركس.
والبناء السردي للرواية قائم على نمو روابط الطبقات التي تعكس أفكار الشخصيات فيما بينها من تناقضات، والرواية تحكي تاريخ أربع سنوات من النضال، كما تمتاز بأسلوب تيار الوعي السياسي الفائق في تدوين العمل الفني، وكما هو معروف عن كتابات غوركي التي تنبع دائمًا من فلسفة النظرية الرأسمالية، فقد بدأت فكرة الرواية من آخر جملة في بيان الشيوعية ” يا عمال العالم اتحدوا “.
وتبدأ الرواية بخروج عامل من عمال المصانع ” ميشال فلاسوف ” عندما ترسل الصافرة إنذار موعد العمل بعدها يهجم سيل من العمال المظلم وهديره الحانق، يخرجون بوجوههم الكئيبة إلى المعامل وهم خائرو القُوى، هذا الرجل هو فرد من هؤلاء العمال الذين يتم استقبالهم بالسباب والقذف وأصوات تروس الآلات وهي تتحرك، عاشت الأم في هذا الجو الذي لا يبعث على التفاؤل خمسين عامًا، وقد أصابها الأمرين من هرم ومرض وفقر وعري وجوع.
ويرجع ” صانع الأقفال ” إلى منزله بعد رحلة عمل شاقة، وقد أنهك عقله صوت آلات المعامل، فحياته كالماء العكر رتيبة بطيئة ويخرج كل مشاكل وأزمات الحياة فوق رأس زوجته. بول وأمه التي كان ينعتها أبيه دامًا بالجيفة، قد عانت هذه الزوجة كثيرًا مع زوجها صانع الأقفال القاتم الذي لا يتحدث بغير بذيء الكلام وفواحشه، فجميع الناس يبغضون زوجها ويخشونه لسوء أخلاقه، فكان كلما جلس على المائدة وانتهى من طعامه وتهاونت زوجته ” الأم ” في رفع المائدة يركل كل ما عليها على الأرض طريحًا، لقد كان هذا الزوج يقهرها ويضرب ضلوعها؛ ليثأر من شقائه وشقاء حياته التي خنقته دون أن يدري.
والأم المثالية المناضلة “بيلاجي” التي تعبت وذاقت الأمرين عناءً ومشقة لقت من زوجها الأمرين وكل أنواع المصائب والشرور، هذه الأم رفض زوجها إعالتها هي وابنها، كانت هذه الأم تسيل منها رقة حزنًا واستسلامًا، هذه الأم المثالية التي قبلت أن تعيش في منزل عبارة عن مطبخ وغرفة صغيرة لتنام بها وأخرى حجرة مربعة لابنها بول
عاشت في بيت لم يكن فيه أثاث سوى بضعة كراسي، هذه هي الأم المثالية التي تحملت وقاست حتى أخرجتْ ابنها لطور الحياة من تعليم ورعاية وثقافة بعد موت زوجها. وبعدما كبر ابنها بدأت في مرحلة التربية الفكرية والرعاية الثقافية فكانت قلقة جدًا على ابنها من النظام الحاكم، قد داخلها شعورٌ بالخوف والشفقة على ابنها؛ لقراءته في الكتب الممنوعة من قبل النظام الحاكم التي تكشف الحقيقة عن أوضاع العمال.
هذه هي الأم المثالية التي حفزت ابنها لما يعمل ودفعته إلى تحقيق آماله، رغم شقائها كانت فخورة بابنها الذي يدرك جيدًا أسباب البؤس في الحياة.
وقد تم الحكم في النهاية على بول وصديقه أندريه بالنفي خارج وطنه واستكملت الأم نضالهما الثوري؛ لأنها كانت تحمل بداخلها قيمة النصر النهائي. وجاءت خاتمة الرواية إيجابية تحمل التفاؤل وتظهر الواقعية في ذكريات غوركي الثورية
ومن أشهر الجمل التي قالها لنيين عن رواية الأم: ” لقد أحسنت إذ أسرعت، فإن كتابك لمفيد لأن كثيرًا من العمال - في الحركة الثورية دونما وعي حقيقي- أسهموا فيها غريزيًا، أما الآن فإنهم يقرأون الأم ويجنون منها الكثير، ثم أضاف أن هذا العمل تلح إليه الحاجة آنيًا ... أجل أنه كتاب آتي "... ومن هنا كان خلوده ، ترفع الأم راية الكفاح التي مات ابنها لأجلها , الأم المثالية التي شاركت في الثورة من أجل ابنها.
ومكسيم غوركي لم ينتظر انتصار الثورة لكي يكتب عنها، لكنه كتب عن الثورة قبل نجاحها، وكان في رواية "الأم" المنظر والداعي للثورة، وليست ثورة وطنية التي دعا إليها وإنما ثورة اشتراكية، مما جعله معرضا لملاحقة رجال النظام القيصري، منذ أن كتب الرواية إلى أن انتصر البلاشفة في ثورتهم عام 1917، وهذا الانسجام بين القول والفعل عند غوركي كان بمثابة دعوة لأهمية وجود كتاب ينسجمون مع أطروحاتهم، التي تمثلهم وطموح الجماهير.
فالرواية تتناول واقع المجتمع الروسي في فترة الحكم القيصري، وكيف أن الناس كانوا يعانون من التخلف ويتعرضون لعديد من أشكال الظلم على يد بعضهم البعض، وأيضا على يد رجال النظام، بطلا الرواية هما الطفل "بافل" وأمه "بيلاجيا نيلوفنا" اللذان تدور حولهما الأحداث، وهما يمثلان التحول الفكري الذي واكب الواقع الروسي في ظل الظروف القاسية التي مروا بها.
ومن إحدى ميزات الرواية أنها تقدم لنا تاريخاً عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي عاشها الروس إبان الحكم القيصري، فحياة العمال القاسية كانت ضمن هذا الواقع
يقدم لنا غوركي مفهوما جديداً للعطاء، يعتمد على الذات التي تؤمن بقضية ما فتكون مبدعة ومتألقة في العطاء
الحب أيضا طرحه غوركي ضمن مفهوم جديد مغاير عما تعارف عليه الناس، فالأم منبع الحب تتحدث عنه بطريقة جديدة: "...هؤلاء الناس الذين يتعذبون هكذا من أجل الشعب كله، يذهبون إلى السجن وإلى سيبيريا... ويموتون ... وفتيات يمشين، وحدهن، في الليل مسافات شاسعة، يغصن في الوحل، ولا يأبهن بالأمطار والثلوج ، ... من يرغمهن على ذلك؟ ولماذا يفعلونه؟ لأن في قلوبهم حبا كبيرا طاهرا! ولأنهم يملكون الإيمان، الإيمان العميق الراسخ" ، كل شيء عند الثوري يتحول ويعمل لخدمة القضية الثورية، فيكون العطاء كاملا ومتماهيا، حتى مفهوم الحب يتم تحويله إلى ما يخدم قضية الثورة، فلا مجال إلا للعمل لها لكي يزول الظلم والظلام معا
وأيضا السعادة يختلف مفهومها عند العمل للثورة فقليل من السعادة لا يؤذي أحدا، ولكن أحداً لا يقنع بالقليل من السعادة، فإذا كثرت جدا ... أصبحت رخيصة "
ثم يضع الكاتب من خلال روايته مفهوما للتعليم فيري أن :التعليم أشبه بالمطر، كل قطرة تسقي البذور" ، كناية عن أهمية التعليم وشموله للخير في كل ما يتعلق بالحياة.
ومن أشهر المقولات التي أعجبتني في هذه الرواية :
- "إن الناس مجبورون على أن يكونوا قساة"
- "ازرعوني ببذور الحقيقة والعقل، وسأرد لكم أتعابكم مائة ضعف"
- " مشاركة الآخرين بالعمل، يمنح الطمأنينة"
والخلاصة : اعتبر غوركي أحد الرواد والمؤسسين للأدب الاشتراكي الذي يتناول طبقة البروليتاريا واعتبرت الرواية أول عمل أدبي من صنف الواقعية الاشتراكية
كما تم تناول الرواية على نطاق واسع كنموذج أدبي للنظرية النسوية الاشتراكية. تقول الكاتبة الأمريكية فرانسين دو بليكس جراي عن الرواية أنها "النموذج الأدبي لتصوير الأدب الاشتراكي الواقعي للمرأة"
*كاتب المقال
كاتب صحفى مصرى
دكتور فى الأدب العربى
0 comments:
إرسال تعليق