حيث حل القطاع الخاص تدريجيا محل القطاع العام الذي تقلص دوره في النشاط الاقتصادي وفي توفير فرص العمل، بينما ترآز اهتمام الحكومة حول السعي نحو تهيئة المناخ الملائم لجذب الاستثمار المحلي والأجنبي.
آما زادت أهمية
الدور الذي يلعبه المجتمع المدني في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي الرقابة على
آل من الحكومة والقطاع الخاص. وقد اهتمت الشركات المحلية—أسوة بالشركات العالمية—بتقييم
الآثار المترتبة على نشاطها على العاملين بها
ومستوى رفاهيتهم،
وعلى المجتمع المحلي والبيئة المحيطة بها، ثم على المجتمع آكل، اقتناعا منها بأهمية
ذلك ومردوده على نشاطها واستثماراتها وأرباحها ونموها واستدامتها. ومع زيادة درجة الوعي
بالأثر السلبي للنشاط الاقتصادي على البيئة،
والدور الهام الذي
تلعبه وسائل الاتصال الحديثة في توعية المستهلكين. وفي ضوء الاهتمام بالتنمية البشرية
لرفع مستويات الإنتاجية سعى عدد من الشركات إلى تبني برامج فعالة للمسئولية الاجتماعية
تأخذ في الاعتبار ظروف المجتمع والتحديات التي تواجهه
. وفي واقع الأمر
يمكن القول إنه لازال هناك غموض وعدم دراية كافية من جانب من الأفراد والشركات والمجتمع
المصري آكل بمفهوم المسئولية الاجتماعية لرأس المال وأبعاده ومدى تطوره وآنا ذلك بمدى
فعاليته بلورته والإفادة منه. وفي ضوء ذلك،
ما هو المقصود
بالمسئولية الاجتماعية لرأس المال وما هو التطور التاريخي لهذا المفهوم؟ وما هي الدروس
المستفادة من التجارب الدولية في مجال المسئولية الاجتماعية لرأس المال؟ وما هي أهم
المبادرات المحلية في هذا المجال؟ وما هي الدوافع التي تشجع الشركات على الاضطلاع بمسئوليتها
الاجتماعية وآنذاك التحديات التي تواجهها للقيام بدورها الاجتماعي؟ يمكن تقييم تجربة
الشركات المحلية في هذا المجال؟
وأخيرا، ما هو
الدور الذي تستطيع الدولة ومنظمات الأعمال والقطاع الخاص والشركات عابرة القارات أن
تلعبه لتنمية مبادرات المسئولية الاجتماعية في مصر؟
تزايدت الحاجة
للمسئولية المجتمعية لرجال الأعمال بشكل كبير في مصر في أعقاب ثورة 25 يناير 2011،
نتيجة لما شهدته مصر من حالة عدم استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي، وحاجة مصر إلى تكاتف
مجتمعي للعبور من الأزمات، وكان الرهان كبير على دور رجال الأعمال لمساعدة المجتمع
المصري على النهوض من جديد.
وتوالت الدعوات
لرجال الأعمال المصريين مع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي للمساعدة في تحقيق تنمية اقتصادية
واجتماعية شاملة، باعتباره عمل إنساني وواجب وطني. ومع أن تلك الدعوات قد نالت استحسان
رجال الأعمال، فإن ذلك الملف ما زال ينقصه الكثير ويكتنفه الكثير أيضا من خلط المفاهيم
وربما الأدوار، إذ يكتنف مفهوم المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال خلطا كبيرا بين
مفهومي التبرع الخيرى والمسئولية المجتمعية. ويربط بعض رجال الأعمال التبرع بالزكاة
أو إطعام فقراء وتوفير ملابس أو خدمات لهم دون التطرق إلى مشروعات تنموية تغير المستوى
المعيشي للفقراء بشكل مستدام، فالأعمال الخيرية لها أوجه صرف محددة منصوص عليها في
الشريعة الإسلامية، ولكن المسئولية المجتمعية تتعلق بفكرة المساهمة في تحقيق التنمية
المستدامة، وذلك من خلال تبنى استراتيجيات وممارسات لإعلاء شأن القيمة الاقتصادية والبيئية
والاجتماعية في إطار نماذج وممارسات العمل الأساسية.
وعادة يتم تخصيص
ميزانية المسئولية المجتمعية من صافى ربح تلك المؤسسة، مما قد يسهم في مراقبة أوجه
صرف الميزانية بما يضمن تحقيق النزاهة والشفافية وتحقيق نتائج أكثر فعالية. وفى الواقع،
فإن الحكومة بذلت جهدًا كبيرًا لتشجيع رجال الأعمال لممارسة أدوارهم في المسئولية المجتمعية
من خلال آليات محفزة وفق إطار منظم.
وقد تضمن قانون
الاستثمار فى مايو 2017، بندًا خاص بالمسئولية المجتمعية للمستثمر، وتشير المادة
15 الفقرة الأولى من القانون المشار إليه، “يجوز للمستثمر تحقيقاً لأهداف التنمية الشاملة
والمستدامة تخصيص نسبة من أرباحه السنوية لاستخدامها فى إنشاء نظام للتنمية المجتمعية،
خارج مشروعه الاستثماري، من خلال مشاركته فى مجالات خاصة بحماية البيئة، الرعاية الصحية
أو الاجتماعية أو الثقافية، ودعم التعليم الفنى، والتدريب والبحث العلمي”.
وتضمن القانون
بعض الآليات المحفزة، حيث نص قانون الاستثمار على “يعد ما ينفقه المستثمر من مبالغ
فى أحد المجالات المنصوص عليها فى الفقرة السابقة بما لا يجاوز نسبة (10%) من أرباحه
السنوية الصافية من التكاليف والمصروفات واجبة الخصم وفقاً لنص المادة (23) (بند 😎 من قانون الضريبة على الدخل
الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005”. ولقد أدركت بعض الشركات أهمية المسئولية المجتمعية
من منطلق حقيقة أن تخصيص جزء من الأرباح لتنمية المجتمع وتطوير حياة أفراد البيئة المحيطة
من شأنه أن يعظّم أرباح الشركة وتوفير بيئة آمنة لممارسة الأعمال.
وبالتالى، تغيرت
وجهة النظر الخاصة ببعض رجال الأعمال لممارسة دورهم المجتمعى من الأعمال الخيرية بشكل
عام، إلى إدراك وجود جملة من الحوافز التى تشجع رجال الأعمال لممارسة دورهم فى المسئولية
المجتمعية، منها على سبيل المثال، تحسين سمعة الشركات مع إدراك أن ذلك ليس عملاً خيريًا،
ولكنه التزام لتطوير مؤسساتهم، وتزايد الثقة المتبادلة بين الشركات وأصحاب المصالح
لا سيما فى حالة الالتزام بالاعتبارات البيئية، وجذب العناصر البشرية المتميزة وبناء
علاقات قوية مع الحكومات مما يساعد على حل النزاعات وحسن إدارة المخاطر الاجتماعية
التى قد تترتب على الممارسات والأنشطة.
وفى خضم تفشى جائحة
كورونا في مصر منذ مارس 2020، اتجهت الأنظار إلى رجال الأعمال لمساندة مصر للعبور من
الأزمة الحالية، وبالفعل أسرع بعضهم إلى دعم جهود الدولة في مواجهة فيروس كورونا المستجد
وتقديم التبرعات لدعم القطاع الصحي والعمالة غير المنتظمة، باعتبارها أولوية قصوى،
وأعلن بعض رجال الأعمال استعدادهم للمساعدة في توفير لقاح لجائحة كورونا لغير القادرين
وقامت الحكومة بإبراز دورهم بالبيانات والأرقام الرسمية ونشرها على الجمهور، لتشجيعهم
على الاستمرار في تقديم الدعم. ومع ذلك، هناك جملة من التحديات التي قد تواجه رجال
الأعمال في الفترة المقبلة لممارسة دورهم المجتمعي، خاصة بأولوية الحفاظ على أجور العمالة
الموجودة لديهم أو جزء مناسب منها، في ظل تراجع المبيعات والذى يدفع للاستغناء عن جانب
من العمالة، بل يمكن أن يؤدى لإغلاق بعض الشركات.
وبالتالي، منح
الأولوية للتركيز على الحفاظ على أرباح الشركة أو تعظيمها للحفاظ على العمالة الداخلية
لمنع السقوط، من منطلق أنها شركات ربحية وليست خيرية.
وهذا يعنى عمليًا
أن الفترة المقبلة ستشهد تغيرات خاصة بتنظيم العلاقة بين رجال الأعمال والمجتمع المدني
لمنح الأولوية للعمالة الداخلية، وبشكل خاص قد يؤثر هذا فى العلاقة بين العاملين وشركاتهم
التى قد تتعرض لفقد الثقة بين كل الأطراف.
لذلك، فمن المهم
في الفترة التالية على الانتهاء من أزمة تداعيات كورونا، ألا يقتصر دور رجال الأعمال
على الأزمات فقط، بل لابد من بلورة رؤية واضحة نحو الدور الاجتماعي الذى تريد شركاتهم
أن تتبناه والقضية الرئيسية التي ستهتم بالعمل على معالجتها فى إطار تحقيق أهداف التنمية
المستدامة والشراكة الاستراتيجية بين القطاعين الخاص والحكومي والمجتمع المدني، وهو
أحد ركائز رؤية مصر 2030.
فنجاح الدولة في
التعامل مع التحديات الراهنة لا يمكن أن يحدث بالشكل المطلوب دون تكاتف الجميع ودون
قيام كل قطاع بما يجب عليه القيام به، وفى القلب منهم رجال الأعمال الذين توفر لهم
الأزمة الراهنة فرصة ذهبية لتصحيح الصورة النمطية التي ترسخت لدى الرأي العام بشأن
رجال الأعمال عبر العقود الماضية.
الثقافة مكون أساسي
ومحدد دقيق لهوية المجتمع، وتمثل الثقافة بمحتواها المادي وغیر المادي(الفكري) موجه
ً ا للسلوك، ومحددً ا له، وقد یتضمن محتواها غیر المادي عناصر تختص بالضبط الاجتماعي غیر الرسمي؛ ومن ثم تعد ملزمة
لأفراد المجتمع وجماعاته، والسلوك الإنساني
إن لم یكن مدعومً إلا بمكون ثقافي فلا یمكن أن یُرى مجسدً ا في مختلف أنماط السلوك الملحوظ. و القضاء على الفقر والجوع
أول أهداف التنمية المستدامة وَ فْ ق ما وضعته
الأمم المتحدة، والذي إذا تحقق یكون من المیسور تحقيق بقية الأهداف التي تُسهم كلها في تعزیز قوة المجتمعات واستدامتها. وتواجه
مصر مؤخرً ا عدة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية
تعالت على إثرها الدعوة إلى أن تتحمل الشركات مسؤوليتها الاجتماعية تجاه المجتمع، وتشارك الدولة في حل مشكلاتها الاجتماعية
والاقتصادية.
0 comments:
إرسال تعليق