لا يخفى على الإنسان ما ﻷهمية
العنوان ﻷيّ عملٍ أدبيّ ٍ في إبراز محتوى المجمل العام للعمل اﻷدبي، لما لذلك من اﻷهمية،
لكن تأتي حالاتٌ يكون عنوان العمل اﻷدبي في حالةٍ من الغموض والإبهام، كما هو
الحال في هذه الرواية التي بين أيدينا " يورو فيجن"، والذي يثير نزعة
الفضول لدى المتلقّي، في فكّ شفرة هذا العنوان، فهو يحمل الكثير من الدلالات
والإشارات .
وتعيش أحداث هذه الرواية بأبطالها
واقع الحقيقة البعيدة عن الخيال المفرط الذي تميزت به بعض الروايات، فهي روايةٌ
تحمل في طياتها قضيةً في أُطرٍ ثقافيةٍ مسيّسة، سعى لإبرازها السّارد المؤلف في
إسلوبٍ متميزٍ لتصل بالقارئ إلى المبتغى، وإلى طرف الخيط الذي يفكّ شفرة العنونة
الغريبة.
فقد كانت رواية السيد فاروق مسرحًا
لأحداثٍ كانت ومازالت تضجّ مضاجعنا. وعلى أرصفة شواهدها قامت قيامة العاطفة
والتّسيس الثقافي المركب،
ومن جانبٍ آخرٍ بزغت شمس الحبّ اﻷربعيني
والخمسيني الناضج الذي غالبًا ما يكون هو الحبّ الحقيقي الذي قد اختاره العقل
والقلب معًا، فقد بلغ سن الرشد الوجداني يصوره السّارد الرّوائي سيد فاروق في
مشهديةٍ من أغرب المشاهد، ويكشف فيه عن تلك التضاريس الشاقة، والجدليات المترادفة.
كيف وقعت ولماذا وما هي النتائج
المأساوية لهذه الرواية؟
فعملية الاستباق الداخلي في معطيات الرواية Prolepse Inter تخلق ثمّة ارتباطٍ بين
الرواية والواقع الحدثي المعاصر، في عملية استرجاعٍ Analepsis لأحداثٍ قامت على مسرح الحياة والواقع.
وقد تميّز النّصّ السّردي بلغةٍ وسطى تخلو من
التعقيد
" In a middle language
free of complexity"
المنطوي على الإبهام على عكس عنونة الرواية
المبهم في عمليةٍ أدبيةٍ تناسقيةٍ تشير إلى ما يتّصف به السّارد من الذكاء، ومن
المُكنة السّردية، مما يجعل من الرواية
روايةً لها القدرة على خلق حالةٍ من الانفتاح الذهني لدى المتلقي، وروايةً تناسب
كافة طبقات الفكر المستقبلِ لمفرداتها، فنرى عملية الربط الدقيقة بين السّرد
والحدث في الرواية " The process of linking narration and even
"
والذي خلق حالةً من الايدلوجية الفكرية
المترابطة لدى السّارد الروائي، وبكلّ براعةٍ تلفت الأنظار، والذي تصوّر المدّ
الزمني لكلّ حدثٍ من أحداث هذه الرواية المثيرة! ، استطاع فيها السّارد إجادة
الحبكة الروائية المتماسكة
" The
narrative plot and the event "
ومن الحدث اﻷول إلى الحدث الخاتم للرّواية، حيث
شكّل ذلك وحدةً سردية متناسقة البنية السّردية، ومن اللبنة الأولى في بناء الجسر
السردي للرواية
" Narrative bridge of the novel "
والذي ينقل المتلقّي من حدثٍ إلى حدثٍ عبر
قاطرته السّردية وبكلّ إرادة الفعل لديه، وفي عملية إبرازٍ متقنةٍ للصور التكاملية
والتماثلية المتماسكة سردًا
وحدثًا في عملية تسلسلٍ مثيرةٍ للصور التكاملية
والتماثلية.
" The
integral and analog picture "
والتي تزيل الغموض عن عين وفكر
المتلقّي، وبصورةٍ تدريجية تجعله يخوض غمرات أمواج هذه الرواية الغامضة، لدرجة تصل
به إلى التصور بأنه أحدُ أبطالها .
ونرى في بداية هذه الرواية المثيرة،
ومن أول وهلةٍ يشدّ العنوانُ نظر القارئ وبشدةٍ
ويجعله يقف في دهشةٍ عن سرّ هذه
العنونة الغير عربية!؟
وفي تأويلات القارئ المتعددة لهذا العنوان
تدور أسئلةٌ وأسئلة، لماذا وكيف
وما وراء هذا العنوان من الخفايا !؟
كلّ الإجابات تكمن في فصوله الخمسة
عشر التي في طياتها من الجاذبية
المغناطيسية السردية الشيء الكثير، والتي تجعل هذه الرواية المثيرة تقف على
عدة محطاتٍ متغايرة اﻷحداث والمنعطفات، في سرديةٍ متماسكة اﻷطراف، رغم التغيرات
الحدثية الملتهبة لأبطال هذه الرواية، والتي تجعلهم يعيشون خارج الزمان والمكان
الذي هم فيه وداخله !! في أحداث رواية تمسّ الانسان العربي قبل غيره، وفي عالمها
المثير، وبصورةٍ تلقائيةٍ بعيدة عن الإنزياح الخيالي، والذي يعمد إليه بعض الرّوائيين لحشو الرواية.
تميز الفصل اﻷول من الرواية
بمستهلاتٍ من الأحداث والذكريات التي ولجت ﻷعمق أعماق البطلة اﻷربعينية العمر حور
، تلك الاستاذة الجامعية الجميلة،
والتي قضت أغلب سنوات عمرها بين
العلم والقلم، غير آبهةٍ بغيرهما،
إلى أن أخذتها المغنطسة العاطفية
وجاذبيتها اتجاه بطل الرواية الدكتور سالم، وبين سلبياتٍ وإيجابياتٍ دارت الدوائر .
أما الفصل الثاني والثالث من هذه
الرواية المثيرة تميز بصراعٍ عاطفيٍ بين حالة الصمت المضني، وانطلاقة البوح، بينما
يحدثنا الفصل الرابع عن قرارٍ مهمٍ قررت البطلة اتخاذه، كيف ولماذا هذا ما ستكشفه
أيام الرواية وأحداثها.
وعلى عتبات الفصل الخامس والسادس
تدور أحداث الرواية عن الحال التي آلت إليه الأمور الثلاثة المهمة لدى البطل
الدكتور سالم من انقلاباتٍ فكريةٍ وعاطفيةٍ ومهنية.
فهل ينتصر العقل على الحب ؟
وهل تنتصر العاطفة على الوطنية ؟
وما هي الإضاءات الفكرية التي
استخدمها بطل الرواية ؟
بينما نجد ما يميز الفصل السادس من
حدثٍ رهيبٍ يراه بطل الرواية من المحظورات التي تقلب الطاولة على بطلة القصة رأسًا
على عقب !!!
وتدور اﻷحداث في الفصل السابع على
تناطحاتٍ عموديةٍ ، وتمدداتٍ أفقيةٍ في حياة بطل الرواية د. سالم لا تخلو من
المجازفات.
يضعنا كاتب الرواية في الفصل الثامن
والتاسع في حالة شرودٍ وذهولٍ من العيار الثقيل خلف وتيرة التصعيد المفاجئ ضد بطلة
الرواية الدكتورة حور !! .
وعلى مفترق الطريق دارت أحداث الفصل
العاشر والحادي عشر بالمعاناة واﻷلم لبطلي القصة د.سالم ود. حور ، فهناك القيم،
الحب، الوجد، الصراع، الشوق، الشك، القرار، والوحدة القاسية، وفراغ الحب القاتل.
فعلى أيّ المحطات ستقف أقدامُ بطلي
الرواية ؟!!
هذا ما ستخبرنا به أيام الرواية
وأحداثها .
تحوم الشكوك واللاشكوك على مصراعي
الفصل الثاني عشر، صفعةٌ قاسية على وجه البطلة د.حور وشِباكٌ كانت مرصودةً عليها،
فهل وقعت البطلة دون علمها فيها؟
أم كان وقوعها فيها مع سبق الاصرار
والتعمد؟
أحداثٌ مثيرةٌ في روايةٍ من أروع ما يكون من
الروايات، أبدع فيها المؤلف برغم تشعباتها المتناثرة يمينًا وشمالًا.
فهناك تصاعداتٌ لتراجعاتٍ اقتصاديةٍ
خطيرة الاستراتيجية والمجابهة، تستدعي أخذ أقصى التّأهّبَ والاستعداد ، تدور أحداث
الرواية في الفصل الثالث عشر المملؤ بالمواجهات التي على عاتق بطل القصة الدكتور
سالم، والتي أثقلت حمل كاهله.
تصدّعٌ في مؤسسته التجارية، بلبلةٌ
في عمله، وريبورتاج اعلاميّ ٍ مناهضٍ
للغرب بقلمه، ضدّ بعض المنصّات الثقافية الغربية، قد تقلب الموازين هذه المرة على
رأسه هو .
وعلى عتبات الفصل الرابع عشر ردة
فعلٍ اتجاه د. حور من قِبل بعض المنظمات
هل من منطقةٍ وسطى بين الحرية والعبودية
!!
هذا ما ستواجهه بطلة الرواية د. حور .
وماهي الضريبة التي ستدفعها البطلة
بعد وضوح الرؤية لديها ؟
أما الفصل الأخير من الرواية فهناك
دخانٌ متصاعدٌ وتصدّعٌ به من الغرابة الشيء الكثير، ومن المفاجأت التي لم تخطر على
عقل وفكر القارئ
فكيف سيتصدى بطلا الرواية لها ؟!
وماهي الخاتمة ؟
وللقارئ البقية في استكشافها.
تمنياتي للأديب القدير الاستاذ السيد
فاروق بمزيدٍ من التألق الذي يدفع بقافلة الأدب العربي السّردي للسّير بأقدامٍ
ثابتة الخطى لا تقل عن الرواية الغربية.
0 comments:
إرسال تعليق