أصبحت ظاهرة البحث والتنقيب عن الآثار وتهريبها للخارج وانتشار الرحالة الأجانب والمغامرين في مصر بحثا عن الآثار منتشرة بشكل كبير في بداية القرن التاسع عشر، لدرجة أصبحت القطع الأثرية تُعامل كالهدايا يهديها الأمراء والملوك للتجار والوجهاء والدبلوماسيين، الأمر الذى أصبح معه في غاية الخطورة والأهمية في ذات الوقت.
بحسب بيانات صادرة عن هيئة الثروة المعدنية، فإن عدد المواقع المعروفة
للذهب في مصر يبلغ أكثر من 120 موقعًا منذ أيام الفراعنة، تقع كلها بالصحراء
الشرقية، ويتخذ عدد من سكان المناطق القريبة والواقعة بالصحراء الشرقية عمليات
التنقيب العشوائي عن الذهب مصدرا للكسب والثراء السريع.
وحددت المادة (42) من القانون رقم 145 لسنة 2019 بتعديل بعض أحكام قانون
الثروة المعدنية رقم 198 لسنة 2014، عقوبة التنقيب العشوائي واستخراج أي خامات من
المناجم أو المحاجر دون ترخيص.
ونصت المادة على أن يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبالغرامة التي لا
تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على 5 ملايين جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من
استخرج خاما من خامات المناجم أو المحاجر أو المواد المصاحبة أو الأملاح دون ترخيص.
وتكون العقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنتين والغرامة التي لا تقل عن 250
ألف جنيه ولا تزيد على 5 ملايين جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين في حال تكرار
الجريمة.
الخطورة الحقيقية تكمن فيما شهده تراث مصر العريق من سرقة وتهريب في ظل
النظام الاخواني، حيث أصبحت عمليات النهب تتم بصورة علنية على مرأى ومسمع من
الجميع، دون أن تتدخل الشرطة لحماية آثار مصر، وربما يرجع عدم الاهتمام بها لما
يسيطر على فكر جماعة الإخوان والسلفيين من اعتقادات بأن هذه الآثار ما هي إلا أصنام
وأوثان يجب التخلص منها، فقد سبق وطالب القيادي السلفي مرجان سالم الجوهري نهاية
العام الماضي بتحطيم تمثال أبو الهول والتماثيل الموجودة في مصر، من أجل تطبيق
تعاليم الشرع، وهى إزالة الأصنام والأوثان، التي تعبد من دون الله.
تشهد منطقة شرق المتوسط حالة من الصراعات حول الاكتشافات الحديثة، وتُعد
منطقة شرق المتوسط من أكثر المناطق الجيوستراتيجية التي تشكل تهديدًا لمستقبل
الأمن والسلم الدوليين، وتستحوذ منطقة شرق المتوسط على أهمية جيوسياسية كبيرة لما
تمتلكه من مقدرات اقتصادية، وهو ما تسبب في تنامي الصراعات حول الاستفادة
منها
واتجاه بعض الدول مثل تركيا إلى
التدخل هناك لفرض أهدافها من خلال توقيع اتفاقية للتفاهم مع حكومة الوفاق الليبية
في نوفمبر 2019، في محاولة منها لشرعنه وجودها، ولكن من جهة أخرى فإن خريطة
التفاعلات بين دول منطقة شرق المتوسط تتشابك فيما بينهم وتتوحد حول رفض الدور
التركي الذي يهدد مصالح هذه الدول خاصة قبرص واليونان ومصر، ولإكساب عمليات
التنقيب المشروعية القانونية اتجهت الدول لترسيم حدودها البحرية، وفي هذا الإطار
وقعت مصر وقبرص اتفاقية لترسيم الحدود البحرية في ديسمبر من عام 2013م.
وهذه التفاعلات أوجدت حالة من التوافق
بين كل من مصر واليونان وقبرص حول التنسيق الجماعي من خلال توقيع الاتفاقيات
الثنائية من جانب ومن جانب آخر تفعيل مخرجات منتدى شرق المتوسط الذي أنشأته
القاهرة في يناير 2019، بشأن تنسيق سوق الغاز
وتحسين العلاقات الاقتصادية وتأمين العرض والطلب بين الدول الأعضاء، ولعل
هذا التوافق ساهم في مواجهة التدخلات التركية غير المشروعة من جانب ومن جانب آخر
وضع البنية القانونية اللازمة للاستفادة من هذه الثروات.
الآثار بشكل عام هي نتاج نشاط الإنسان في المكان والزمن، بمعنى أدق: هي كل
ما خلفه الإنسان منذ أن استقر وعاش في المكان على المدى الزمني، وتنقسم الآثار إلى
قسمين، الأول: يعرف بالآثار الثابتة في الموقع أو المكان،
وهذا النوع من الآثار تمثّله
الصروح الضخمة من البناء الثابت، ولا يجوز نقله أو زحزحته من مكانه أو اقتلاع
جذوره الراسخة؛ لأنه يمثل المعاني الحضارية التي يعبر عنها المكان، وتشمل المُدن
والأسوار والقلاع والمعابد والمقابر والسدود...الخ.
والقسم الثاني: ما يعرف بالآثار المنقولة، وهي غير ثابتة في الموقع، وهذا
النوع يمكن عرضه في مكانه أو نقله وعرضه في مكان آخر كالمتاحف، وبذلك تقدّم أفضل
رسالة وأحسن وسيلة تجسد عظمة الحضارة والمكان التي تنتمي إليهما، وتتمثل هذه
الآثار في قطع الحُلي والمباخر والتماثيل والعُملات والأسلحة والنقوش والمخطوطات
وغير ذلك من أدوات الحياة اليومية وأدوات الزينة. هذه باختصار هي الآثار وصحيح
أنها تمثّل تراثا إنسانيا عالميا، ولكنها قبل ذلك تمثّل هوية وانتماء وطنيا للبلد
والشعب الذي ازدهرت فيه تلك الحضارة.
فمثلاً، عندما نذكر حضارة مصر عبر مراحلها المختلفة نجد أن لها صدى لدى اليمنيين وواقعا خاصا
وشعورا بالفخر والاعتزاز أكثر من غيرها، لماذا؟ لأنه يشعر أنه ينتمي إليها، وأنه
موصول العراقة بها وجذوره تمتد آلاف السنين، فهو حفيد أولئك الناس الذين عمّروا
الأرض وأسسوا حضارة في بقعة لا تتوفر فيها الشروط الطبيعية لتأسيس الحضارة،
وبالتالي عندما ينظر ويشاهد
الآثار التي تركوها يعزز ويقوّي لديه هذا الانتماء، وأنه ليس وليد اليوم أو الأمس
القريب، وعلى العكس من ذلك فمن يقوم بتخريب وتدمير الآثار مستحيل أن يكون شخصا
سليما في سلوكه وعلاقته مع مجتمعه ووطنه،
بل نجده مريضا يشعر بعدم الانتماء
لمن حوله أو لوطنه، إلى جانب أنه ضعيف الإيمان، والوازع الديني لديه معدوم. فالله
سبحانه وتعالى أمرنا أن نبحث ونتأمل في أحوال وآثار الأولين ليزداد علمنا وإيماننا
به سبحانه وتعالى، ولم يأمرنا أن ندمّر ونخرّب؛ لأن ذلك لا يؤدي إلى العلم
والإيمان.
• ما تأثير تدمير وتهريب الآثار على الحضارات؟
- هناك تأثير كبير جداً على الحضارة، وبدون أن ندخل في التعريفات المختلفة
للحضارة يكفي أن نعرف باختصار أن الحضارة تمثل مجمل النشاط الإنساني، وهي نتاج
تفاعل الإنسان مع البيئة الطبيعية. وأن الآثار هي الدليل المادي لتلك
الحضارة،
ويسبب تدمير الآثار أو تخريبها تأثيرا كبيرا على فهم ودراسة أي حضارة،
فالآثار هي السجل والكتاب الذي يستنطقه عالم الآثار، ويعيد من خلالها كتابة
التاريخ، وإبراز ما أنجزته من إنجازات حضارية،
وهكذا يؤدي التخريب والتدمير أو الطمس والتشويه إلى إهدار وزوال الكثير من
الثروة الأثرية، وبالتالي ضياع كم كبير من المعلومات والدلائل الحضارية، ومن ثم
تفقد سلسلة التاريخ بعض الحلقات يصعب استكمالها، كما هو حاصل للتاريخ المصري
القديم الذي ضاعت منه صفحات كثيرة نتيجة التخريب والتدمير والسرقة التي تتعرض له
الآثار المصرية من قبل عديمي الضمير والانتماء والإيمان، أنهم لصوص وخونة نتيجة ما
ارتكبوه بحق الوطن.
أبرز العقوبات التي تضمنها القانون لتحقيق الردع العام علي النحو الاتي :
1- عاقب القانون، بالسجن المؤبد وغرامة لا تقل عن مليون جنية ولا تزيد علي
10 ملايين جنية كل من قام بتهريب أثر إلي خارج جمهورية مصر العربية مع علمه بذلك،
ويُحكم في هذه الحالة بمصادرة الأثر محل الجريمة والأجهزة والأدوات والآلات والسيارات
المستخدمة فيها لصالح المجلس الأعلى للأثار.
2- عاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن مليون جنية ولا تزيد علي 5
ملايين جنية، كل من سرق أثراً أو جزءاً من أثر سواء كان الأثر من الاثار المسجلة
المملوكة للدولة أو المعدة للتسجيل أو المستخرجة من الحفائر الأثرية للوزارة، أو
من أعمال البعثات والهيئات والجامعات المصرح لها بالتنقيب وذلك يقصد التهريب.
3-السجن المشدد لكل من قام بالحفر خلسه أو بإخفاء الأثر أو جزء منه بقصد
التهريب، ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأثر والأجهزة والأدوات والآلات
والسيارات المستخدمة في الجريمة لصالح المجلس الأعلى للأثار.
4-السجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد علي 7 سنوات وبغرامة لا تقل عن 500
ألف جنية ولا تزيد علي مليون جنية لكل من قام بهدم أو أتلف عمداً أثراً منقولاً أو
ثابتا أو شوهه أو غير معالمة أو فصل جزءاً منع عمداً، أو أجرى أعمال الحفر بقصد
الحصول علي الاثار دون ترخيص، وفي هذه الحالة يتم التحفظ علي موقع الحفر لحين قيام
المجلس الأعلى للأثار بإجراء أعمال الحفائر علي تفقة الفاعل، وتصل العقوبة إلي
السجن المشدد والغرامة التي لا تقل عن مليون جنية ولا تزيد علي مليوني جنية إذا
كان الفاعل من العاملين بالوزارة أو المجلس أو الهيئة المختصة، أو من مسئولي أو
موظفي أو عمال بعثات الحفائر أو من المقاولين المتعاقدين مع المجلس أو مع عمالهم.
5- عقوبة السجن المشدد وبغرامة لا تقل عن مليون جنية ولا تزيد علي مليوني
جنية كل من سرق أثراً أو جزءاً من أثر مملوك للدولة، وتكون العقوبة السجن المشدد
لمدة لا تجاوز 7 سنوات وذات الغرامة لكل من أخفي الاثر أو جزءا منه إذا كان
متحصلاً من أي جريمة، ويحكم في كافة الأحوال بمصادرة الاثر والاجهزة والادوات
والسيارات المستخدمة فيها لصالح المجلس الأعلى للأثار.
6- عاقب القانون بالسجن مدة لا
تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 7 سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنية ولا تزيد علي
مليون جنية كل من : نقل بغير إذن كتابي صادر من المجلس الأعلى للأثار أثراً
مملوكاً للدولة أو مسجلاً أو تزعه عمداً من مكانه، أو حول المباني أو الأراضي
الاثرية أو جزءاً منها إلي مسكن أو حظيرة أو مخزن أو مصنع أو زرعها، أو أعدها
للزراعة أو غرس فيها أشجاراً أو اتخذها ( جرنا) أو شق بها مصارف أو مساقي أو أقام
بها أي اشغالات أخرى أو اعتدي عليها بأي صورة كانت بدون ترخيص طبقا لأحكام
القانون، أو زيف أثراً بقصد الاحتيال.
7-عاقب القانون بالحبس مدة لا تقل
عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 الاف ولا تزيد علي 500 ألف جنية أو إحداهما لكل من وضع
علي الاثر إعلانات أو لوجات للدعاية، أو كتب أو نقش علي الاثر أو وضع دهانات عليه،
أو شوه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءا ًمنه، أو استولي
علي أنقاض أو رمال أو مواد أخرى من موقع أثري أو أرض أثرية دون ترخيص من المجلس أو
تجاوز شروط الترخيص الممنوح له في المحاجر، أو اضاف إلي الاراض أو الموقع الاثري
رمالا أو نفايات أو مواد أخرى، ويحكم بالزام الجاني بتكاليف رد الشيء لاصلة والتعويض
الذي تقدره المحكمة
*كاتب المقال
دكتور القانون العام
عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا
مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب
الأزهر والصوفية
مستشار تحكيم دولي محكم
دولي معتمد خبير في جرائم امن
المعلومات
نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا
عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة
عضو منظمة التجارة الأوروبية
عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان
محاضر دولي في حقوق الانسان
0 comments:
إرسال تعليق