• اخر الاخبار

    الخميس، 23 أبريل 2020

    حسن بخيت يكتب عن : " قصة يوسف عليه السلام والأزمات الاقتصادية .....هل يتعلم العرب دروسها ؟

    حسن بخيت يكتب عن : " قصة يوسف عليه السلام والأزمات الاقتصادية .....هل يتعلم العرب دروسها ؟


    (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إلى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ، قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ)
    أيات بينات في كتاب الله جاءت على لسان نبي الله يوسف عليه السلام ، في حوار بينه وبين الملك وحاشيته ، لتفسير رؤية الملك التي عجز كل مفسرين الأحلام عن تفسيرها " وذلك في قوله تعالى (قالوا َأضغاث أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بتأويل الأَحلامِ بِعالِمينَ)، أي أحلام متداخلة مضطربة لا تفسير لها لانها أحلام متداخلة وغير مترابطة أو كثيرة التفاصيل ، لكن نبي الله يوسف عليه السلام كان علمه من عند ربه (ذلكما مما علمني ربي ) .
    تذكرت القصة قبل يومين ، وتحديدا عندما هبطت أسعار البترول بشكل عام سواء الأمريكي أو غيره ، فتأملت الوضع كاملا في مصر وفي المنطقة العربية ، وهذا الذي يعنيني في الأمر ، لان مصر الحبيبة هي قلب الجسد العربي ، فلا حياة لجسد بلا قلب ، ولا فائدة لقلب بدون جسد ..
    عندما قرأت في تاريخ وزمن القصة ، وجدت أن القطاع الزراعي كان هو عماد اقتصاد مصر آنذاك ، بل هو القطاع الأساسي الذي تعتمد عليه الدولة ، فجاء التفسير مطابق لطبيعة الرؤية وارتباطها بالواقع الذي يعيشه الناس وقتها ، بمعني ستكون هناك طفرة في الانتاج الزراعي لسبع سنين متتالية، وبعدها تأتي سبع سنوات يطيح فيها الانتاج الزراعي ، فلا انتاج فيها ولا زراعة ، وستكون فيها المعاناة والمجاعة والمحنة ، بل ربما يكون الهلاك ان لم تتوافر الحلول والاستعداد لذلك ، وكانت نصيحة يوسف عليه السلام لملك مصر لمواجهة هذا الوضع الصعب ، أن عليهم بفن ادارة الأزمات، وحسن التخطيط السليم ، والرؤية الثاقبة لتطور الأحداث، وفلسفة هذه الرؤية تكمن في " الإدخار " أي الادخار خلال سنوات الطفرة والرخاء والانتاج الوفير ، فعليهم أن يستهلكوا جزءا يسيرا من انتاجهم "إلا قليلا مما تأكلون"
    وعلمهم طريقة الادخار والتخزين ، وكان تفسير الرؤية صائبا ،وخرجت مصر وقتها من أزمة اقتصادية كادت أن تعصف بها وبالدول المحيطة لها ، ونجت مصر وجيرانها من التعرض الى مجاعة وهلاك محقق ، لولا حسن التفكير والتخطيط ..
    قد يسأل القارىء : وما علاقة ما ذكرته بما تمر به المنطقة العربية من أحداث كورونا وهبوط أسعار البترول ؟!
    أقول له لا تتعجب عزيزي القاري ، فنحن في جوهر القصة ، لان الله عز وجل لم يذكر القصة في كتابه العزيز لنقرأها كحديث مشوق او قصة ممتعة كانت في وقتها وأحداثها وزمنها ، لا والله - انما كل قصص القرأن ما هي الا منهج حياة وخارطة طريق يهتدي بها من أحسن التفكير والتدبير ...
    كان يوسف عليه السلام يعلم أنّ جانباً كبيراً من الاضطراب التي سيحدث يكمن في القضايا الاقتصادية، وكان الاقتصاد المصري وقتها قائم على الزراعة ، فقام بترتيب الأوضاع المتردية في ذاك البلد الكبير، وجعل الزراعة وتنظيمها هدفه الأول ،لانه على يقين أن السنين القادمة هي سنوات الوفرة حيث تليها سنوات المجاعة والقحط، فدعى الناس إلى الزراعة وزيادة الإنتاج وعدم الإسراف في استعمال المنتجات الزراعية وتقنين الحبوب وتخزينها والاستفادة منها في أيام القحط والشدة ، لنعلم أن قدرة الله أكبر ممّا نتصور ، فبسبب رؤيا بسيطة يراها جبابرة الزمان أنفسهم أن ينقذ اُمة كبيرة من فاجعة عظيمة .
    السؤال هنا :
    لماذا لم تستفيد الدول العربية التي تمتلك ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة ،وتمتلك مقومات زراعتها من مياه وأيدي عاملة وماكينات زراعية ومهندسين وزراعيين من عبقرية يوسف عليه السلام ، ومن منهج القصة ، للخروج من الأزمات والمحن التي تعصف بالمنطقة العربية من وقت لاخر ؟!
    ثانيا : نأتي للدول العربية النفطية أو السياحية، نجد ان لغة التعبير المعاصر للاقتصاد قد اختلف وتنوع ما بين الزراعي والصناعي والرأسمالي والسياحي والاستثماري ... الخ ، من مصادر الدخل للدول ،فالمنهج هنا واحد والتخطيط مطابق تماما لفكرة الادخار ، بمعنى ان عليهم الاقتصاد الشديد في الاستهلاك وقت الطفرة والرخاء ، بأن يدخروا جزءا من الانتاج ،بغض النظر عن نوعه ، زراعي ام سياحي ام نفطي وغيرها من مصادر الدخل والاقتصاد المختلفة والمتنوعة لوقت الضيق والمحن والأزمات، مع فارق التشبية فيما حدث مع المصريين وقتها ، فقد كانوا يأكلون ويشربون بما يتيح لهم البقاء وعدم الهلاك ، انما ما عاشته المنطقة العربية منذ سنوات الرخاء والثراء ، كان الانفاق فيه ليس على أساسيات الحياة والمعيشة فقط ، انما الانفاق كان ببذخ في كماليات ورفاهية الحياة من بناء قصور وبنايات وسيارات فارهة ، وأدوات تجميل وعطور باهظة الثمن ، وموبايلات وأجهزة ، وكل مقومات حياة الرفاهية والثراء، وليس هذا عيبا ولا حراما ، لكن : أين مبدأ الادخار والتخطيط للمستقبل؟ وأين نحن من نصيحة يوسف عليه السلام ؟
    ومن العجيب أيضا ، أن هذه الأزمة الاقتصادية لم تكن الأولى في تاريخ وطننا العربي ، وخصوصا دول الخليج ،فقد مرت أسعار النفط بانتكاسات عديدة ، وهبطت الى أدنى مستويات لها ،. وكانت في كل مرة تمر بسلام ، وتأتي الطفرة في ارتفاع أسعار النفط ارتفاعات عالية متسارعة لكن دون استيعاب للدرس .
    السؤال الجوهري : لماذا لم تطبق الدول العربية نصيحة يوسف عليه السلام أنذاك؟! ويتم انفاق جزء وادخار الفائض واستثماره او وضعه في صناديق ادخارية استثمارية في قطاعات أخرى ، وتكون احتياطي نقدي او تقليدي يستعان بها وقت المحن والشدائد والأزمات ..
    وأخيرا : جائحة كورونا وأزماتها ستنتهي وتزول باذن الله لا محالة طالت أو قصرت ، وستخرج المنطقة العربية من توابعها الاقتصادية كسابق عهدها ، لكن : هل ستعود الأمة الى رشدها وتتعلم من أخطائها ؟
    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: حسن بخيت يكتب عن : " قصة يوسف عليه السلام والأزمات الاقتصادية .....هل يتعلم العرب دروسها ؟ Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top