• اخر الاخبار

    الأربعاء، 21 ديسمبر 2022

    التعويم.. وإغراق الجنيه في بحر الظلمات..بقلم : السفير جمال طه

     


    لم أكن من مريدي طارق عامر، محافظ البنك المركزي السابق، ولكن علينا ان نعترف بأن سنوات توليه منصب المحافظ أكسبته خبرة لا ينبغي تجاهل أهميتها، مكنته من المحافظة على فارق معقول بين سعر صرف الدولار في البنوك ونظيره في السوق السوداء.. ودعونا نعترف بأن عملية التعويم الثانية التي نفذها محافظ البنك المركزي الجديد كان اجراء غير موفق تماما، لسبب بالغ البساطة، وهو ان الفارق بين سعر الدولار في البنوك ونظيره في السوق السوداء ناجم عن عجز البنوك عن تلبية احتياجات السوق من العملات الصعبة، وطالما استمر هذا العجز فإن التعويم العاشر لو تم تنفيذه سيظل عاجزا عن ضبط سوق العملات الأجنبية، كل الذي سيحدثه من أثر هو رفع قيمة الدولار بصورة غير مبررة.. ولعل مجلس الإدارة الجديد للبنك المركزي قد تساءل، ماذا جناه النظام النقدي والاقتصادي في مصر من تحريك سعر الدولار من 15.60 ج الى 24.70 ج ؟! .

    الأزمة هي نفس الأزمة، دون أدنى اختلاف، وفارق التسعة جنيهات بين السعر الرسمي قبل التعويم الثاني، ونظيره بعد التعويم، قد أضيف في الواقع أكثر منها الى سعر الدولار في السوق السوداء، وبالتالي انفجرت الأسعار، وتضاعف التضخم، وبات المواطن يئن ويلهث خلف أسعار السلع الأساسية، التي تختفي بمجرد محاولة الحكومة التدخل لضبط سعرها.

    ولكن هل ستنتهي الأزمة حال موافقة صندوق النقد الدولي على القرض الجديد ؟! بالطبع لا، فالقرض 3 مليار دولار على أربع سنوات، دفعته الأولى 750 مليون دولار، وهذه لن تشكل الصندوق الاحتياطي الذي يستخدمه المركزي في التعامل مع حركة الدولار في السوق للسيطرة على سعره، ببيع المزيد كلما ارتفع، وشراء الفائض كلما انخفض، وهي الآلية التي تكفل ثبات قيمة العملة، ناهيك عن الأبواب العديدة المفتوحة لذلك القرض، وربما على رأسها انهاء أزمة تكدس البضائع الحيوية في الجمارك.

    اذن ما هو الحل ؟!

    الحل هو عودة الدولة لممارسة دورها بفاعلية في القضاء على الفساد، حتى لو اضطرت للدخول كمستورد لبعض السلع الحيوية، مثل الأعلاف، التي يحتكر استيرادها قلة تتحكم في أسعارها عن طريق تخزينها واخراجها على دفعات صغيرة ضمانا لارتفاع سعرها، أو ممارسة سياسة تعطيش السوق حتى لو هدمت صناعات غذائية كالدواجن والأسماك تعتبر قضية أمن قومي بامتياز.

    وكلاء الاستيراد أيضا يعملون على ضرب الصناعات المحلية بسياسة الإغراق وحرق الأسعار حتى يتحكموا في السوق ويرفعون الأسعار كما يعن لهم، وهذا يفرض الالتفات لسياسة التصنيع المحلى لتحقيق الاكتفاء الذاتي على نحو ما كنا خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي.

    القضية اذن ليست في تعويم الجنيه أو حتى إغراقه، لكن الأمر يتعلق بقدرتنا على تحقيق الاكتفاء الذاتي قبل التوسع في الصادرات الصناعية والزراعية تحقيقا لضبط الميزان التجاري.. كما يتعلق بالقضاء على تحكم الاحتكارات في السوق، بما لها من أذرع طويلة تمتد بالفساد لتضمن حماية نشاطها وتأمينه في مواجهة بطش الأجهزة الرقابية.. هذا فضلا عن الاستقلال في سياستنا النقدية بعيدا عن صندوق النقد الدولي، صاحب الروشتة الفاشلة المكرورة، وهو المسئول عن التعويمين الأول والثاني، ويسعى لتعويم ثالث قد ينشر الجوع بين طبقات الفقراء على امتداد المحروسة.

     

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: التعويم.. وإغراق الجنيه في بحر الظلمات..بقلم : السفير جمال طه Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top