تلعب الإدارة دوراً هاماُ في
حماية البيئة، لما تتمتع به من صلاحيات السلطة العامة وسلطة ضبط النشاطات التي
يمارسها الأفراد، ثم وفي مرحلة ثانية القضاء باعتباره مرفقا مكلفا بتطبيق نصوص
القانون يلعب دوراً أساسياً في حماية البيئة
هذا
ما يؤدي إلى وجود عقبة في سبيل حصول المضرور من تلوث البيئة أو غيره من مظاهر
التعدي على البيئة، على التعويض اللازم لجبر الضرر
نتائج
وتوصيات
فهناك جانب من الفقه نادى
بتطبيق النظرية التقليدية للمسؤولية المدنية، والتي يكون فيها الخطأ هو قوام
المسؤولية التقصيرية، ويتمثل هذا الخطأ في الإخلال بالتزام قانوني مقرر بمقتضى
القوانين واللوائح، والخطأ يكون أيضا قوام المسؤولية العقدية على أساس أنه إخلال بالتزام
تعاقدي
(((إلا أن ظاهرة تلوث البيئة
والأشكال المختلفة التي يتم بها هذا التلوث، حالت دون تطبيق المبادئ التقليدية
للمسؤولية المدنية في الصور المعروفة، مما دفع بالفقه إلى الإقرار بعدم كفاية
تقنيات المسؤولية التقصيرية في شكلها التقليدي، و ضرورة الخروج عنها في بعض
الأحيان أو البحث عن سبل تطوير أحكامها وقواعدها بما يضمن مواجهة فعالة في مجال
حماية البيئة..)))
إن
نفس الاعتبارات أدت إلى تطبيق تقنيات قانونية أخرى لترتيب المسؤولية في مجال حماية
البيئة، منها على سبيل المثال: المسؤولية عن فعل الغير، والمسؤولية عن فعل الأشياء
والمسؤولية عن الأنشطة الخطرة وهي جميعها تقوم على أساس و جود مسؤولية مفترضة بحكم
القانون
إن
صعوبة تقرير المسؤولية في مجال حماية البيئة لم تظهر على الصعيد الداخلي فقط، بل
ظهرت أيضا على الصعيد الدولي، حيث حرصت الاتفاقيات الدولية المختلفة، مثل اتفاقية
بروكسل لسنة 1962 المنظمة للمسؤولية المدنية لمستخدمي ” السفن
بل
هناك بعض الفقهاء من ذهب إلى أبعد من ذلك، معتبرا أن المتضرر هو الذي له الحق في
اختيار أساس المسؤولية عن الضرر البيئي، إما أن تقوم على أساس الخطأ، أو على أساس
نظرية حسن الجوار أو المسؤولية عن فعل الأشياء
ويجب
أخيراّ أن يصيب الضرر مصلحة مشروعة يحميها القانون، فحتى يكون الضرر قابلا للتعويض
لابد أن يمس حقا مكتسبا يحميه القانون، ولا يكفي أن تكون للمتضرر مصلحة أدى الفعل
الضار إلى المساس بها فحسب، وإنما يجب أن تكون هذه المصلحة مشروعة.
إلا
أن فقهاء قانون البيئة توصلوا إلى أن الضرر البيئي له خصائص معينة، يجعله يختلف عن
الضرر المنصوص عنه في القواعد العامة للمسؤولية المدنية، وذلك بسبب أن هذا الضرر
غير قابل للإصلاح، وأنه ناتج عن التطور التكنولوجي
وتتمثل
هذه الخصائص في كونه ضرر غير شخصي من جهة، وهو ضرر غير مباشر من جهة أخرى بالإضافة
إلى ذلك فهو صنف جديد من أصناف الضرر.
الفرع
الأول: الضرر البيئي ضرر غير شخصي
ويقصد
بذلك أن الضرر يتعلق بالمساس بشيء لا يملكه شخص معين، وإنما مستعمل من قبل الجميع
دون استثناء، وعليه فلسنا بصدد المساس بمصلحة شخصية، فمن يقم بطرح النفايات داخل
الأماكن السياحية، لا يسبب ضرراً مباشراً لشخص بعينه، وإن كان قد خالف القانون
برميه النفايات في هذه الأماكن.
هذه
الخاصية المميزة هي التي جعلت أغلب تشريعات الدول تعطي للجمعيات البيئية حق
التمثيل القانوني للحد من الاعتداءات على البيئة، لأن الاعتداء على هذه الأخيرة
يعتبر مساساّ بالمصلحة العامة، وهو الاتجاه الذي أخذ به المشرع الجزائري، إذ سمح
للجمعيات أن ترفع دعاوى المسؤولية المدنية للمطالبة بالتعويض عن كل مساس بالبيئة.
كل
هذا جعل القضاء يتردد كثيرا، بل يرفض غالبا الحكم بالتعويض، ويؤكد موقفه باعتبار
أن تلك الأضرار البيئية أضرار غير مرئية، و يصعب إن لم يكن مستحيلاّ تقديرها.
الفرع
الثالث: الضرر البيئي صنف جديد من أصناف الضرر
إن الضرر البيئي له طبيعة
خاصة، وذلك باعتبار أنه يمس بالأوساط الطبيعية سواء ما يتعلق منها بالأوساط
المستقبلة أم الفصائل الحيوانية.
يقصد بالتعويض العيني الحكم
بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر، وهذا النوع من التعويض هو الأفضل
خصوصاً في مجال الأضرار البيئية، لأنه يؤدي إلى محو الضرر تماما وذلك بإلزام
المتسبب فيه بإزالته، وعلى نفقته خلال مدة معينة.
الفرع
الثاني: التعويض النقدي
يتمثل التعويض النقدي في
الحكم للمتضرر بمبلغ من النقود نتيجة ما أصابه من ضرر
حيث
تحدد المحكمة آلية الدفع، ويلجأ القاضي إلى التعويض النقدي خصوصا في مجال الأضرار
البيئية في الحالات التي لا يمكن إعادة الحال إلى ما كان عليه من قبل، كون أن
الضرر يكون نهائياً لا يمكن إصلاحه، كأن ترتطم ناقلة نفط في مياه البحر فتؤدي إلى
القضاء على كل الكائنات البحرية، ففي مثل هذه الحالة يصعب إعادة الحال إلى ما كان
عليه من قبل وقوع الضرر.
ومن الناحية العملية، قد يكون
العامل الاقتصادي هو السبب في اختيار القاضي لطريقة التعويض النقدي عن الضرر
البيئي، بسبب التكلفة الباهضة التي قد تتطلبها طريقة التعويض العيني، حيث يمتنع
قضاء كثير من الدول الحكم بالتعويض العيني بسبب الآثار الاقتصادية التي قد تترتب
على اتباع هذا الأسلوب، إضافة إلى اختلافها مع التوجهات نحو تشجيع الاستثمار.
ومن
أمثلة ذلك: التلوث الناجم عن مصانع الفوسفات بسبب تطاير الغبار والغازات السامة،
فقد يكتفي القاضي بالتعويض النقدي لأن الشركة قادرة على دفع النقود، وقد يقرر
القاضي إلزام الشركة بتركيب مصافي, إلا أنه لا يستطيع الحكم بإزالة المصنع لأنها
تعد رافداً اقتصاديا هاماً لخزينة الدولة.
وطبقا للقواعد العامة يشمل
تقدير التعويض على عنصرين: هما الخسارة التي لحقت بالمتضرر والكسب الذي فاته، ولا
يدخل في تقدير التعويض أن يكون الضرر متوقعا أو غير متوقع، ففي المسؤولية
التقصيرية يشمل التعويض كل ضرر متوقعاً كان أم غير متو
توصيات
-تنسيق التعاون وإحداث تشاور
مستمر بينها وبين مختلف الجهات الإدارية المكلفة بالبحث عن الجرائم البيئية، فقد
تطرح أحيانا مسألة جهل التشريعات الخاصة ببعض المجالات البيئية، لاسيما النصوص
التنظيمية من قبل أعضاء النيابة، فمثلا قد يتطلب القانون إجراءات إدارية وشروطا
محددة لممارسة نشاط قد يضر بالبيئة، ونتيجة عدم الإلمام تأمر النيابة العامة بحفظ
الملف معتقدة عدم توافر الركن المادي للجريمة.
-تأهيل أعضاء النيابة العامة،
لاسيما في مجال الجنوح الاقتصادية والجنوح البيئية، عن طريق فتح دورات تكوين تهدف
إلى التعريف بمختلف القوانين البيئية والأحكام التنظيمية في هذا المجال، والتي
غالبا ما لا تنشر إلا على مستوى الجهات الإدارية المكلفة بها.
-تحسيس أعضاء النيابة العامة
بأهمية المجال البيئي، وبخطورة الجنوح البيئية[28].
ثانيا-
التدخل القضائي لجمعيات حماية البيئة
لقد سبق الإشارة إلى أن
الجمعية تكتسب الشخصية المعنوية بمجرد تأسيسها، فيكون لها الحق في التقاضي وبأن
تتأسس طرفا مدنيا في المسائل الجزائية والتي تمس المجال البيئي، وذلك حتى في
الحالات التي لا تعني الأشخاص المنتسبين لها بانتظام[29]، كما يمكن أن تفوض من قبل
الأشخاص المتضررين لرفع الشكاوى وممارسة الحقوق المعترف بها للطرف المدني أمام
القضاء الجزائي.
يشدد
العقوبات عموماً في مجال الجنوح البيئية، إلا أنه تختلف كيفيات مواجهة الخطورة
الإجرامية للجانح البيئي على ضوء أحكام قانون العقوبات والقانون الجنائي للبيئة
خصوصاً، إذ نجد المشرع الجزائري يفضل تارة العقوبة لأجل ردع الجانح، وتارة أخرى
يعمد إلى التدابير الاحترازية ذات الهدف الوقائي.
الخاتمة
بالنظر
إلى الفلسفة التي تبنى عليها التشريعات البيئية، فيلاحظ أنها أوكلت مهمة حماية
البيئة إلى الإدارة بالدرجة الأولى لما تتمتع به من صلاحيات السلطة العامة وسلطات
الضبط الإداري، ثم بدرجة ثانية إلى القضاء، هذا ما يفسر قلة الأحكام والقرارات
القضائية في مجال حماية البيئة.
وأما
بالنسبة للحماية المدنية، فقد وجدنا أن المشرع الجزائري لم يشر إليها في القانون
المدني، ولم يشر إليها في القوانين الأخرى، مما أدى بنا إلى إيجاد صعوبات في تحديد
أساس المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية.
وقد
عرفنا طرق التعويض، كالتعويض النقدي الذي يقصد منه جبر الضرر في الحالة التي لا
يمكن فيها إعادة الحال إلى ما كانت عليه من قبل، وفي مجال الضرر البيئي فضلنا استخدام
أسلوب التعويض العيني كلما أمكن ذلك، لأن بعض الأمور لا يمكن تعويضها بالمال.
أما
بالنسبة للحماية الجزائية، التي تهدف إلى تحقيق الردع فقد وجدنا أن الجريمة
البيئية كغيرها من الجرائم تحتاج إلى توفر أركان الجريمة كالركن الشرعي والركن
المادي والمعنوي، وإن كانت الجرائم البيئية تمتاز بضعف ركنها المعنوي، ذلك أن وقوع
السلوك الإجرامي وحده يؤدي إلى المساس بالبيئة دون النظر إلى إرادة مرتكبها.
كما
تطرقنا إلى كيفية المتابعة الجزائية عن الجرائم البيئية و إلى بعض العقوبات
المقررة لها، إلا أنه ونظرا لنقص تأهيل القضاة وضعف الإدارة في هذا المجال وتعدد
القوانين الخاصة المتعلقة بالبيئة جعل مهمة القضاء صعبة في الوقوف أمام الجرائم
البيئية.
*كاتب المقال
دكتور القانون العام والاقتصاد
عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية
والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي
الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا
مستشار الهيئة العليا للشؤون
القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
مستشار تحكيم
دولي محكم دولي
معتمد خبير في جرائم امن المعلومات
نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز
المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم
المتحدة سابقا
عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب
واعداد القادة
عضو منظمة التجارة الأوروبية
عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس
الأعلى لحقوق الانسان
محاضر دولي في حقوق الانسان
0 comments:
إرسال تعليق