• اخر الاخبار

    الأربعاء، 24 مارس 2021

    منازلة ..قصة قصيرة ..الأديب العراقى الكبير عيسى عبد الملك

     


      

    أكثر من آمن بقوانين مندل للوراثة  ، هو انا فقد طبقت علي . فمن أمي ورثت لون البشرة الحنطي ومن ابي ورثت كثافة الشعر وتلافيفه  . حلقات دائرية تطول بالسحب مثل نابض حلزوني كان يصعب على جدتي تسريحها مالم تستعن باستعمال مشط أمي الخشبي. في شبابي تخلصت من هذه العقدة إذ ركبت موجة الخنافس .تركت لشعري حريته دون قص .في شبابي ايضا كانت لي عادات غريبة   عرفت قيمتها الآن، منها اني كنت اعشق ركوب باص المصلحة الأحمر  الأنيق ذا الطابقين والرخيص الأجرة .اقفز من باص لآخر .هذا الباص عرفني على كل أحياء بغداد. في سفري لازمتني عادتي ترك تسريح الشعر وركوب الباص لأطوف  احياء كل مدينة غريبة لأن الباص رخيص وآمن ناهيك عن انه يجمع كل طبقات الناس عدا الطبقات العليا التي اكره تعاليها .ذلك اليوم تخلفت عن موعدي. تعمدت اثارة غضب فيوليت الرومانية  الرقيقة التي كانت لا تعرف المشي مطلقا بل تقفز امامي  مثل فراشة ملونة في شوارع ومنتزهات بخارست .كنت اجد متعة في اثارة غضب  فيوليت  بين حين وآخر . انظر الى احمرار خديها وا رتعاشة شفتيها حينما تغضب !

     لم اكن ساديا لكني اجد لذة حينما تغضب وتروح تضرب صدري بيديها ثم تضمني معتذرة ..كان الباص مكتضا  تعلقت بحلقة مدلاة من عارضة طويلة .اثار صعودي استغراب ركاب الباص .اقتربت بضع فتيات مني. راحت احداهن تحدق في تلافيف شعري .امسكت واحدة.  راحت الشعرة  تطول والفتاة تسحب. اطلقت صيحة واو ما هذا!

    سرعان ما قلدتها باقي الفتيات. لم أقاوم .استسلمت كليا للأيدي الحريرية تعبث . حلقات الشعر الدائرية   هي الأخرى لم تقاوم. تطول عند السحب بشكل يثير العجب  وتنكمش عند ما تتركها  ايدي الفتيات الضاحكات . غمزت لي عجوز  كانت  تحضن سلة واشارت ان خذ مكاني. شكرتها بانحناءة .شيئا فشيئا بدا الركاب يغادرون. في الواحدة كنت وحدي في الباص.بعد دقائق وقف الباص . اطفأ السائق المحرك . هذه أخر محطة ،( فنش ) لقد انتهت نوبتي .كنا خارح المدينة تماما  وكنت جائعا. مالعمل؟  اريد الرجوع قلت .قال عليك ان تنتظر ساعة ولكن على الجهة الأخرى .سيأتي الباص الذاهب الى مركز المدينة .كان المكان شبه ناء .ولكني جائع قلت للسائق الذي تهيأ لدخول كراج قريب .اشار الى بناية قرب معمل ضخم  تحيطها اشجار .سرت نحوها .فرحت حينما قرات كلمة ريستورانت ( مطعم) دخلت. ملأت منخري العريضين  رائحة الطعام . بعد ربع ساعة امتلأ المطعم بالرواد .كانوا جميعا ببدلات عمل زرق  وخوذات  . ما ان رأوني حتى سرت على الفور  همهمة وراحوا باحتقار وعداء ينظرون الي .ثم ما ان عرفوا اني عربي حتى حاصروني يريدون الانقضاض علي .راح بعضهم يذكر اسم عبد  الناصر ..دون فائدة رجاهم صاحب المطعم ان يبتعدوا عني لكنهم كالمجانين تحلقوا حولي .و بغريزة حب الحياة تحركت نحو اضيق زاوية في المطعم بين المقصف والحائط . تناولت بعض قناني بيرة فارغة . كسرت احداها .اقترب احدهم مني وهو يصيح قاتلني يا جبان .على حافة المقصف كسرت  قنينة اخرى  .شهرت الاثنين  بوجهه وقلت تقدم ان اردت ان تموت .!

    من بعيد صاح احدهم كل العرب جبناء .اكثر من مئة مليون لم يقفوا بوجه ستة ملايين يهودي .عندها عرفت اني في مطعم يهودي حينما نظرت الى نجمة داوود في مكان بارز منه .لم تهزمونا ايها الجبان .لم نهزم من الخارج بل لأننا متفرقون هزمنا من الداخل، هزمنا طابوركم الخامس وضعفاء النفوس من قومنا !

      تلك هي الحكاية. رحت اصيح باعلى صوت املكه .

    كم كان ذكيا و مسالما صاحب المطعم حين استنجد بالشرطة وحال دون وقوع كارثة ذلك اليوم ...

     

     

     

     

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: منازلة ..قصة قصيرة ..الأديب العراقى الكبير عيسى عبد الملك Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top