المقدمة
تحتل التجارة الدولية دون منافس مركز الصدارة في
العلاقات الحديثة ، وذلك لما تنطوي عليه من تبادل للثروات والخدمات وعمليات الانتاج
ولما تتضمنه من نقل المواد الأولية والبضائع والسلع المختلفة من اسواق الانتاج الى
اسواق الاستهلاك والاستثمار . ويتم النشاط التجاري الدولي في الغالب من خلال عقد البيع
الدولي . فإذا كان لعقد البيع في ميدان التعامل الداخلي دوراً اساسياً ،
فأن هذا الدور يتعاظم وتزداد اهميته في ميدان التعامل
التجاري الدولي . وبغية تحقيق الهدف الذي يسعى اطراف عقد البيع الدولي للبضائع الى
تحقيقه ، فلا بد من اتمام تنفيذ الالتزامات العقدية لهم وكما
مثبت في العقد .
فعقد البيع الدولي في الواقع ليس بمفرده ، بل ان
هناك سلسلة من العقود الدولية والعمليات المصرفية المرتبطة به (1) والتي تشكل معه وحده
واحدة لاتقبل التجزئة .فأذا انفسخ ذلك العقد فأن ذلك سينتج اثره السلبي على كافة العقود
الاخرى المرتبطة به.
وعندئذ نجد ان العقد الذي تكمن وظيفته الاساسية في
استقرار المراكز القانونية لأطرافه خلال مدة التنفيذ وتحقيق قدر من الفائدة لهم قد
أصبح محكوماً عليه بألا يقوم بهذا الدور المعهود به.
لذلك فقد حرص
واضعوا الاتفاقيات الدولية المنظمة لعقد البيع على الحفاظ على العقد قدر الامكان
وانقاذه من الزوال والتقليل من الحالات التي تبرر اللجوء الى الفسخ ، حتى في حالة اخلال
احد طرفيه بالتزاماته العقدية سواء تجسد هذا الاخلال في عدم تنفيذ تلك الالتزامات أو تنفيذها على نحو معيب.
وقد تجلى هذا الحرص في ان اغلب الاتفاقيات قد اشترطت في الاخلال الذي يبرر اللجوء الى
الفسخ ان يكون على درجة كبيرة من الخطورة ، وهو ما اطلق عليه المخالفة الجوهرية للعقد
.
عليه فأن الاخلال بالعقد اذا كان يشكل مخالفة جوهرية
فأنه يكون مبرراً للفسخ وبخلافه لايكون للمضرور اللجوء الى الفسخ بل عليه اللجوء الى
الحلول الاخرى كالمطالبة بالتنفيذ العيني أو التعويض .
واذا أمعنا النظر في النصوص القانونية الوطنية ،
فأننا سنجد بأن فكرة المخالفة الجوهرية غريبة - الى حد كبير عنها -. اذ ان الاخلال
بالعقد والذي يخول المضرور حق اللجوء الى الفسخ يتخذ مفهوماً محدداً الى حد بعيد عن مفهوم المخالفة الجوهرية
للعقد .
ويثير موضوع المخالفة الجوهرية الكثير من التساؤلات
، فما هي عناصر المخالفة الجوهرية للعقد ؟ وما الذي تثيره تلك الفكرة من اشكاليات في
التزامات كل من البائع والمشتري ؟ واذا كان الفسخ هو مايترتب من جزاء على ارتكاب احد
الطرفين مخالفة جوهرية ، فكيف يتم ايقاع الفسخ
؟ وماهي القيود الواردة على استعمال حق الفسخ والآثار المترتبة عليه ؟ لذلك
فقد تم تقسيم هذه الدراسة الى مبحثين ، تناول الاول مفهوم فكرة المخالفة الجوهرية من
خلال التعرف اولاً على مفهوم الاخلال المبرر للفسخ في القوانين الوطنية والاتفاقيات
الدولية ، ومن ثم التعرف على العناصر المكونة
للمخالفة الجوهرية وايراد تطبيقات عملية لها في التزامات البائع والمشتري .اما المبحث
الثاني فقد خصصناه لدراسة الجزاء المترتب على ارتكاب المخالفة الجوهرية ، وهو فسخ العقد
من خلال دراسة كيفية ايقاع الفسخ والقيود الواردة على استعمال حق الفسخ ، والآثار المترتبة
على الفسخ .
هذا ولم يحظ موضوع
المخالفة الجوهرية للعقد بما يكفي من البحث ، ولم تُبذل الجهود الكافية لأعطاء الموضوع
ابعاده اللازمة والاحاطة بجميع جوانبه القانونية النظرية منها والعملية والوقوف على
معطياته المختلفة وبما ينسجم مع خصوصيته . وقد اعتمدنا في هذه الدراسة منهجاً مختلطاً
فكان منهجاً مقارناً تأصيلياً وتحليلياً . فهو منهج مقارن حيث عمدنا الى دراسة الموضوع
في تشريعات وطنية متعددة تنتمي الى نظم قانونية مختلفة ، وعلى الصعيد الدولي قمنا بعقد
المقارنة بين الاتفاقيات الدولية التي تبنت مفهوم المخالفة الجوهرية لاسيما اتفاقية
فينا للبيع الدولي للبضائع (1980 )، واتفاقية لاهاي للبيع الدولي للمنقولات المادية
1964 ، ومبادئ العقود التجارية الدولية ( اليونيدروا ) . وهو منهج تأصيلي حيث قمنا
برد الفروع الى اصولها والرجوع الى النظرية العامة للعقد في اكثر من موضع ، اذ ان تجارية
العقد ودوليته لاتخرج به عن فلك النظرية العامة للعقد . وأخيراً ، كان منهجنا في البحث
تحليلياً ، حيث تم تحليل ودراسة كل جزئية وكل اشكالية ترد ، وفي ضوء مختلف اوجه الطروحات
الفقهية والقضائية وكذلك تحليل القواعد القانونية الداخلية والدولية وبيان ابعادها
وآثارها .
المبحث الاول
مفهوم المخالفة
الجوهرية للعقد
تعد فكرة المخالفة الجوهرية من الافكار الجديدة
التي لم تعرفها قوانين دول عديدة ، ومنها العراق . فالاخلال المبرر للفسخ في التشريعات
الوطنية يتخذ مفهوماً محدداً يختلف الى حد بعيد عن مفهوم فكرة المخالفة الجوهرية والتي
تجد اساسها في اتفاقية لاهاي للبيع الدولي للمنقولات المادية 1964 . وقد استلهم واضعوا
هذه الاتفاقية الفكرة المذكورة من القانون الانكليزي تحديداً ومن خلال التمييز بين
ما يعرف بالشرط Condition والضمان Warranty في هذا القانون .
الا ان التنظيم القانوني الواضح لفكرة المخالفة الجوهرية
نجده في اتفاقية فينا 1980 ، اذ تعرضت فكرة المخالفة الجوهرية في اتفاقية لاهاي لنقد
شديد آثار نقاشات طويلة استمر على مدى سنوات عديدة من الاعمال التحضيرية التي سبقت
اقرار اتفاقية فيينا عام 1980 ،مما تمخض عنه تبني مفهوم جديد للمخالفة الجوهرية من
خلال نص المادة (25) من اتفاقية فيينا (2) .
ويتجسد التنظيم القانوني لفكرة المخالفة الجوهرية
في اتفاقية فيينا بوضع مفهوم محدد للمخالفة الجوهرية يقوم على عناصر متعددة ، وينعكس
على تنفيذ الاطراف لالتزاماتهم في عقد البيع وهو ما يجسد تطبيقات حية لهذه الفكرة
.
لذا فأننا سنقسم هذا المبحث الى مطالب ثلاثة نتناول
في الاول الاخلال المبرر للفسخ في كل من القانون العراقي والقانون الانكليزي واتفاقية
لاهاي 1964 ثم نعرض في الثاني لعناصر المخالفة الجوهرية للعقد ، واستكمالاً لترسيخ
فكرة المخالفة الجوهرية فأننا سنفرد مطلباً ثالثاً لأيراد تطبيقات لفكرة المخالفة الجوهرية
للعقد في التزامات كل من البائع والمشتري .
المطلب الأول
الأخلال المبرر
للفسخ في بعض الانظمة القانونية
تخلو القوانين المقارنة في الواقع من فكرة المخالفة
الجوهرية للعقد والتي تبرر فسخه ، فالقانون المدني العراقي يجيز في العقود الملزمة
للجانبين – ومنها عقد البيع – لأحد الطرفين طلب فسخ العقد متى تخلف الطرف الآخر عن
تنفيذ التزاماته . وبهذا الصدد تنص المادة (77) مدني /عراقي على انه : ( في العقود
الملزمة للجانين اذا لم يوفِ احد العاقدين بما وجب عليه بالعقد جاز للعاقد الآخر بعد
الاعذار ان يطلب الفسخ مع التعويض ان كان له مقتضى . على انه يجوز للمحكمة ان تمهل
المدين الى اجل كما يجوز لها ان ترفض طلب الفسخ اذا كان مالم يوفِ به المدين قليلاً
بالنسبة للالتزام بجملته ) (3) .
هذا ولم يحدد القانون درجة الجسامة التي ينبغي ان
يتصف بها الاخلال بالالتزام تاركاً ذلك للسلطة التقديرية لقاضي محكمة الموضوع . فكل
مايشترطه القانون في الاخلال هو ان يكون قد وقع بالفعل ، سواء في ذلك أكان اخلالاً
كلياً بالالتزام أم أخلالاً بجزء منه فقط (4). بل ان الاخلال قد يتحقق قبل حلول أجل
تنفيذ الالتزام متى اعلن المدين جازماً انه لن يقوم بتنفيذ التزاماته عند حلول أجله
، وهو ما يسمى بالاخلال المبتسر بالعقد (5).
والواقع في الامر ، فأنه لايجوز للدائن التقدم بطلب
الفسخ الى القضاء لأرتكاب المدين اخلالاً بالتزاماته العقدية الا بتوفر شرائط ثلاثة
، الاول هو قيام الدائن بتوجيه اعذار للمدين بضرورة التنفيذ . وعندئذ فأن القاضي لايكون ملزماً بأجابة
طلب الفسخ، فقد يقضي بفسخ العقد مع تعويض الدائن
عما اصابه من ضرر اذا تبين له من ظروف القضية ان المدين قد تعمد عدم التنفيذ أو انه
اهمل في ذلك اهمالاً واضحاً وجلياً . وقد يقضي بالأبقاء على العقد ورفض طلب الفسخ اذا كان ما لم يقم المدين بتنفيذه
لايشكل الاجزءً يسيراً بالنسبة لمجمل التزامه
. وعندئذ فأن القاضي قد يمنح المدين أجلاً جديداً لتنفيذ ما تبقى في ذمته من التزام(6)
.
والشرط الثاني هو ان لايكون عدم التنفيذ راجعاً
الى السبب الاجنبي أياً كانت صورته (7) . اذ تنتهي مسؤولية المدين عن عدم التنفيذ وينقضي
التزامه والالتزام المقابل له ، وينتهي العقد من تلقاء نفسه (8) .
أما الشرط الثالث لأجابة طلب الفسخ فهو أن يكون
طالب الفسخ مستعد لتنفيذ التزامه وقادر على ذلك . فأذا كان هو ايضاً لم ينفذ التزامه
بعد أو أن ظروفاً معينة طرأت بعد أبرام العقد وجعلت التنفيذ غير مستطاع بالنسبة اليه
، فلا يجوز عندئذ أجابة طلب الفسخ(9) .
وقد ثار التساؤل حول تحديد المعيار الذي يستند اليه
القاضي في تقدير مدى اخلال المدين بألتزامه . اذ يتنازع المساءلة معياران . اولهما
شخصي قوامه الاعتداد بنية الدائن حول جدوى الالتزام الذي لم يتم تنفيذه .فأذا ادى عدم
التنفيذ الى ضياع المنفعة التي كان يرجو الدائن تحقيقها من تنفيذ المدين التزامه عُدَّ
عدم التنفيذ عندئذ ، موجباً للفسخ (10) . أما المعيار الثاني فهو موضوعي يستند الى
النظر الى ما لم يتم تنفيذه من التزام المدين كماً أو نوعاً . اذ يرى البعض بأنه اذا
كان مقدار ما لم يتم تنفيذه يصل الى درجة من الأهمية بحيث يترتب عليه فوات المنفعة
المرجوة من العقد كان للقاضي الحكم بالفسخ (11)
. في حين يرى البعض الآخر بضرورة التمييز بين الالتزامات الجوهرية أو الرئيسية
وهي التي يكون وجودها لازماً لوجود العقد ، والالتزامات التبعية التي لاتعد كذلك ،
اذ يؤدي الاخلال بالالتزامات الأولى الى اجابة طلب الفسخ(12) .
وقد حسم المشرع العراقي الامر من خلال نص الفقرة
الاولى من المادة (177) ، اذ اعتمد المعيار الموضوعي في شقه الاول عندما أجاز للقاضي
رفض طلب الفسخ اذا تبيَّن أن مقدار ما لم يتم تنفيذه من التزام المدين قليلاً بالنسبة
للالتزام في جملته . كأن لم يقم المشتري بوفاء جزء يسير من الثمن ، ام لم يقم البائع
بتسليم جزء بسيط من البضاعة(13) .
نخلص الى القول بان الاخلال المبرر للفسخ في القانون
المدني العراقي هو عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه كلاً او جزءا" عن عمدٍ أو عن
اهمال مع استبعاد السبب الاجنبي.
أما القانون الانكليزي فأنه يعتمد نظاماً آخر للفسخ
يعتمد بالدرجة الاساس على اهمية الاشتراطات العقدية التي يتم الاخلال بها ، وهو ما
يعد تمهيداً لفكرة المخالفة الجوهرية للعقد . ففي القانون الانكليزي ومنذ أمد بعيد
،نجد أن الاشتراطات العقدية أي التي تدخل ضمن تركيب العقد وأحكامه بما ترتبه من التزامات
على عاتق اطرافه ليست على درجة واحدة من الأهمية . وعليه فانها تختلف ايضاً من حيث
الأثر المترتب على الاخفاق في تنفيذها(14) .والتفرقة الاساسية هي بين مايسمى بالشرطCondition
(15)
وهو كل حكم يتصل مباشرة بجوهر العقد الى الحد الذي يعتبر معه الطرف الآخر ان عدم الوفاء
به هو اخفاق في تنفيذ العقد برمته ، بما يبرر فسخ العقد بأرادته المنفردة (16) ، وبين مايسمى بالضمان Warranty وهو اشتراط عقدي ايضاً ولكنه
قليل الأهمية ، فلا يكون عدم القيام به متصلاً بجوهر العقد . وتعرفه م (62/1) من قانون
بيع البضائع الانكليزي لعام 1979 بأنه :
(( اتفاق متعلق بالبضاعة محل عقد البيع ، ولكنه اتفاق جانبي بالنسبة للغرض الأصلي لمثل
هذا العقد ))(17) . فأذا حدث الاخلال بالضمان ثبت للدائن الحق في المطالبة بالتعويضات
ولايجوز له اللجوء الى الفسخ . هذا ويتم الركون الى تفسير بنود العقد للوصول الى قصد
المتعاقدين فيما يعد شرطاً ومايعد ضماناً في ضوء ظروف وملابسات القضية .
وعلى سبيل المثال يعد شرطاً وفقاً لقانون بيع البضائع
الانكليزي ، الزمن وكذلك التزامات البائع المتعلقة بنوعية البضاعة وصلاحيتها ، والتزامات المشتري المتعلقة بقبول البضاعة أو
استلام المستندات وفقاً للبيع سيف C.I.F ، لانها التزامات جوهرية، فالاخلال بتنفيذ هذه الالتزامات يجيز للمضرور فسخ
العقد . أما وقت سداد الثمن فهو لايتعدى ان يكون ضماناً ما لم يتفق على خلاف ذلك(18).
بالاضافة لما تقدم فقد صدرت العديد من الاحكام القضائية
في انكلترا تؤكد وجود نوع آخر من الالتزامات العقدية تفوق اهميتها الضمان ولكنها لاترقى
الى مرتبة الشرط ، فهي اذن في مرتبة وسط بين الشرط والضمان وتسمى بالشروط المتوسطة (19).
والاخلال بشرط من الشروط المتوسطة لايخول المضرور
اللجوء الى فسخ العقد الا اذا وصل الى درجة من الجسامة تبرر الفسخ ، وقد استعمل القضاء
الانكليزي مصطلح ( المخالفة الجوهرية ) لوصف هذا الاخلال . بعبارة اخرى فأن الاخلال
بشرط من الشروط المتوسطة لايبرر فسخ العقد الا اذا كان جسيماً بحيث يشكل مخالفة جوهرية
للعقد (20) . عليه ، فأن الاخلال الجسيم بشرط
من الشروط المتوسطة يجيز فسخ العقد كالاخلال بالشرط Condition . وتجدر الاشارة الى انه لايجوز الاتفاق على الاعفاء
من المسؤولية الناجمة عن الاخلال بشرط من الشروط المتوسطة في حين يجوز الاتفاق على
الاعفاء من المسؤولية الناجمة عن الاخلال بالشرطCondition .ويبدو ان الهدف من ابتكار هذه التفرقة هي الحد
قدر الامكان من انتشار شروط الاعفاء من المسؤولية غير العادلة(21) .
اما على الصعيد الدولي فقد اعتمدت اتفاقية لاهاي
للبيع الدولي للمنقولات المادية المنعقدة في عام 1964 جسامة الاخلال وليس اهمية الالتزام
للقول بأرتكاب مخالفة جوهرية . فقد يكون الالتزام رئيسياً ومهماً ولكن لايترتب على
الاخلال به سوى ضرر يسير . اذ تعرف م (10 ) من الاتفاقية المذكورة المخالفة الجوهرية
بأنها : ( تكون مخالفة العقد جوهرية في حكم هذا القانون(22) اذا كان المتعاقد الذي تخلف عن التنفيذ يعلم او
كان ينبغي ان يعلم وقت ابرام العقد ان شخصاً عاقلاً من صفة المتعاقد الآخر وفي مركزه
، ما كان ليرضى بأبرام العقد اذا علم بالمخالفة وآثارها ).
فمعيار المخالفة الجوهرية اذاً مكون من شقين
:
الاول : ان يكون من شأن المخالفة ان تجعل شخصاً
عاقلاً من صفة المتعاقد الآخر يمر بنفس ظروفه ما كان ليقدم على التعاقد لو انه قدر
وقوع هذه المخالفة وما يترتب عليها من آثار وقت ابرام العقد . فالمخالفة وآثارها يفقدانه
المصلحة التي كان يرجو تحقيقها من ابرام العقد، فالمعيار هنا هو معيار موضوعي بحت قوامه
الشخص العاقل موضوعاً في مركز المتعاقد المضرور وفي نفس ظروفه(23).
ويؤخذ على المعيار المتقدم امران ، الأول هو اشتراط
البحث عن علم المتعاقد المضرور وقت ابرام العقد ، متجاهلاً المتغيرات والظروف التي
قد تطرأ وقت ارتكاب المخالفة وتؤدي الى حدوث اخلال او ارباك في ظروف السوق واقتصادياته
وبما يؤثر في النظر الى اهمية المخالفة وجسامتها . والثاني هو انه من غير المتصور ان
يقدم التاجر – بائعاً كان أو مشترياً – على ابرام عقد البيع رغم علمه ان ثمة اخلال
بالعقد سوف يحدث ، وهو ما تشترطه م (10 ) من
الاتفاقية في شقها الأخير ، فلو توقع مثل هذا
الاخلال لما اقدم على التعاقد أصلاً (24).
الثاني : أن الطرف الذي ارتكب الاخلال بالعقد (
المخالفة ) يعلم أو كان يفترض به ان يعلم ان الشخص العاقل المشار اليه في اعلاه ما
كان ليقدم على التعاقد لو علم بالمخالفة وآثارها . فالاتفاقية هنا لم تكتف بالعلم المحقق
بل اعتمدت أيضاً العلم المفترض من جانب المتعاقد المتخلف عن تنفيذ الالتزام وفقاً لظروف
التعاقد(25) .
ومن امثلة المخالفة الجوهرية للعقد وفقاً لما تقدم
ان يتعاقد تاجر مواد غذائية على شراء وحدات كهربائية للأنارة لأستعمالها في أنارة معرض
يقوم بتنظيمه خلال فترة معينة ويذكر ذلك في العقد ثم يتأخر البائع عن تجهيز المشتري بوحدات الأنارة الى ما بعد انقضاء فترة اقامة المعرض
. فالمخالفة المرتكبة من البائع هي مخالفة جوهرية لأنه يعلم يقيناً – والعلم اليقيني
قد تحقق من خلال ذكر الغرض من شراء الوحدات الكهربائية في العقد – أن المشتري لو كان
يعلم بهذا التأخير وقت التعاقد لما أقدم عليه. وليس من المتصور ان يقدم أي شخص عاقل
من صفة المشتري وفي نفس مركزه وظروفه على التعاقد طالما انه لن يحقق فائدة من الحصول
على الوحدات المبيعة بعد انقضاء المعرض ، ولن يتمكن من بيعها مجدداً طالما انه ليس
بائعاً لمثل هذا الصنف من البضائع.
المطلب الثاني
عناصر المخالفة
الجوهرية
بعد النقد الشديد الذي تعرض له تعريف المخالفة الجوهرية
للعقد في اتفاقية لاهاي ثار نقاش وجدل فقهي كبير استمر على مدى عشر سنوات من الاعمال
التحضيرية التي سبقت ابرام اتفاقية فيينا(26) ، وقد تمخض ذلك النقاش عن صيغة جديدة
لتعريف المخالفة الجوهرية للعقد تبنتها اتفاقية فيينا من خلال المادة (25) منها، والتي
تنص على انه ( تكون مخالفة العقد من جانب احد الطرفين جوهرية اذا تسببت بألحاق ضرر
بالطرف الآخر من شأنه ان يحرمه بشكل اساسي مما كان يحق له ان يتوقع الحصول عليه بموجب
العقد ، ما لم يكن الطرف المخالف يتوقع مثل هذه النتيجة وما لم يكن أي شخص سوي الادراك
من نفس الصفة يتوقع مثل هذه النتيجة في نفس الظروف ).
كما تتبنى المبادئ النموذجية للعقود التجارية الدولية
( اليونيدروا ) (27) ذات الاتجاه في تحديد مفهوم المخالفة الجوهرية للعقد ، اذ تنص
م (7-3-2) منها على انه ( يراعى بوجه خاص عند تحديد ما اذا كان عدم تنفيذ الالتزام
يرتقي الى اخلال جوهري ما اذا كان : أ- ان يحرم عدم التنفيذ بصورة جوهرية الطرف الدائن
مما كان يحق له انتظاره من العقد الا اذا كان الطرف الآخر لم يتوقع او كان من غير المعقول
ان يتوقع هذه النتيجة ).
يتضح من النصين المتقدمين ان المخالفة الجوهرية
للعقد تقوم على عناصر ثلاثة، الاول هو وقوع اخلال بالعقد من جانب احد المتعاقدين والثاني ان ينتج عن هذا الاخلال ضرر جوهري يمس المتعاقد
الآخر ، والثالث ان يكون هذا الضرر متوقعاً ، ونتولى فيما يلي دراسة هذه العناصر بالتتابع
.
اولاً : الاخلال
الاصل هو ان ينفذ كل متعاقد ما يقع على عاتقه من
التزامات بموجب العقد . الا ان ثمة اخلال بواحدٍ او اكثر من هذه الالتزامات قد يقع
من جانب احد المتعاقدين . والاخلال بالالتزام عموماً قد يكون بعدم تنفيذ الالتزام برمته
، كعدم قيام البائع بتسليم البضاعة محل البيع . وقد يكون بعدم تنفيذ جزء من الالتزام
، كقيام البائع بتسليم جزء من البضاعة . كما ويتحقق الاخلال ايضاً بتنفيذ الالتزام
تنفيذاً معيباً كقيام البائع بتسليم بضاعة غير صالحة او غير مطابقة للمواصفات المتفق
عليها في العقد . واخيراً قد يتجلى الاخلال في صورة التنفيذ المتأخر للالتزام ، مما
يؤدي الى ضياع كل منفعة يقصدها المتعاقد من العقد .
والواقع من الامر فأن اتفاقية فيينا لاتشترط صدور
خطأ من الطرف المخل بالالتزام للقول بتحقق الاخلال ، لانها تقيم مسؤولية الأخير بصرف
النظر عن توافر ركن الخطأ ، فأثبات عدم التنفيذ أياً كان سبب كافٍ لانعقاد مسؤولية
المتعاقد المخل(28). وتتبنى م (7-1-1 ) من مبادئ اليونيدروا الاتجاه ذاته ، اذ تنص
على انه ( يعني عدم التنفيذ اخفاق أي من الاطراف في تنفيذ أي من التزاماته الواردة
في العقد ويشمل ذلك التنفيذ المعيب او التنفيذ المتأخر ) . فالنص لم يفرق بين عدم التنفيذ
بعذر وعدم التنفيذ بغير عذر في معرض تحديده لمفهوم عدم التنفيذ . كما وتجيز م (
7-3-1 ) من المبادئ المتقدمة انهاء العقد متى ارتقى عدم التنفيذ الى مرتبة الاخلال
الجوهري بالعقد ودون التمييز ايضاً بين عدم التنفيذ بعذر او عدم التنفيذ بغير عذر
. اذ تنص على انه : (يجوز لأي طرف انهاء العقد اذا فشل الطرف الآخر في تنفيذ التزام
يرتقي الى مرتبة الاخلال الجوهري بالعقد ).
هذا ولايقتصر الاخلال
بالعقد على عدم تنفيذ الالتزامات الناجمة عن العقد حصراً بل انه يشمل الالتزامات التي
تقضي بها الاعراف والعادات التجارية والتعامل السابق بين البائع والمشتري(29) ، وكذلك
الالتزامات التي تقضي بها احكام الاتفاقيات الدولية(30).
وتجدر الاشارة الى ان عدم تنفيذ الالتزام اياً كان
مصدره يعد اخلالاً بالعقد وبغض النظر عما اذا كان هذا الالتزام اساسياً ام ثانوياً
، اذ يتوجب النظر الى حجم الضرر المتولد عن الاخلال وليس الى نوع الالتزام الذي تم
الاخلال به .
ثانياً : الضرر
الجوهري
لم تكتف اتفاقية فيينا بتحقق الضرر لإقرار مسؤولية
المتعاقد عن عدم التنفيذ والسماح للمتعاقد الآخر بفسخ العقد ، بل انها اشترطت ان يبلغ
الضرر درجة كبيرة من الجسامة. وتعبر الاتفاقية عما تقدم من خلال النص على اعتبار المخالفة
جوهرية متى تسببت بالحاق ضرر بالطرف الآخر يترتب عليه حرمانه بصفة اساسية بما كان يحق
له ان يتوقع الحصول عليه من منفعة من العقد(31).
ومعيار التوقع هنا هو معيار موضوعي لا شخصي فلا يعتد بما يتوقعه المتعاقد وفقاً
لرؤيته الخاصة ، بل الى ما يفترض به ان يتوقعه وفقاً لظروف العقد .
ولكن قد يثور التساؤل حول كيفية تحديد ما يتوقعه
المتعاقد ؟
الواقع من الامر ، فأنه قد يتم تحديد ذلك من خلال
العقد ذاته ، ويتحقق ذلك عندما يتفق الطرفان على الغرض الاساسي من ابرام العقد والمنفعة
التي يرجوان تحقيقها منه ويدرجان ذلك في العقد المبرم بينهما. فأذا لم يتحقق هذا الغرض وتلك المنفعة اعتبر الضرر جوهرياً ، اما
اذا لم يذكر الطرفان صراحة في العقد المنفعة التي يقصدها كل منهما من العقد ، فأنه
يتم الرجوع الى مايصدر عنهما من بيانات أو مراسلات او ايضاحات او تصرفات اخرى قبل البيع
وبعده ، ويشمل ذلك المفاوضات التي قد تجري بين الطرفين قبل ابرام العقد(32) .
كما قد يتم اللجوء الى طبيعة المبيع لتحري ما يتوقعه
الشخص من منفعة ، فأذا كان المبيع خيولاً اعدت للسباق ، فأن تسليم خيول غير معدة لذلك
يرتب ضرراً جوهرياً بالمشتري ، لأنه يحرمه بشكل اساسي من المنفعة المرجوة من التعاقد
.
من جانب آخر فأنه يشترط تحقق الضرر فعلاً فلا يكتفي
بأحتمال تحققه الا انه لايشترط ان يكون الضرر حالاً ، بل قد يكون الضرر مستقبلاً متى
كان محقق الوقوع في المستقبل . فأذا اشترى تاجر بضاعة بقصد تصريفها بعد فترة معينة
لوجود مخزون لديه لم ينفذ بعد ، وتأخر البائع في تسليم البضاعة او سلمها معيبة ، فأنه
يعد مرتكباً مخالفة جوهرية ، فالضرر هنا يعد محقق الوقوع في المستقبل ، أي عند نفاذ
الكمية المخزونة (33) .
بالاضافة لما تقدم ، فأن تقدير جوهرية الضرر يعد
مسألة وقائع يستقل بتقديرها قاضي محكمة الموضوع وفقاً لظروف كل قضية فقد يكون ذات الاخلال
في بعض الاحيان متسامحاً فيه ، وفي احيان اخرى يرتب ضرراً جوهرياً . ففي الظروف العادية
مثلاً لايؤدي التأخير في تسليم البضاعة ليوم او يومين الى ضرر يذكر ، لكنه قد يؤدي
الى ضرر جوهري اذا كان القصد من شراء البضاعة المشاركة بها في معرض يستمر يومين فقط
. وينبغي أن يدخل في تقدير جوهرية الضرر ما يعرضه الطرف المخالف لعلاج الضرر من حلول
تؤدي الى تقليل الضرر او تلافي جزء كبير منه . فقيام البائع بأصلاح البضاعة التالفة
او شراء بضاعة اخرى بديلة من شأنه رفع الضرر
الذي لحق بالمشتري او جزء كبير منه بحيث لايشكل ما تبقى من الضرر الا مقداراً
يسيراً ، فلا يمكن اعتباره ضرراً جوهرياً . بيد انه يشترط في هذه الحالة ان لايترتب
على محاولة البائع اصلاح الضرر تأخير غير معقول او مضايقة غير معقولة للمشتري ، وان
لاتثور لدى الاخير شكوكاً حول نية البائع في رد النفقات التي تكبدها المشتري بسبب الاخلال
بالالتزام . وبهذا الصدد تنص م (48/1) من اتفاقية فيينا على انه (... يجوز للبائع ولو بعد تأريخ التسليم أن يصلح
على حسابه كل خلل في تنفيذ التزاماته بشرط ان لايترتب على ذلك تأخير غير معقول ولايسبب
للمشتري مضايقة غير معقولة او شكوكاً في قيام البائع بدفع المصاريف التي انفقها المشتري
....) . الا انه يجب عندئذ ان لايكون المشتري قد بادر الى طلب فسخ العقد ، فمتى وقع
طلب الفسخ فلا مجال للاصلاح(34) . هذا ويقتضي حسن النية من المشتري ان يترك للبائع
فترة زمنية يحاول خلالها اصلاح الخلل في التنفيذ . فأذا تبين للمحكمة ان اصلاح الخلل
في التنفيذ كان ممكناً وفقاً لظروف القضية وان المتعاقد مرتكب الاخلال قد افصح عن رغبته
في ذلك ، الا ان المتعاقد الاخر تجاهل دعوته للاصلاح وبادر الى طلب الفسخ، فيجوز للمحكمة ، عندئذ عدم اعتبار اخلال البائع
مخالفة جوهرية وبالتالي عدم الحكم بالفسخ(35) .
وتجدر الاشارة الى انه في حالة وجود حلول أخرى لدرأ
الضرر غير الفسخ ، فلا يعد الضرر عندئذ جوهرياً كما لو كان تخفيض الثمن او دفع تعويضات معينة يعد علاجاً كافياً لدرء الضرر
. وفي بعض الحالات قد يتفق الاطراف مقدماً في العقد على اعتبار اضراراً معينة اضراراً
جوهرية وان لم تكن كذلك وفقاً لأحكام اتفاقية فيينا ، كما لو اتفق الطرفان على اعتبار
أي عيب وان كان بسيطاً يظهر عند تشغيل المبيع يقيم مسؤولية البائع ويجيز للمشتري فسخ
العقد كما قد تتضمن الاعراف التجارية تحديداً لما يعد ضرراً جوهرياً وبصرف النظر عن
احكام اتفاقية فيينا(36) .
هذا وقد يكون الضرر جوهرياً منذ بدايته أو قد يبدأ
بسيطاً ويتفاقم بمرور الزمن كما لو كان المبيع اجهزة كهربائية بها عيب بسيط عند بدء
تشغيلها ،ثم ازداد العيب مع استمرار التشغيل.
ثالثاً : توقع
الضرر
العنصر الثالث للمخالفة الجوهرية للعقد هو ان يكون
الضرر متوقعاً من قبل الطرف المخل بالتزامه ومن قبل أي شخص سوي الادراك من صفة الطرف
المخل وموجود في نفس ظروفه(37) . واشتراط توقع الضرر امر يحقق العدالة، فليس من المعقول ان يتحمل المتعاقد نتيجة لايمكن
له توقع حدوثها . بيد ان تقدير التوقع يصعب الاعتماد فيه على ما يقدم من معلومات من
الطرف المخل بالتزامه فقط ، اذ ان معلوماته بهذا الصدد ، وما يجول في خاطره من تقدير
لهذه المعلومات قد يتأثر بعوامل عديدة . فقد يمتنع الطرف المضرور بقصد ، او بدونه عن
اخطار الطرف المخل ببعض المعلومات الضرورية التي قد تساعده على توخي الضرر . وقد يهمل
طرف ثالث ( رسول ) ايصال هذه المعلومات الى علمه . وقد تصل بالفعل ولكنه يعجز عن تفسيرها
على النحو الصحيح لنقص في ادراكه او ثقافته او خبرته ، ومثل هذه الامور الشخصية تثير،
دون شك لبساً كبيراً وصعوبة تجعل من غير المناسب التعويل على المعيار الشخصي في تقدير
التوقع. لذلك اعتمدت اتفاقية فيينا معياراً
موضوعياً قوامه الشخص العاقل الذي يكون من صفة الطرف المخالف وفي نفس ظروفه(38) .
هذا وقد سكتت اتفاقية فيينا عن تحديد الوقت الذي
يجب ان يتم فيه توقع الطرف المخل للضرر ، هل هو وقت ابرام العقد ؟ أم هو وقت ارتكاب
الاخلال ؟
ذهب جانب من الفقه(39) الى ان النظر الى مدى توافر التوقع من عدمه يجب
ان يتم وقت ابرام العقد مستنداً في ذلك الى ان اتفاقية فيينا قد اخذت بوقت ابرام العقد
في مواضع عدة لعل اهمها م (73/1 ) والتي تجيز
في عقد البيع على دفعات للمشتري اذا اعلن فسخ العقد بالنسبة لأحدى الدفعات ان يعلن
وفي نفس الوقت فسخ العقد بالنسبة للدفعات المسلمة أو التي لم تسلم بعد وذلك متى اصبح
استعمال المبيع غير ممكن وفقاً للغرض الذي اراده المتعاقدان وقت ابرام العقد
.
كما تحدد م (
74 ) من اتفاقية فيينا قيمة التعويض الذي يستحقه احد الطرفين بسبب مخالفة الطرف الآخر
التزامه العقدي بأن يتألف من مبلغ يعادل الخسارة التي لحقت بالطرف الآخر والكسب الذي
فاته بسبب المخالفة على ان لايتجاوز التعويض قيمة الخسارة والربح الضائع التي توقعها
الطرف المخالف أو التي كان له ان يتوقعها وقت ابرام العقد . ومن جانب آخر ، فأن اتفاقية
لاهاي 1964 تتطلب ان يتم العلم بالمخالفة وآثارها وقت ابرام العقد ، مما يستدعي الأخذ بالحكم ذاته في اتفاقية فيينا
ما دامت لم تخالفه بنص صريح .
الواقع في الامر فأنه يبدو عدم امكانية الأخذ بالرأي
المتقدم ، اذ ان القياس على ماورد من حكم في المادتين ( 73/1، 74) من اتفاقية فيينا
غير دقيق ، لاختلاف موضوع المادتين المذكورتين عن موضوع المادة (25) . فالمادة
(73/1) تتعلق بغرض الطرفين من البضاعة في عقود البيع على دفعات حصراً ، والمادة
(74) تتعلق بتقدير التعويض . ولو اراد واضعوا الاتفاقية تعميم الحكم الوارد بالمادتين
المذكورتين لجعلوا منه مبدءا" عاماً يحكم كافة المسائل وبصراحة .
لذلك فأنه يبدو لنا ان من الارجح الأخذ بوقت ارتكاب
الاخلال بالالتزام لتقدير مدى توقع الطرف المخالف للضرر الجوهري الذي لحق بالطرف الاخر
، مما يتطلب بالضرورة ان يؤخذ بنظر الاعتبار أمران . الاول هو كافة المتغيرات والظروف
التي طرأت على السوق بعد ابرام العقد . والثاني هو كافة المعلومات التي تصل الى علم
احد المتعاقدين بعد ابرام العقد وقبل التنفيذ ما دام لايوجد مايحول بينه وبين تنفيذ
التزامه وفقاً لتلك التعليمات . فعلى سبيل المثال اذا تم التعاقد على بيع سلعة اتفق
الطرفان على تغليفها بطريقة معينة كي يتمكن المشتري من اعادة بيعها مجدداً . وبعد وقت
قصير من ابرام العقد ارسل المشتري معلومات الى البائع تفيد انه يجب وضع بيان معين على
الغلاف وبطريقة معينة ، وان ذلك يعد شيئاً ضرورياً لأمكانية بيعها مجدداً في بلد المشتري
، فأن عدم قيام البائع بوضع البيان المذكور وبالطريقة المحددة يُعد مخالفة جوهرية ولايمكن
له التمسك بعدم توقعه للضرر الذي لحق بالمشتري
من جرائها .
المطلب الثالث
تطبيقات فكرة المخالفة
الجوهرية للعقد
نتولى في هذا الموضع دراسة الاحوال المختلفة التي
قد تتجلى من خلالها صورة المخالفة الجوهرية للعقد في التزامات كلٍ من البائع والمشتري.
اولاً : تطبيقات
فكرة المخالفة الجوهرية في التزامات البائع
تتجسد التزامات البائع الر ئيسية في الالتزام بتسليم
البضاعة والالتزام بتسليم المستندات والالتزام بالمطابقة(40) .وهي التزامات فصلت في
تنظيمها اتفاقية فيينا . اما الالتزام بنقل الملكية فلم تنظمه الاتفاقية، بل استبعدت
ذلك بموجب نص م (4) منها ، وذلك لاختلاف التشريعات الوطنية في تنظميها لمسألة نقل الملكية
مما يجعل من الصعب توحيد الاحكام الخاصة بهذا الموضوع في اتفاقية دولية .
1- الالتزام بتسليم
البضائع
يمكن تعريف التسليم بأنه وضع البضاعة تحت تصرف المشتري
بحيث يتمكن من صيانتها والانتفاع بها دون عائق ، وتختلف الكيفية التي يتم بها تنفيذ
عملية التسليم وفقاً لطبيعة البضاعة المبيعة(41) ، هذا ولم تتضمن اتفاقية فيينا تعريفاً
للتسليم . بخلاف اتفاقية لاهاي التي عرفته في المادة (19) منها بأنه تسليم بضائع مطابقة
للعقد ، ويعاب على المادة المذكورة بأنها عرفت التسليم بأنه تسليم بضائع فلم تبين معنى
التسليم الا بكونه تسليما وهو مايعده البعض من قبل تفسير الماء بالماء(42) .
واياً كان الامر ، فأن الاخلال بالالتزام بالتسليم
يتحقق اذا لم يقم البائع بتنفيذ هذا الالتزام اصلاً او اذا لم ياتزم بالزمان والمكان
المحددين للتسليم . ولاخلاف على ان البائع اذا لم ينفذ التزامه بتسليم البضاعة فأنه
يعد مرتكباً مخالفة جوهرية ، اذ ان الالتزام بالتسليم هو التزام بتحقيق نتيجة ، فأذا
لم تتحقق هذه النتيجة عُدَّ البائع مخلاً بالتزامه وإن ثبت انه قد بذل كل مايستطيع
من جهد لتنفيذ هذا الالتزام(43) .
هذا ويعد اخلال البائع بالالتزام بالتسليم مخالفة
جوهرية تجيز للمشتري فسخ العقد وان كان سبب الاخلال هو السبب الاجنبي . فأثر السبب
الاجنبي – وفقاً لاتفاقية فيينا – قاصر على اعفاء المدين من التعويض (44) . أما اذا
اقتصر اثر السبب الاجنبي – العائق وفقاً لاتفاقية فيينا – على اعاقة تنفيذ الالتزام
لفترة زمنية معينة ، بحيث يتمكن البائع بعدها من التنفيذ ، فأن البائع يعفى من المطالبة
بالتعويض خلال الفترة التي يستمر فيها السبب الاجنبي(45) . كما يجوز للمشتري فسخ العقد
اذا كان تأخير التسليم بسبب السبب الاجنبي يشكل مخالفة جوهرية ، كما لو كان لتأريخ
التسليم اهمية خاصة بالنسبة للمشتري ، بحيث ان تجاوز هذا التأريخ يؤدي الى حرمان المشتري
من المنفعة التي كان يأمل الحصول عليها من العقد(46) .
والواقع من الامر ، فأن الاخلال بالالتزام بالتسليم
على النحو الذي يشكل مخالفة جوهرية للعقد ، قد يتحقق من خلال الاخلال بميعاد التسليم
أو الاخلال بمكان التسليم .
فأذا انصبت المخالفة الجوهرية على الاخلال بميعاد
التسليم ، فأنه يجب عندئذ التمييز بين حالتين :
الحالة الاولى
: الاتفاق على تحديد ميعاد التسليم : فأذا اتفق الطرفان على تحديد ميعاد تسليم البضاعة
أوعلى كيفية تحديد هذا الميعاد فأن الاخلال بميعاد التسليم يتحقق بتسليم البضاعة بعد
حلول الموعد المذكور او قبل حلول هذا الموعد . فأذا تم تسليم البضاعة بعد حلول الموعد
المحدد للتسليم ، فلا يعد ذلك مخالفة جوهرية الا اذا نجم عن هذا التأخير ضرر جوهري
بالمشتري(47) . اما اذا أكد الطرفان في العقد على اهمية الالتزام بميعاد التسليم بدقة
، فأن أي تأخير مهما كان بسيطاً يعد مخالفة جوهرية تجيز للمشتري فسخ العقد(48)
.
كما يعد مخالفة جوهرية تسليم البضائع قبل حلول الموعد
المحدد للتسليم ويسمى التسليم المبكر ، في هذه الحالة ، بالتسليم المبتسر . فالمشتري
قد لايكون مستعداً لتسليم البضاعة ، كما لو لم يكن قد هيأ بعد المخازن المناسبة لأيداع
البضاعة ، او كما اذا لم يكن مستعداً لأداء ما بذمته من الثمن اذا كان التسليم لازماً
لأداء الثمن . ولكن يشترط لأعتبار التسليم المبستر مخالفة جوهرية ان ينجم عنه ضرر جسيم
بالمشتري . اما اذا نجم عنه مجرد ضرر بسيط او طفيف ، فلايجوز للمشتري عندئذ فسخ العقد
بل يكون له رفض تسليم البضاعة ، ويتحمل البائع عندئذ نفقات اعادتها او تخزينها في مكان
التسليم حتى حلول الموعد المحدد(49) .
الحالة الثانية
: عدم الاتفاق على تحديد ميعاد تسليم البضاعة: يلتزم البائع هنا بالتسليم خلال مدة
معقولة بعد ابرام العقد(50) . ويترك تحديد مدى معقولية المدة لتقدير قاضي الموضوع أو
المحكم الذي يتولى نظر النزاع . ويراعى في تقديرها عادة، ظروف الحال كأحتياجات المشتري
التي يعلمها البائع والمدة اللازمة لتصنيع المبيع وطبيعته(51) .
اما اذا انصب الاخلال على مكان تسليم البضاعة ،
فأنه يجب عندئذ ايضاً التمييز بين حالتين:
الحالة الاولى
: الاتفاق على تحديد مكان التسليم : اذ يلتزم البائع عندئذ بتسليم البضاعة في ذات المكان
المتفق عليه ، ولايجوز له تسليمها في أي مكان آخر والا فأنه يعد مرتكباً اخلالاً يرتقى
الى مرتبة المخالفة الجوهرية التي تجيز للمشتري فسخ العقد .
الحالة الثانية
: عدم الاتفاق على تحديد مكان التسليم : في هذه الحالة يجب الرجوع الى نص م (31) من
اتفاقية فيينا والتي تعالج فروضاً ثلاثة .
الفرض الاول :
اذا تضمن عقد البيع نقل البضاعة كما في البيع سيف ، فأن البائع يلتزم بتسليم البضاعة
في ذات المكان الذي تتم فيه مناولة البضاعة الى الناقل الاول بقصد ارسالها الى المشتري
. ويشترط لتمام التسليم في هذا الفرض ان يحوز الناقل البضاعة حيازة مادية فعلية(52) ، فلا يكفي مجرد قيام البائع بوضع البضاعة تحت تصرفه
في ميناء الشحن واخطاره بوجودها على رصيف الميناء(53) .
الفرض الثاني
: اذا تعلق البيع ببضاعة معينة بذاتها موجودة في مكان معين او اذا كانت البضاعة معينة
بجنسها فقط على ان تفرز من مخزون محدد ، او تصنع او تنتج في مكان محدد(54) ، وعلم الطرفان
وقت التعاقد ان البضاعة موجودة في المكان المحدد ، فيلتزم البائع ، عندئذ بتسليم البضاعة
في المكان المذكور(55) ، فالبائع هنا لايلتزم بأيصال البضاعة حيث يريد او حيث يوجد
المشتري ، بل يتم التسليم بمجرد وضع البضاعة تحت تصرف المشتري في المكان الذي توجد
فيه البضاعة او تصنع او تنتج وعلى المشتري بعد ذلك السعي الى حيث توجد البضاعة لتسلمها(56)
.
الفرض الثالث : ويشمل جميع الحالات التي لاتدخل ضمن
الفرضين المتقدمين ، كما لو كانت البضاعة معينة بالذات ولايعلم المشتري بمكان وجودها
، اذ يلتزم البائع بتسليم البضاعة الى المشتري في ذات المكان الذي يعد مركزاً لأعمال
البائع وقت ابرام العقد(57) .
عليه ، فأن عدم التزام البائع بالاحكام المتقدمة
في تسليم البضاعة الى المشتري ، يعد اخلالاً تتحقق معه فكرة المخالفة الجوهرية للعقد
. بيد انه يشترط عندئذ الا يكون في المقدور اعادة البضاعة الى المكان الذي يتعين على
البائع تسليمها فيه ، او ان يترتب على تلك الاعادة تأخير غير معقول في ميعاد التسليم
.
وتجدر الاشارة الى انه عدم التزام البائع بتسليم البضاعة وفقاً للاحكام
المتقدمة لا يعد اخلالاً تنهض معه فكرة المخالفة الجوهرية في حالات ثلاث :
الاولى : اذا كان
بسبب فعل او اهمال صدر من المشتري ذاته كما لو تخلف المشتري عن تزويد البائع بالمواصفات
التي يجب ان تكون عليها البضاعة مما جعل من
المتعذر على البائع تنفيذ التزامه بالتسليم(58) .
الثانية : اذا
كان استعمالاً لحقه في حبس البضاعة حتى استيفاء الثمن من المشتري(59) .
الثالثة : اذا
كان استعمالاً لحقه في وقف تنفيذ التزاماته(60)
.
2- الالتزام بتسليم
المستندات : الواقع من الامر ، فأن المستندات التي يلتزم البائع بتقديمها تختلف وفقاً
لأتفاق المتعاقدين والاعراف السارية في كل نوع من البيوع الدولية(61) . وأياً كان الامر
فأن تلك المستندات قد تكون ممثلة للبضائع كسند الشحن وسند الايداع في المستودعات العامة
. وقد تكون ضرورية ليتأكد المشتري من مطابقة البضائع المسلمة اليه لما تم الاتفاق عليه
في العقد كشهادة المصدر وشهادة المعاينة وشهادة النوع والقائمة القنصلية . كما قد تكون تلك
المستندات لازمة لضمان وصول البضاعة الى المشتري كوثيقة التأمين . وقد تتعلق بأجراءات
مرور البضاعة بين الدول كترخيص التصدير والشهادة الصحية(62) .
والغالب من الامر هو ان يقوم البائع بتسليم المستندات
الى المشتري من خلال قيام هذا الأخير بفتح اعتماد مستندي(63) لصالح البائع وبقيمة تعادل
قيمة البضاعة المبيعة . ويتم الاتفاق بين المشتري والمصرف فاتح الاعتماد على ان لايقوم
بوفاء قيمة الاعتماد للبائع الا بعد ان يسلم الأخير كافة المستندات المتعلقة بالبضاعة
الى المصرف فاتح الاعتماد ليتولى الأخير تسليمها للمشتري(64) .
وأياً كان الامر فأن التزام البائع بتسليم المستندات
قد حددت نطاقه المادة (34) من اتفاقية فيينا والتي تلزم البائع بتسليم المستندات المتعلقة
بالبضاعة في الزمان والمكان المحددين في العقد ووفقاً للشكل الذي يقتضيه . واذا قام
البائع بتنفيذ هذا الالتزام قبل الميعاد المتفق عليه ، فله حتى ذلك الميعاد ان يعالج
أي نقص او عيب في مطابقة المستندات متى لم تؤد ممارسة هذا الحق الى إلحاق مضايقات غير
معقولة بالمشتري او تحميله نفقات غير معقولة ، وفي جميع الاحوال يحتفظ المشتري بحقه
في طلب التعويض .
عليه فأن الاخلال بالالتزام بتسليم المستندات على
النحو الذي يعتبر معه مخالفة جوهرية للعقد وفقاً لاتفاقية فيينا يتحقق في الحالات الآتية
:
الحالة الاولى: اذا لم يقم البائع بتسليم المستندات المتعلقة بالبضاعة
كلاً او جزءً وان كان ذلك بسبب قوة قاهرة . الا ان عدم تسليم المستندات لايعد اخلالاً
اذا كان راجعاً الى فعل او اهمال المشتري أو استعمالاً لحق البائع في حبس المستندات
لحين وفاء المشتري الثمن او استعمالاً لحقه في وقف تنفيذ التزاماته اذا بدر من المشتري
ما يؤكد انه لن يقوم بتنفيذ جانب هام من التزاماته .
الحالة الثانية
: اذا قام البائع بتسليم المستندات في غير المكان المحدد لذلك . ولكن يشترط لاعتبار
ذلك اخلالاً الا يكون من الممكن اعادة تلك المستندات الى المكان المتفق عليه ، او ان
يترتب على تلك الاعادة ضرر غير مقبول بالنسبة للمشتري .
الحالة الثالثة
: اذا قام البائع بتسليم المستندات في غير
الزمان المحدد لذلك ، فأذا سلمها قبل حلول الموعد المحدد للتسليم ، فالغالب ان لايعتبر هذا التسليم المبكر إخلالاً، اذا كان بأمكان المشتري الاحتفاظ بالمستندات حتى
حلول ميعاد التسليم . ويرى البعض(65) بأن لهذا
التسليم المبكر فائدته اذ انه يمكن المشتري من الحصول على وقت اكبر من اجل فحص المستندات
والتأكد من مطابقتها لشروط العقد ومن ثم مطالبة البائع بأصلاح ما قد يشوبها من خلل
. اما اذا قام البائع بتسليم المستندات بعد الموعد المحدد لذلك ، فأن هذا التسليم المتأخر
يعد اخلالاً متى نجم عنه ضرر جوهري بالمشتري . كما لو أدى الى حرمان المشتري من فرصة
بيع البضاعة في الطريق بربح كبير ، او حرمان المشتري من استلام البضاعة من الناقل بسبب
عدم حيازته لسند الشحن ، أو حرمانه من الحصول على مبلغ التأمين اذا تأخر البائع في
ارسال وثيقة التأمين اليه .
الحالة الرابعة
: قيام البائع بتسليم مستندات غير مطابقة لما تم الاتفاق عليه في العقد . كما لو كانت
البيانات المدونة في المستندات غير كاملة او غير واضحة او مدونة بلغة تختلف عن لغة
العقد او اذا كانت مواصفات البضاعة المثبتة في المستندات تختلف عن مواصفات البضاعة
المتفق عليه في العقد(66) .
3- الالتزام بالمطابقة
: يعد الالتزام بالمطابقة من الالتزامات الاساسية للبائع اذ يلتزم الأخير بتسليم بضاعته
مطابقة للعقد كماً ونوعاً ووصفاً وحتى مايتعلق بطريقة التغليف او التعبئة او الحزم
.
فأذا لم يتضمن العقد تحديداً للبضاعة فيتم الرجوع
الى الاعراف السارية في التجارة الدولية فيما يتعلق بكل نوع من انواع البيوع الدولية(67)
.
الا ان التساؤل قد يثور حول متى تكون البضاعة مطابقة
لشروط العقد ؟ الواقع من الامر ، فأن هذا التساؤل تجيب عنه المادة (36) من اتفاقية
فيينا ، حيث تحدد البضائع المطابقة لشروط العقد كما يأتي :
أ- صالحة للاستعمال
في الاغراض التي تستعمل فيها بضاعة من نفس النوع . كأن يشتري تاجر تجزئة بضائع من تاجر جملة لبيعها
مرة اخرى ، اذ يجب ان تكون هذه البضاعة ممكنة البيع والتداول في العمليات التجارية
.
ب- صالحة في الاغراض
الخاصة التي احيط بها البائع علماً صراحةً او ضمناً وقت انعقاد العقد . كأن يشتري شخص
سيارات تصلح للسير في الاماكن الوحلة او الصحراوية فأذا سلمه البائع سيارات لاتصلح
لتلك الأغراض فيعد مخلاً بالتزامه بالمطابقة .
جـ-متضمنة الصفات
الموجودة في العينة او النموذج والتي سبق عرضها على المشتري .
د- معباءة او مغلفة
بذات الطريقة التي تستعمل عادة في تعبئة وتغليف بضائع من نفس النوع او بطريقة تكون
مناسبة لحفظها من الضرر.
فأذا خالف البائع الاحكام المتقدمة للالتزام بالمطابقة
فأن تلك المخالفة تعد أخلالاً تنهض معه فكرة المخالفة الجوهرية اذا توافرت شروطها الاخرى
. الا انه يشترط لأعتبار المخالفة ، في الفرض المتقدم ، اخلالاً ان لايكون من الممكن
تسليم بضائع بديلة للبضائع غير المطابقة او اصلاح العيب في البضائع شريطة ان لايترتب
على ذلك مضايقة للمشتري أو ارهاقه بنفقات غير معقولة(68) .
هذا ويجب لكي يكون العيب في المطابقة مخالفة جوهرية
ان يكون موجوداً وقت انتقال تبعة الهلاك الى المشتري ، وان ظهر في وقت لاحق(69) . الا
انه يشترط عندئذ ان لايكون المشتري على علم بوجود العيب في المطابقة او ان يكون من
غير الممكن ان يجهله ، هذا وتحدد اتفاقية فيينا وقت انتقال تبعة الهلاك الى المشتري
عموماً بأنه وقت تسليم البضائع اليه مباشرة او الى الناقل الذي يتولى نقلها(70) . فأذا
كان المبيع اجهزة كهربائية تعرضت للعطب بسبب البلل فلايستطيع المشتري ان يتمسك بعدم
المطابقة في مواجهة البائع الا اذا كانت الاجهزة قد تم تسليمها بالحالة المذكورة الى
الناقل في ميناء الشحن .
كما يعد عدم المطابقة مخالفة جوهرية وان اتضح وجوده
بعد انتقال تبعة الهلاك الى المشتري متى امكن نسبة عدم المطابقة الى اخلال البائع بأي
من التزاماته . ففي البيع سيف مثلاً يلتزم البائع بأبرام عقد نقل البضاعة مع ناقل متخصص(71) ، فاذا أخل بهذا الالتزام بأن تعاقد مع ناقل غير
متخصص مما ادى الى تعرض البضاعة الى التلف فأنه يسأل عن عدم المطابقة وان انتقلت تبعة
الهلاك الى المشتري بتسليم البضاعة اليه .
بالاضافة لما تقدم ، فأن بعض البيوع قد تتضمن شرطاً
يقضي بأعتبار مصدر أو منشأ البضاعة محل اعتبار في العقد(72) . وعندئذ فأن تسليم البضاعة
من منشأ مختلف يعد عيباً في مطابقة البضائع لما تم الاتفاق عليه ، فتنهض بذلك فكرة
المخالفة الجوهرية . اذ يتعين على البائع الحصول على البضاعة من ذات المنشأ المتفق
عليه ولايعفيه من التعرض للفسخ الحصول على بضاعة مشابهة – حسب تقديرنا – الا اذا وافق
المشتري ، ذلك ان الأخير يهمه عادة الحصول على البضائع من مناشئ معينة لجودتها او لامكانية
تصريفها في الاسواق المحلية في دولته ولايغنيه عن ذلك الحصول على بضائع مشابهة وان
كانت من مناشئ لاتقل كفاءة عن المناشئ المتفق عليها. كما ان المشتري قد لايرغب بالتعامل
مع بضائع من مناشئ معينة لأسباب اقتصادية او اجتماعية او حتى سياسية.
ثانياً : التزامات
المشتري
تتمثل التزامات المشتري الاساسية في عقد البيع الدولي
للبضائع في دفع الثمن وتسلم المستندات ونتولى دراسة تطبيقات فكرة المخالفة الجوهرية
للعقد في الالتزامين المذكورين بالتتابع :
1- الالتزام بدفع
الثمن
يتضمن التزام المشتري بدفع الثمن اتخاذ ما يلزم
من اجراءات تشترطها القوانين النافذة في دولة المشتري(73) ، سواء اكانت تلك الاجراءات من طبيعة تجارية كقبول
الحوالات او فتح اعتماد مستندي او تقديم خطاب ضمان مصرفي ، أم من طبيعة ادارية كالحصول
على موافقة الجهات المختصة لتحويل النقد اللازم للوفاء بالثمن .
فأذا تخلف المشتري عن اتخاذ تلك الاجراءات فأنه
يعد مرتكباً مخالفة جوهرية تجيز للبائع فسخ العقد . كما لو لم يقم بفتح اعتماد مستندي
او تقديم خطاب ضمان ، ويحق للبائع في هذه الحالة وقف ارسال البضائع اذا لم يخطره المصرف
بفتح الاعتماد او تقديم خطاب الضمان. ولايعفى المشتري من المسؤولية حتى وان كان عدم
تنفيذ التزامه بسبب قوة قاهرة كأشهار افلاس المصرف اذ ان اثر القوة القاهرة ينصرف الى
اعفاء المشتري من التعويض(74) .
هذا ويلزم المشتري بدفع الثمن في المكان المتفق
عليه في العقد فأذا خلا العقد من بيان مكان دفع الثمن ، فيصار عندئذ الى اعتماد نص
م (57) من اتفاقية فيينا والتي تلزم المشتري ، بدفع الثمن في مكان عمل البائع او في
مكان تسليم البضائع اذا كان الدفع مطلوباً مقابل تسليم البضائع والمستندات . فأذا أخل
المشتري بالاحكام المتقدمة ، فلا يعد هذا الاخلال بالضرورة مخالفة جوهرية ، اذ يمكن
معالجته بأعادة ارسال الثمن الى المكان المحدد(75) . والغالب في التجارة الدولية ان
يتم اداء الثمن عن طريق مصرف دولة المشتري ومن خلال فتح اعتماد مستندي ، فلا تثور مشكلة
حول مكان دفع الثمن ، اذ يتولى المصرف الدفع مقابل تسلم المستندات من البائع . ويتم
ذلك بوساطة فرعه في دولة البائع او بوساطة مصرف آخر في دولة البائع . وعموماً فأن اخلال
المشتري بالاحكام الخاصة بمكان اداء الثمن لا يعد مخالفة جوهرية الا اذا ترتب عليه
ضرر جوهري بالبائع . كما لو قام المشتري بفتح اعتماد لدى مصرف ليس له فرع ولايتعامل
مع أي مصرف في دولة البائع مما أعاق البائع عن تسلم الثمن بسهولة .
من جانب آخر فأن المشتري يلتزم بدفع الثمن في الموعد
المحدد في العقد . فأذا أراد المشتري اداء
الثمن في موعد مبكر ، أي قبل حلول ميعاد
استحقاقه ، فلا يعد ذلك في الغالب مخالفة جوهرية بل ان البائع يرحب غالباً بهذا السداد
المبكر للثمن . واذا لم يتضمن العقد تحديداً لموعد الوفاء بالثمن ، كان المشتري ملزماً
بسداده في ذات الوقت الذي يضع فيه البائع البضاعة والمستندات تحت تصرفه(76) . فأذا
تأخر المشتري عن دفع الثمن بسبب تأخر البائع في تسليم البضائع والمستندات فلا يعد ذلك
مخالفة جوهرية .
2- الالتزام بتسلم
البضاعة
الواقع من الامر فأن تسلم البضاعة من قبل المشتري
عملية متلازمة في الغالب مع مع تسليمها من جانب البائع وتنظم المادة (60 ) من اتفاقية
فيينا التزام المشتري بتسلم البضاعة(77) . وتبين المادة المذكورة حدود الالتزام المذكور
من خلال قيام المشتري بأمرين :
الاول : جميع الاعمال
والتصرفات التي يتوقع ان تصدر وفقاً للمعقول من الامور لتمكين البائع من تسليم البضاعة
اليه . فأذا كان العقد يتطلب حضور المشتري او وكيله للتأكد من كمية البضاعة او وزنها
او عددها ، وجب عليه ان يحضر او يرسل وكيلاً عند القيام بالمهمة . وفي البيع فوب مثلا
يلتزم المشتري بتأجير السفينة وأخطار البائع بالوقت المناسب بأسم السفينة وحجز مكان
ملائم للبضاعة على ظهرها(78) .
واذا كان البائع
هو من يتحمل عبء الاجراءات الخاصة بأدخال البضاعة الى دولة المشتري كان الاخير ملزماً
بالحصول على كافة الترخيصات والتصريحات الادارية اللازمة لذلك .
وتجدر الاشارة الى ان المشتري لايلتزم الا بالقيام
بالاعمال التي يتوقع فعلاً ان يقوم بها ، اما الاعمال الاستثنائية غير المعتادة والتي
تخرج عن المألوف فلا يلزم بالقيام بها الا اذا تضمن العقد ذلك(79) .
الثاني : القيام بسحب البضاعة أي نقلها من مخازن
البائع او من الاماكن التي وضعت فيها البضائع تحت تصرفه الى مخازنه الخاصة ويعد سحب
البضاعة الى مخازن المشتري امراً ضرورياً ولازماً لأتمام عملية التسليم من جانب البائع
.
وقد يترتب على عدم سحب البضاعة في الوقت المناسب
اضراراً مالية كبيرة تلحق بالبائع او بالمشتري او بكليهما . كما لو تلفت البضاعة بسبب
تركها على رصيف الميناء لفترة طويلة . أو كما لو ادى تأخير سحب البضاعة الى تراكم غرامات
تأخيرية بحق البائع او المشتري . هذا ويلتزم المشتري بسحب البضاعة الى مخازنه الخاصة
خلال وقت معقول من تأريخ أخطاره من قبل البائع بوضع البضاعة تحت تصرفه(80) . كما ويلتزم
المشتري بتحمل كافة مصاريف سحب البضاعة والحصول على الترخيصات والموافقات الادارية
اللازمة .
عليه ، فان قيام المشتري بتنفيذ التزامه بتسلم البضاعة
على النحو المتقدم يعد مخالفة جوهرية لعقد البيع . ولكن يشترط عندئذ ان يؤدي اخلال
المشتري بألتزامه بالتسلم الى غل يد البائع عن تنفيذ التزامه بالتسليم بشكل حقيقي
.
اما اذا ادى اخلال المشتري الى مجرد زيادة الاعباء
المالية والمصروفات التي يتحملها البائع لاتمام التسليم ، فلا يعد هذا الاخلال – حسبما
نرى – مخالفة جوهرية . اذ يكون بأمكان البائع – في الفرض المذكور – المطالبة بالتعويض
عما تكبده من نفقات اضافية .
أخيراً ، تجدر الاشارة الى ان هنالك بعض الحالات
التي لايعد فيها اخلال المشتري بالتزامه بتسليم البضاعة مخالفة جوهرية وهي :
1- اذا كان اخلال
المشتري بتسلم البضاعة سببه ارتكاب البائع مخالفة جوهرية لعقد البيع . كما لو اكتشف
المشتري عدم مطابقة البضائع للعقد او وجود نقص كبير في المستندات المرسلة من البائع
.
2- اذا كان عدم
تنفيذ المشتري التزامه بتسلم البضاعة راجعاً الى استعمال حقه في رفض تسلم البضاعة
. اذ تجيز المادة (52) من اتفاقية فيينا للمشتري ان يرفض تسلم البضاعة اذا قام البائع
بتسليمه البضاعة قبل التأريخ المحدد للتسليم او اذا قام البائع بتسليم كمية تزيد على
تلك المحددة في العقد . اذ يستطيع المشتري رفض تسلم الكمية الزائدة . اما اذا كان مقدار
الزيادة كبيراً بحيث تعذر فصل البضاعة الزائدة عن البضاعة المتفق عليها للطريقة المتبعة
في التعبئة او التغليف او لوجودها في سند شحن واحد ، فيحق للمشتري عندئذ رفض تسلم البضاعة
برمتها(81) .
المبحث الثاني
إثر المخالفة الجوهرية
للعقد
( الفسخ
)
اذا ما تحققت المخالفة الجوهرية ، وفق ما تم بحثه
ثبت للمتعاقد المضرور الحق في فسخ العقد . وتنظم اتفاقية فيينا الفسخ بأعتباره اعنف
الجزاءات التي تترتب على تخلف احد طرفي عقد البيع عن تنفيذ التزاماته . الا أن الاتفاقية
المذكورة قد حدّت بشكل كبير من حالات الفسخ ، لما ينطوي عليه من آثار مدمرة على التجارة
الدولية وحركة البضائع والسلع في الاسواق العالمية. وتعالج اتفاقية فيينا احكام الفسخ من خلال تنظيم
الكيفية التي يتم بها الفسخ ، ووضع بعض القيود على استعمال حق الفسخ، وكذلك ترتيب آثار معينة تنجم عن الفسخ بعد وقوعه
.
لذلك نقسم هذا المبحث الى مطالب ثلاثة ندرس في الاول
كيفية الفسخ وفي الثاني القيود الوارد على استعمال حق الفسخ بينما نفرد الثالث لدراسة
آثار الفسخ .
المطلب الاول
كيفية الفسخ
الفسخ هو حل الرابطة العقدية نتيجة اخلال احد الطرفين
بألتزاماته ، أو هو زوال الرابطة العقدية وما ترتبه من آثار(82).
والواقع من الامر ، فأن اتفاقية فيينا تحرص على
ان يتم الفسخ بطريقة تتناسب مع طبيعة وظروف التجارة الدولية ، ويتم ذلك من خلال قيام
المتعاقد المضرور بتوجيه اخطار الى مرتكب المخالفة الجوهرية ، كما تحدد الاتفاقية ميعاداً معيناً يجب الالتزام به عند توجيه الاخطار
.
اولاً : اخطار
الفسخ
اذا قرر احد المتعاقدين استعمال حق الفسخ نتيجة
ارتكاب المتعاقد الآخر مخالفة جوهرية للعقد ، فلايشترط ان يتقدم بطلب الفسخ الى القضاء
بل ، يكفيه ان يقوم بأعلان هذا الفسخ مباشرة ودون اللجوء الى القضاء . ويتم اعلان الفسخ
بأخطار يوجه الى المتعاقد الآخر وبهذا الصدد تنص م (26) من اتفاقية فيينا على انه
( لايحدث اعلان الفسخ اثره الا اذا تم بواسطة اخطار يوجه الى الطرف الآخر ).
ويماثل اخطار الفسخ في الواقع صورة واحدة من صور
الفسخ الثلاث التي يعرفها القانون المدني العراقي ، واغلب القوانين المقارنة . اذ ان
الاصل في القانون المدني العراقي ان الفسخ لايتقرر الا بحكم قضائي ، لأنه جزاء والجزاء
لايوقعه الا القاضي(83). الا ان ما تقدم لايعني ان للقاضي ان يحكم بالفسخ من تلقاء
نفسه بل يجب ان يتقدم المضرور مطالباً بأيقاع الفسخ ، سواء أكان الطلب صريحاً أم ضمنياً (84). وحتى يستطيع المضرور
المطالبة بفسخ العقد يتعين عليه اعذار المدين لوضعه قانوناً في حالة المتخلف عن تنفيذ التزامه ، كما يعد الاعذار شرطاً
لاستحقاق التعويض(85) . ويكون اعذار المدين بأنذاره او بأي طلب كتابي يبين فيه المتعاقد
انه يطلب من المدين تنفيذ التزامه(86) . وقد يتفق المتعاقدان على اعتبار المدين معذراً
بمجرد حلول اجل تنفيذ الالتزام ، ويذهب البعض(87)
الى ان مجرد رفع دعوى طلب الفسخ يعد اعذاراً اذا اشتملت على بيان موقف الدائن
المطالب بالتنفيذ .
وقد يتم الفسخ بالاتفاق عليه مسبقاً ويسمى عندئذ
بالفسخ الاتفاقي تمييزاً له عن الفسخ القضائي . اذ يجوز الاتفاق على اعتبار العقد مفسوخاً
من تلقاء نفسه دون حاجة الى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناجمة عنه . ولايعفى
الاتفاق المذكور المتعاقد المضرور من توجيه الاعذار الا اذا اتفق المتعاقدان صراحة
على عدم ضرورة الاعذار(88) .
كما يعرف القانون المدني العراقي انفساخ العقد بقوة
القانون . ويتجسد مضمون الانفساخ في انه اذا انقضى الالتزام العقدي بسبب استحالة تنفيذه
لسبب اجنبي انقضت تبعاً لذلك الالتزامات المقابلة وانفسخ العقد من تلقاء نفسه (89)
. ويقع الانفساخ بقوة القانون دون حاجة الى حكم قضائي يقرره ، وعندما يثور النزاع بشأن
توافر او عدم توافر وصف السبب الاجنبي في الحدث الذي ادى الى استحالة التنفيذ فأن الحكم
القضائي الذي يصدر بهذا الصدد يكون كاشفاً لا منشأ.
ونرى بأن نظام الفسخ بتوجيه اخطار الذي تأخذ به اتفاقية
فيينا ، انما يماثل الى حد كبير الصورة الثانية من صور الفسخ في القانون المدني العراقي
وهي الفسخ الاتفاقي .
وأياً كان الامر ، فأن اتفاقية فيينا قد اكتفت بنظام
الفسخ بتوجيه اخطار نقلاً عن القانون الالماني الذي لايعرف الفسخ القضائي ، اذ يقع
الفسخ كقاعدة عامة بأرادة الدائن المنفردة والذي لايلتزم الا بتوجيه اعذار الى المدين
يحدد فيه مدة معقولة للتنفيذ(90) . وقد اخذت
اتفاقية لاهاي عموماً بنظام الفسخ الذي يقع بأخطار يوجه الى الطرف المخالف(91) ، الا انها لم تتضمن حكماً عاماً بذلك على غرار
نص م (26) من اتفاقية فيينا ، بل اوردت نصوصاً متفرقة بالحكم المذكور.
كما تتضمن قواعد اليونيدروا حكماً مماثلاً اذ تنص
م (7-3-2/1) على انه ( يباشر أي طرف حقه في انهاء العقد بتوجيه اخطار الى الطرف الآخر
).
هذا ولم تتضمن اتفاقية فيينا تحديداً لمضمون الاخطار
والمعلومات التي يجب ان يتضمنها ، لذا فأنه يكفي ان يتضمن المعلومات الكافية التي يستطيع
ان يفهم منها الشخص المعتاد من نفس صفة الطرف المخالف والموجود في نفس ظروفه ان العقد
قد أصبح مفسوخاً . فأذا كانت مخالفة البائع بصدد التزامه بتسليم البضاعة او مطابقتها، فأن اخطار المشتري يجب ان يتضمن ما يدل على انه
لن يقبل استلامها او انه سيقوم بأعادتها الى البائع . وأذا كانت مخالفة المشتري بصدد
دفع الثمن فأن اخطار البائع بالفسخ يجب ان يتضمن بيان رغبته في استرداد البضاعة
.
ويجب ان تكون صيغة الاخطار واضحة في الدلالة ، فلا
يمكن اعتبار مجرد عبارات التهديد بالفسخ اخطاراً ، بل قد تفسر على ان المتعاقد الذي
وجهها راغب في الابقاء على العقد وانه يلجأ الى التهديد بغية تحفيز المتعاقد المخل
على تجاوز اخلاله والاستمرار في التنفيذ(92) .
ويجب ان لايكون الاخطار مشروطاً ، أي مقترن بشرط
ما ، لأن الفسخ ، عندئذ يكون مقروناً بتحقق الشرط ، فأذا تحقق كان على المتعاقد الراغب
في الفسخ ان يوجه اخطاراً اخر يكون قاطعاً في الدلالة على رغبته في الفسخ(93)
.
ويمكن توجيه الاخطار بأية لغة تكون مفهومة بالنسبة
للمتعاقد المخل بالتزامه. والغالب ان يتضمن العقد تحديداً للغة التي تتم بها جميع الاتصالات
والاخطارات والتبليغات بين الطرفين . وعند ئذ فأنه يلزم توجيه الاخطار باللغة المحددة
في العقد وبخلافه فأنه يمكن اعتماد اللغة التي من المفترض ان يأخذ بها شخص سوي الادراك
من نفس صفة المتعاقد المخل وفي نفس ظروفه ، مع الاخذ بعين الاعتبار جميع الظروف المتصلة
بالحالة كالمراسلات السابقة بين الطرفين والعادات التي استقر عليها التعامل بينهما(94)
.
بالاضافة لما تقدم فأن اخطار الفسخ قد يكون كتابياً
او شفاهياً بيد انه يجب توجيه الاخطار بالوسيلة التي تتناسب مع الظروف . فأذا كان الميعاد
المحدد لأرسال الاخطار قد قارب على الانقضاء فلا يكون مقبولاً توجيهه بالبريد العادي
، بل يلزم توجيهه بالبريد الالكتروني او الفاكس او التلكس(95) .
ولكن ما الحكم
في حالة حصول خطأ او تأخير في ايصال اخطار الفسخ ؟
الواقع من الامر فأن اتفاقية فيينا وضعت حكماً عاماً
حملت بموجبه المتعاقد الذي يوجه اليه أي اخطار او طلب او تبليغ مخاطر الخطأ والتأخير
في ايصال الاخطار اليه. اذ تنص المادة
(27) من الاتفاقية على انه ( ما لم ينص هذا الجزء من الاتفاقية صراحة على خلاف ذلك
، ، فأن أي تأخير او خطأ في ايصال أي اخطار او طلب او تبليغ يبعث به احد الطرفين في
العقد وفقاً لأحكام هذا الجزء وبالوسيلة والظروف المناسبة وكذلك عدم وصول الاخطار او
الطلب او التبليغ لايحرم هذا الطرف من حقه في التمسك به ) .
ونرى ان هذا الحكم يشمل اخطار الفسخ اذ انه ورد في المادة (27) التي تلي مباشرة المادة
(26) والمتعلقة بالزام الطرف الراغب بالفسخ في توجيه اخطار الفسخ ، وقد وردت المادتين
كلتاهما ضمن الجزء الثالث من الاتفاقية والمتعلق بالتزامات البائع والمشتري وجزاء مخالفتها.
الا انه يشترط لتطبيق الحكم الوارد بالمادة (27) عدم صدور خطأ من مرسل الاخطار ، فيجب
تسليم الاخطار في ميعاد مناسب وان يتخير وسيلة مناسبة للظروف يضمن معها وصوله الى المرسل
اليه في الموعد المناسب.
وقد ثار
جدل في الفقه حول تحديد الوقت الذي يحدث فيه اخطار الفسخ أثره ؟
فذهب جانب من الفقه الى الأخذ بلحظة ارسال الاخطار
من قبل المتعاقد الراغب بالفسخ . فالعقد ينفسخ بذات اللحظة التي يرسل فيها المتعاقد
الراغب بالفسخ اخطار الفسخ الى المتعاقد الآخر . ويستند انصار هذا الرأي الى ان نص
م (27 ) يظهر من خلاله تبني اتفاقية فيينا لمبدأ الارسال . أي ان أي اخطار او طلب او
تبليغ يحدث اثره بمجرد ارساله ، اما مبدأ الاستلام فلم تتبناه الاتفاقية الا في الجزء
الثاني منها المتعلق بتكوين العقد(96) .
في حين يرى جانب آخر من الفقه بأن الاخطار لايحدث
اثره الا عند وصوله الى المتعاقد المخل بالتزامه ، اذ من المتصور ان يكون سبب الاخلال
بالالتزام خارجاً عن ارادة المدين ، كما لو كان بسبب القوة القاهرة ، اذ ليس من العدالة
ان يتحمل المتعاقد فكرة الأخذ بمبدأ الارسال لأنها ستكون قاسية عليه وهو حسن النية
لم يرتكب الاخلال بمحض ارادته(97) .
ويبدو ان من الاوفق الأخذ بالرأي الثاني، إذ ان
المسائل التي لم تحسمها الاتفاقية بشكل صريح يتعين تنظيمها وفقاً للمبادئ الاساسية
التي تقوم عليها الاتفاقية والتي من ابرزها مبدأ الحفاظ على العقد قدر الامكان وتقليل
حالات نسخه ، وان الأخذ بالرأي المتقدم يحقق ذلك الى حد ما . ويترتب على الأخذ بالرأي
المذكور ان للمتعاقد مرسل الاخطار العدول عن موقفه الراغب في الفسخ وسحب الاخطار ما
دام لم يصل الى علم المتعاقد الآخر ولم يستلمه ، لانه لايكون قد احدث اثره بعد
.
ثانياً : ميعاد
الفسخ
انطلاقاً من ان بقاء العقد معلقاً لمدة طويلة قد
يعرض البضاعة لمخاطر التلف أو الهلاك ، كما قد يستوجب نفقات لامبرر لها كمصاريف خزن
البضاعة وحراستها ، فأنه يتعين على الطرف الراغب بالفسخ الاسراع في التعبير عن رغبته
. ولم تحدد اتفاقية فيينا بدقة الميعاد الذي يجب ان يتم اعلان الفسخ خلاله ، بل انها
اكتفت من خلال نص المادة (49/2) وفي معرض الكلام عن حق المشتري في فسخ العقد وكذلك
في المادة (64/2) في معرض الكلام عن حق البائع في فسخ العقد بأن يتم الفسخ خلال ميعاد
معقول وإلا فقد المتعاقد المضرور الحق فيه(98) .
ولاشك في ان تقدير الميعاد المعقول يتم وفقاً لظروف
كل حالة على حدة ، ويراعى في ذلك الاعراف السارية ، فالمهم هو ان يكون تحديد ميعاد
الفسخ بشكل مرن وفقاً لتغير ظروف الحال وطبيعة البضاعة . فاذا كانت البضاعة مواداً غذائية فأنه يتعين الاسراع في اعلان الفسخ ، اما
اذا كانت اجهزة ومواد كهربائية فأنه يمكن للمتعاقد الراغب في الفسخ استغراق وقت اكثر
لأعلانه ، كما يجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار مدى قابلية تقلب اسعار البضاعة في الاسواق
العالمية والمحلية(99) .
هذا وتنظم اتفاقية فيينا الاحكام الخاصة بميعاد
الفسخ بالنسبة لكل من المشتري والبائع كما يأتي :
1-ميعاد الفسخ
بالنسبة للمشتري : تجيز م (49 ) من اتفاقية فيينا للمشتري فسخ العقد في الحال اذا كانت
مخالفة البائع لالتزامه تشكل مخالفة جوهرية للعقد او اذا لم يقم البائع بتنفيذ التزامه
خلال المهلة الاضافية الممنوحة له او اذا اعلن انه سوف لايسلمها خلال تلك المهلة
.
اما اذا كان البائع
قد سلّم البضائع فأن مايرتكب من جانبه ويُجيز الفسخ للمشتري ، اما ان يكون تسليماً
متأخراً او ان يكون اخلالاً بالتزام آخر غير الالتزام بالتسليم كالالتزام بالمطابقة
مثلاً ،عندئذ فأن للمشتري فسخ العقد وكالآتي :
أ- خلال ميعاد
معقول يبدأ حسابه من تأريخ العلم بتمام التسليم
في حالة التسليم المتأخر .
ب- خلال ميعاد
معقول يبدأ حسابه من التأريخ الذي أصبح فيه المشتري يعلم او كان من واجبه ان يعلم بحصول
المخالفة.
جـ- خلال ميعاد
معقول يبدأ حسابه من تأريخ انقضاء المهلة الاضافية التي حددها المشتري للبائع لتنفيذ
التزامه دون تنفيذ او من تأريخ اعلان البائع خلال المهلة الاضافية انه سوف لن ينفذ
التزامه.
د- خلال ميعاد
معقول يبدأ حسابه من تأريخ انقضاء المهلة الاضافية التي سبق ان طلبها البائع من المشتري
ليتمكن من اتمام تنفيذ التزاماته وفقاً للفقرة (2) من المادة (48) . اذ تجيز الفقرة
المذكورة للبائع المتخلف عن تنفيذ التزامه ان يطلب من المشتري منحه مهلة اضافية للتنفيذ،
فأذا وافق المشتري صراحة او لم يرد على طلب البائع خلال ميعاد معقول جاز للبائع تنفيذ
التزامه خلال الميعاد الذي حدده في طلبه . فأذا انقضى ذلك الميعاد ولم يقم بالتنفيذ
ثبت للمشتري الحق في فسخ العقد خلال ميعاد معقول يبدأ حسابه من تاريخ انقضاء المهلة
الاضافية التي طلبها البائع(100) .
2- ميعاد الفسخ
بالنسبة للبائع :
تحدد اتفاقية فيينا ميعاد الفسخ بالنسبة للبائع
بطريقة مماثلة لتلك التي اتبعتها في تحديد ميعاد الفسخ بالنسبة للمشتري ، وذلك للرغبة
في تحقيق التوازن بين طرفي عقد البيع ومعالجة ما قد يصدر منهما من اخلال مبرر للفسخ
بذات الاسلوب والطريقة والصياغة .
عليه ، أوردت المادة (64) احكاماً تفصل حق البائع
في فسخ العقد فتجيز للبائع فسخ العقد في الحال اذا كان ما صدر من المشتري من اخلال
يشكل مخالفة جوهرية للعقد او اذا لم ينفذ المشتري التزامه بدفع الثمن او تسلم البضاعة
خلال المهلة الاضافية التي منحها اليه البائع او اذا اعلن صراحة انه لن ينفذ التزامه
خلال تلك المهلة .
اما اذا كان المشتري قد نفذ التزامه بدفع الثمن
فأن ما يصدر من المشتري من اخلال يجيز الفسخ اما ان يكون تأخيراً في تنفيذ التزامه
بدفع الثمن او أي من التزاماته الاخرى ، او ان يكون عدم التنفيذ الكلي لأي من التزاماته
وعندئذ فأن للبائع فسخ العقد كما يأتي:
أ-قبل ان يكون
قد علم بأن التنفيذ قد تمّ في حالة التنفيذ المتأخر ولايشمل التنفيذ المتأخر الالتزام
بدفع الثمن فقط ، بل يشمل جميع التزامات المشتري ، ويشترط هنا العلم الفعلي للبائع
ولايكتفى بالعلم المفترض.
ب- خلال ميعاد
معقول بعد ان يكون قد علم بالمخالفة او بعد ان يكون من واجبه العلم بها .
جـ- خلال ميعاد
معقول بعد انقضاء المهلة الاضافية التي حددها البائع للمشتري لتنفيذ التزاماته ، ويقصد
بذلك الالتزامات الاخرى غير الالتزام بدفع الثمن وتسلم البضاعة ، او خلال ميعاد معقول
بعد اعلان المشتري صراحةً انه لن ينفذ تلك الالتزامات خلال المهلة الاضافية(101)
.
المطلب الثاني
القيود الواردة
على استعمال حق الفسخ
تحقيقاً للهدف الذي تسعى اتفاقية فيينا الى تحقيقه
وهو الحفاظ على العقد ، وحمايته من الزوال قدر المستطاع ، فقد فرضت قيدين هامين على
استعمال حق الفسخ ، يتمثل الاول في فحص البضاعة وهو قيد خاص يرد على حق المشتري في
فسخ العقد عند اخلال البائع بالتزامه بالمطابقة ، اما القيد الثاني فهو قيد عام يتجسد
في مبادرة الطرف المخل بالتزامه الى اصلاح الخلل في التنفيذ كلما كان ذلك ممكناً.
ونتناول بالدراسة كل من القيدين المذكورين
:
اولاًً : فحص البضاعة
وتوجيه اخطار عدم المطابقة
يقصد بفحص البضاعة جملة العمليات المادية التي يقوم
بها المشتري بنفسه او بوساطة غيره بقصد التحقق من مطابقة البضاعة المبيعة للمواصفات
المتفق عليها في العقد(102) ، هذا ولم تحدد
المادة (38) من اتفاقية فيينا كيفية اجراء الفحص بل اكتفت بالزام المشتري بفحص البضاعة
بنفسه او بوساطة غيره ، وأياً كان الامر فأنه يمكن القول بأن على المشتري القيام بكافة
الاجراءات اللازمة لفحص البضاعة والتي يمكن القيام بها على نحو معقول وفقاً لما تسمح
به الظروف(103) .
ويجب ان يراعى في اجراء الفحص طبيعة البضاعة وكميتها
وطريقة تعبئتها او تغليفها ، فأذا كانت كمية البضاعة كبيرة فلا يلزم ان يقوم المشتري
بفحص كل وحدة من وحداتها على انفراد(104) .
والاصل هو ان يقوم المشتري بفحص البضاعة بنفسه او
بوساطة أحد تابعية ، ويمكن له الاستعانة بخبير في هذا المجال ، وقد يكون الخبير فرداً
او شركة او هيئة متخصصة بفحص البضائع وقد يتم تحديدها في عقد البيع ذاته او قد يحددها
المشتري(105) .
هذا وتضع اتفاقية فيينا قاعدة عامة تحدد بمقتضاها
ميعاد الفحص بأنه اقرب ميعاد تسمح به الظروف(106)
، وذلك بغية التأكيد على اهمية الاسراع في اجراء عملية الفحص، وحث المشتري على القيام بها في الوقت المناسب حتى
يتمكن من اخطار البائع بما وجده من عيب . وبذلك يتمكن الأخير بدوره من التحقق من وجود
العيب ومن ثم اصلاحه ، أو تخفيض الثمن أو عرض اية تسوية أخرى يقبل بها المشتري . وعموماً
تتعدد الظروف التي قد تؤثر في تحديد ميعاد
اجراء الفحص ، وهي غالباً طبيعة البضاعة وكميتها
وكيفية تعبئتها ومكان خزنها .
وأياً كان الامر فأنه يمكن تأجيل اجراء الفحص اذا
تضمن العقد نقل البضاعة حيث يجوز للمشتري عندئذ تأجيل الفحص لحين وصول البضاعة الى
ميناء الوصول كما يمكن تأجيل اجراء الفحص في حالة تغيير وجهة البضاعة او اعادة ارسالها
من قبل المشتري دون ان تتاح له فرصة معقولة لفحصها شريطة ان يكون البائع يعلم او من
المفترض ان يعلم بأحتمالية تغيير وجهة البضاعة على النحو المذكور(107) .
فاذا أسفر الفحص عن اكتشاف عيب ما في البضاعة فيتوجب
على المشتري عندئذ ان يقوم بأخطار البائع بما وجده من عيب ليحافظ على حقه في التمسك
بعيب المطابقة. وتضع اتفاقية فيينا 1980 شروطاً للأخطار تتعلق بمضمونه وشكله والوسيلة
التي يتم بها وميعاده.
1-مضمون الاخطار
: يتعين ان يتضمن الاخطار بياناً بطبيعة العيب في المطابقة الذي يشكو المشتري منه ،
أي ما يكتشفه هذا الاخير من مخالفة للمواصفات المتفق عليها في العقد من حيث الكم والنوع
والاوصاف وطريقة التغليف او التعبئة(108) . كما يعد عيباً في المطابقة اذا لم تكن البضائع
صالحة للاستعمال في الاغراض التي تستعمل من أجلها بضائع من نفس النوع عادةً ، او اذا
لم تكن صالحة للاستعمال في الاغراض الخاصة التي احيط بها البائع علماً صراحةً او ضمناً
وقت انعقاد العقد او اذا لم تكن متضمنة صفات البضاعة التي سبق للبائع عرضها على المشتري
كعينة او نموذج او اذا لم تكن معبئة او مغلفة بالطريقة التي تستعمل عادة في تعبئة وتغليف
بضائع من نوعها(109) .
واذا قام البائع بتسليم بضاعة تختلف تماماً عن تلك
المتفق عليها في العقد ، فأن ذلك يعد ايضاً عيباً في المطابقة ، ويتعين على المشتري
ان اراد الفسخ توجيه اخطار عدم المطابقة الى البائع ، فأتفاقية فيينا لم تفرق في الحكم
بين تسليم البضاعة غير مطابقة وتسليم بضاعة مختلفة تماماً عن تلك المتفق عليها في العقد
، والزمت المشتري بتوجيه اخطار عدم المطابقة في الحالتين(110) .
كما يشمل العيب الذي يجب ان يتضمنه اخطار عدم المطابقة
عدم مطابقة المستندات الممثلة للبضاعة ، وسواء
كانت مواصفات البضائع المثبتة في المستندات غير مطابقة لمواصفات البضائع التي سُلّمت
للمشتري ، أو كانت المستندات غير متطابقة مع بعضها البعض . كأن تختلف اوصاف البضاعة
في شهادة المنشأ عن اوصافها في الشهادة الصحية او في وثيقة التأمين . ويعود السبب في
ذلك الى ان الغالب في البيوع البحرية ان يتم تسليم البضائع بتسليم مستنداتها ، فاذا انعدم التطابق بين المستندات والبضاعة
، فلن يتمكن المشتري من تسلمها واذا كان قد تسلمها فلن يتمكن من اعادة بيعها(111)
.
ويجب ان يتضمن الاخطار تحديداً دقيقاً لطبيعة العيب
في المطابقة فلا يكفي استعمال عبارات عامة تفيد بوجود عيب في المطابقة دون تحديد طبيعته
وفحواه ، واذا وجد المشتري ان بالبضاعة عيوب متعددة فيجب ان يتضمن الاخطار بياناً وافياً
لكل منها(112) .
2- شكل الاخطار
ووسيلة أرساله : لايوجد شكل معين يجب ان يكون عليه الاخطار(113) ، لذا فأن الاخطار قد يكون شفهياً ، الا ان الغالب
هو ان يكون كتابياً فيتم على هيئة محرر مكتوب صادر عن المشتري ومذيل بتوقيعه . كما
يشمل ايضاً البرقية والتلكس(114) وكافة الرسائل التي يمكن ارسالها بطرق الاتصال الحديثة،
هذا ويتعين على المشتري ارسال الاخطار الى البائع ذاته او الى وكيله فأذا قام بأرساله
الى طرف ثالث ليتولى الاخير ايصاله الى البائع فأن على المشتري التأكد من وصول الاخطار
الى البائع شخصياً ، والا فلا يجوز له الاحتجاج بأخطار عدم المطابقة والاستناد الى
ذلك في اعلان الفسخ(115) .
من جانب آخر فأن على المشتري ان يستعمل في أرسال
الاخطار الوسيلة التي تتناسب مع الظروف . فلا يكون مقبولاً ان يرسل الاخطار بالبريد
العادي اذا كان يعلم بأن تأخر حصول الأخطار الى البائع سوف يترتب عليه زيادة حجم التلف
المتحقق بالبضاعة ، او ان الخدمات البريدية في دولة البائع معطلة بسبب سوء الاحوال
الجوية .
فأذا تم ارسال اخطار عدم المطابقة بالوسيلة المناسبة
للظروف وتأخر رغم ذلك في الوصول الى البائع في الوقت المناسب ، فأن هذا التأخير لايحرم
المشتري من حقه في التمسك به ، ذلك ان اتفاقية فيينا جاءت بحل وسط ، وحملت المرسل اليه
( البائع ) مخاطر الارسال ، واعطت المشتري حق التمسك بالاخطار وان تأخر في الوصول الى
البائع او لم يصل اصلاً شريطة ان يكون المشتري قد ارسله بوسيلة تتناسب مع الظروف وان
لايصدر عنه خطأ في هذا الشأن(116) .
3- ميعاد الاخطار
: تلزم اتفاقية فيينا المشتري بأن يقوم بتوجيه اخطار عدم المطابقة خلال فترة معقولة
من اللحظة التي يكتشف فيها العيب او من اللحظة التي يكون من واجبه ان يكتشف العيب فيها(117)
.وبخلافه ، يسقط حق المشتري في التمسك بالعيب لأعلان الفسخ . ويراعى في تقدير مدى معقولية
الميعاد الظروف الخاصة بكل حالة ، كطبيعة البضاعة وقابليتها للتلف ومدى حاجة البائع
الى اخذ عينات من البضاعة لفحصها ومدى امكانية اصلاح العيب في البضاعة . هذا ويبدأ
حساب الميعاد المعقول من الوقت الذي يكتشف فيه المشتري العيب او من الوقت الذي كان
من واجبه ان يكتشفه فيه . وعموماً فأن وقت اكتشاف العيب ، يتحدد، عادةً ، بوقت اجراء
الفحص على البضاعة والذي تحدده اتفاقية فيينا بأنه اقرب ميعاد ممكن تسمح به الظروف
، إذ ان الفحص هو الذي يمكن المشتري من العلم بالعيب وعلى اساس ذلك يمكن تحديد الوقت الذي كان على المشتري اكتشافه
فيه . هذا ويعتد بالعلم الفعلي وليس مجرد افتراض
العلم بوجود العيب لهذا الغرض(118) ، وأياً
كان الامر فأن الوقت اللازم لاكتشاف العيب يختلف بحسب طبيعة البضاعة وطبيعة العيب وكيفية
اجراء الفحص وادواته .
وقد قضت محكمة التحكيم في غرفة التجارة الدولية
في باريس بقبول توجيه اخطار عدم المطابقة بعد ثمانية ايام من استلام تقرير الخبير بشأن
فحص البضاعة وان المشتري يعد ملتزماً بالميعاد المعقول في توجيهه(119) .
ولكي لايبقى البائع في مركز قلق غير مستقر لفترة
طويلة فأن المشتري يفقد حق التمسك بالعيب في المطابقة اذا لم يخطر البائع بوجود العيب خلال فترة اقصاها سنتان
من تأريخ تسلم البضائع بالفعل(120) ، وتعد المدة المذكورة مدة سقوط لا تقادم ، فلا
تقبل الانقطاع او الوقف ، كما اذا لم يتمكن المشتري من اجراء الفحص لسبب خارج عن ارادته
كقوة قاهرة ، كما اذا اتخذ البائع او المشتري أي اجراء بهدف قطع تلك المدة (121)
.
هذا ويترتب على اهمال المشتري في القيام بتوجيه
الاخطار وفق ما تقدم فقدان حقه في التمسك بالعيب(122) . فلا يحق له استعمال اية وسيلة
من الوسائل التي تتيحها الاتفاقية لمواجهة اخلال البائع بالتزامه ،ومنها الفسخ .بل
عليه تسلم البضاعة واداء ثمنها كاملاً ، اذ يعتبر المشتري في هذه الحالة قابلاً البضاعة
رغم ما بها من عيوب(123) . وتكمن العلة في الحكم المتقدم في قطع الطريق على المشتري
سيئ النية الذي قد يقوم بالمضاربة على حساب البائع . كأن يتمسك بالعيب البسيط لغرض
فسخ العقد لهبوط سعر البضاعة في اسواق الاستهلاك ، او ان يهمل متعمداً توجيه الاخطار
بوجود العيب حتى لايتمكن البائع من اصلاحه وتتفاقم حالته ويتحقق وصف المخالفة الجوهرية
في التزام البائع والتي تبرر للمشتري فسخ العقد وذلك بعد ان اصبح لايحقق له الفائدة
المرجوة(124) .
ورغم كل ما تقدم فأن للمشتري التمسك بحقوقه كافة
في مواجهة البائع – ومنها حق فسخ العقد – رغم عدم قيامه بتوجيه اخطار عدم المطابقة
، وذلك اذا كان العيب في المطابقة يتعلق بأمور كان البائع يعلم بها او كان لايمكن ان
يكون يجهلها ولم يخبر المشتري بها(125) . ويقصد
بالعلم هنا العلم الفعلي بالعيب سواء تحقق في البائع نفسه ، او في احد تابعيه الذين
يكون البائع مسؤولاً عنهم ، اما اذا كان التابع مستقلاً في اداء عمله ، كالمورد والناقل
، فلا يعتد بعلمهم بالعيب(126) . الا انه لايشترط ان يكون البائع قد علم بالعيب تحديداً
وبكل تفاصيله ، بل يكفي ان يكون قد علم بطبيعة العيب او الظروف التي تؤدي اليه . ويذهب
البعض(127) الى انه في حالة وجود مجرد احتمال بتعرض البضاعة للأصابة بعيب معين ، فأن البائع يلتزم بأخطار المشتري بوجود هذا الاحتمال
. وقد قضت محكمة تحكيم في استوكهولم بمسؤولية البائع عن العيب في المطابقة في قضية
تتلخص وقائعها في قيام شركة صينية بشراء ماكنة من صاحب مصنع امريكي . واثناء تصنيع
الماكنة قام البائع بتركيب احد اجزاء الماكنة
على نحو يخالف التصميمات الخاصة بها ، ولم يقم البائع بأخطار المشتري بهذا التغيير
. ثم قام بشحن الماكنة مفككة الى المشتري ، حيث تولى الأخير تركيبها دون ان ينتبه احد
الى وجود تغيير في الجزء الذي تم استبدال التصميم الخاص به . وبعد اربع سنوات تحطم
هذا الجزء وسبب اضراراً كبيرة بالماكنة ، فأخطر المشتري البائع بذلك وعرض النزاع امام
محكمة التحكيم التي قضت بمسؤولية البائع عن العيب . اذ لم ينبه المشتري الى قيامه بأجراء
تغيير في تصميم احد اجزاء الماكنة على نحو يتطلب تركيبها بشكل معين لتفادي تلفها ،
وان المشتري لايلتزم هنا بمدة السنتان المنصوص عليها في م (29/2) من اتفاقية فيينا(128)
.
ثانياً :أصلاح
الخلل في التنفيذ
تقيد اتفاقية فيينا حق المشتري في فسخ العقد بما
تقرره من حق البائع في اصلاح الخلل في تنفيذ التزاماته . ويختلف نطاق هذا الحق فيما
اذا تم تسليم البضاعة قبل الميعاد المتفق عليه ، او اذا تم تسليمها بعد ذلك .
فأذا كان الاصل ان يلتزم البائع بتسليم البضاعة
في الموعد المتفق عليه في العقد(129) فأنه
يجوز للبائع ان يقوم بتسليم البضاعة قبل ذلك
الموعد ، وعندئذ يحق للمشتري تسلم البضاعة او رفض ذلك انتظاراً لحلول الموعد المحدد
للتسليم . فأذا وافق المشتري على التسلم المبكر
للبضاعة واكتشف بعد فحصها عدم مطابقتها لشروط العقد فلايجوز للمشتري رفض البضاعة واعادتها
الى البائع ، اذ تجيز م ( 52) من الاتفاقية للبائع هنا ، ان يقوم بتسليم الجزء او الكمية
الناقصة من البضاعة او توريد بضائع بديلة او اصلاح العيب لحين حلول الاجل المحدد للتسليم
في العقد شريطة ان لايترتب على ذلك مضايقة المشتري او تحميله نفقات غير معقولة(130)
.
ولكي يستطيع البائع اصلاح العيب في البضاعة يجب
ان يكون عالماً بطبيعة العيب. وقد يتحقق علمه بطبيعة العيب من خلال اخطار عدم المطابقة
الذي يوجهه اليه المشتري عقب قيامه بفحص البضاعة
، وقد يتحقق بطرق اخرى ، كما لو اخبره الناقل بما في البضاعة من عيب ، وقد يكون البائع
عالماً بالعيب بنفسه دون ان يخبره احد بذلك ، كما لو تعلق العيب بكمية البضاعة او طريقة
تغليفها(131) .
ورغم ان اتفاقية فيينا لاتشترط قيام البائع بأخطار
المشتري برغبته في اصلاح الخلل في التنفيذ فيبدو ان اجراء هذا الاخطار ضروري ، اذ ان
مبادرة البائع الى اصلاح العيب دون علم المشتري قد ترهق هذا الاخير او تحمله نفقات
غير معقولة ، لاسيما اذا اراد البائع اصلاح الخلل في التنفيذ من خلال استبدال البضاعة
المعيبة بأخرى تكون مطابقة أو اصلاح ما بها من عيب.
اما اذا حل ميعاد تسليم البضاعة المتفق عليه بالعقد
فأن الاتفاقية تعطي للبائع الحق في اصلاح أي خلل في التنفيذ شريطة ان لايترتب على ذلك
تأخير غير معقول وان لايسبب مضايقة غير معقولةأو يولد لديه شكوكاً حول قيام البائع
بدفع المصاريف التي أنفقها(132) .
ويجب ان لايتعارض حق البائع في الاصلاح مع حق المشتري
في فسخ العقد ، فحق المشتري في الفسخ له الاولوية . عليه اذا اعلن المشتري فسخ العقد
فلا مجال بعد ذلك لأصلاح الخلل في التنفيذ ، ويظهر ذلك بوضوح من خلال التحفظ الوارد
في بداية المادة (48) التي تتحدث عن أصلاح الخلل بعد تأريخ التسليم اذ تنص على انه
: (( مع عدم الاخلال بأحكام المادة 49 ....)) وهذا التحفظ يشير الى ضرورة التقيد بالمادة
(49) وهي التي تتحدث عن حق المشتري في فسخ العقد. ولكن ما الحكم اذا لم يكن المشتري
قد اعلن فسخ العقد رغم اطلاعه على ما بالبضاعة من عيوب ؟
الواقع من الأمر فأن اتفاقية فيينا تخلو من حكم
صريح بهذا الصدد ، ونرى ان تحقيق الهدف الذي تسعى اتفاقية فيينا الى تحقيقه وهو الحفاظ
على العقد وحمايته من الزوال يحتم تقديم حق البائع في اصلاح العيب على حق المشتري في
اعلان الفسخ ما دام الأخير لم يبادر الى اعلان الفسخ . بيد ان انتظار المشتري للاصلاح
يجب ان لايمتد لفترة طويلة او غير معقولة حفاظاً على مصلحته ويتم تقدير ذلك وفقاً لظروف
كل حالة .
وأياً كان الأمر فأن المشتري يحتفظ بحقه في المطالبة
بالتعويض عما أصابه من ضرر سواء تم اصلاح الخلل في التنفيذ قبل الموعد المحدد للتسليم
او بعد حلول ذلك الموعد(133) . كما وتجيز م (48/2) للبائع ان يطلب من المشتري ان يعلمه
بما اذا كان يقبل التنفيذ ام لا ويحدد له ميعاداً لذلك ، فأذا لم يرد المشتري خلال
ميعاد معقول على طلب البائع فأنه يجوز للأخير تنفيذ التزاماته في الميعاد الذي حدده
في طلبه ، هذا ولايحدث طلب البائع اثره الا اذا وصل بالفعل الى المشتري ، فالبائع الذي
قام بتوجيه الطلب هو الطرف المخل بالتزامه ، فعليه ان يتولى أرسال الطلب بقدر كبير
من العناية والحرص لضمان وصوله الى المشتري(134) .
المطلب الثالث
آثار الفسخ
يترتب على وقوع
الفسخ لارتكاب مخالفة جوهرية آثار ثلاثة . الاول هو انقضاء التزامات المتعاقدين نتيجة
انحلال العقد وزواله . والثاني هو عودة الطرفين الى الحالة التي كانا عليها قبل العقد
. والثالث هو ثبوت حق الطرف المضرور في الحصول على تعويض مناسب عما لحقه من ضرر بسبب
ارتكاب الطرف الآخر مخالفة جوهرية للعقد ونتناول
كل من هذه الآثار بالتتابع .
أولاً : انقضاء
التزامات المتعاقدين
الاصل أن يؤدي فسخ العقد الى زواله ، مما يتطلب
تحلل الطرفين من التزاماتهما التي لم تنفذ بعد ، فلا يحق لأي منهما طلب تنفيذ تلك الالتزامات
او التمسك بأي شرط وارد بالعقد(135) .
وتأخذ اتفاقية فيينا بما تقدم ، اذ تقرر في المادة
(81/1) انه بفسخ العقد يصبح الطرفان في حلٍ من الالتزامات التي يرتبها عليهما العقد
. وتتضمن اتفاقية لاهاي حكماً مماثلاً ، فتحدد اثر الفسخ بأنه ابراء المتعاقدين من
التزاماتهما بموجب العقد(136) . كما تورد مبادئ اليونيدروا الحكم ذاته ، وتقضي بأن
انهاء العقد يترتب عليه تحلل الاطراف مستقبلاً من التزاماتهم المتقابلة(137)
.
بناءً على ما تقدم ، فأنه اذا لم يكن البائع قد
نفذ التزاماته الرئيسة في تسليم البضاعة والمستندات المتعلقة بها ونقل ملكيتها ، واذا
لم يكن المشتري قد قام بدفع الثمن وتسلم البضاعة فلا يجوز لأي منهما مطالبة الآخر بتنفيذ
التزاماته عند اعلان الفسخ . الا ان ذلك لايمنع من بقاء بعض شروط العقد نافذة بحق الطرفين
رغم اعلان فسخه ، كالشروط الخاصة بتسوية المنازعات التي قد تنشأ بين المتعاقدين ، مثل
الشرط الخاص بأحالة النزاع الى التحكيم والشرط الذي يحدد اختصاص محكمة معينة بنظر النزاع
او الشرط الذي يقضي بوجوب تطبيق قانون معين(138) .
وتكمن العلة في الحكم المتقدم في ان الشروط المذكورة
تختلف عن الالتزامات القانونية والاقتصادية الناشئة بموجب العقد ، فلا يترتب على فصل
تلك الشروط عن العقد او اضافتها اليه المساس بجوهره (139) . بالاضافة لما تقدم فأن
الهدف من ايراد تلك الشروط في العقد هو حل النزاعات التي تنشب بين اطرافه ، فلا يبدأ
اعمال تلك الشروط وتنفيذها الا حين تثور النزاعات بين الطرفين . فأذا اتفق الطرفان
في العقد على ادراج شرط التحكيم مثلا ثم اعلن احد المتعاقدين فسخ العقد وثار النزاع
بينهما حول مبررات الفسخ ومقدار التعويض فلابد في هذا الفرض من اعمال شرط التحكيم(140)
.
والواقع من الامر ، فأن اغلب التشريعات تأخذ بالحكم
المذكور(141) ، كما يأخذ به القانون النموذجي
للتحكيم التجاري الدولي الذي اعدته لجنة تابعة للامم المتحدة والذي اعتمد عام 1985
في م (16/1) منه .
اما نصوص قانون المرافعات المدنية العراقي رقم
(83) لسنة 1969 والتي تنظم التحكيم في المواد (251-276) منه فأنها تخلو في الواقع من
الاشارة الى الحكم المتقدم . بيد ان الضرورات التي يفرضها التعامل التجاري الدولي واحترام
ارادة الطرفين في فض النزاع بالتحكيم قد جعلا من الفقه(142) من يأخذ بقاعدة استقلال شرط التحكيم لما لها من
فائدة كبيرة معتمداً في ذلك على القواعد العامة لاسيما نظرية انتقاص العقد . ومقتضى
النظرية المذكورة ان العقد اذا كان باطلاً في شق منه ، وصحيحا في الشق الآخر فالشق
الاول من العقد هو الذي يبطل وحده ، اما الشق
الاخر فيبقى صحيحاً ، الا اذا تبين ان العقد ما كان ليتم لولا الشق الذي يعد باطلاً(143)
.
من جانب اخر فأن ثمة حقوق والتزامات اخرى تبقى واجبة
التنفيذ رغم اعلان فسخ العقد كالتزام المشتري بأتخاذ الاجراءات المعقولة والمناسبة
للظروف لضمان حفظ البضاعة من التلف لحين ردها الى البائع(144) ، والتزام البائع بدفع المصروفات التي انفقها المشتري
للمحافظة على البضاعة مع التزامه برد الثمن ومايستحق عليه من فوائد اعتباراً من يوم
دفعه(145) .
ثانياً: حق الاسترداد
لفسخ العقد ، في الواقع، أثر رجعي حيث يعتبر العقد
المفسوخ كأن لم يكن مما يتطلب عودة المتعاقدين الى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد
، فيرد كل واحد منهما ما تسلمه الى الآخر(146) . فأذا سلم البائع البضاعة وتخلف المشتري
عن دفع الثمن في ميعاده واعلن البائع الفسخ كان من حقه استرداد البضاعة التي سلمها.
وكذلك اذا دفع المشتري الثمن وتخلف البائع عن تسليم البضاعة في الميعاد أو سلم بضاعة
غير مطابقة واعلن المشتري الفسخ كان من حقه استرداد الثمن الذي أداه . واذا كان كل
من الطرفين قد نفذ جانباً من التزاماته كما اذا سلم البائع جزء من البضاعة ودفع المشتري
ما يقابل هذا الجزء من الثمن ثم اعلن احدهما الفسخ صار لكل منهما حق استرداد ما أداه
. والغالب هو ان يقوم الطرفان بتنظيم الكيفية التي يتم بها الرد ، بيد ان قيام كل طرف
برد ماتسلمه يجب ان يكون متزامناً وهو ما يعرف بتزامن الرد(147).
وتأخذ النصوص القانونية الوطنية بحق الاسترداد ،
فنجد ان القانون المدني العراقي قد نظمه في المادة (180 ) التي تنص على انه ( اذا فسخ
عقد المعاوضة الوارد على الاعيان المالية او انفسخ سقط الالتزام الذي كان مترتباً عليه
، فلا يلزم تسليم البدل الذي وجب بالعقد ، وان كان قد سلم يسترد ....) (148)
.
وتأخذ اتفاقية فيينا للبيع الدولي للبضائع بحق الاسترداد
المتزامن ، اذ تنص م (81/2) على انه ( يجوز لأي طرف قام بتنفيذ العقد كلاً او جزءً
ان يطلب استرداد ما كان قد ورده أو دفعه الى الطرف الآخر بموجب العقد وان كان لكل منهما
الحق في الاسترداد وجب تنفيذه في وقت واحد ) . كما تأخذ اتفاقية لاهاي 1964 بالحكم
ذاته في م (78/2) منها ، وتتضمن مبادئ اليونيدروا حكماً مماثلاً في م (7-3-6/1) منها
.
ويترتب على تطبيق قاعدة تزامن الرد انه يجوز لكل
متعاقد ان يحبس ما استوفاه من الطرف الآخر بموجب العقد ما دام هذا الاخير لم يرد اليه ما تسلمه منه . فأذا
امتنع البائع عن رد الثمن الى المشتري ، جاز لهذا الاخير ان يحبس البضاعة لديه لحين
قيام البائع برد الثمن وعندئذ فأن ثمة التزام يقوم على عاتق المشتري يفرضه الالتزام
بمبدأ حسن النية الراسخ في ميدان التجارة الدولية . ويتجسد هذا الالتزام في قيام المشتري
بأتخاذ كافة الاجراءات الضرورية والمعقولة لضمان حفظ البضاعة(149) .
كما يكون للمشتري اللجوء الى القانون الواجب التطبيق
– وفقاً لظروف كل قضية – لغرض استعمال الوسائل المتاحة فيه لأجبار البائع على تنفيذ
الالتزام بالرد .ومن تلك الوسائل على سبيل المثال الغرامة التهديدية التي تفرض على
المدين الممتنع عن تنفيذ التزامه بقرار من المحكمة وبطلب من الدائن(150) .
وقد يثور تساؤل
حول اذا ما كانت الاجراءات اللازمة لحفظ البضاعة قد تكلف المشتري نفقات باهظة ، او
اذا استمرت فترة حفظ البضاعة طويلاً مما قد يعرضها للهلاك او التلف؟
الواقع من الامر ، فأن اتفاقية فيينا قد تعرضت لتلك
الحالات ، اذ تجيز م (88) منها للمشتري بيع البضاعة اذا تأخر البائع عن استردادها او
عن دفع الثمن بشرط ان يوجه الى البائع اخطاراً
بشروط معقولة بعزمه على اجراء البيع واذا كانت البضاعة معرضة للتلف السريع ، فأن للمشتري
بيعها بذات الكيفية ولكن دون الحاجة لتوجيه الاخطار الى البائع الا اذا كان ذلك ممكناً.
بالأضافة لما تقدم
، فأن من المتصور ان يتأخر تنفيذ عملية الاسترداد ، مما يؤدي الى انتفاع كل متعاقد
بما تسلمه من الطرف الآخر . وعندئذ يلتزم الطرف الذي حصل على المنفعة بأن يعوض الطرف
الآخر ، فيلتزم البائع مثلاً برد الثمن مع فوائده ، ويلتزم المشتري برد البضاعة مع
مقابل المنفعة التي حصل عليها (151) .
واذا كان البائع ملزماً بأعادة الثمن مع فوائده
الى المشتري فذلك يعود الى فرض ان البائع قد انتفع من المبلغ الذي تسلمه – كثمن- ومنذ
تأريخ استلامه ، لاسيما من خلال الحصول على فوائد ناجمة عن ابداعه في المؤسسات المصرفية
مثلاً ، وتحسب هذه الفوائد اعتباراً من تأريخ تسديد الثمن وحتى تمام الرد . وتتبنى
اتفاقية فيينا الحكم المتقدم في م (84/1) منها ، كما تتبناه اتفاقية لاهاي في م
(81) منها ، ولم تحدد اتفاقية فيينا كيفية حساب سعر الفائدة(152) ، اما اتفاقية لاهاي
فانها تأخذ بالسعر المنصوص عليه في الاتفاقية وهو سعر الخصم الرسمي في الجهة التي يوجد
بها مركز اعمال البائع مضافاً اليه 1%(153) .
كما يلتزم المشتري
برد مقابل المنفعة التي حصل عليها من البضاعة ، ويتم تقدير مقابل المنفعة التي حصل
عليها المشتري من خلال القيمة المالية لتلك المنفعة(154).
وتثور بصدد مسألة
رد المشتري للبضاعة التي تسلمها اشكالية هلاكها أو تلفها مما يؤدي الى استحالة قيام
المشتري بردها الى البائع . وعندئذ ، فأن المشتري يسأل عن رد قيمة البضائع التي تسلمها
على شكل مقابل نقدي حصراً . وبهذا الصدد تنص
م (180 ) من القانون المدني العراقي على انه ((....فلا يلزم تسليم البدل الذي
وجب وان كان قد سلم يسترد ، فأذا استحال رده يحكم بالضمان )(155) .
وتتبنى اتفاقية فيينا الحكم المذكور ، اذ تنص م
(84/2) منها على انه (( يسأل المشتري تجاه
البائع عن جميع المنافع التي حصل عليها من البضائع او من جزء منها ....ب- اذا استحال
عليه اعادة البضائع كلها او جزء منها ، او اعادتها كلاً او جزءً بحالة تطابق ، الى
حد كبير الحالة التي كانت عليها عند تسلمها ، بالرغم من انه قد اعلن فسخ العقد او طلب
من البائع تسليم بضائع بديلة ). كما تتبنى الحكم ذاته كل من اتفاقية لاهاي م (79 )
و م(80 ) منها ،ومبادئ اليونيدروا في م ( 7-3-6/1) منها .
وتجدر الاشارة
الى ان اشكالية استحالة الرد لاتثور الا اذا كانت الاستحالة راجعة الى خطأ المدين،
فلا يحكم بالضمان او المقابل النقدي اذا كان سبب الاستحالة هو السبب الاجنبي(156)
. هذا ولاتثور اشكالية استحالة الرد بالنسبة الى المشتري ، اما البائع فأنه يستطيع
دائما رد الثمن ، الا اذا اعلن افلاسه ، وعندئذ يتم الرجوع الى حكم القانون الواجب
التطبيق وفقاً لظروف القضية(157).
ثالثاً : التعويض
يهدف التعويض عموماً الى جبر الضرر الذي لحق بالمتعاقد
نتيجة اخلال الطرف الآخر بالتزامه العقدي . ويشمل الضرر ما لحق المتعاقد من خسارة وما
فاته من كسب نتيجة هذا الاخلال(158) . وعند الحكم بالتعويض يؤخذ بمقدار الضرر الذي
توقعه الطرفان معاً اثناء انشاء العقد وفقاً للقواعد العامة .
وتضع اتفاقية فيينا قاعدة عامة بصدد تقدير التعويض
يمكن من خلالها احتساب مقداره في جميع الحالات ،أي سواء فسخ العقد أو لم يفسخ ، اذ
تنص م (74) على انه : ( يتألف التعويض عن مخالفة
احد الطرفين للعقد من مبلغ يعادل الخسارة التي لحقت بالطرف الآخر والكسب الذي فاته
نتيجة للمخالفة ، ولايجوز ان يتجاوز التعويض قيمة الخسارة والربح الضائع التي توقعها
الطرف المخالف أو التي كان ينبغي له ان يتوقعها وقت انعقاد العقد في ضوء الوقائع التي
كان يعلم بها او التي كان من واجبه ان يعلم بها كنتائج متوقعة لمخالفة العقد
).
يتضح من النص اعلاه أن الاتفاقية تهدف كالقواعد
العامة الى تغطية عنصري الضرر من خلال التعويض ، الا انها تكتفي بالأخذ بما توقعه الطرف
المخل بألتزامه أثناء انشاء العقد ، أما حكم القواعد العامة فينقضي بالأخذ بما يتوقعه
المتعاقدين معاً من ضرر .
ويذهب البعض(159) الى ان الاعتماد على ما يتوقعه الطرف المخل بالتزامه
من ضرر يشكل عبأً على الطرف المضرور عندما يدفع الطرف المخل بعدم توقعه الضرر وقت التعاقد
، فيقع على الطرف المضرور عندئذ عبء اثبات توقع الطرف المخل بالتزامه للضرر وقت التعاقد
.
ويذهب البعض(160) الى القول أن اتفاقية فيينا تأخذ فيما يتعلق بالتوقع
بالمعيارين الشخصي والموضوعي في آن واحد ، فوفقاً للمادة (74) من الاتفاقية يعد الضرر
متوقعاً اذا توقع حدوثه الطرف المخل بنفسه – وهو ما يمثل المعيار الشخصي للتوقع – أو
اذا كان يمكن ان يتوقعه أي شخص سوي الادراك من صفة المتعاقد نفسه اذا وجد في نفس ظروفه
– وهو ما يمثل المعيار الموضوعي للتوقع .
والواقع من الامر ، فأن معيار الشخص سوي الادراك
الذي يكون من نفس صفة المتعاقد وموجود في نفس ظروفه لايخرج – في تقديرنا – عن مفهوم
المعيار الشخصي ، إذ أن اعتماد المعيار الموضوعي يتطلب – بالضرورة – الأخذ بمعيار الشخص
متوسط الصفات وليس الشخص سوي الادراك من صفة المتعاقد نفسه وفي نفس ظروفه .
ويرى جانب من الفقه(161) بأن اتفاقية فيينا تتطلب
توافر شرط التوقع لأستحقاق التعويض ولاتسمح بأستبعاده حتى في حالة ارتكاب غش او خطأ
جسيم من جانب الطرف المخالف ، وذلك بخلاف القوانين الوطنية ، ومنها القانون العراقي
التي تجعل التعويض شاملاً الضرر بأجمعه سواء كان متوقعاً او غير متوقع في حالة صدور
غش او خطأ جسيم من الطرف المخل بالتزامه .
هذا ويقع على من ينظر النزاع – قاضياً كان أو محكماً
– عبء تقدير قيمة الخسارة التي لحقت والكسب الذي فات على المتعاقد المضرور ، ومن امثلة
الخسارة المصروفات التي انفقها البائع لشراء المواد الاولية اللازمة لتصنيع البضاعة
، وأجور العمال الذين تعاقد معهم خصيصاً لصنع البضاعة ، ونفقات خزنها ونقلها ، أما
الكسب الغائب فيتمثل بما كان للبائع تحقيقه
من ربح اكبر فيما لو قام ببيع البضاعة الى مشتر آخر .
ولايمكن للطرف المضرور المطالبة بالتعويض عن الخسارة
التي لحقت به والتي كان يمكن ان يتجنبها بأتخاذ اجراءات معقولة ، فالمتعاقد الذي يكون
بأمكانه تجنب الخسارة ولايفعل عليه ان يتحمل ما صدر منه من إهمال في تجنب الخسارة
. لذلك يكون للطرف المخل بالتزامه ان يطالب
بتخفيض مقدار التعويض بمقدار الخسارة التي كان يمكن للطرف المضرور ان يتجنبها باتخاذ
بعض الاجراءات المعقولة والمناسبة وفقاً للظروف(162) .
بالاضافة لما تقدم فأن اتفاقية فيينا قد اعتمدت
طريقة اخرى لتعويض الطرف المضرور في حالة اعلان فسخ العقد نتيجة ارتكاب احد المتعاقدين
مخالفة جوهرية ، بالأضافة الى القاعدة العامة في تقدير التعويض والتي اعتمدتها الاتفاقية
في المادة (74) منها والتي يمكن الرجوع اليها في جميع الحالات التي يلحق فيها ضرر بأحد المتعاقدين سواء فسخ العقد أم لم يفسخ . وتتجسد
هذه الطريقة الخاصة للتعويض بما يسمى بنظام الصفة البديلة ، اذ تنص م (75) على انه
(اذا فسخ العقد وحدث على نحو معقول وخلال مدة معقولة بعد الفسخ ان قام المشتري بشراء
بضائع بديلة أو قام بأعادة بيع البضائع ، فللطرف الذي يطالب بالتعويض أن يحصل على الفرق
بين سعر العقد وسعر شراء البديل أو السعر عند اعادة البيع وكذلك التعويضلت الاخرى المستحقة
بموجب م74) .
يتضح من النص المتقدم ، بأنه اذا كان البائع هو المضرور
فأنه يستطيع الحصول على الفرق بين ثمن العقد الاصلي والثمن الذي حصل عليه عند اعادة
بيع البضاعة ، اذا كان هذا الثمن الأخير اقل من ثمن العقد الاصلي . اما اذا كان المشتري
هو المضرور فأنه يستطيع ايضاً الحصول على الفرق بين ثمن العقد الاصلي والثمن الذي دفعه
مقابل الحصول على البضاعة البديلة شريطة أن يكون هذا الثمن الأخير اعلى من الثمن الأصلي(163)
.
ويشترط لكي يعتد بسعر الصفقة البديلة ان يتم اجراءها
خلال مدة معقولة تبدأ بعد اعلان الفسخ مباشرة ، اذ ان التراخي في عقد الصفقة البديلة
قد يؤدي الى زيادة مقدار الخسائر التي قد تلحق بالطرف المضرور نتيجة تغير الاسعار ،
وتمتد هذه المدة المعقولة بعد الفسخ الى الوقت الذي يكون ملائماً وفقاً للظروف، ولكن
يجب ان لاتمتد طويلاً حتى يكون تقدير التعويض على اساس الفرق بين السعرين ملائما ،
وكذلك يجب ابرام الصفقة البديلة وفق نحو معقول فيكون البيع بأعلى سعر ممكن ان كان البائع
هو المضرور ، ويكون الشراء بأقل ثمن متاح أن كان المضرور هو المشتري ، هذا ولايشترط
ان يتم ابرام الصفقة البديلة بشرط الصفقة الاصلية ذاتها(164) .
ولكن ما الحكم اذا لم يقم الطرف المضرور بأبرام
الصفقة البديلة ؟ فهل ان السبيل الوحيد الذي يبقى امامه لجبر الضرر هو المطالبة بالتعويضات
وفق نص م (74) أم ان ثمة سبيل آخر ؟ الواقع من الامر ، فأن اتفاقية فيينا قد تعرضت
للفرض المذكور من خلال المادة (76/1) والتي تنص على انه ( اذا فسخ العقد وكان هناك
سعر جار للبضائع فللطرف الذي يطالب بالتعويض ، اذا لم يكن قد قام بالشراء او بأعادة
البيع بموجب المادة (75) ان يحصل على الفرق بين السعر المحدد في العقد والسعر الجاري
وقت فسخ العقد وكذلك التعويضات الاخرى بموجب م (74) . ومع ذلك اذا كان الطرف الذي يطلب
التعويض قد فسخ العقد بعد تسلمه البضائع ، يطبق السعر الجاري وقت تسلم البضائع بدلاً
من السعر الجاري وقت فسخ العقد ).
عليه فأنه اذا
فسخ العقد ولم يتم ابرام الصفقة البديلة من قبل الطرف المضرور وكان هنالك سعر جارٍ
للبضائع محل العقد ، فللطرف المضرور ان يحصل على الفرق بين السعر المذكور في العقد
والسعر الجاري وقت اعلان الفسخ ، مع احتفاظه بحقه في المطالبة بالتعويضات وفق نص م
(74) . هذا ويتم اعتماد المكان الذي كان من المفترض تسليم البضاعة فيه كمكان لتقدير
السعر الجاري ، واذا لم يكن للبضاعة في ذلك المكان سعراً جارياً فيتم تقديره في مكان
آخر يعد معقولاً مع مراعاة الفرق في تكلفة نقل البضاعة(165) .
الخاتمة
لقد توخينا من خلال هذا البحث دراسة فكرة المخالفة
الجوهرية للعقد ، وبيان حدودها وابعادها في واقع التعامل التجاري الدولي . وقد اعتمدنا
في ذلك اسلوب العرض والتحليل للنصوص الواردة في الاتفاقيات الدولية التي ابتدعت فكرة
المخالفة الجوهرية ونظمتها كأساس للفسخ . كما عقدنا المقارنة ، وفي اكثر من موضوع بين
نصوص تلك الاتفاقيات الدولية والنصوص الواردة في القوانين الوطنية دون اهمال للقرارات
القضائية والتحكيمية والآراء الفقهية التي قيلت بهذا الصدد مع ترجيح ما رأيناه ملائماً
منها واكثر استجابة لمتطلبات التجارة الدولية ،وقد توصلنا من خلال ماتقدم الى مجموعة
من النتائج لعل اهمها :
1-ان الاتفاقيات
الدولية المنظمة للتجارة الدولية هي التي ابتدعت فكرة المخالفة الجوهرية للعقد كأساس
لفسخه . اذ لم تعرف النظم القانونية الوطنية ومنها القانون العراقي ، الفكرة المذكورة
كأساس لفسخ العقد . وتحديداً فأن اتفاقية لاهاي للبيع الدولي للمنقولات المادية
1964 هي التي ابتكرت فكرة المخالفة الجوهرية لأول مرة ووضعت لها نظاماً قانونياً ربطت
من خلاله بين ارتكابها وفسخ العقد . اذ ان المادة (10) من الاتفاقية المذكورة تعتبر
ان المخالفة المرتكبة جوهرية وبالتالي تجيز للمضرور فسخ العقد اذا كان المتعاقد الذي
تخلف عن التنفيذ يعلم او كان ينبغي ان يعلم وقت ابرام العقد ان شخصاً عاقلاً من صفة المتعاقد الآخر وفي مركزه ما كان
ليرضى بأبرام العقد اذا علم بالمخالفة وآثارها . ويبدو جلياً ان الاتفاقية المذكورة
قد أعتمدت معياراً شديد الشخصية في تحديد مفهوم المخالفة الجوهرية مما أدى الى تعرضها
الى نقد شديد .
2- على اثر النقد
الذي وجه الى التعريف الوارد في اتفاقية لاهاي للمخالفة الجوهرية، تبنت اتفاقية فيينا فكرة المخالفة الجوهرية وجعلت
منها اساساً للفسخ. كما انها تمكنت من رسم حدود وابعاد فكرة المخالفة الجوهرية على
نحو يؤدي الى الحفاظ على العقد والتقليل من حالات فسخه . اذ تعرف م (25) من الاتفاقية
المخالفة الجوهرية بأنها : ( تكون مخالفة العقد من جانب أحد الطرفين جوهرية اذا تسببت
بألحاق ضرر بالطرف الآخر من شأنه ان يحرمه بشكل اساسي مما يحق له ان يتوقع الحصول عليه
بموجب العقد مالم يكن الطرف المخالف يتوقع مثل هذه النتيجة وما لم يكن أي شخص سوي الادراك
من نفس الصفة يتوقع مثل هذه النتيجة في نفس الظروف ).
3-اظهرت اتفاقية
فيينا في تعريفها للمخالفة الجوهرية ترجيحها
الضوابط الموضوعية بقياسها المنفعة التي يحق للمضرور الحصول عليها من العقد
، وتوقع الطرف المخالف الضرر الذي ينتج عن مخالفته ، بمعيار موضوعي يتمثل في علم شخص
سوي الادراك من صفة الطرف المضرور في الحالة
الاولى ، ومن صفة الطرف المخالف في الحالة الثانية ، اذا وجد في نفس ظروفه.
4- حرصاً من الاتفاقية
على مراعاة ظروف التجارة الدولية ، لم تستلزم لفسخ العقد اللجوء الى القضاء للابتعاد
عن التعقيدات التي تنجم عن ذلك ، كما هجرت نظام الفسخ بقوة القانون تحقيقاً للأستقرار
والوضوح ، واعتمدت نظام الفسخ بتوجيه اخطار الى الطرف المخالف . ويجب ان يكون هذا الاخطار
واضح الدلالة ، وان يتم توجيهه بالوسيلة التي تتناسب مع الظروف ، الا انها حملّت المرسل
اليه مخاطر أي تأخير أو خطأ في ايصال الاخطار وكذلك عدم وصوله .
5- وضعت الاتفاقية
قيوداً على استعمال حق الفسخ ، فأوجبت على المشتري الراغب في فسخ العقد لمخالفة جوهرية
ارتكبها البائع ان يقوم بفحص البضاعة في اسرع وقت ممكن تسمح به الظروف وان يخطر البائع
بما اكتشفه من عيب فيها . كما انها منعت المشتري من المطالبة بالفسخ متى عرض البائع
اصلاح العيب في المطابقة ، اذا تم تسليم البضاعة قبل الميعاد وعرض البائع هذا الاصلاح
ولم يترتب عليه مضايقة المشتري او تحميله نفقات غير معقولة ، حتى ولو كانت المخالفة
المرتكبة جوهرية . ويستمر هذا الحق في الاصلاح للبائع حتى حلول الميعاد المحدد اصلاً
للتسليم . ويقدم الاصلاح على الفسخ الذي لايجوز اللجوء اليه اذا توافرت شروط الاصلاح
.
6-ان الآثار التي
تترتب عن فسخ العقد وفقاً للاتفاقية هي ذاتها
الآثار التقليدية للفسخ، والتي تتجسد عموماً
في ابراء المتعاقدين مما يرتبه عليهما العقد من التزامات وثبوت الحق لكل متعاقد قام
بتنفيذ التزاماته كلها او جزء منها ان يطلب استرداد ما كان قد ورده او دفعه الى الطرف
الاخر بموجب العقد . كما تجيز الاتفاقية الجمع بين فسخ العقد والتعويض وتعتمد لتقدير
التعويض ذات القاعدة المعروفة في القوانين الوطنية .إذ يجب ان يقدر التعويض بمبلغ يعادل
ما لحق المتعاقد من خسارة وما فاته من كسب نتيجة ارتكاب المخالفة . كما ان الاتفاقية
قد اعتمدت نظاماً خاصاً لتقدير التعويض في حالة فسخ العقد هو نظام الصفقة البديلة ويتم
بموجب النظام المذكور تقدير التعويض على اساس الفرق بين سعر الصفقة الاصلية وسعر الصفقة
البديلة .
كما توصلنا من خلال البحث الى جملة توصيات اهمها
:
1- نرى ضرورة الأخذ
بوقت ارتكاب الاخلال بالالتزام لتقدير مدى توقع الطرف المخالف الضرر الجوهري الذي لحق
بالطرف الآخر ، مع الأخذ بعين الاعتبار كافة الظروف التي طرأت على السوق بعد ابرام
العقد ،وكافة المعلومات التي تصل الى علم احد المتعاقدين بعد ابرام العقد وقبل التنفيذ
ما دام لايوجد ما يحول دون قيامه بتنفيذ التزامه وفقاً لتلك التعليمات .
2- حسم موضوع الوقت
الذي يحدث فيه الاخطار بوقوع المخالفة أثره لما ثار من خلاف بهذا الصدد مع ضرورة الأخذ
بالرأي القائل بأن الاخطار يحدث اثره في وقت وصوله الى المتعاقد المخل بألتزامه
.
3-ضرورة أن يضمّن
المتعاملين في ميدان التجارة الدولية الاحكام الواردة في اتفاقية فيينا في عقودهم وان
يطبقوها في منازعاتهم. اذ الملاحظ ان الاحكام القضائية التي طبقت احكام الاتفاقية انما
قد طبقتها بأعتبارها القانون واجب التطبيق وليس لأختيار المتعاقدين لها .
4- أخيراً فأننا
ندعو المشرع العراقي الى اصدار قانون خاص بالتحكيم التجاري الدولي مستنيراً بأحدث الآراء
الفقهية والعملية في ميدان التجارة الدولية وبأحكام القانون النموذجي للتحكيم التجاري
الدولي الذي اعدته لجنة التجارة الدولية في الامم المتحدة ( اليونسيترال ) والذي اعتمد
في 21/حزيران 1985 وكذلك قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية المصري رقم 27
لسنة 1994 المعدل بالقانون رقم 9 لسنة 1997 وذلك لدقة احكامهما على نحو يستجيب لمتطلبات
التجارة الدولية بدلاً من الاكتفاء بست وعشرين مادة في قانون المرافعات المدنية رقم
83 لسنة 1969 النافذ والتي تناولت التحكيم بشكل عام ومقتضب دون أية اشارة الى التحكيم
الدولي .
بهذه النتائج والتوصيات نكون قد وصلنا الى تمام
البحث آملين ان تكون هذه الدراسة قد قدمت بعض الحلول لما يثيره موضوع المخالفة الجوهرية
من اشكالات وتساؤلات ، وان تساهم في تمهيد الطريق لدراسات قانونية جديدة بهذا الصدد
تستكمل مابدأناه في هذه الدراسة وتضيف اليها ما يجب اضافته ، والله الموفق .
..................................................
الهوامش
(1) كعقد النقل
وعقد التأمين وعقدالوكالة والحساب الجاري والاعتمادات المستندية وخطابات الضمان المصرفية
.
(2) هذا وقد تم
التوصل الى هذا المفهوم كحل توافقي لجميع الاقتراحات التي قدمت بهذا الشأن . انظر
:
M.will C.M.
Bianca , M.J.Bonell ,Commentary on the international sales law ,the 1980 Vienna
sales convention , Giuffre- Millan -1987- p.205.
(3) تقابلها م (157) مدني مصري .
(4) انظر د. عبد المجيد الحكيم – مصادر الالتزام- ط1
– بغداد – 1974 – ص424 ، انظر كذلك د. غني حسون طه – الوجيز في النظرية العامة للالتزام
– ك1 – بغداد – 1971 – ص384.
(5) ويتحقق الاخلال المبتسر بالعقد بكل تصريح يعلنه
المتعاقد او بكل فعل يصدر عنه يكشف عن نيته في عدم تنفيذ التزامه عند حلول أجله ، انظر
د. لبيب محمد شنب – الجحود المبتسر بالعقد – دراسة في القانون الامريكي مقارنة بالقانونين الفرنسي والمصري – مجلة العلوم
القانونية والاقتصادية – س2-ع2—القاهرة -1960-ص4.
(6) انظر د. حسن علي الذنون – النظرية العامة للالتزام
– جـ1- مصادر الالتزام – بغداد -1970 – ص204.
( 7) انظر م(211) من القانون المدني العراقي والتي تحدد صور
السبب الاجنبي بأنها الأفة السماوية – الحادث الفجائي – القوة القاهرة – فعل الغير
– خطأ المتضرر .
(8) انظر نص م (425 ) مدني عراقي .
(9) انظر عبد المجيد الحكيم – مصدر سابق ذكره – ص427
، انظر كذلك السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني – الجزء الاول – العقد – ط3
– دار النهضة العربية – القاهرة – 1981 – ص969.
(10) انظر د. سيف
الدين محمد محمود البلعاوي – جزاء عدم التنفيذ في العقود الملزمة للجانبين ( الفسخ
) – اطروحة دكتوراه – كلية الحقوق – جامعة القاهرة – 1984- ص240.
(11) انظر د. مصطفى عبد السيد الجارحي – فسخ العقد –
ط1 – دار النهضة العربية – القاهرة -1988-ص96.
(12) انظر د. سيف
الدين محمد البلعاوي – مصدر سابق ذكره – ص241
(13) انظر كذلك
م (7546 ) مدني عراقي اذ تنص على انه (( .... لايكون للمشتري الحق في الفسخ ... الا
اذا كان النقص – أي النقص في المبيع – قد جاوز الخمسة بالمئة من القدر المحدد للشيء
المبيع ).
(14) انظر د. عبد الوهاب علي بن سعد الرومي – الاستحالة
واثرها على الالتزام العقدي – القاهرة – 1994 – ص452 ، وانظر كذلك د.ثروت حبيب – دراسة
في قانون التجارة الدولية مع الاهتمام بالبيوع البحرية – ط1 – مكتبة الجلاء الجديدة
– المنصورة – 1975-ص342.
(15) وتجدر الاشارة
الى ان مصطلح ( شرط ) للدلالة على الحكم او الاشتراط الجوهري في تركيب العقد ، وهو
بذلك يختلف عن المعنى المألوف لمصطلح ( الشرط ) في نظامنا القانوني كوصف في الالتزام
، وهو أمر مستقبل غير محقق الوقوع والذي قد يترتب عليه وجود الالتزام ( الشرط الواقف
) او زواله ( الشرط الفاسخ ).
(16) فالمحكمة لاتنطق بالفسخ ، بل ان دورها ينحصر في
الكشف عما اذا كان ما صدر من المدين يعد اخلالاً بشرط من شروط العقد .
(17) (1) انظر
د. ثروت حبيب – مصدر سابق – ص343.
(18) انظر
:
Atiyah ( P.S.) the Sale of Goods – pitman Publishing – London – 8th edition – 1990-p.60.
(19) انظر
:
Atiyah ( op.cit ) – p.87.
(20) انظر
:
Carter ( J.W) – party outonomy and statutary
ruqulation – Sale of Goods journal of contract law – volume 6-Number2 – London
-1993 - p.101.
(21) انظر
:
Atiyah ( op.cit ) – p.56.
(22) تجدر الاشارة
الى ان هذه الاتفاقية تتكون من جزءين الاول هو متن الاتفاقية أو الاتفاقية في ذاتها
ويتكون من (15) مادة تنظم التزام الدول المتعاقد .بأدخال القانون الموحد ( ويمثل الجزء
الثاني من الاتفاقية ) في تشريعاتها الداخلية ، والاحكام التي يجوز للدول الاعضاء رفض
تطبيقها والمسائل التقليدية المتعلقة بالمصادقة على الاتفاقية والانضمام اليها والانسحاب
منها وتعديلها ، اما الجزء الثاني فهو القانون الموحد الملحق بالاتفاقية ويتكون من
(101) مادة تنظم بالدرجة الاساس الالتزامات الناجمة عن عقد البيع الدولي وجزاء الاخلال
بها ، لذلك فأن المقصود بعبارة ( هذا القانون ) الواردة في المادة (10) هو القانون
الموحد الملحق بالاتفاقية .
(23) انظر د.رضا
محمد ابراهيم عبيد – الالتزام بالتسليم في القانون الموحد للبيع الدولي للبضائع – اطروحة
دكتوراه – كلية الحقوق – جامعة القاهرة – 1974- ص519 ، انظر كذلك د. ثروت حبيب – مصدر
سابق – ص340 .
(24) انظر د. محسن
شفيق – اتفاقية لاهاي 1964 بشأن البيع الدولي للمنقولات المادية – القاهرة – 1973-
ص166.
(25) انظر د. رضا
عبيد – مصدر سابق – ص520 .
(26) انظر د. خالد محمد احمد عبد الحميد / فسخ عقد البيع
الدولي للبضائع – اطروحة دكتوراه – كلية الحقوق – جامعة القاهرة – 2000-ص48 .
(27)هي مجموعة
قواعد ومبادئ اساسية لعقود التجارة الدولية قام بوضعها المعهد الدولي لتوحيد القانون
الخاص في روما ، ولاتطبق هذه المبادئ على العقد
ما لم يتفق الاطراف صراحة على ذلك ، وتهدف تلك المبادئ الى وضع مجموعة متوازنة من القواعد المعدة للتطبيق في جميع انحاء العالم بغض
النظر عن الظروف القانونية والسياسية والاقتصادية للدول التي تطبق فيها ، انظر د. ابو
العلا علي ابو العلا النمر – دراسة تحليلية لمبادئ معهد روما ( اليونيدروا ) المتعلقة
بعقود التجارة الدولية – ط1 – دار النهضة العربية – القاهرة – 2000-ص37.
(28) وتجدر الاشارة
الى ان معظم الانظمة قانونية تقيم مسؤولية
المتعاقد المخل بالتزام على فكرة الخطأ ، فلا يعد عدم تنفيذ الالتزام الا قرينة على
هذا الخطأ وهي فرينة غير قاطعة تقبل اثبات العكس فيجوز للطرف المخل اثبات عدم ارتكابه
الخطأ للتخلص من المسؤولية .
انظر نص م
(168 ) مدني عراقي ، م(210) مدني مصري ، م (1148) مدني فرنسي ، للمزيد من التفصيل انظر
د. لطيف جبر كوماني – مسؤولية البائع في البيوع البحرية – بغداد – 1982-ص150 ومابعدها
.
(29) ويشترط لتطبيق العرف في ميدان التجارة الدولية علم
الطرفين بوجوده علماً حقيقياً أو مفترضاً متى كان معروفاً على نطاق واسع ومراعى بأنتظام
في التجارة الدولية بين الاطراف في العقود المماثلة السارية في نفس فرع التجارة ، ما لم يتفق على خلاف
ذلك. انظر م (9/1) من اتفاقية فيينا وقد يكون مصدر الالتزام هو التعامل السابق بين
المتعاقدين ، فأذا اعتاد الطرفان في تعاملهما على تعبئة البضاعة بطريقة معينة ، بحيث
استقر هذا التعامل بينهما فأنه يصبح التزاماً على البائع تعبئة البضاعة بذات الطريقة
في كل مرة وان لم يتفق على ذلك صراحة في العقد .
(30) قد يكون مصدر
التزام المتعاقدين احكام اتفاقية فيينا اذا أحال المتعاقدان صراحة اليها في تحديد جميع
التزاماتها او جزء منها ، او اذا كان المتعاقدان لم ينظما هذا الالتزام في العقد المبرم
بينهما وكانت الاتفاقية واجبة التطبيق ولم يكن هنالك عرف تجاري او تعامل سابق بينهما
، انظر م (6) من الاتفاقية .
(31) د. محسن شفيق
– اتفاقية فيينا – مصدر سابق – ص120 ، وتجدر الاشارة الى ان اتفاقية لاهاي لم تشر صراحة
الى عنصر الضرر ، اذ انها تقيم فكرة المخالفة الجوهرية على فقدان المتعاقد كل مصلحة
مرجوة له من التعاقد بسبب المخالفة ، وهذا يعني دون شك الحاق الضرر بالمتعاقد الآخر.
فالفرق بين اتفاقتي فيينا ولاهاي هو ان الاولى تشترط صراحة ان يكون الضرر جوهرياً ،
اما الثانية فأنها لاتشير الى الضرر صراحة، بل تشير الى الحرمان من كل منفعة مرجوة
من التعاقد . فهي اذاً تشترط تحقق الضرر ولكن بشكل ضمني غير صريح ، كما انها تكتفي
بالضرر البسيط او غير الجسيم لتحقق المخالفة الجوهرية ، انظر د. رضا عبيد – دراسة في
القواعد الموحدة في البيوع الدولية – القاهرة – بلا دار نشر – 1996-ص334 ، محسن شفيق
– اتفاقية لاهاي ... – مصدر سابق ذكره – ص358.
(32) انظر د. محمد حسين عبد العال – التنظيم الاتفاقي
للمفاوضات العقدية – دار النهضة العربية – القاهرة – 1998 –ص142.
(33) انظر د. خالد محمد احمد – مصدر سابق – ص69.
(34) محسن شفيق – مصدر سابق – ص178 .
(35) محسن شفيق
– مصدر سابق – ص179.
(36) د. خالد محمد احمد عبد المجيد – مصدر سابق –ص71.
(37) د. محسن شفيق
– مصدر سابق – ص120 .
(38) وبذلك فان اتفاقية فيينا تشترط في الشخص العاقل
بهذا الصدد ان يكون من صفة الطرف المخالف وان يكون بنفس ظروفه ، فأذا كان الاخير تاجراً
فيفترض ان يكون الشخص العاقل تاجراً يزاول اعمال التجارة الدولية ويمر بنفس الظروف
الشخصية والاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها الطرف المخالف ، لذلك فأننا نرى ان اتفاقية
فيينا لم تعتمد معياراً موضوعياً بحتاً بهذا الخصوص لأنها وان اعتمدت معيار الشخص العاقل
الا انها لم تهمل صفة المتعاقد المتخلف عن تنفيذ الالتزام وما يمر به من ظروف
.
(39) رضا عبيد – مصدر سابق – ص522 ، انظر كذلك د. سلامة فارس عرب
– دروس في قانون التجارة الدولية – بلا ناشر – القاهرة – 2000 –ص156، د. حسام الدين
عبد الغني الصغير – تفسير اتفاقية الامم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع –
دار النهضة العربية – القاهرة – 2001 – ص57.
(40) وتوجد الى
جانب هذه الالتزامات التزامات اخرى ثانوية يحددها العقد او العرف او احكام الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة
كالالتزام بأبرام عقد نقل البضاعة والالتزام بالتأمين على البضاعة كما في البيع سيف
، انظر نص م (302) من قانون التجارة العراقي النافذ.
(41) د. محسن شفيق
– مصدر سابق – ص134 ، عادل محمد خير – عقود البيع الدولي للبضائع من خلال اتفاقية فيينا-
ط1 – القاهرة – 1994 -ص80 ، د. ابراهيم اسماعيل – التسليم في البيوع البحرية – اطروحة
دكتوراه – كلية القانون – جامعة بغداد – 1997 – ص، د. مجيد العنبكي – قانون النقل العراقي
( المبادئ والاحكام ) – بغداد – 1984-ص199.
(42) د. محسن شفيق – مصدر سابق – ص133.
(43) د. محمود
سمير الشرقاوي – الالتزام بالتسليم في عقد بيع البضائع – دار النهضة العربية – القاهرة
– 1991-ص46.
(44) انظر نص م (79/1) اتفاقية فيينا .
(45) انظر نص م (79/3) اتفاقية فيينا .
(46) انظر د. عادل محمد خير – مصدر سابق - ص65.
(47) د. هاني محمد
دويدار – اشكالات تسليم البضائع في ظل قانون التجارة البحرية رقم 8 لسنة 1990 – دار
الجامعة الجديدة للنشر – الاسكندرية -1996-ص37.
(48) انظر هاني
محمد دويدار – مصدر سابق – ص37.
(49) انظر نص م
(52/1) اتفاقية فيينا .
(50) انظر نص م
(33/3) اتفاقية فيينا .
(51) انظر صفوت
ناجي بهنساوي – الالتزام بتسليم البضائع في عقد البيع الدولي – القاهرة – 1996-ص22-23.
(52) د. صفوت ناجي
نهنساوي – مصدر سابق – ص23 ويتحقق ذلك في نوع من العقود التي جاءت بها قواعد الانكوتيرمز-1980ويطلق
عليه (free Grrier
) وهو عقد بيع بتسليم البضاعة بأيداعها في
عهدة الناقل الاول .
(53) (ف1 م31
) اتفاقية فيينا .
(54) كما في عقد
بيع البضاعة تسليم مصنع حيث يتم تسليم البضاعة في المصنع الذي يتم تصنيعها فيه او عقد
بيع بضاعة تسليم مزرعة حيث يتم تسليمها في المزرعة التي تنتج فيها .
(55) انظر د. عادل محمد خير – مصدر سابق –ص80 .
(56) (ف2م31 )
اتفاقية فيينا .
(57)( ف3 م31
) اتفاقية فيينا وتجدر الاشارة الى انه اذا لم يكن للبائع مكان عمل فالعبرة تكون بمحل
اقامته المعتادة او بالمكان الذي يكون بينه وبين العقد وتنفيذه صلة وثقى . انظر نص
م (10 ) اتفاقية فيينا .
(58) انظر نص م
(80) اتفاقية فيينا .
(59) انظر نص م (86/1) اتفاقية فيينا .
(60) انظر نص م
(71/1) اتفاقية فيينا .
(61) د. احمد محمود حسني – البيوع البحرية – منشأة المعارف
– الاسكندرية – 1983 – ص309.
(62) انظر انواع المستندات بالتفصيل رسالة د. خالص نافع
امين – التزامات المشتري في البيع سيف – اطروحة دكتوراه – كلية القانون – جامعة بغداد
-1997 –ص121-131.
(63) تعرف المادة
(273/اولا) تجارة عراقي الاعتماد المستندي بأنه (عقد يتعهد المصرف بمقتضاه بفتح اعتماد
لصالح المستفيد بناءً على طلب الأمر بفتح اعتماد بضمان مستندات تمثل بضاعة منقولة او
معدة للنقل ).
(64) انظر عزيز
العكيلي – دور سند الشحن في تنفيذ عقد البيع كاف او سيف – القاهرة -1971 – ص80 ، د.
علي جمال الدين عوض – دور المستندات في تنفيذ البيوع البحرية – مجلة القانون والاقتصاد
– كلية الحقوق – جامعة القاهرة – العدد الثالث – السنة الثلاثون – 1960 – ص739 ، د.
محي الدين اسماعيل علم الدين – الاعتماد المستندي في الفقه والقضاء والعمل – القاهرة
– 1993-ص104.
(65) انظر خالد
محمد احمد عبد الحميد – مصدر سابق – ص96.
(66) د. احمد محمود
حسني – البيوع البحرية – مصدر سابق – ص420 .
(67) د. خالد احمد
عبد الحميد – مصدر سابق – ص102.
(68)انظر نص م
(37 ) اتفاقية فيينا .
(69) انظر نص م
(36/1) اتفاقية فيينا .
(70) انظر نص المواد
(67، 68 ، 69 ) اتفاقية فيينا .
(71) انظر نص م
(302/2) تجارة عراقي.
(72) احمد محمود
حسني – مصدر سابق – ص280.
(73) د. وليد علي
محمد عمر المحامي – الثمن في عقد البيع الدولي للبضائع – المكتب الفني للاصدارات القانونية
– القاهرة – 2001 –ص37.
(74) احمد محمود
حسني – مصدر سابق – ص391.
(75) خالد محمد
احمد عبد الحميد – مصدر سابق – ص184
(76) انظر نص م (58/1) اتفاقية فيينا .
(77) تنص م
(60 ) اتفاقية فيينا على انه ( يتضمن التزام المشتري بالأستلام مايلي 1- القيام بجميع
الاعمال التي يمكن توقعها بصورة معقولة لتمكين البائع من القيام بالتسليم .2-استلام
البضائع ).
(78) انظر نص م
(300/اولاً ) تجارة عراقي.
(79) انظر د. خالد
محمد احمد – مصدر سابق – ص121 ، وتجدر الاشارة الى ان اتفاقية لاهاي تختلف في موقفها بهذا الصدد عن
اتفاقية فيينا ، فالمادة (65) من اتفاقية لاهاي تلزم المشتري بالقيام بكل ما هو ضروري
لتمكين البائع من تسليم البضاعة ، وهذا يعني احتمال أرهاق المشتري بتكليفه بالقيام
بأعمال لاطاقة له بها ، انظر د. محسن شفيق – اتفاقية لاهاي للبيع الدولي للمنقولات
المادية – مصدر سابق – ص201.
(80) د. محسن شفيق
– مصدر سابق – ص202.
(81) وتجدر الاشارة
الى ان المشتري اذا مارس حقه في رفض البضاعة فأن عليه حيازتها لحساب البائع ، وعليه
اتخاذ كافة الاجراءات المناسبة للظروف لضمان حفظ البضائع من التلف . انظر م (86) اتفاقية
فيينا . اما قانون التجارة العراقي فأنه لم ينظم التزام المشتري بتسلم البضاعة بنصوص
تفصيلية واكتفى بالاشارة الى قيام المشتري بتسلم البضاعة في نصوص متفرقة في كل بيع
من البيوع التي تناولها . انظر على سبيل المثال م (305/ثالثاً ) فيما يتعلق بالبيع
سيف والمادة (315/اولا) فيما يتعلق بالبيع بشرط التسليم في مكان العمل والمادة
(326/اولا) في البيع بشرط الوصول بسلامة .
(82) انظر د. عبد
المجيد الحكيم – مصدر سابق– ص420 ، د. غني حسون طه – مصدر سابق– ص393، د. عبد الفتاح عبد الباقي – نظرية العقد والارادة
المنفردة – ط1 – بغداد – 1984 – ص611.
(83) انظر نص م (177/2) مدني عراقي وتقابلها م
(157/1) مدني مصري .
(84) انظر حسام
الدين كامل الاهواني – النظرية العامة للالتزام – جـ1- مصادر الالتزام – ط2 –
1995-ص411.
(85) انظر م
(256) مدني عراقي وتقابلها م (218) مدني مصري.
(86) م ( 207)
مدني عراقي .
(87) انظر د. خالد
محمد عبد الحميد – مصدر سابق – ص240.
(88) م ( 178)
مدني عراقي وتقابلها م (158 ) مدني مصري .
(89) م(179 ) مدني
عراقي وتقابلها م (159 ) مدني مصري .
(90) د.مصطفى السيد
الجارحي – مصدر سابق – ص121.
(91) كما في م
(26/2) والمادة (30/1، 2) من اتفاقية لاهاي 1964.
(92) حسام الدين
عبد الغني الصغير – مصدر سابق -ص159.
(93) شريف محمد
غنام – اثر تغير الظروف في عقود التجارة الدولية – دار النهضة العربية – القاهرة-1997
– ص280.
(94)د. خالد محمد
احمد – مصدر سابق – ص260.
(95) جمال محمود
عبد العزيز – الالتزام بالمطابقة في عقد البيع الدولي للبضائع – اطروحة دكتوراه –كلية
الحقوق – جامعة القاهرة-1996 – ص320.
(96) خالد احمد عبد الحميد – مصدر سابق – ص267 وانظر
كذلك
-ACHARD-Droit
Maritime Francois- paris -1989-p.113.
(97) جميل الشرقاوي
– محاضرات في العقود الدولية – دار النهضة العربية –القاهرة – 1997-ص204.
(98) محسن شفيق
– مصدر سابق –ص182.
(99)جمال محمود
عبد العزيز –مصدر سابق – ص380.
(100) انظر في
تفصيل هذه الحالات ، د. محمود سمير الشرقاوي – العقود التجارية الدولية-دار النهضة
العربية -القاهرة -2001 – ص158 ومابعدها ، د. صفوت ناجي بهنساوي –مصدر سابق -ص78-79.
(101) انظر في
تفصيل هذه الحالات محمود سمير الشرقاوي - المصدر
السابق – 214، انظر كذلك شريف محمد غنام –مصدر سابق –ص340.
(102) رضا عبيد
- مصدر سابق – ص385، انظر كذلك د. خالد احمد عبد الحميد – مصدر سابق – ص286، ويذهب
البعض ان فحص البضاعة هو حق للمشتري يكتسبه بعد تسلم البضاعة المبيعة ، مستندين في
ذلك الى بعض احكام التحكيم التي تؤكد ذلك ، انظر د. محمود سمير الشرقاوي – مصدر سابق
– ص361 ، انظر د. حمزة حداد – مصدر سابق –ص259 ، وانظر قضية التحكيم رقم 19 لسنة
1991 الصادرة عن مركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجاري الدولي .
في حين يذهب البعض الأخر الى ان فحص البضاعة ما
هو الا التزام يقع على عاتق المشتري شأنه شأن الالتزام بدفع الثمن والالتزام بتسلم
المبيع ، انظر د. رضا عبيد – مصدر سابق – ص380.
(103) د. حمزة
حداد – مصدر سابق – ص259 .
(104) د. محسن
شفيق – تفسير اتفاقية الامم المتحدة- مصدر سابق –ص152.
(105) د. احمد
محمود حسني – البيوع البحرية – مصدر سابق – ص273ومابعدها .
(106) م (38
/1) من اتفاقية فيينا .
(107) جمال محمود
عبد العزيز – مصدر سابق –ص285.
(108) م
(35/1) اتفاقية فيينا.
(109) م (35/2) اتفاقية فيينا .
(110) د.صفوت ناجي
بهنساوي – مصدر سابق – ص33.
(111) انظر خالد
احمد عبد الحميد – مصدر سابق – ص310.
(112) جمال محمود
عبد العزيز – مصدر سابق – ص211.
(113) د. محمد
حسام محمود لطفي – استخدام الاتصالات الحديثة في التفاوض على العقود /ابرامها – دار
النهضة العربية – القاهرة – 1993-ص6-7.
(114) انظر م
(13) اتفاقية فيينا .
(115) جمال محمود
عبد الزيز – مصدر سابق – ص214.
(116) انظر م
(27) اتفاقية فيينا .
(117) انظر م
(29/1) اتفاقية فيينا .
(118) خالد احمد عبد الحميد – مصدر سابق – 313.
(119) نقلاً عن
:
Final award in case No.5713 of 1989 – year Boo;
.Comnercial Arbitrotion – Volum 5- international council for Conmerial
arbitration –kluwar law international – p.70.
(120)م (29/2)
اتفاقية فيينا .
(121) انظر خالد
احمد عبد الحميد – مصدر سابق – ص321.
(122) م(29/1)
و م (43/1) اتفاقية فيينا .
(123)يحق للمشتري
اللجوء الى وسائل متعددة لمواجهة اخلال البائع منها المطالبة بالتنفيذ العيني او تخفيض
الثمن او الفسخ او التعويض .
(124) خالد احمد
عبد الحميد – مصدر سابق – ص323.
(125) م (40) اتفاقية فيينا .
(126) انظر محسن
شفيق –اتفاقية الامم المتحدة – ص159.
(127) انظر خالد
احمد عبد الحميد – مصدر سابق – ص324،وانظر كذلك شريف محمد غنام – مصدر سابق –ص344.
(128) نقلاً عن
خالد احمد عبد الحميد – مصدر سابق – ص331.
(129) م (30 )
اتفاقية فيينا .
(130) م (37) اتفاقية
فيينا .
(131)محسن شفيق
– اتفاقية فيينا - مصدر سابق – ص149.
(132) م
(48/1) اتفاقية فيينا .
(133) م (37) و
م(48) اتفاقية فيينا .
(134)محسن شفيق
– مصدر سابق –ص180.
(135) انظر م
(180) مدني عراقي وتقابلها م (159 ) مدني مصري – للمزيد من التفصيل انظر د. جعفر الفضلي
– الاثار المترتبة على انحلال عقد البيع- مجلة الرافدين للحقوق – ع14-2002-ص2ومابعدها
.
(136) انظر م
(78/1) اتفاقية لاهاي .
(137) انظر م
( 7-3-5) مبادئ اليونيدروا.
(138) تنص م
(81/1) اتفاقية فيينا على انه ( بفسخ العقد يصبح الطرفان في حل من الالتزامات التي
يرتبها عليها العقد مع عدم الاخلال بأي تعويض مستحق ولايؤثر الفسخ على أي من شروط العقد
المتعلقة بتسوية المنازعات او أي من احكامه الاخرى التي تنظم حقوق الطرفين والتزاماتهما
المترتبة على فسخ العقد ) ولاتتضمن اتفاقية لاهاي الاشارة الى الحكم الخاص ببقاء بعض
شروط العقد نافذة في حين تورد مبادي اليونيدروا الحكم ذاته من خلال نص م
(7-3-5/2).
للمزيد من التفصيل
انظر محمود سمير الشرقاوي – العقود التجارية الدولية – مصدر سابق – ص224ومابعدها
.
(139) انظر فوزي
محمد سامي – التحكيم التجاري الدولي – ط3- دار الثقافة للنشر والتوزيع – عمان
-1995 – ص207 ، انظر كذلك حسام الدين كامل الاهواني – مصدر سابق– ص423-424.
(140) جلال وفاء محمد ين – تسوية منازعات التجارة الدولية
من خلال اتفاقية الجات – دار الجامعة الجديدة للنشر – الاسكندرية -2002-ص48.
(141) انظر م
(23)من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية المصري والمادة (764) من قانون اصول
المحاكمات المدنية اللبناني و م (1446) من قانون المرافعات الفرنسي والمادة (178) من
قانون التحكيم السويسري .
(142) فوزي محمد سامي – مصدر سابق – ص214-215.
(143) انظر م (139) مدني عراقي وتقابلها م (143) مدني
مصري.
(144) م
(86/1) اتفاقية فيينا .
(145) م
(48/1) اتفاقية فيينا ..
(146) جعفر الفضلي
– الوجيز في العقود المسماة – البيع- الايجار – المقاولة – مطابع التعليم العالي –
الموصل -1989 –ص102 ، د. مصطفى عبد السيد الجارحي - مصدر سابق– 1988-ص139.
(147) خالد احمد
عبد الحميد – مصدر سابق- ص364 ، انظر كذلك
د. حمزة احمد حداد – مصدر سابق – ص354.
(148) تقابلها
م (160) مدني مصري ، اما القانون الانكليزي فلا يسمح عموماً بأعادة البضاعة ، ويأخذ
الرد فيه شكل التعويض المالي وكذلك الحال في القانون الامريكي الموحد (UCC ) الذي لايعرف حق الاسترداد ايضاً
، فأذا تم تسليم البضاعة ولم يقابله دفع الثمن فأن البائع لايكون له الا المطالبة بالثمن
، ولايجوز له بصفة عامة طلب استرداد البضاعة الا اذا كان تسليمها الى المشتري قد تم
بسبب صدور غش من هذا الاخير ، انظر :
R.S.Atiyah –the Sule of Goods ,op.cit- p429.
(149) م (86/1) اتفاقية فيينا .
(150) م (253)
مدني عراقي وتقابلها م (213) مدني مصري.
(151) د. جعفر
الفضلي – حقوق المشتري في حالة استحقاق المبيع – دراسة مقارنة – مجلة الرافدين للحقوق
– كلية القانون – جامعة الموصل – ع7 – ايلول -1999-ص71.
(152) الا ان الاعمال
التحضيرية للاتفاقية تظهر وجود ميل للأخذ بالسعر المعمول به في المكان الذي يوجد به
مركز اعمال البائع ، بأعتباره المكان الذي ينتفع فيه البائع بالثمن .
(153)م (83) اتفاقية
لاهاي 1964.
(154) لم تتضمن
اتفاقية فيينا بيان كيفية تقدير مقابل المنفعة ، وعند ذلك أما ان يؤخذ بالحكم الوارد
اعلاه ، او يترك الأمر الى حكم القانون الواجب التطبيق – انظر د. محسن شفيق –مصدر سابق
– ص367.
(155) تقابلها
م (160) مدني مصري.
(156) غني حسون
طه –مصدر سابق– ص391-392.
(157) خالد احمد
عبد الحميد – مصدر سابق – ص370.
(158) انظر نص
م (169/2) مدني عراقي وتقابلها م (221) مدني مصري .
(159) لطيف جبر
كوماني – مصدر سابق – ص180، خالد احمد عبد
الحميد – مصدر سابق –ص397.
(160) حسام الدين
عبد الغني الصغير – تفسير اتفاقية الامم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع –
دار النهضة العربية – القاهرة -2001-ص69.
(161) خالد احمد
عبد الحميد – مصدر سابق – ص395 – انظر كذلك :
Heuze – op.cit.p330.
(162) م (77) اتفاقية
فيينا .
(163) محسن شفيق - مصدر سابق – ص242، انظر كذلك خالد احمد
عبد الحميد – مصدر سابق – ص298.
(164) محسن شفيق
–مصدر سابق – ص242.
(165) م (77) اتفاقية
فيينا .
................................
**المصادر
المصادر باللغة
العربية
1- ابو العلا علي
ابو العلا النمر /دراسة تحليلة لمبادئ معهد روما ( اليونيدروا ) المتعلقة بعقود التجارة
الدولية /ط1/دار النهضة العربية/القاهرة /2000.
0 comments:
إرسال تعليق