أثبتت
التجارب أن الواقع غير ذلك. فعلى الرغم من الأدوار المتقدمة والايجابية التي تقوم
بها بعض منظمات المجتمع المدني في ميادين كثيرة، تتمسك منظمات أخرى بالتقاليد
المحافظة التي تبطئ المسار الإصلاحي. نشير الى بعض المبادرات التي تقوم بها منظمات
المجتمع المدني بهدف دعم قضايا المرأة وتطورها، للمثال وليس للحصر:
الدفاع
عن حقوق المرأة بمجالاتها المختلفة، من حقها بمنح جنسيتها لزوجها في حال كان
أجنبيا ولأولادها، الى مكافحة كافة أشكال التمييز ضدها، ومحاربة العنف باشكاله
المختلفة ودفاعاً عن حقها بالمشاركة السياسية والاقتصادية وعن حقوق النساء ذوات
الإعاقة، وغيرها من القضايا الحساسة كالزواج المدني والمساواة في الميراث، فضلا عن
الدور الذي تضطلع به هذه المنظمات من خلال المشاركة في الحملات التي تتناول مواضيع
حساسة مثل مكافحة الفساد والإصلاح الانتخابي واللامركزية الإدارية وغيرها من
الملفات الشائكة في مجال البيئة والتنمية المستدامة كملف النفايات الصلبة
والكسارات والنقل وغيرها من أمور...
ولكن
الكثير من المنظمات التي تنتمي الى المجتمع المدني تلعب أحيانا دوراً في لجم
التقدم نظراً الى رؤيتها التقليدية وانتماءاتها السياسية والدينية والاجتماعية
والثقافية التي تتعارض أحيانا مع التقدم والحداثة، خاصة تلك التي تساهم في تعزيز
استقلالية المرأة وتحررها. وقد برزت أيضا رغبة جامحة لدى الكثيرين في تأسيس جمعيات
يديرها أفراد أو شخصيات ناشطة في الشأن العام لكن خلفياتها ذاتية أو في بعض
الأحيان لتحقيق أرباح مالية أو لخدمة أهداف شخصية ومن ثم الادعاء بانها تنتمي الى
المجتمع المدني. إن هذا الامر لا يساعد على تجاوز الصورة النمطية التي تسعى القوى
التقليدية والسلطة الى إلصاقها بالمجتمع المدني بعدما بات يهدد مصالحهم ويعمل على
فضحهم وفضح مآربهم وأدوات عملهم. وهم يسعون الى الترويج لهذا التصور بشتى الأساليب
لا فقادها المصداقية وبالتالي أضعاف دورها وتأثيرها.
وتاليا،
فان تعريف المجتمع المدني الأقرب الى المنطق هو الذي يعتبر بانه "فضاء
عام" يقع بين السوق والسلطة (وأحيانا يدخل المجتمع التقليدي كاحد المحددات
ومنهم من يعتبر ان المجتمع المدني هو الفضاء بين الدولة والحيز الخاص) وهي
المحددات الأساسية التي تؤدي بممارساتها الى انتهاك حقوق الانسان بابعادها
المختلفة. وهذا الفضاء يتسع للافكار والافراد والجماعات المتنوعة والمختلفة والتي
يحدها كل من السوق والسلطة والمجتمع التقليدي. والطامة هي عندما تتوحد آليات السوق
مع السلطة السياسية
كما
هو الحال حالياً في لبنان فتصبح إمكانية التأثير بالسياسات العامة محدودة جداً،
كما وأن إمكانيات تطويع "بعض المجتمع المدني" لخدمة السلطة وتحقيق
هيمنتها تصبح أسهل. وهذا ما أشار اليه المفكر الإيطالي انطونيو غرامشي بداية القرن
الماضي عندما اعتبر ان المجتمع هو أداة تستخدمها السلطة لتفرض سيطرتها على المجتمع.
لذلك،
لا بد من تصويب المفاهيم لتصبح أكثر وضوحاً ولتحديد المقصود منها بدقة أكثر.
فـ"الخيار المدني" مثلاً هو ذاك الخيار الذي يعتنق مبادئ حقوق الأنسان
من دون أي تحفظ عليها ويدافع عنها بمفهومها الشامل والمتكامل غير المنقوص.
هذا
الخيار الذي يعمل على تعزيز الشفافية والمساءلة والمحاسبة ويتصدى للفساد ويتبنى
مفهوم سيادة الدولة والمؤسسات وفصل السلطات هو الذي يعبّر عن المجتمع المدني كما
نراه في حين أن الأطر التقليدية التي تراعي بعض القيود وتلتزم بالمحددات الثقافية
على حساب حقوق الانسان هي أقرب الى المجتمع التقليدي الذي يعزز الانتماءات
الأولية.
أي
امام هاتين الفئتين من المنظمات التي تنتمي الى المجتمع المدني يصبح هذا لفضاء
حلبة لصراع الأفكار وتنافسها من أجل بلورة المواقف من القضايا والتحديات والعمل
على تطويرها. وانا انظر بإيجابية الى هذا التنوع والاختلاف بالمواقع لاته يشكل
صمام امان لتصويب المواقف والمعايير، شرط ان تتوفر البيئة الملائمة لذلك.
تبقى
الإشارة ضرورية الى أن المجتمع المدني يتكون من مجموعة متنوعة من المكونات التي
تتضمن التيارات والأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية بما فيها الاتحادات
العمالية والنقابات المهنية والمنظمات الشبابية والطلابية والحركات النسائية
ووسائل الأعلام ومراكز الأبحاث والأكاديمية، بحيث تقع على عاتق هذه المكونات أيضا
مسؤولية تفعيل مشاركة المرأة.
عادة
ما يظهر عمل منظمات المجتمع المدني على أنها اكثر انتشاراً أو فعالية عن دور
الدولة, و لكنه دور موازى و مساعد للدولة لأنه بدون الدولة و مؤسساتها لا يمكن
تمرير القوانين التي تتيح فرصة ترسيخ القوانين التي تتيح حقوقاً و مراعاة اكثر
للمرأة في مجتمعنا. و ان كان هناك بعض من التوتر في علاقة الدولة مع منظمات
المجتمع المدني السياسية, فهناك توافق الي حد كبير مع منظمات المجتمع المدني
المتعلقة بالشئون الاجتماعية و أهمها شئون المرأة.
و
في عرض مختصر لاهم منظمات المجتمع المدني من حيث موضوع الاختصاص و التمويل نتعرض
لأنشطة المنظمات الأتية:
نتعرض
لأول منظمة اجنبيه تتعاون مع منظمة مجتمع مدني مصرية وتمويلها من الاتحاد الأوروبي
و هي منظمة ال CONEMUND و نشاطها في مصر ضد قضية هامة
و هي ختان الإناث، تتعاون المنظمة الإسبانية مع مؤسسة جذور و هي احدى منظمات
المجتمع المدني بمصر.
ومن
منظمات المجتمع المصري بمصر التي تدعم قضايا المرأة، المجلس المصري لحقوق المرأة.
"يعد المركز المصري لحقوق المرأة هيئة مستقلة تهتم بدعم ومساندة المرأة
المصرية في نضالها من أجل حصولها على حقوقها كاملة وتحقيق المساواة بينها وبين
الرجل
ويعمل
المركز المصري لحقوق المرأة على التصدي لكافة أشكال التميز ضد المرأة. وفى هذا
الإطار يهتم المركز بتنمية وعى المرأة وتأكيد مشاركتها في الحياة العامة كناخبة
ومرشحة بالإضافة الي تنمية وعيها القانوني من خلال تبسيط المفاهيم القانونية
وتقديم المساعدات القانونية سواء بتقديم الاستشارات القانونية في المسائل
والمشكلات التي تواجهها المرأة في حياتها اليومية أو برفع الدعاوى القضائية للدفاع
عن المرأة والمطالبة بحقوقها." و من ضمن المشكلات التي
تواجهها المرأة المصرية في ظاهرة غريبة و منتشرة, ظاهرة التحرش اتخذت موقع هام في
خريطة عمل حملات المجتمع المدني المصري و هي وقفة مفيدة لسيدات مجتمعنا اللواتي
يعانين من تلك الظاهرة المنتشرة ولا يردعها القانون حتى الآن و لكن قلت
في الآونة الأخيرة بعد حملات مثل: "خريطة التحرش والمبادرة المصرية للحقوق
الشخصية وقوة ضد التحرش وتحرير بوديجارد وحركة ضد التحرش." تتولى
و تنظم تلك الحملات و المنظمات وقفات و مظاهرات من هدفها تغيير نظرة المجتمع
للمرأة و رفع الظلم عنها و اتهامها باطلاً بمسئوليتها في حوادث التحرش التي تتعرض
لها اغلب النساء يومياً.
تعاون
بعض الحملات والمنظمات مع الاتحاد الأوروبي وتتبنى شعارات موجهه للرجل من حيث انها
تهتم بتغيير نظرته للمرأة. ومن اهم الحملات المصرية، حملة "هاتعمل ايه"
من حركة "بصمة" الشبابية المصرية التي غطت محطات مترو انفاق
القاهرة في لفتة هامة و جادة ضد ظاهرة التحرش.
ملخص:
المرأة
هي العمود الفقري لدى المجتمع العربي والمصري بالأخص، من حيث ان المرأة المصرية من
أنشط و أمهر نساء العرب و لا يمكن غفل دور الدولة المصرية في حفظ حقوقها من سن
لقوانين تمنحها المزيد من الحقوق المدنية و الاقتصادية و الاجتماعية و تضمن
كرامتها و حريتها. تضمن الدولة للمرأة المصرية الكثير من الحقوق مثل حق الخلع و
قانون عقوبة التحرش و الختان و يجب علينا تقدير سرعة استجابة الدولة المصرية و
مؤسساتها لحقوق المرأة التي ليس فيها جدال, و يأتي دور منظمات المجتمع المدني
,بحكم تفاعلهم اكثر مع الشارع المصري, اجتماعي اكثر. وكما ذكرنا ان هناك تعاون
كبير بين الطرفين فيما يتعلق بقضايا المرأة في مصر.
توصيات:
يجب
ان نرى المزيد من التفاعل في الشارع المصري لطرح قضايا المرأة على مسمع من المجتمع
برمته ومختلف توجهاته وخلفياته. يأتي هذا في إطار المزيد من الحملات المؤثرة ومن
خلال الأعلام المرئي كما حدث في حملات الختان والتحرش والتي لقت نجاحاً في وقت
قصير.
إدماج
قضايا المرأة من خلال لجان المرأة لدى الأحزاب السياسية في البرلمان المصري لتشريع
قوانين يكون لها تأثير مباشر على الحياة الاجتماعية وسهلة التطبيق من خلال محكمة
الأسرة او غيرها.
التعاون
مع الدولة في تطبيق قوانين عدم التمييز ضد المرأة في جميع جوانب الحياة الاجتماعية
وليس فقط في العمل.
حث
النساء على التعبير عن أنفسهم من خلال الأعلام المرئي والندوات
والمؤتمرات ودعوة من اهم أقل حظاً في المجتمع و ليس النساء الناشطات
سياسياً و اجتماعياً فقط، بل نقل الخبرات لمن هم أقل خبرة و أتعس حظاً اجتماعياً
حتى تعمم المبادئ المتعلقة بوضع المرأة في المجتمع المصري.
**كاتب
المقال
دكتور القانون
العام والاقتصاد
عضو المجلس
الأعلى لحقوق الانسان
مدير مركز
المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد
العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا
مستشار الهيئة
العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
مستشار تحكيم
دولي محكم دولي
معتمد خبير في جرائم امن المعلومات
نائب رئيس لجنة
تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
نائب رئيس لجنة
حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا
عضو استشاري
بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة
عضو منظمة
التجارة الأوروبية
عضو لجنة
مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان
محاضر دولي في
حقوق الانسان
0 comments:
إرسال تعليق