جرائم قتل النساء على خلفية ما يسمى شرف العائلة في إطارها الاجتماعي الثقافي والقانوني الديني، فمفهوم الشرف في المجتمعات العربية قد انحصر في اتجاه واحد فقط حيث ارتبط بصورة أساسية بجسد المرأة وعذريتها، ويعتبر هذا المفهوم جزءا من المفاهيم والقيم الاجتماعية الموروثة من جيل إلى آخر، فمجتمعاتنا العربية ومن خلال بناؤها الاجتماعي والطبقي والاتجاهات الفكرية السائدة فيها تجسد نظرة تقليدية للمرأة تجعلها في اغلب الأحيان دون الرجل وأقل حقوقا وحرية منه.
وقد تبين أن تلك الموروثات الثقافية قد لعبت وتلعب دورا في التأثير على المشرع في سياسته التشريعية التي ينطلق فيها من فكرة الحاجة الاجتماعية للأفراد داخل المجتمع باعتبار أن القانون عبارة عن قواعد تنظم العلاقات بين الأفراد والجماعات، وقد تمثلت هذه السياسة في قوانين العقوبات العربية بتحقيق الحماية الجنائية للأفراد، إلا أنه وفيما يتعلق بالقتل اثر ثورة الغضب التي تتولد لدى الرجل إذا ما تفاجأ بزوجته أو إحدى محارمه متلبسة بالزنا أو في فراش غير مشروع،
فان المشرع قد أجاز للرجل قتل المرأة ومنحه رخصة قانونية بذلك مؤيدة بالعقوبة المترتبة على فعل القتل ألا وهي العذر المحل من العقاب أي إباحة الفعل والعذر المخفف الذي يشجع الذكور على ارتكاب الجريمة علما منهم أن العقوبة لن تزيد على بضعة أشهر، كذلك لم يساو المشرع بين الرجل والمرأة في هذا الإطار فلا تستفيد المرأة من العذر المحل إذا ما تفاجات بزوجها مع أخرى، لذلك نجد أن نصوص القوانين الجنائية لا تحمي المرأة جنائيا ومجحفة بحق المرأة وتجسد التمييز ضد المرأة لصالح الرجل.
تعتبر قضايا الشرف والعرض من القضايا ذات الشأن الخاص والحساس في المجتمعات العربية بصورة عامة والمجتمع الفلسطيني بصورة خاصة، حيث تتعلق تلك القضايا بقيم وممتلكات معنوية قيمة بالنسبة للإنسان وبالتالي يعتبر كل ما يمس تلك القيم من المحظورات التي تكون في كثير من الأحيان مبرراً ودافعاً للقتل وإزهاق روح الإنسان(المرأة).
يعتبر الشرف منذ قرون من أهم ما يمكن أن يملكه الإنسان كقيمة معنوية، فمصطلح الشرف يحمل دلالات متعددة فهو يعني الكرامة، الشهامة، الرجولة، الصدق، الحفاظ على الأرض والعرض، الأمانة والنزاهة، إلا أن الواقع الاجتماعي والثقافي للمجتمعات العربية قد رسخ مجموعة من الموروثات والقيم التي تحمل في طياتها معاني تنحصر جميعها في اتجاه واحد لتحديد مفهوم الشرف حيث ربط مفهوم شرف المرأة في قيمة واحدة ألا وهي عذريتها، فالمواريث الثقافية التقليدية المتعلقة بفكرة الشرف ومفهومه تربط الشرف بالجنس و حرية المرأة وسيطرتها على جسدها، حيث ينظر إلى جسد المرأة باعتباره رمز الخطيئة.
وعند العودة إلى السياق الاجتماعي والتاريخي لمفهوم الشرف نجد أنه ترسخ في مجتمعاتنا منذ القدم، فقد كانت هنالك نظرة جاهلية لا تزال تعشش في عقول وأذهان الكثير والمتمثلة في وأد البنات خوفا من تلويث شرف القبيلة، فهذه النظرة وغيرها من رواسب العصر الجاهلي والعصور الأخرى اللاحقة له لا زالت قائمة حتى اليوم.
لذلك نجد أن كثيرا من المفاهيم الاجتماعية التي تحمل عدة معاني عند تفسيرها وتحليلها، تفسر حسب اتجاهات المجتمع وما هو مطروح وما هو متوارث عبر العصور من جيل إلى جيل، ففي العادة يستخدم الناس الخطاب الذي يخدمهم أنيا واجتماعيا ويريحهم نفسيا في المستوين الفردي والجماعي، كل بحسب احتياجه وبما يتناسب مع مستواه الطبقي والثقافي، فكثيرا ما يستخدم مصطلح الشرف لتبرير جريمة قتل ارتكبت بحق امرأة أو فتاة غالبا ما لا يكون فيها الشرف هو الدافع الحقيقي للقتل، فقد يكون مشكلة عائلية على الميراث أو أي سبب آخر لا علاقة له بالشرف.
كما أن ارتباط مفهوم الشرف بالعذرية يفتح المجال واسعا لقتل النساء، فكثيرا من الأحيان قد تفقد الفتاة عذريتها ولا يكون السبب الفعل الجنسي الطبيعي أو ما نسميه بالزنا، فقد يتم اغتصابها أو تكون قد قامت ببعض الممارسات التي قد تفقدها عذريتها دون قصد منها كممارسة الرياضة، فالمفهوم السائد في مجتمعاتنا يربط شرف وأخلاق الفتاة وتربيتها بغشاء رقيق يعبر عن عذريتها، ومن هنا أصبحت العديد من التصرفات البسيطة جدا تدخل ضمن تعريف الشرف الذي يخول الرجل قتل المرأة بسببه بحجة انه يمس شرفها أي "عذريتها".
وبالتالي عندما نقول امرأة شريفة فنحن لا نعني أنها لا تكذب ولا تغش ولا تسرق وربما يستطيع أي شاب أن يتزوج من كاذبة وسارقة بلا تردد، لكنه يتردد كثيرا إذا ما كانت تعرف رجلا قبله حتى لو كانت لديها كل الفضائل الأخرى، فقط لأننا اعتدنا على بعض الأفكار والممارسات التي تحولت إلى تقاليد تفوق في رسوخها القيم الدينية ذاتها، رغم عدم توافقها مع مفاهيم العدالة والأخلاق لكننا نصر على عدم الخروج عن المألوف والمتعارف بل ومجاراة المجتمع على حساب الحق والحقيقة.
وهذا يأتي من القوانين والاتجاهات الاجتماعية التي تتحكم في المرأة وحياتها، والتي منها العادات والتقاليد ونصوص الأمثال الشعبية التي تستمد قوة قانونية وتشريعية من ثقافة المجتمع المتوارثة وتعتبر بمثابة قوانين غير مكتوبة تعطي العديد من المظاهر الاجتماعية التي تهمش دور المرأة وتعزلها، وهذا يتناقض مع مفهوم القانون الذي يقوم على حرية التصرف ضمن معايير المجتمع، ومن هذه القوانين ما يقوم على المنع كإقصاء المرأة ومنعها من المشاركة في الحياة السياسية والتنمية، ومنها ما يقوم على التبعية من خلال علاقات الأسرة والزواج، ومنها ما يقوم على فكرة عدم الثقة بالمرأة، ومنها ما يقوم على تجسيد ذكورية المجتمع.
ولأنه عادة ما يتم إِقحام الشريعة الإسلامية في هذا النوع من النقاش الخاص بجرائم قتل النساء على خلفية "شرف العائلة" فإننا نجد من المفيد أيضاً أن نُبين موقف الشريعة الإسلامية من هذه المسألة، وللمزيد من إثراء النقاش فلا بد أن نتطرق أيضاً إلى موقف الديانة المسيحية منها، واستكمالاً للفائدة فلا بد من أن نتتبع الأصل التاريخي للنص القانوني الذي يمنح الأعذار القانونية في قتل النساء على خلفية الشرف. من المهم التوضيح بأن الحديث يدور عن شرف العائلة كوحدة ذكورية، ومن هنا فالمقصود هو عمليا شرف الرجال في داخل العائلة. وجود الشرف يعني وجود سلطة (ذكورية)، والمس بالشرف يعني المس بهذه السلطة، الموجودة بسبب استعمال سياسة الشرف، أي بواسطة استعمال قوانين تنطبق أساسا على النساء وتحدد سلوكياتهن، فعالياتهن، ارادتهن، وحتى أفكارهن مرتكبي جرائم الشرف وفق حسن اخوة الضحية، أبناء أعمامها وأخوالها، وأبنائها البالغين هذا الدور الذي تلعبه الدولة في ترسيخ المبنى الاجتماعي القائم إن دل فإنما يدل على الدور الكبير الذي تستطيع أن تلعبه الدولة بمؤسساتها المختلفة لمحاربة هذه الجرائم، من خلال فرض الأحكام والعقوبات الصارمة.
وكذا من خلال تعزيز المكانة الفعلية للمرأة من خلال إشراكها في الحياة السياسية ومناصب صنع القرار. إضافة إلى حماية النساء اللاتي يتعرضن للعنف. كما أن التغيير المنهجي في برنامج التعليم من خلال تغيير الصور النمطية للنساء وزيادة الوعي من خلال منهاج تعليمي يرسخ مبدأ إنسانية كل من الجنسين،
0 comments:
إرسال تعليق