ولقد أثار الضبط الذي يترتب على أعمال التفتيش والذي يقع على مكونات وشبكات الحاسب الآلي مشكلات كثيرة، ذلك أن هذا الضبط وإن كان يتصور وقوعه بالنسبة لمكونات الحاسب المادية، وبالنسبة لشبكات الحاسب حيث يمكن رصد الاتصالات التي تتم خلالها وتسجيل محتوياتها إلا ان اتخاذه سيكون في منتهى الصعوبة بالنسبة لمكونات الحاسب المعنوية
ولقد أختلف الرأي بشأن ضبط الأشياء المعنوية من مكونات الحاسب الآلي، فذهب رأي إلى جواز ضبط البيانات الإلكترونية بمختلف أشكالها، ويستند هذا الرأي في ذلك إلى أن القوانين الإجرائية عندما تنص على إصدار الإذن بضبط "أي شيء"
فإن ذلك يجب تفسيره بحيث يشمل بيانات الحاسب المحسوسة وغير المحسوسة بينما ذهب رأي آخر إلى عدم انطباق المفهوم المادي على بيانات الحاسب غير المرئية أو غير الملموسة، ولذلك فإنه يقترح مواجهة هذا القصور التشريعي بالنص صراحة على أن تفتيش الحاسب الآلي لا بد أن يشمل "المواد المعالجة عن طريق الحاسب الآلي أو بيانات الحاسب الآلي".
بحيث تصبح الغاية الجديدة من التفتيش بعد التطور التقني الذي حدث بسبب ثورة الاتصالات عن بعد تتركز في البحث عن الأدلة المادية أو أي مادة معالجة بواسطة الحاسب. وفي مقابل هذين الرأيين يوجد رأي آخر نأى بنفسه عن البحث عما إذا كانت كلمة شيء تشمل البيانات المعنوية لمكونات الحاسب الآلي أم لا، فذهب إلى أن النظرة في ذلك يجب أن تستند إلى الواقع العملي والذي يتطلب أن يقع الضبط على بيانات الحاسب الآلي إذا اتخذت شكلا ماديا. ولذلك نجد أن القسم 94 من قانون الإجراءات الجنائية الألمانية ينص على أن الأدلة المضبوطة يجب أن تكون ملموسة، وهي على هذا النحو تشمل ليس فقط نظم الحاسب بل أيضا الدعامات التي تحمل عليها البيانات.
ويترتب على ذلك أن البيانات منفردة عن الدعامات لا تعد أشياء لكي يمكن ضبطها، ولكن إذا تم طبع هذه البيانات فإن مطبوعاتها تعد من الأشياء الملموسة وبالتالي يمكن ضبطها.
ويسير قانون العقوبات في رومانيا على ذات النهج، فطبقا لهذا القانون فإن ضبط الأشياء بالنسبة للحاسب الآلي يشمل الجوانب المادية، والتي منها البيانات المحملة على الدعامات كالأشرطة المغناطيسية أو الأقراص، وأما البيانات ككيان معنوي فإنها لا تصلح للضبط.
فإذا كانت البيانات ككيان معنوي يصعب ضبطها، إلا أنها إذا حملت على دعامات أو تم تفريغها في شكل مستندات أو سجلات فإنه يمكن ضبطها لأنها بذلك تكون قد تحولت إلى كيان مادي ملموس. ويذهب رأي فقهي إلى أنه في تحديد مدلول الشيء بالنسبة لمكونات الحاسب الآلي يجب عدم الخلط بين الحق الذهني للشخص على البرامج والكيانات المنطقية وبين طبيعة هذه البرامج والكائنات، وإنما يتعين الرجوع في ذلك إلى تحديد مدلول كلمة المادة في العلوم الطبيعية، فإذا كانت المادة تعرف بأنها كل ما يشغل حيزا ماديا في فراغ معين وأن الحيز يمكن قياسه والتحكم فيه، وكانت الكيانات المنطقية أو البرامج تشغل حيزا ماديا في ذاكرة الحاسب الآلي ويمكن قياسها بمقياس معين، وانها أيضا تأخذ شكل نبضات إلكترونية تمثل الرقمين صفر أو واحد، فإنها تعد طبقا لذلك ذات كيان مادي وتتشابه مع التيار الكهربائي الذي اعتبره الفقه والقضاء في فرنسا ومصر من قبيل الأشياء المادية. ولقد ذهبت محكمة باريس الابتدائية إلى ذلك عندما قضت بأنه لا يوجد اختلاف في الطبيعة بين مستخرجات البرامج وبين البرامج المستغلة.
Il n, y Pas de difference de nature entre les programmes produits et les programmes d, exploitatoin".
والرأي لدينا أن المشكلة التي تثيرها الجرائم التي تقع على الكيان المعنوي للحاسب الآلي تتعلق بإثبات الجرائم التي تقع عليها، فالضبط الذي قد يقع بسبب التفتيش لا يتصور وقوعه إلا إذا تبين أن هناك جريمة قد ارتكبت، ولذلك فإن الجرائم التي ترتكب على الكيانات المادية يسهل اكتشاف امرها وضبطها، وأما الجرائم التي تقع على الكيانات المعنوية فإنه يصعب اكتشافها إذا ظلت على صورتها المعنوية في شكل نبضات أو ذبذبات،
وأما إذا تحولت هذه الكيانات إلى مستخرجات أو مستندات أو سجلات فإنه يسهل الوصول إلى الجرائم التي ترتكب عليها. وليس أدل على ذلك من أن سرقة التيار الكهربائي قد اعتبرها القضاء والفقه من قبيل الأشياء عندما وسع في مفهوم السرقة بحيث يمكن ان تقع على الشيء أو منفعة الشيء، وهي على هذا النحو لا يمكن أن تتمخض عنها جريمة سرقة إلا بوقوع الفعل المادي للسرقة المتمثل في اختلاس التيار الكهربائي بتمريره خارج العداد الذي يحصى كمية التيار الكهربائي المستهلكة، فلولا هذا السلوك المادي لما أمكن اكتشاف هذه الجريمة والعقاب عليها تحت وصف السرقة.
وبتطبيق ذلك على الجرائم التي تقع على الجوانب المعنوية للحاسبات الآلية فإنه لا يمكن العقاب عليها إلا بوقوع السلوك المادي الذي به تقوم الجريمة. فإذا وقعت جريمة سرقة أو تبديد أو تزوير أو غش على هذه الكيانات المعنوية
فإنه يصعب العقاب عليها إلا إذا ثبت التلاعب في هذه الكيانات المعنوية بشيء مادي ملموس يمكن الاستناد إليه للقول بتحقق السلوك المادي الذي لا عقاب على أي جريمة إلا بتوافره، حتى ولو ثبت هذا التلاعب بعرض البيانات على شاشة الحاسب الآلي وتم اكتشاف السلوك غير المشروع من خلال هذا العرض.
فالبرنامج ككيان معنوي إذا تمثل في مصنف مبتكر، فإنه يخضع للحماية الجنائية المقررة لحق المؤلف، أما استعمال هذا البرنامج بواسطة الحاسبات الآلية المقررة لحق المؤلف، أمام استعمال هذا البرنامج بواسطة الحاسبات الآلية كأداة للتلاعب في المجالات التي يستغل فيها البرنامج وذلك بارتكاب جرائم سرقة أو نصب أو تبديد أو غش أو تزوير فإن هذه الجرائم لا تكون واقعة على حق المؤلف الذي يحمي البرنامج ككيان ذهني مملوك لصاحبه، وإنما تكون واقعة على مجني عليهم آخرين هم الذين وقعت عليهم الأفعال التي يتحقق بها السلوك المادي لهذه الجرائم. وكمثال لذلك فإن من يصمم برنامجا لبطاقة ائتمان ويقدمه لأحد البنوك لاستغلاله، فإذا وقع اعتداء على هذه البطاقة نفسها بتكرار تصميمها تحت مسمى آخر فإن ذلك يشكل اعتداء على حق المؤلف، وأما إذا استغل أحد الأشخاص هذه البطاقة في صرف كمية من النقود تزيد عن المثبت في رقم حسابه، فإنه يكون مرتكبا لجريمة تكون واقعة على البنك. وليس أدل على ذلك من أن المشرع الفرنسي وبعيدا عن قانون حماية الملكية الفكرية قد عاقب على الأفعال غير المشروعة التي تقع على المعلومات المعالجة آليا وذلك في قانون العقوبات الجديد المعمول به منذ سنة 1994، فقد نصت المادة 323 من هذا القانون في فقراتها من الأولى وحتى الثالثة على تجريم الدخول أو الإبقاء غير المشروع في نظام المعالجة الآلية للمعطيات، وتشدد العقوبة على هذا الفعل إذا نتج عن الدخول أو البقاء محل أو تعديل المعطيات الموجودة داخل النظام أو إفساد وظيفته، وكذلك تجريم إفساد النظام لأدائه لوظيفته، وأيضا تجريم الإدخال غير المشروع لمعطيات في نظام المعالجة الآلية للمعطيات أو المحو أو التعديل غير المشروع للمعطيات التي يحتويها .
ومن أمثلة الجرائم التي تقع على البرامج ويكون فيها اعتداء على حقوق المؤلف أفعال: النسخ غير المشروع، تغيير أصول البرامج وإزالة الأسماء عنها واستخدام أسلوب الهندسة المعكوسة.
6. تأثير قصور قانون العقوبات الموضوعي في مواجهة الجرائم الإلكترونية على قانون الإجراءات الجنائية:
إذا كان التقنين العقابي للظاهرة الإجرامية في شكل جرائم محددة يقوم على مبدا الشرعية والرغبة في تجنب التحكم وتوفير الحماية الفاعلة للفرد ضد المجتمع وحماية المجتمع من أنماط السلوك غير المشروع التي يرتكبها الفرد، فإن المشرع كان يجب عليه موجهة الظاهرة الإجرامية التي نجمت عن ثورة الاتصالات بتقنين الجرائم التي افرزتها هذه الظاهرة وأيضا كان يجب عليه أن يطور النصوص الإجرائية بحيث تتسع للبحث عن هذه الجرائم وضبطها بما يتفق مع طبيعتها. ولكن من الملاحظ أن المشرع في الكثير من الدول ومنها دول عربية تقاعس عن مواجهة الجرائم المستحدثة التي افرزتها المجالات الجديدة التي اتت بها ثورة المعلومات، وذلك على الرغم من أن الكثير من هذه المجالات
لا يمكن أن توفر النصوص العقابية التقليدية الحماية الكافية لها. ولقد ترتب على ذلك فراغ تشريعي لأن الواقع الحالي بعد ثورة المعلومات أصبح لا يستظل بالحماية القانونية الكافية التي تقيه شر الجرائم المتطورة التي قد لا تتقيد بنطاق المكان، وقد لا يكون محلها الأشياء المادية التقليدية التي تعارف الناس عليها، وقد ترتكب بوسائل مستحدثة ولا تترك وراءها آثارا مادية ملموسة.
وعلى الرغم من أن هذا القصور التشريعي قد أصبح واقعا ملموسا إذ قد كشف عنه كل من الفقه والقضاء، فإن هذا لا يحول دون الاجتهاد في تفسير النصوص العقابية التقليدية التي تعاقب على صور الاعتداء المختلفة على المال بحيث يمكن تطبيقها على الجرائم المستحدثة التي أوجدتها ثورة الاتصالات عن بعد. فلا مرية أن التطور قد يوسع من دائرة المحال التي تحميها نصوص التجريم والعقاب بحيث يمكن أن ندخل في إطارها عناصر أخرى طالما أمكن اعتبارها من جنسها وأن المشرع يحميها بذات هذه النصوص.
0 comments:
إرسال تعليق